أما بعد:
فإن هذا اللقاء لقاء الباب المفتوح هو اللقاء الثالث بعد المائة, نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع به, ويقع هذا اللقاء يوم الخميس الحادي عشر من شهر جمادى الأولى عام (1416هـ).
نتكلم فيه عن قول الله تبارك وتعالى لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:1-4] هذه السورة لها صلة بالسورة التي قبلها, إذ أن السورة التي قبلها فيها بيان منة الله عز وجل على أهل مكة بما فعل بأصحاب الفيل الذين قصدوا مكة لهدم الكعبة.
فبين الله في هذه السورة نعمة أخرى كبيرة على أهل مكة -على قريش- وهو إيلافهم مرتين في السنة: مرة في الصيف ومرة في الشتاء, والإيلاف بمعنى: الجمع والضم ويراد به التجارة التي كانوا يقومون بها مرة في الشتاء ومرة في الصيف, أما في الشتاء فيتجهون نحو اليمن ؛ للمحصولات الزراعية فيه؛ ولأن الجو مناسب, وأما في الصيف فيتجهون إلى الشام ؛ لأن غالب تجارة الفواكه وغيرها تكون في الصيف مع مناسبة الجو البارد, فهي نعمة من الله سبحانه وتعالى على قريش في هاتين الرحلتين.
لما ذكرهم بهذه النعمة وهي نعمة عظيمة؛ لأنهم يجدون منها فوائد كثيرة ومكاسب كبيرة في هذه التجارة, أمرهم الله عز وجل أن يعبدوا رب هذا البيت عز وجل, قال: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ شكراً له على هذه النعمة, والفاء هذه إما أن تكون فاء سببية, أي: فبسبب هاتين الرحلتين ليعبدوا رب هذا البيت, وأياً كانت فهي مبنية على ما سبق, أي: فبهذه النعم العظيمة يجب عليهم أن يعبدوا الله, والعبادة هي: التذلل لله عز وجل محبة وتعظيماً, أن يتعبد الإنسان لله, ويتذلل له بالسمع والطاعة, إذا بلغه عن الله ورسوله أمر قال: سمعنا وأطعنا, وإذا بلغه خبر قال: سمعنا وآمنا, على وجه المحبة والتعظيم, فبالمحبة يقوم الإنسان بفعل الأوامر, وبالتعظيم يترك النواهي خوفاً من هذا العظيم عز وجل, هذا معنى من معاني العبادة.
وتطلق العبادة على نفس المتعبد به, وقد حدها شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المعنى فقال: إن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. ولهذا لو سألك سائل: الصلاة عبادة أم عادة؟ قلت: عبادة, ولو سألك سائل: أنت الآن تصلي فما معنى صلاتك هذه؟ لقلت: معناها العبادة لله عز وجل، أتعبد لله عز وجل, أتذلل له بالسمع والطاعة وبما أمرني به.
وقوله: رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ يعني به الكعبة المعظمة, وقد أضافها الله تعالى إلى نفسه بقوله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج:26] وهنا أضاف ربوبيته إليه قال: رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ وهل هو رب لغيره؟ الجواب: نعم. لكن إضافة الربوبية إليه على سبيل التشريف والتعظيم.
وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [الحج:26] أليس كل شيء لله؟ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [المائدة:120] كل شيء لله، كل شيء يملكه الله، لماذا أضاف الله البيت إليه؟ تشريفاً وتعظيماً, إذاً خصصه بالربوبية أي: خصص البيت بالربوبية مرة, وأضافه إلى نفسه مرة أخرى تشريفاً وتعظيماً في آية ثانية: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ [النمل:91] احترازاً من أن يتوهم واهم بأنه رب البلدة وحدها, فقال: وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ [النمل:91] ولكل مقام صيغة مناسبة, فبقوله: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ [النمل:91] المناسبة: بيان عموم منكر لئلا يدعي المشركون أنه رب للبلدة فقط, أما هنا فالمقام مقام تعظيم للبيت, فناسب ذكره وحده.
