إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [101]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن قصة أصحاب الفيل حين أرادوا هدم الكعبة المشرفة، وكيف نالهم العقاب من الله سبحانه وتعالى، ثم أتبع ذلك بإجابات متنوعة على أسئلة متفرقة في أبواب الفقه والعقيدة وغير ذلك.

    1.   

    تفسير سورة الفيل

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الواحد بعد المائة والذي يتم في كل أسبوع في يوم الخميس, وهذا هو الخميس الثامن والعشرون من شهر ربيع الأول عام 1416هـ, نستعرض فيه استعراضاً خفيفاً لتفسير قول الله تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل:1] إلى آخر السورة, لأنها السورة التي وقفنا عليها سابقاً.

    فيقول الله سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل:1] يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم, أو يخاطب كل من يصح توجه الخطاب إليه, فعلى الأول يكون خطاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطاباً له وللأمة؛ لأن أمته تابعة له, وعلى الثاني: يكون الخطاب عاماً له ولأمته ابتداءً.

    وعلى كلٍ, فإن الله يقرر ما فعل سبحانه وتعالى بأصحاب الفيل, وأصحاب الفيل هم أهل اليمن الذي جاءوا لهدم الكعبة بفيل عظيم, أرسله إليهم ملك الحبشة , وسبب ذلك: أن ملك اليمن أراد أن يصد الناس عن الحج إلى بيت الله عز وجل, فبنى بيتاً يشبه الكعبة, ودعا الناس إلى حجه ليصدهم عن حج بيت الله, فغضب لذلك العرب وذهب رجل منهم إلى هذا البيت الذي جعله ملك اليمن بدلاً عن الكعبة, وتغوط فيه, ولطخ جدرانه بالقذر, فغضب ملك اليمن غضباً شديداً وأخبر ملك الحبشة بذلك, فأرسل إليه هذا الفيل العظيم قيل: وكان معه ستة فيلة لتساعده.

    فجاء هذا الرجل -أعني ملك اليمن - بجنوده ليهدم الكعبة على زعمه, ولكن الله سبحانه وتعالى حافظ بيته, لما وصل إلى مكان يسمى المغمس وقف الفيل وأبى أن يتجه إلى الكعبة, فزجره سائسه ولكنه أبى, إذا وجهوه إلى اليمن انطلق يهرول, وإن وجهوه إلى مكة وقف, وهذه آية من آيات الله عز وجل, ثم بقوا حتى أرسل الله عليهم طيراً أبابيل: تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قال العلماء: طيراً أبابيل أي: جماعات متفرقة, كل طير في منقاره حجر صلب من سجيل؛ وهو الطين المحروق، لأنه يكون أصلب, وهذا الحجر ليس كبيراً, بل هو صغير يضرب الواحد من هؤلاء مع رأسه ويخرج من دبره والعياذ بالله: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:5] أي: كزرع أكلته الدواب ووطأته بأقدامها حتى تفتت.

    هذا مجمل ما في هذه السورة العظيمة التي بين الله سبحانه وتعالى فيها ما فعل بأصحاب الفيل, وأن كيدهم صار في نحورهم, وهكذا كل من أراد الحق بسوءٍ؛ فإن الله تعالى يجعل كيده في نحره.

    وإنما حمى الله عز وجل الكعبة عن هذا الفيل, مع أنه في آخر الزمان سوف يسلط عليها رجلاً من الحبشة يهدمها حجراً حجراً حتى تتساوى بالأرض؛ لأن قصة أصحاب الفيل مقدمة لبعثة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي يكون فيها تعظيم البيت, ثم في آخر الزمان فإن أهل البيت إذا أهانوه وأرادوا به إلحاداً وظلماً ولم يعرفوا قدره حينئذٍ يسلط الله عليه من يهدمه حتى لا يبقى على وجه الأرض, ولهذا يجب على أهل مكة خاصة أن يحترزوا من المعاصي والذنوب والكبائر؛ لئلا يهينوا الكعبة فيذلهم الله عز وجل, نسأل الله تعالى أن يحمي ديننا وبيته الحرام من كيد كل كائد إنه على كل شيء قدير.

    1.   

    الأسئلة

    حكم حضور المناسبات التي فيها منكرات

    السؤال: قد تحدث مناسبات ويتعين على الشخص حضوره في مجلس, وقد يحدث في المجلس شيء من المنكرات مثل التدخين وغيره.. ولا يستطيع الإنكار, فهل يحضر؟

    الجواب: إذا دعي الإنسان إلى مجلس بمناسبة عرس أو دعوة عادية, وهو يعلم أن فيه منكراً فإن كان يستطيع أن يغيره, بحيث يكون الرجل المدعو له جاه ومنزلة في قومه؛ فإنه يجب عليه الحضور, لسببين:

    الأول: إجابة الدعوة.

    الثاني: إزالة المنكر.

    أما إذا كان يعلم أنه لا يستطيع أن يغيره, فإنه لا يجوز له الحضور؛ لأن من حضر المنكر فإنه مثل فاعله.

    وإذا حضر وهو لا يدري أنه سيكون هناك منكر, ثم رأى المنكر وجب أن ينصح ويتكلم فإن اُستجيب له فهذا المطلوب, وإن لم يستجب له وجب عليه أن يفارق المجلس, رضي من رضي وسخط من سخط؛ لأن رضا الله سبحانه وتعالى مقدم على رضا كل أحد.

    تفسير آيات الإشهاد على الوصية في سورة المائدة

    السؤال: أرجو من فضيلتكم شرح الثلاث الآيات من سورة المائدة وهي قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [المائدة:106-108]؟ وجزاكم الله خيراً!

    الشيخ: هذا السؤال هل أنت في حاجة إليه؟

    السائل: والله! أحب أن أعرف معناها؛ لأني اطلعت عليها في التفسير ووجدت كلام علماء فوق مستوانا.

    الشيخ: هذه الآية الكريمة تفيد: أنه إذا أراد الإنسان أن يوصي وحضره الموت, فإنه يشهد رجلين من المسلمين؛ لأن غير المسلم لا تقبل شهادته, لكن عند الضرورة لا بأس أن يشهد غير المسلم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ أي: من المسلمين, فيوصي ويشهد اثنين من المسلمين, ولا يشهد غير المسلمين, لكن عند الضرورة يشهد؛ ولهذا قال: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ثم ضرب مثلاً للضرورة: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أي: كنتم في سفر فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ يُشْهِدُ اثنين على الوصية: بأني أوصي كذا وكذا, سواء أوصى بدين عليه فقال: أشهدكم أن عليّ لفلان كذا وكذا, أو أوصى بتبرع, فيشهد هذين الاثنين من غير المسلمين, فإذا قدما إلى البلد وأردنا أن نستشهدهما فإننا نحبسهما من بعد الصلاة, أي: بعد صلاة العصر، وهذا الزمن مما تؤكد فيه الشهادة؛ لأنه آخر النهار والدعوة فيه مستجابة في الغالب, فنحبسهما من بعد الصلاة: فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ يحلفان عند الشهادة لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى, ولكن ذلك يكون إن ارتبنا في شهادتهما, أما إذا لم نرتب فلا حاجة إلى استحلافهما, لا نحلفهم: وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ .

    نعيد مرة أخرى, يقول: إذا كان الإنسان في سفر وأراد أن يوصي، بأن حضره الموت وعرف أنه سيموت, إما بحادث وبقي فيه رمق ويريد أن يتكلم, وإما بمرض أنهكه ويعرف أنه قرب أجله فإنه يشهد على وصيته اثنين من المسلمين, فإن لم يكن معه مسلمون ومعه من غير المسلمين أشهد اثنين من غير المسلمين للضرورة؛ لأنه ليس هناك وقت وهو يعرف أن أجله حضر، وليس هناك مسلم فللضرورة يشهد الكافرين, الكافران إذا قدما البلد ماذا نعاملهما عند الاستشهاد؟

    نحبسهما من بعد صلاة العصر, والحبس هنا ليس حبساً في السجون, لا، أي: نوقفهم, ونقول: احلفا بالله أنكما لم ترتكبا إثماً (فيقسمان بالله لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى) أي: لا نشهد شهادة باطل وزور ولو كانا أقرب قريب له: وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ أي: لا نخفي مما شهدنا به شيئاً: إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ , هذا هو الفصل الأول من القصة.

    فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً أي: إن تبين بعد ذلك أن شهادتهما باطلة: فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ ينظر أولى الناس بهذا الميت وهم أقرب الناس إليه وهم الذين يرثونه: فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ .

    وفي الآية الثانية قول آخر, ولا يحضرني الآن, لكن فيها قول آخر: أن الذي يحلف غير ورثة الميت, ونؤجل الكلام عليها إلى أن نطلع عليها إن شاء الله في كتب المفسرين.

    رفع الصوت أحياناً في الصلاة السرية خاص بالإمام دون المأمومين

    السؤال: ورد في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع بالآية والآيتين, فهل هذا التسميع خاص بالإمام أم هو عام للإمام والمأموم, وما هي ضوابطه؟

    الجواب: في حديث أبي قتادة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمعهم الآية أحياناً) والذي يسمع هو الإمام أحياناً, وهذا التسميع إما ليعلم الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ شيئاً بعد الفاتحة, وإما أن ينبه الناس بعض الشيء؛ لأنه إذا جهر الإمام في صلاة السر انتبه الناس.