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (الذي) هذه صفة للرب أو للبيت؟ للرب, إذاً محله النصب, ولهذا يحسن أن تقف فتقول: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ثم تقول: الَّذِي أَطْعَمَهُمْ لأنك لو واصلت فقلت: رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ لظن السامع أن (الذي) صفة للبيت، وهذا بعيد من المعنى ولا يستقيم بالمعنى.
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ بين الله تعالى نعمته عليهم, النعمة الظاهرة والباطنة, فإطعامهم من الجوع وقاية من الهلاك في أمر باطن وهو الطعام الذي يأكلونه, وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ وقاية من الخوف في الأمر الظاهر؛ لأن الخوف ظاهر, إذا كانت البلاد محوطة بالعدو خاف أهلها, وامتنعوا عن الخروج, وبقوا في ملاجئهم, فذكرهم الله بهذه النعمة, أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ وآمن مكان في الأرض هو مكة , ولذلك لا يقطع شجرها، ولا يحش حشيشها, ولا تلتقط ساقطتها, ولا يصاد صيدها, ولا يسفك فيها دم, وهذه الخصائص لا توجد في البلاد الأخرى, حتى المدينة محرمة ولها حرم لكن حرمها دون حرم مكة بكثير، حرم مكة لا يمكن يأتيه أحد من المسلمين لم يأته أول مرة إلا محرماً يجب عليه أن يحرم, والمدينة ليست كذلك, حرم مكة يحرم حشيشه وشجره مطلقاً, وأما حرم المدينة فرخص في بعض شجره للحرث ونحوه، صيد مكة حرام وفيه الجزاء, وصيد المدينة ليس فيه جزاء, المهم أن أعظم مكان آمن هو مكة , حتى الأشجار آمنة فيه, وحتى الصيود آمنة فيه, ولولا أن الله تعالى يسر على عباده لكان حتى البهائم -قصدي حتى بهيمة الأنعام- التي ليست صيوداً لكن الله تعالى رحم العباد وأذن لهم فيه بأن يذبحوا ويأكلوا في هذا المكان, وهذه النعمة ذكرهم الله بها في قوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت:67] يعني: أفلا يشكرون الله على هذا؟!
فهذه السورة -كما ترى- كلها تذكير لقريش بما أنعم الله عليهم في هذا البيت العظيم, وفي الأمن من الخوف, وفي الإطعام من الجوع, فإذا بلغ أي: ما واجب قريش نحو هذه النعمة؟ وكذلك ما واجب من حل في مكة الآن من قريش أو غيرهم؟ إن الواجب الشكر لله تعالى, بالقيام بطاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه, ولهذا إذا كثرت المعاصي في الحرم فالخطر على أهله أكثر من الخطر الذي على غيره؛ لأن المعصية في مكان فاضل أعظم من المعصية في مكان مفضول، ولهذا قال الله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25] فتوعد الله تعالى من أراد فيه أي: من همّ فيه بإلحاد فضلاً عمن ألحد.
والواجب على المرء أن يذكر نعمة الله عليه في كل مكان, لا في مكة فحسب؛ بلادنا -ولله الحمد- اليوم من آمن بلاد العالم, وهي من أشد بلاد العالم رغداً وعيشاً, أطعمها الله تعالى من الجوع وآمنها من الخوف فعلينا أن نشكر هذه النعمة, وأن نتعاون على البر والتقوى, وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعلى الدعوة إلى الله على بصيرة وتأن وتثبت, وأن نكون أخوة متآلفين, والواجب علينا ولا سيما على طلبة العلم إذا اختلفوا بينهم أن يجلسوا للتشاور وللمناقشة الهادئة التي يقصد منها الوصول إلى الحق, ومتى تبين الحق من إنسان وجب عليه اتباعه, ولا يجوز أن ينفصل لرأيه؛ لأنه ليس مشرعاً معصوماً حتى يقول: إن رأيي هو الصواب، وأن ما عداه فهو الخطأ, الواجب على الإنسان المؤمن أن يكون كما أراد الله منه, وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36] أما كون الإنسان ينفصل لرأيه, ويصر على ما هو عليه ولو تبين له أنه باطل، فهذا خطأ, هذا من دأب المشركين الذين أبوا أن يتبعوا الرسل وقالوا: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23].