    أما المأموم فإنه لا يجهر بشيء, لا بالتسبيح ولا بالقراءة ولا بالتكبير, ولهذا يخطئ بعض الناس في صلاة الجنازة خاصة إذا كبر الإمام لصلاة الجنازة رفعوا أصواتهم: الله أكبر، وبعضهم في تكبيرات صلاة العيد الزوائد, بعضهم إذا كبر الإمام: الله أكبر.. الله أكبر، رفعوا أصواتهم للتكبير، أعني المأمومين وهذا خطأ, المأموم يقرأ سراً، ويكبر سراً، ويسبح سراً، ويدعو سراً.

    حكم الفتاوى التي تصدر في المجلات والصحف العربية وغير العربية

    السؤال: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله: هناك من الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية تترك مجالاً للفتاوى, ولا يعرف من المفتي, وكل ما هنالك أن يقال: رئيس التحرير للصفحة الإسلامية, وتقرأ العجب العجاب في هذه الفتاوى, ومن آخرها حين سئل أحدهم: هل هناك مشاركة حسية للشيطان أثناء الجماع, فنفى ذلك نفياً قاطعاً بعقله, وقال: إن هذا من الخرافات, ثم أيضاً: أنكر أن يكون عمر عائشة رضي الله عنها في هذا السن وقت زواجها المبكر, بل إنه قال: إنها لم يعرف عمرها ولم يكونوا يعرفوا أعمارهم في ذلك الزمان, وصرح بأنه لا بد أن يكون عمرها بين (16) و(18) وتقرأ ضمن هذه الفتوى محاولات تبريرية كثيرة لما يشوهه الغرب أو يثيروا شبهات حول هذا الموضوع, وكثرت حقيقة وتوزع بشكل موسع, فالرجاء لفتة طيبة من فضيلة الشيخ حول هذين الأمرين بالذات؟

    الجواب: لا بجوز الاعتماد على الفتاوى التي تصدر في الصحف, سواء كانت باللغة العربية أو بغير العربية, يصدر فتاوى باللغة الأوردية وباللغة الإنجليزية كما قال الأخ, فلا يعتمد على الفتاوى التي تصدر في الصحف أو المجلات أياً كانت باللغة العربية أو غير العربية, إلا إذا علمنا أنها صدرت من عالم معروف موثوق بعلمه ودينه؛ لأنه مع الأسف صار اليوم يتصدر للفتوى من ليس أهلاً له, من يقول بلا علم، بل بمجرد هواه, ولا أقول بمجرد عقله؛ لأن العقل يقتضي بأن توكل الأمور إلى أهلها, ومن الذي يفتي الناس: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ [النساء:176] الفتوى من الله ورسوله عليه الصلاة والسلام, أو من علماء موثوقين في العقيدة، وفي العلم وفي الأمانة معروفين, لا تفرطوا في دينكم, العمل بالفتوى معناه: دين يتقرب به الإنسان إلى الله, وإذا كان الإنسان لا يأخذ دواءً يتداوى به إلا إذا وصفه له طبيب حاذق مأمون فكيف يأخذ فتوى إنسان لا يدري من هو، وقد يكون منحرفاً في عقيدته أو في سلوكه, أو ضائع ليس عنده علم إطلاقاً يتخبط.

    فنصيحتي لكل مؤمن يريد الحفاظ على دينه ألا يأخذه إلا ممن يثق به: ألا يأخذ بأي فتوى في الجرائد أو المجلات, إلا إذا صدرت من إنسان موثوق في عقيدته وفي علمه وفي دينه.

    وأيضاً: لابد فيمن يقدم الفتاوي في هذه الصحيفة أو المجلة أن يكون معروفاً؛ لأنه أحياناً تكتب فتاوى تنسب إلى زيد أو عمرو من الناس وهو لم يقلها, لكن هؤلاء الصحفيون إذا رأوا عالماً من العلماء يقتدي به الناس ويأخذون بقوله لطخوا به بأي فتوى يفتون, وهذا أيضاً لابد منه, إذاً: لابد من أمرين:

    الأول: الثقة بالجريدة أو المجلة.

    الثاني: الثقة بالمفتي -ما نقول: بالعالم قد يكون جاهلاً- بحيث يكون من العلماء المعروفين في عقيدتهم وعلمهم ودينهم.

    ونحن الآن لسنا نأخذ في الفتاوي في أمور دينية بيع وشراء وتجارة وارتهان, حتى نقول: الذي لم يصلح اليوم يصلح غداً, نأخذ دين ندين به لله عز وجل, نجعله طريقاً إلى الجنة, فلابد أن نعرف هذا.

    ولهذا يجب أن نحفظ ديننا, وألا نأخذه إلا من أهله, قال بعض السلف : [إن هذا العلم دين, فانظروا عمّن تأخذون دينكم].

    السائل: فتواه يا شيخ في عائشة ؟

    الشيخ: كل ما نقله من الفتاوي خطأ, وعائشة رضي الله عنها مشهور إن لم يكن متواتراً أنه تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة.