نسأل الله أن يديم علينا وعليكم نعمة الإسلام, والأمن في الأوطان, وأن يجعلنا إخوة متآلفين على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الجواب: السكوت على المنكر مجاملة حرام, ومن جلس مع من يفعل المنكر فإنه مثله؛ لأن الله تعالى قال: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140].
أما من سكت عن المنكر متعاطفاً بمعنى: أنه يتحين الفرصة المناسبة لإنكاره فلا بأس؛ لأن هذا من باب المعالجة كصبر المريض على مر الدواء، فلو رأيت شخصاً -مثلاً- له قيمته في المجتمع وذو جاه وشرف رأيته على منكر, فإنه لا شك أنه ليس من المستحسن أن تقوم أمام الناس وتقول: يا فلان! أنت على منكر، أنت أسبلت ثوبك، أنت حلقت لحيتك، أو ما أشبه ذلك؛ لأنه يرى أنه في مقام أعلى منك فلا يزيده إلا نفوراً, وربما إن كان قادراً على إيذائك آذاك, لكن يجب عليك أن تحفظ هذه الزلة منه وتحتفظ بها، فإذا خلوت به في مكان فذكره بها, إذا لم يتيسر لك أن تخلو به في أي مكان اكتب له, إذا لم يتيسر فأنت تعرف أنه لا بد لكل إنسان من صاحب وصديق, اتصل بأصحابه وأصدقائه الذين يوصلونه ما تقول وبلغه.
كل الوجود وما احتواه إلى الردى إلا هواك يبقى مرفوع اللواء |
أو نحوها، فما أدري ينبغي الاعتقاد بهذه أو ترديده من غير اعتقاد هل هو حرام؟
الجواب: لا يجوز تردديها ولا إقرارها, بل يجب على من قالها أن يتوب إلى الله عز وجل منها, فإن تاب وإلا فإن ظاهر كلامه ردة -والعياذ بالله-؛ لأن ذكر: كل الوجود سواك هالك، معناه: ضد قول الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] فيكون هذا ردة إن بقي صاحبه عليه مع تذكيره وتبيين الحق له, أما ترديدها فهو حرام, ولا يجوز أن تلقى بين يدي الناس يرددونها.
ثم إن الانتصار للوطن ليس محموداً على كل حال ولا مذموماً على كل حال, إنما هو حسب طاعة الله ورسوله, فإذا كان الإنسان منتصراً لوطنه؛ لأنه وطن إسلامي فيدافع عنه من أجل أنه إسلامي فهذا محمود, أما من أجل أنه وطن فقط فهذه عصبية جاهلية.
الجواب: أهم شيء يعين الإنسان على ترك المعصية خوف الله عز وجل, وأن يردد في فكره قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] وأن يؤمن ويوقن بأن أي عمل يعمله فإنه سيلاقي ربه بذلك.
ثانياً: أن يفكر في العاقبة، ما هي العاقبة من المعصية؟ عواقب المعاصي سيئة؛ لأنها تهون على العبد معصية الله عز وجل, فلا يزال مع الشيطان حتى يوصله إلى الشرك, ولهذا قال بعض أهل العلم: إن المعاصي بريد الكفر. أي: أن الإنسان يرتحل منها مرحلة مرحلة حتى يصل إلى غايته -والعياذ بالله- ويدل لهذا القول قول الله تبارك وتعالى: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:13-14] فالذنوب لما رانت على القلب -والعياذ بالله- أرته آيات الله القرآن العظيم أنه أساطير الأولين يعني: سواليف, فإذا تأمل الإنسان في عواقب المعصية فإن هذه من أسباب تركها.
ثالثاً: أن يعلم أن المعصية لا تزيده من الله إلا بعداً, وإذا ابتعد عن الله ابتعد الناس عنه, لأن الإنسان إذا ابتعد عن الله -والعياذ بالله- صار في قلبه وحشة, وصار كأن صفحة أمامه يقرؤها الناس بمعايبه ومعاصيه، وتجده قد كتب عليه الذل، فيتأمل مثل هذه الأشياء وهذا مما يقويه على ترك المعصية.
رابعاً: ومن أسباب ذلك أيضاً: إذا كانت المعصية بسبب معاشرة بعض أهل السوء فليبتعد عنهم ويجتنبهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مثّل جليس السوء بنافخ الكير, قال: (إما أن يحرق ثيابك, وإما أن تجد منه رائحة خبيثة).
الجواب: نقول: هذا سفه في العقل؛ لأنه إذا وزعه في حياته، فهل يعرف أن هؤلاء الذين وزع عليهم هم الذين يبقون بعده, أليس من الجائز أن يموتوا قبله، فكيف يوزع عليهم؟!
ثانياً: إذا وزعه عليهم وكانوا ممن لا يمكن أن يرجع بهبته لهم كالإخوة مثلاً, ثم احتاجه، وحاجته واردة أو غير واردة؟ يعني: هل يمكن يحتاجون من إرثهم؟
السائل: يمكن يحتاجون.
الشيخ: بعدما وزع الآن ما بقي عنده ولا شيء، يمكن يحتاج أم لا؟
السائل: يمكن يحتاج.
الشيخ: وإذا احتاج والدراهم عند غيره فيبقى فقيراً فلهذا نقول: هذا من السفه, انتظر الموت والله يحسن الختام, إنما جاء لك اليوم يأتيك غداً.
السائل: يقول: أنا كبرت فأوزعه؟
الشيخ: خطأ. الله عز وجل قال: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12] فجعل الشيء بعد تركه، ولا يتركه الإنسان إلا إذا فارق الدنيا بالموت حينئذ يقسم.
وكما قلت لكم: أولاً: لا يدري هل هؤلاء يموتون قبله أو يموت قبلهم.
وثانياً: لا يدري ربما احتاج في المستقبل، هذا الكبير السن لو أصيب بمرض يحتاج إلى آلاف الدراهم من أين له؟ فأنصحك لا توزع لهم، انتظر لا تدري ماذا يكون بعدها.
الجواب: أنا سمعت عنه لكني ما قرأته, ولا أدري عنه، لكن الحق أبلج والباطل لجلج, الإنسان يعرف إذا قرأ عرف الحق من الباطل, فإذا كان هذا الكتاب فيه أحكام مبنية على الكتاب والسنة وعلى التثبت وعلى الحقائق، فلا يمكن لأحد أن يقول فيه شيئاً, وإن كان على سوى ذلك فالباطل باطل, أما أنا فما قرأته.
الجواب: لا شك أن خلط البنين بالبنات في المدارس أمر منكر, وأنه لا يجوز, ولكن هذا ليس إلى الشعوب هذا إلى الحكومات, والمسئول عنه الرئيس الأول في كل دولة, وهذا الذي سيحاسبه الله عز وجل يوم القيامة, فإذا لم يكن هناك طريق إلى إيصال العلم إلى الناس إلا بهذه الطريق فليدرس فيها وليغض البصر ما استطاع بالنسبة لرؤية النساء, وليحرص هو بنفسه على أن يفرقها؛ لأن المعلم الأجنبي كالمدير تماماً, يعني: هو في فصله يعمل ما شاء, فتنكره إذا دخلت، أن يخفف من شأن هذا الاختلاط وتقول للنساء: كن في الخلف جميعاً والرجال كلهم في الأمام جميعاً, وليكن حازماً في هذا, وهذا لا شك أن فيه تخفيفاً من الشر والبلاء.
الجواب: أنت تعرف أن الله عز وجل قال في كتابه: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فإذا كان الإنسان قد اعتاد الحلف بغير الله, كما يوجد في كثير من الشعوب الإسلامية -مع الأسف- يحلفون بالنبي صلى الله عليه وسلم, فإذا كان قد اعتاد هذا من الصغر، والشعب حوله كلهم يحلفون بالنبي, فإنه ليس من السهل أن يدعها في يوم أو يومين أو في شهر أو شهرين, فإذا قال: إنه نسي فإن الله قد عذر إذا كان ناسياً, ولا يستبعد أن يكون ناسياً؛ لأنه قد اعتاد عليه, فنقول: احرص على أن تتذكر أن هذا حرام, وألا تفعله.