    وأنا قلت لكم الآن وأقولها: هؤلاء العقلانيون لم يمشوا على عقولهم أيضاً؛ العقل يقتضي ألا نأخذ الفتاوي إلا ممن هو أهل للفتوى, والفتوى من الله ورسوله, ليست من أي شخص.

    معنى الاتكاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا آكل متكئاً ...)

    السؤال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا آكل متكئاً) هل يدخل فيه الشرب, وهل الاتكاء مذموم مطلقاً، وما علة النهي؟

    الجواب: أولاً: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني لا آكل متكئاً) ليس نهياً, لكن فيه بيان أدب من آداب الأكل, ألا يأكل الإنسان متكئاً تأسياً بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأكل متكئاً لعله يترتب عليه محذوران:

    المحذور الأول: أن الأكل متكئاً يدل على أن فاعله عنده عنجهة, وكبرياء, وغطرسة.

    المحذور الثاني: أن الأكل متكئاً يأكل وهو مستريح, وربما يأكل كثيراً لأنه مرتاح مطمئن, ولهذا ألحق ابن القيم رحمه الله بذلك أكل الإنسان متربعاً، يعني: هكذا، يقول: لا تأكل هكذا، هذا من الاتكاء؛ لأن الإنسان إذا أكل هكذا يكثر الأكل, لكن الصحيح: أنه ليس من الاتكاء والاتكاء: أن يعتمد الإنسان على يده اليمنى أو اليسرى.

    فهذا السبب أن الرسول لا يأكل متكئاً لئلا يتمادى في الأكل ويكثر من الأكل, ومعلوم أن الأكل الكثير غلط في الشرع وفي الطب, أما الشرع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه -لقيمات للتصغير للتقليل- فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) ولو أن الإنسان عود نفسه هذه القاعدة من البداية لاستراح, وقلَّت التخمة عنده والسمنة، وقلّ الكسل, فهو يأكل الثلث، ويشرب الثلث، ويدع الثلث, وإذا جاع أكل, ليس معناه: لازم ألا تأكل إلا الفطور والغداء والعشاء, أنت قدّر الثلث للطعام، والثلث للشراب، والثلث للنفس, وإذا جعت فكل, هذا إن كان لا محالة, وإلا فاللقيمات تكفيك.

    لكن -كما تعلمون- كما تعودنا الآن أن الإنسان يأكل حتى يشبع شبعاً كبيراً, فتجده يكسل ويسترخي ويأتيه نوم, وربما يأكل أكلاً يعلم أنه يتأثر ويتأذى به، ويقول: نصبر -يعني: تصبر! لماذا تأكل؟- يقول شيخ الإسلام : إذا كان الإنسان يخشى من أكله تأذياً أو يخشى تخمة فإنه يحرم عليه الأكل. بمعنى: أنه يأثم.

    ولذلك ننصح إخواننا ونبدأ بنصيحة أنفسنا أولاً -أسأل الله أن يعيننا-: ألا نأكل كثيراً ولا نشرب كثيراً بل بقدر الحاجة, ثلث وثلث وثلث, وإذا جعنا، فالحمد الله الخير موجود.

    حكم صلاة المأمومين مع إمام لا يسجد في الصلاة لوجود عملية في عينه

    السؤال: فضيلة الشيخ: صلى رجل بعد أن أنهى عملية في عينه إماماً, ولم يعلم المأمومون أن به عملية في عينه, فعندما أراد أن يسجد لا يسجد على أساس أنه لا يقدر, والمأمومون لا يعلمون هل يسجدون؟

    الجواب: الصحيح أن هذا جائز؛ وذلك لأن هذا الإمام صحت صلاته، يعني هو يسأل ويقول: إمام عمل عملية في عينه، وكان لا يستطيع السجود، فكان يصلي بأصحابه وهو يومئ وهم يسجدون.

    نقول: لا بأس بهذا؛ لأنه ما دام صلاته صحيحة فصلاتهم صحيحة, وهو قد اتقى الله ما استطاع, وقد ورد قريب من ذلك: حيث صلّى النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً وهم قادرون على القيام, فقاموا خلفه فأشار إليهم أن يجلسوا فجلسوا, واستمر يصلي بهم.

    حال حديث: (اقرءوا على موتاكم يس)

    السؤال: فضيلة الشيخ: ما صحة الحديث: (اقرءوا على موتاكم سورة يس) نرى بعض الناس يقرءون سورة (يس) وهم ملتفون على القبر ويقرءون سورة (يس) وبعضهم يؤذن داخل القبر, ما صحة ذلك؟

    الجواب: أما الحديث: (اقرءوا على موتاكم يس) فإنه ضعيف, وإذا كان ضعيفاً فقد كفينا إياه, أي: لا نعمل به, وعلى قول من قال: إنه حديث حسن، فإنه لا يقرأ عند القبر, وإنما يقرأ عند الاحتضار, وقد قيل: إن قراءتها عند المحتضر تسهل خروج الروح لما فيها من ذكر الثواب لأهل الجنة والنعيم كقوله: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس:26-27] وكقوله: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ [يس:55] وتزيد الإنسان إيماناً بالبعث, مثل قوله: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس:78-79].