الجواب: لا يشكل, شيخ الإسلام يقول: دبر الصلاة آخرها إذا كان ذلك في دعاء, وأما إذا كان في تسبيح فهو بعدها, وله دليل على ذلك, أما الأول وهو أنه إذا كان دعاءً فإنه يكون قبل السلام فدليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم عبد الله بن مسعود للتشهد قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) فدل هذا على أن الدعاء قبل السلام.
وأما إذا كان ذكراً فدليله: أن المراد به بعد السلام قوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ [النساء:103] فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الدعاء قبل السلام, والقرآن الكريم جعل الذكر بعد السلام, وهذا واضح.
أما من حيث النظر فإنا نقول لهذا الذي يدعو بعد أن يسلم: أيهما أولى: أن تدعو الله عز وجل وأنت في حال دعاء يقضي من الإجابة؛ لأنك تناجي الله عز وجل, أو تدعو الله بعد الانفصال؟ الأول أولى, فصار كلام شيخ الإسلام رحمه الله راجحاً من وجهين: من جهة النص ومن جهة المعنى, وعلى هذا فقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل : (لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) يراد به ما قبل السلام.
الجواب: أولاً بارك الله فيك, هذا مبني على هل الأصل في الأمر الوجوب, أو الأصل في الأمر الاستحباب؟ هذا فيه خلاف بين العلماء:
منهم من يقول: الأصل في الأمر الوجوب.
ومنهم من يقول: الأصل في الأمر الاستحباب. ولكل أدلة, ومن أقوى أدلة القائلين بأنه للاستحباب قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمر به كان ذلك دليلاً على أنه مشروع ومحبوب إلى الله عز وجل, والأصل عدم التأثيم بالترك, ولو كان الأصل التأثيم بالترك فهذا هو المستحب, أن يكون مطلوباً ليس في تركه إثم.
ومنهم من قال: إن الأمر للوجوب لقول الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
ولهذا نقول: كل من القاعدتين ليس مطرداً في الواقع, تأتي أوامر كثيرة يتفق عليها على أنها للاستحباب, وأوامر كثيرة يتفق العلماء على أنها للوجوب, لكن إذا كان هناك قرائن, فالقرائن تؤيد.
فالصحيح: أن إجابة المؤذن ليست واجبة, بل هي سنة, ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـمالك بن الحويرث ومن معه: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) ولم يقل: وليجيبه الآخر, أو ليقل الآخر كما يقول, مع أن المقام مقام تعليم وهؤلاء وفد, قد لا يحضرون مرة أخرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فالصواب: أنه سنة وليس بواجب, والقرينة الصارفة هو هذا الحديث الذي ذكرته لك.
الجواب: أرى أن الإنسان يأخذ بظاهر القرآن؛ لأن القرآن تكلم به الخالق عز وجل, وهو أعلم بمخلوقاته, والشمس في مكان لا نصل إليه, ولا يصل إليه أحد, فإذا قال الله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا [يس:38]، وقال: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ [الكهف:17] فهذه أربعة أفعال كلها مضافة إلى الشمس: إذا طلعت تزاور, وإذا غربت تقرضهم, والأصل في إضافة الفعل إلى فاعله أنه قائم به, فترى الشمس هي التي تطلع, وهي التي تزاور, وهي التي تغرب, وهي التي تقرض, فعلينا أن نؤمن بهذا على ظاهره, وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي ذر حينما غربت الشمس: (أتدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال: فإنها تذهب وتسجد تحت العرش وتستأذن فإن أذن لها وإلا رجعت من حيث جاءت) قال: تذهب, وقال: تسجد, وقال: رجعت, فعلينا أن نؤمن بهذا الظاهر إلا إذا جاءنا أمر يقين مثل الشمس: أن الشمس ثابتة، وأن تعاقب الليل والنهار يكون بدوران الأرض فحينئذٍ نؤمن بهذا, ويمكن أن يؤول القرآن إلى أن معنى قوله: (إذا طلعت) أي: في رأي العين, لأن على من يقول: إن تعاقب الليل والنهار بسبب دوران الأرض هل هي التي طلعت علينا، أم نحن الذين طلعنا عليها؟ نحن الذين طلعنا عليها؛ لأننا نحن الذين جئنا إليها, ما دام تعاقب الليل والنهار يكون بدوران الأرض معناه: نحن الذين جئنا إليها حتى رأيناها, وهي واقفة في مكان ثم دارت الأرض, نحن الذين جئنا ونحن الذين طلعنا عليها.
وعلى كل حال: نحن لا نعلم الغيب إلا ما علمنا الله عز وجل, فنؤمن بظاهر القرآن ونقول: إن الشمس والقمر يكون بسيرها تعاقب الليل والنهار, هذا هو الظاهر لنا, فلو قدرنا أننا علمنا علم اليقين بأن الأمر ليس على ظاهره، أمكن أن نصرف الآيات عن ظاهرها إلى معنىً لا ينافيه.
الجواب: نقول: نعم, إذا أردت أن تقضي بهذا الحديث فمن يمنعك؟ لكن ابن عباس رضي الله عنه قال: (من غير خوف ولا مطر) ويفيد قوله هذا: أنه لا بد أن يكون هناك سبب, إما خوف، أو مطر، أو برد شديد، أو ما أشبهه, ودليل هذا أنه قال: (أراد ألا يحرج أمته) أي: ألا يوقعها في حرج, فيستفاد من هذا الحديث: أن كل أمر يكون عليك حرج كما لو صليت كل صلاة في وقتها فإنه يجوز لك أن تجمع, ولهذا يجوز للمريض الذي يشق عليه أن يصلي في كل وقت يجوز أن يجمع, حتى قال أهل العلم من الحنابلة: يجوز للمرأة المرضع التي يكثر حمل ولدها بين يديها وضرره عليها، يجوز لها أن تجمع بين الظهر والعصر للمشقة, وتجمع بين المغرب والعشاء للمشقة, فالمدار على المشقة متى وجدت المشقة جاز الجمع.
الجواب: الصيام لا شك أنه عمل صالح, ومن أفضل الأعمال, واختصه الله لنفسه لقوله: (الصوم لي وأنا أجزي به) وكان داود يصوم يوماً ويفطر يوماً وهو أفضل الصيام, لكن هناك عمل أفضل منه وهو طلب العلم, فإن طلب العلم أفضل من الصيام, وأعني صيام التطوع, فإذا كان صوم يوم وفطر يوم يمنعه من التشاغل بالعلم قلنا له: أنت الآن تعمل بالمفضول وتترك الفاضل, فإن طلب العلم أفضل, قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته, قيل: وما تصحيح النية؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره.
أما إذا كان رجلاً قد اعتاد الصيام, والصيام سهل عليه صيفاً أو شتاء, وربما يكون أنشط له، فهذا لا يرده عن طلب العلم ولا يمنعه, ولهذا تجد النبي عليه الصلاة والسلام إنما يصوم الإثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر، ولكنه لا يصوم يوماً ويفطر يوماً؛ لأنه يشتغل دونه، أما رجل عابد وليس عنده اشتغال في العلم والصوم لا يمنعه من صلاة التطوع وقراءة القرآن وأذكار الصباح والمساء، فهذا طيب أن يصوم كما صام داود.
الجواب: يوصف بأنه صابر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أصبر على أذىً سمعه من الله عز وجل) فجعل الله أصبر من كل الصابرين على أذىً سمعه، لكن لا يسمى بذلك، فلا يقال مثلاً: إن من أسمائه الصابر؛ لأن باب الإخبار أوسع من باب الإنشاء.
الجواب: الضابط بارك الله فيك: أن المروءة فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه, كل ما يعبر الناس خلقاً حسناً فهو مروءة, ويجتنب كل ما يدنسه ويشينه, هكذا قال العلماء في ضبطها فهو منضبط, وهذا يختلف باختلاف الناس, من الناس من هو شريف ووجيه وذو مرتبة عالية, إذا فعل ما يفعله ما هو دونه انتقد, وإذا فعله غيره لم ينتقد, فنقول للأول: إذا فعلته فقد خالفت المروءة, ونقول للثاني: إن فعلك إياه لا يخالف المروءة, فهذا مقياس, المروءة: فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه.
الجواب: الضابط أن يتم الفعل؛ لأن التكبير علامة عليه ودليل عليه, أشاهد الإمام فإذا قال: الله أكبر وهو قائم قبل أن يصل إلى الأرض, وأنا أراه أنه لم يصل إلى الأرض فلا أسجد, لقول البراء بن عازب : (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لا يحني أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً ثم نقع سجوداً بعده).