    فعلى كل حال: إن صح الحديث فالمراد قراءتها عند المحتضر, ويدل لهذا أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يبين بعضها البعض, فلم يرد مرة من المرات أنه قرأ (يس) عند القبر, ولا عند الذين ينـزلون القبر يقرءونها, وإنما كان يقول: إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل).

    ضابط مسافة القصر في السفر هو العرف

    السؤال: قصر السفر هل الاعتبار بالعرف، أم الاعتبار بالمسافة؟

    الجواب: قل: السفر المعتبر وليس القصر. هل المعتبر بالسفر العرف، أو المسافة؟

    أما رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فيرى أن المعتبر العرف فما سماه الناس سفراً فهو سفر, والسفر: هو الذي يشد الرحل إليه, ويحمل الطعام والشراب, ويودع ويشيع.

    وأما أكثر العلماء فيقولون: بأنه يقدر بالمسافة.

    وبناءً على ذلك أضرب لك مثلاً بـعنيزة وبريدة : المسافة التي بينهما دون المسافة التي حددها من يرى المسافة؛ لأن الذين حددوا المسافة جعلوها (81 كم), والمسافة من بريدة ما تبلغ (81) إلى عنيزة ، فعلى رأي من يرى أن السفر الذي يقصر فيه هو ما بلغ المسافة يقول: من سافر من عنيزة إلى بريدة فلا يقصر, وأما من يرى أن السفر ما اعتبره الناس سفراً فيقولون: من ذهب إلى بريدة من عنيزة ليؤدي عمله الحكومي في الضحى ويرجع إلى أهله يتغدى, فهذا لا يعد سفراً, لكن لو ذهب إلى أقاربه هناك ويريد أن يبقى عندهم يومين أو ثلاثة فإنه يعد سفراً, هذا هو اختيار شيخ الإسلام , ولا شك أن اختيار شيخ الإسلام هو الصحيح من حيث النظر؛ لأن الله قال: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101]، وروى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ صلّى ركعتين) وهذه أقل من المسافة التي يحددها من يحدد, فقول شيخ الإسلام من ناحية النظر هو الصحيح؛ لكنه غير منضبط في الواقع, أي: يبقى الناس حيارى.

    أما إذا حددت قلت: من سافر (81كم) و(300 م) فهو مسافر، صار الناس ما عندهم شك, فهو من حيث التحديد يكون أضبط للناس, لكن من حيث النظر لا شك أن ما يسمى سفراً فهو سفر, وما لا يسمى سفراً فليس سفراً، فيرجع إلى العرف.

    السائل: الذي يسافر أربعة أيام هل يعتبر مسافراً؟

    الشيخ: إي نعم.

    السائل: يقصر الصلاة؟

    الشيخ: يعني: سافر مثلاً إلى بلد مسافة قصر.

    السائل: سافر مسافة قصر ويريد أن يمكث شهراً.

    الشيخ: لا بأس بذلك، هو إذا سافر مسافة قصر وجلس في البلدة فهو مسافر, لو يبقى أربع سنوات, ما دام أنه لم ينوِ الإقامة المطلقة فهو مسافر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة, وأقام في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة ولم يحدد لأمته مدة معينة, وكان الصحابة رضي الله عنهم يسافرون إلى الثغور التي هي حدود الأراضي الإسلامية ويبقى الإنسان سنة أو سنتين قاضياً فيها ويقصر, وابن عمر رضي الله عنه حبسه الثلج في أذربيجان ستة أشهر وهو يقصر الصلاة.

    تكبيرة الركوع تغني عن تكبيرة الإحرام لمن أدرك الإمام راكعاً

    السؤال: رجل أتى إلى الصلاة والإمام راكع, فكبر تكبيرة الإحرام, فهل يلزمه تكبيرة أخرى؟

    الجواب: يقول العلماء: إذا أدرك الإمام راكعاً كبّر للإحرام ثم ركع, فإن كبّر للركوع فهو أفضل, وإن لم يكبرّ فلا حرج.

    ما ينتج بعد صلاة الاستخارة يكون شعوراً نفسياً وما يتيسر من العمل

    السؤال: فضيلة الشيخ: بالنسبة لصلاة الاستخارة إذا أراد الشخص أن يستخير الله في أمر, فيصلي صلاة استخارة ثم يدعو بعدها, بالنسبة لنتيجة هذه الاستخارة هل تكون نتيجة نفسية يعني: شعور نفسي برغبته بهذا الأمر, أم يكون اتكاله على الله في هذه الاستخارة، ويرى ما يرى الله فيه من خير؟

    الجواب: أولاً: صلاة الاستخارة لا تكون إلا في الأمور التي يتردد فيها الإنسان, أما ما عزم عليه فلا حاجة إلى الاستخارة, لأنه عزم وعزيمته هذه من الله هو الذي قدرها عز وجل, لكن إذا تردد يصلي الاستخارة, ثم إن تبين له رجحان شيء عمل به, وإن لم يتبين أعاد الاستخارة مرة أخرى.

    السائل: شعور نفسي؟

    الشيخ: شعور نفسي, وقد يرى الإنسان رؤيا تحمله على هذا أو هذا, وقد يتردد أحياناً ثم يقدر الله الأمر على وجه مباغت, وهنا نقول: إن الله تعالى لم يقدره على وجه مباغت وأنت قد استخرته سبحانه وتعالى إلا وهو خير لك.

    بيان معرفة أيام السفر وتأثيره على قصر الصلاة

    السؤال: بالنسبة لقصر الصلاة في السفر, بعض العلماء اشترط قال: إذا كان يعلم مدة سفره فيقصر واحداً وعشرين فريضة من غير أيام المسير, وبعض العلماء قالوا: إذا كان لا يعلم فيقصر إلى أن يرجع إلى بلده, فهل هذا صحيح؟

    الجواب: المسألة فيها -يا بني- واحد وعشرون قولاً للعلماء, لكن الراجح: أنه ما دام أنه لم يعزم على الإقامة المطلقة غير المقيدة فإنه يقصر, حتى ولو بقي أربعة أيام, ولو كان يعلم أنه سيبقى أربعة أيام أو خمسة أو عشرة أو أربعة شهور أو أربع سنوات, والتفريق بين كونه يعلم المدة أو لا يعلمها ليس عليه دليل؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قصر في تبوك عشرين يوماً وهو يعلم أنها لا تكفيه أربعة أيام, قطعاً, وأقام عام الفتح تسعة عشر يوماً في مكة يقصر, ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يمكث في هذه البلدة التي فتحها ويرسل إلى ما حولها ليهدم الأوثان أنه يكفيه أربعة أيام, ثم لم يقل يوماً من الدهر: يا أيها الناس! من عزم أن يبقى أكثر من أربعة أيام، فلا يقصر, ما قال هذا, بل قدم في حجة الوداع -آخر سفرة سافرها- في اليوم الرابع وجعل يقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة , وهو يعلم أن الناس يأتون قبل اليوم الرابع, هل كل الحجاج لا يأتون إلا من الرابع فما بعد؟ أبداً, من الحجاج من يأتي في أول الحجة، ومنهم من يأتي في ذي القعدة, ومنهم من يأتي في شوال الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] متى تبدأ؟ من شوال, هل قال لأمته وهو يعلم أن منهم من يأتي قبل اليوم الرابع: من قدم منكم قبل اليوم الرابع فعليه أن يتم؟ هذا أمر ما هو هين ... فلما لم يقل هكذا علمنا أن هذا الحديث الذي استدل به من يقدر بأربعة أيام أنه دليل عليه وليس دليلاً له؛ لأنه يقول: إن الرسول يعلم أن هناك من قدم قبل ذلك ومن يقدم بعد هذا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقل للأمة: يا أيها الناس! من قدم منكم قبل اليوم الرابع فعليه الإتمام.

    فالمهم أننا نقول: القصر معلق بالسفر فما دمت مسافراً فالقصر ثابت في حقك, ومسح ثلاثة أيام على الجوارب والخفين ثابت في حقك, والفطر في رمضان ثابت في حقك, إلا أننا نقول: الفطر في رمضان لك أن تفطر, لكنه لا ينبغي أن يأتي رمضان الثاني إلا وأنت قد أديت الواجب عليك, لماذا؟ لئلا تتراكم عليك الشهور، وتعرف إذا تراكمت أربعة شهور مثلاً صعب عليك أن تقضيها, فإذا كان إفطاره سبباً لعدم القضاء فليقض.

    السائل: هل القصر سنة أم واجب؟

    الشيخ: القصر سنة مؤكدة, وبعض العلماء يقول بالوجوب, أما إذا كان في بلد والناس يصلون ويتمون يجب عليه أن يصلي مع الناس ويتم, إلا لعذر.

    الفرق بين العالم والمفتي

    السؤال: فضيلة الشيخ: ما الفرق بين العالم والمفتي؟

    الجواب: العالم هو الذي عنده علم, وبعض العلماء يفتون والبعض يتورع ولا يفتي, يقول: الإنسان ضعيف. والمفتي هو الذي يفتي ولو بغير علم؛ لأن من الناس من يتصدر للفتوى وهو لا يعرف كوعه من كرسوعه، وهل تعرف كوعك من كرسوعك؟ فيه أبيات:

    وعظم يلي الإبهام كوع     وما يلي     لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط

    وعظم يلي إبهام رجل ملقب ببوع      فخذ بالعلم واحذر من الغلط

    الآن اليد في طرف الذراع لها ثلاث جهات: الجهة التي تلي الإبهام هي الكوع, والتي تلي الخنصر الكرسوع, والوسط الرسغ، أما هذا -أي: المفصل الذي بين العضد والساعد- فيسمى المرفق قال الله تعالى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6].

    مداخلة: عند العامة يسمى الكوع ...يا شيخ.

    الشيخ: العامة ليسوا بحجة.

    التفصيل في إمام مسجد يقول: لو رفعت هذه المكافأة لتركت إمامة المسجد

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما رأيكم بإمام مسجد يقول: لو رفعت هذه المكافأة -التي يأخذها شهرياً- لتركت الإمامة في المسجد, وما حكم الصلاة خلفه؟

    الشيخ: والله! لا ينبغي أن يقول هكذا, ولكن: (إنما الأعمال بالنيات)هل قصده أنها لو رفعت بقي بدون عيش فيذهب ويطلب العيش, فهذا ما فيه شيء؛ لأن الإنسان يأخذها ليستعين بها على نوائب الدنيا, أو قصده ليتخذها أجرة حتى ولو هو غني إذا رفعت المكافأة ترك الإمامة, لا فهذا لا شك أنه لا يؤجر على إمامته ولا ثواب له في الآخرة؛ لأنه أراد بعمله الدنيا, وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل قال لقومه وقد طلبوا منه أن يصلي بهم قيام رمضان قال: لا أصلي بكم قيام رمضان إلا بكذا وكذا، فقال الإمام أحمد رحمه الله: نعوذ بالله, من يصلي خلف هذا؟!!

    فالأعمال بالنيات؛ لكن ينبغي أن ينصح هذا الرجل: ما دمت مصلياً والإمامة لا شك أنها نعمة من الله عز وجل على العبد, وتعينه على أداء الصلاة, فاجعل النية لله, والراتب سيأتيك.

    الشهادة بالحق لا تكون إلا عن علم

    السؤال: رجلان ذهبا ليسلما على أحد القضاة, فلما دخلا عليه وجدا عنده رجلاً يدعي أن له أرضاً يريد أن يأخذ لها صكاً, فعندما دخل هذان الرجلان والقاضي يعرفهم, ويعرف أنهم ليس لهم علاقة بالموضوع, وأنهم أتوا فقط للسلام على القاضي, فقال: هذان يشهدان, فكتب القاضي وشهدوا وانتهت المسألة, وأخذ الرجل، والبلد التي فيها القاضي تبعد عن البلد التي فيها الأرض (500) كيلو, فما حكم شهادة هذين الشاهدين؟

    الجواب: والله! لابد أن تعرف أن الشهادة لا بد فيها من العلم: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86] لا بد أن يعرف الشاهد أن من شهد بحق لا بد أن يعلم, يعني الآن: لو أن رجلين أمامك ادعى أحدهما على الآخر مائة ريال, وأنكر الثاني, أنا أعلم أن المدعي صادق رجل عنده دين وأمانة وورع, وأن الآخر المنكر رجل خفيف الدين ولا يبالي أن ينكر ما يجب عليه, الآن أنا أعرف أن المدعي مصيب, أليس كذلك؟ هل لي أن أشهد؟ أنا أعرف أن الحق مع المدعي لأنه رجل ورع ودين, ولا يمكن أن يدعي ما ليس له, لكن هل لي أن أشهد بهذا الحق الذي أعتقده حقاً وأنا لا أعلم؟!

    لا أشهد، إذاً: لا يجوز لأي إنسان أن يشهد إلا بما علم أنه حق, حتى لو علم أن هذا حق لمقتضى حال المدعي لا يجوز أن يشهد, إلا إذا علم القضية بنفسه.

    على كل حال أنا أعلمتك الآن, فلا يجوز للشهود أن يشهدوا إلا بما علموا بأنفسهم مباشرة, ولا يجوز للقاضي أيضاً أن يكتب شهادتهما وهو يعلم أنهما لم يشهدا القضية.

    حكم إيراد السائل على العالم شبهات في العقيدة لأجل التعلم

    السؤال: هل يجوز للسائل إذا سأل العالم أن يورد عليه بعض الشبهات في العقيدة لأجل أن يعرف جوابها والردود عليها؟

    الشيخ: سؤال مهم. مثلاً إنسان قال: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش, فسأله فقال: استوى على العرش أي: علا عليه عز وجل علواً يليق بجلاله وعظمته, اقتنع أن معنى: استوى على العرش يعني: علا على العرش، ما هناك أي إشكال، لكنه أراد أن يورد الشبهات على الذي أفتاه خوفاً من أن أحداً من الناس يورد عليه هذه الشبهات فلا يعرف جوابها، أفهمتم؟ هذا صحيح، هذا طيب وجيد.

    فمثلاً: لو قال له: استوى على العرش، فجاء إنسان وقال: لا، استوى على العرش، أي: استولى على العرش؛ لأن الاستواء على الشيء لا يكون إلا لجسم أو لكذا.. وأتى بشبهات؛ فهذا طيب، لأجل تقول لنا: استوى استواء يليق بجلاله، لست أقول: استوى على العرش كما يستوي الإنسان على السرير أو على الدابة, استواءً يليق بجلاله وانتهى..

    وإذا أورد عليه شبهات أقول: هذه الشبهات مردودة عليه؛ لأن هذه الشبهات إنما تكون لو قلنا: بأن استواء الله على العرش كاستواء الإنسان على السرير أو على البعير أو على الفلك, أما إذا قلنا: استواء يليق بجلاله عز وجل, فهذا لا إشكال فيه, وهذا طيب.

    أنا أيضاً أنصح كل طالب علم ليس عنده مادة قوية يستطيع أن يجادل بها: أن يورد ما يمكن من الشبهات على من هو أعلم منه من أجل أن يجيب عليه, ثم إني أيضاً أنصح العالم الذي عنده علم إذا أوردت عليه مثل هذه الشبهات -لأن بعض العلماء ربما إذا أورد عليه هذه الشبهات ربما يظن أن هذا السائل يريد أن يجادله, أنا أنصح أيضاً العلماء- أن تتسع صدورهم, ربما يكون هذا الذي أورد الشبهات أنها شبهات قد أوردت عليه من قبل فيريد أن يحلها، أو يخشى أن تورد عليك في المستقبل فيريد أن يعرف جوابها.

    فالحاصل: أن هذا سؤال مهم وجيد, وأنا أوافق على أنه ينبغي أن نورد كل ما يمكن أن يكون شبهة سواء كانت وردت عليه من قبل أو يخشى عليه أن تورد في المستقبل.

    وقد قال الإمام مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) وهذا هو الحق.

    مداخلة: لماذا لا يجيب على الكيف؟

    الشيخ: قال: الكيف مجهول. الاستواء معروف: هو العلو على الشيء بصفة مخصوصة, هذه الصفة التي هي الكيفية هل هي معلومة؟ لا, إذاً لا يجوز أن نتكلم فيها أو نتحدث, ولا يجوز أن نقيسها على استوائنا نحن على البعير أو على السرير أو على الفلك, والله قال: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [الزخرف:12-13], لو قال لك قائل مثلاً: شخص استوى على بعير, يتحدث ويقول: ثم إن فلاناً أناخ بعيره واستوى عليها, وأنت لا تعلم كيف استوى, هل يمكن أن تصف كيفية استوائه على بعيره وأنت ما رأيته؟

    السائل: إذا سمعت عنه.

    الشيخ: أنا قلت لك: في الشارع الآن بعير باركة استوى عليها صاحبها مثلما قال الله عز وجل: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [الزخرف:12-13] استوى عليها صاحبها ومشى، هل تستطيع أن تصف كيفية استوائه عليها وأنت ما رأيته؟

    السائل: لا.

    الشيخ: لا، إذا كنا نجهل كيفية استواء المخلوق على البعير وهو من جنسنا لكنه غائب عنا فكيف لا نجهل كيفية استواء الخالق عز وجل؟!! ولذلك كيفية الاستواء مجهولة, وهذا جواب سديد.

    حكم شراء الشيء نقداً وبيعه مقسطاً

    السؤال: ما حكم شراء السيارة نقداً لغرض بيعها بالتقسيط مع زيادة في السعر؟

    الجواب: إذا كان الإنسان الذي اشتراها نقداً لم يشترها إلا لفلان الذي جاء يطلب منه التقسيط فهذا حرام, يعني مثالاً: أتيت إليك أنا وقلت: أريد السيارة الفلانية في المعرض الفلاني, وأنا ما معي فلوس, فقلت أنت: أنا أشتريها نقداً وأعطي المعرض, وأبيعها لك بالتقسيط بزيادة, هذا حرام؛ لأنها حيلة واضحة بدلاً من أن أقول: خذ قيمتها نقداً سلفاً وقرضاً واشتر بها ولكن توفيني أكثر ذهبت أشتريها اشتراءً غير مقصود, أنا لولا أنك أتيت إلي ما اشتريتها ولا فكرت في ذلك, فهذا لا يجوز.

    أما إذا لو كانت السيارة عند شخص في معرضه أو كان اشتراها مثلاً، وقلت: يا فلان! أريد أن أشتري منك السيارة, وهي تساوي (50) نقداً, فقلت: أريد أشتريها منك بـ(60) إلى سنة مؤجلاً, هذا يجوز ما فيه شيء لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282].

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767982078