أما إذا كنت لا تراه فهنا تأتي وظيفة السمع, فاعمل بما تسمع, ويكون المسئول عن ذلك الإمام, إذا كان يكبر وهو قائم فالمسئولية عليه.
وبعض الناس يكبر وهو قائم؛ لأنه يصلي (بالميكرفون) وإذا كبر عند السجود لم يسمع, وهذا أخطأ من وجهين:
أولاً: استعمال مكبر الصوت في الصلاة, ليس له أصل ولا له حاجة؛ لأنه سيسمع الذين هم خارج المسجد, والذين هم خارج المسجد ليسوا بحاجة له, بل لا يزيدهم ذلك إلا كسلاً, تجد الكسول إذا سمع الإمام في الشرفة قال: أدرك الإمام في الثانية وكذلك في الثالثة والرابعة، بل في قول بعض العلماء: إن الصلاة تدرك بتكبيرة الإحرام, فتفوته الصلاة وهو يسوف, ولهذا يعتبر هذه خطأ من بعض الأئمة:
أولاً: أنه لا داعي له.
ثانياً: أنه يوجب تمادي الكسلان في كسله.
ثالثاً وهو أشدها: أنه يشوش على غيره من المساجد, بل ومن الذين يصلون في بيوتهم, أرأيت المرأة -مثلاً- وهي تصلي في بيتها والإمام يقرأ ويكبر الصوت, سوف ترتبك ويشوش عليها, وهذا مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث سمع أصحابه يقرءون ويجهرون بالقرآن وهم يصلون قال: (لا يجهرن بعضكم على بعض في القرآن أو قال في القراءة).
ونحن أحياناً نوجه -والحمد لله- عندنا في بلدنا، ولم نسمع أحداً يصلي في مكبر الصوت إلا في يوم الجمعة.
الجواب: الحلف بالقرآن تريد بذلك القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم جائز؛ لأنه من كلام الله, وكلام الله تعالى صفة من صفاته وجميع صفات الله يجوز الحلف بها.
أما إذا كنت تريد بالقرآن المصحف الذي هو الورق والحروف المكتوبة فهذا لا يجوز؛ لأن هذا مخلوق, والحلف سبالمخلوق شرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ثم نقول أيضاً: ما الذي حثك على أن تحلف بالقرآن؟ ما هناك قسم إلا بالقرآن؟ احلف بالله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).
الجواب: الجهاد -بارك الله فيك- قائم ماضٍ إلى يوم القيامة, وهو في الأصل فرض كفاية, إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين, ولكن قالوا: إنه يكون فرض عين في أربعة مواضع:
الموضع الأول: إذا حضر والتقى الصفان فإنه يجب أن يبقى ولا يجوز الفرار, لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [الأنفال:15-16] وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التولي يوم الزحف من الموبقات المهلكات.
الموضع الثاني: إذا استنفره الإمام, قال: انفر للجهاد, فيجب عليه أن ينفر, لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التوبة:38-39].
الموضع الثالث: إذا كان الرجل محتاجاً إليه, يعني: يحتاج إليه الناس في هذه الغزوة وجب عليه, مثل: أن يكون لديه سلاح لم يتمرن عليه أحد وهذا الغازي متمرن عليه, فيجب عليه أن يخرج؛ لأنه صار فرض عين في حقه.
الموضع الرابع: قتال الدفاع, إذا حاصر العدو بلده وجب عليه أن يقاتل؛ لأنه إن لم يفعل احتل العدو بلده وحصل من الفساد ما لا تحمد عقباه.
في هذه الأحوال الأربعة يكون الجهاد فرض عين, وما عدا ذلك فهو فرض كفاية.
أما القتال بدون إذن الوالدين فلا يجوز, إلا إذا كان فرض عين, وعرفت الأحوال التي يكون فيها فرض عين، فإذا كان إحدى هذه الأحوال وجب أن يجاهد حتى وإن نهاه والده أو أمه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, ونسأل الله أن يثيبكم على حضوركم فإن: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر