أما بعد:
فهذا هو اللقاء السادس بعد المائة من اللقاءات المعبر عنها بـ(لقاء الباب المفتوح) التي يتم بها اللقاء كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثاني من شهر جمادى الثانية عام (1416هـ) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزق الجميع علماً نافعاً وعملاً صالحاً.
في هذا اللقاء سنتكلم عن سورتين من كتاب الله عز وجل: أولاهما سورة النصر, يقول الله تبارك وتعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3] الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لا شك فيه.
وكان فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان, وسببه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشاً في غزوة الحديبية الصلح المشهور نقضوا العهد, فغزاهم النبي عليه الصلاة والسلام, وخرج إليهم مختفياً وقال: (اللهم عم أخبارنا عنهم) فلم يفاجئهم إلا وهو محيط بهم عليه الصلاة والسلام, ودخل مكة في العشرين من شهر رمضان عام (8 هـ) منصوراً مظفراً مؤيداً, حتى إنه في النهاية اجتمع إليه كفار قريش حول الكعبة فوقف على الباب يقول: (يا معشر قريش! ما ترون أني فاعل بكم؟) وهو الذي كان قبل ثماني سنوات هارباً منهم, وهو الآن في قبضته وتحت تصرفه, قال: (ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم, قال: إني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ [يوسف:92]) ثم منَّ عليهم عليه الصلاة والسلام بالعفو, فعفى عنهم.
هذا الفتح سماه الله تعالى فتحاً مبيناً، فقال: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح:1] أي: بيناً عظيماً واضحاً, ولما حصل عرف العرب بل عرف الناس جميعاً أن العاقبة لمحمد صلى الله عليه وسلم, وأن دور قريش وأتباعها قد انقضى, فصار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً -أي: جماعات- بعدما كانوا يدخلون فيه أفراداً ولا يدخل فيه الإنسان في بعض الأحيان إلا مختفياً, صاروا يدخلون أفواجاً في دين الله, وصارت النفوذ ترد على النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة من كل جانب, حتى سمي العام التاسع عام الوفود, فجعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.
الأمر الأول: التسبيح المقرون بالحمد.
الأمر الثاني: الاستغفار, وهو: طلب المغفرة, والمغفرة: ستر الله تعالى على عبده ذنوبه مع محوها والتجاوز عنها, وهذا غاية ما يريد العبد؛ لأن العبد كثير الذنْب, يحتاج إلى مغفرة, إن لم يتغمده الله برحمته هلك, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله, قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) اللهم تغمدنا برحمتك, لا أحد يدخل بعمله الجنة أبداً؛ لأن عملك هذا لو أردت أن تجعله في مقابل نعمة من النعم -نعمة واحدة- لأحاطت به النعم, فكيف يكون عوضاً تدخل به الجنة؟ ولهذا يقول بعض العارفين في نظم له:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي له في مثلها يجب الشكر |
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمر |
قال تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:3] أي: لم يزل عز وجل تواباً على عباده, فإذا استغفرته تاب عليك, هذا هو معنى السورة, لكن السورة لها مغزىً عظيم لا يتفطن له إلا الأذكياء, ولهذا لما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الناس انتقدوه في كونه يدني عبد الله بن عباس مع صغر سنه ولا يدني أمثاله من شباب المسلمين, وعمر رضي الله عنه من أعدل الخلفاء الراشدين, أراد أن يبين للناس أنه لم يحابِ ابن عباس في شيء, فجمع كبار المهاجرين والأنصار في يوم من الأيام ومعهم عبد الله بن عباس وقال: ما تقولون في هذه السورة: (إذا جاء نصر الله والفتح)؟ ففسروها بحسب ما يظهر فقط, فقال: ما تقول يا بن عباس؟ قال: يا أمير المؤمنين! هذا أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم المعنى كأن الله يقول له: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً [النصر:1-2] فقد انتهت مهمتك, ولن يبقى عليك إلا الرحيل, وأنت ما خلقت للدنيا لتتنعم فيها وتبقى فيها طويلاً, خلقت لمهمة انتهت, فهو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال عمر: والله ما أعلم منها إلا ما تعلم. فتبين من ذلك فضل ابن عباس وتميزه، وأن عنده من الذكاء والمعرفة بمراد الله عز وجل ما افتقده كثير من الناس.
لما نزلت هذه السورة جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم -الذي هو أشد الناس عبادة لله وأتقاهم لله- جعل يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي) فنقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لنا ذنوبنا, وإسرافنا في أمرنا, وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
سبحان الله! هذا القرآن فيه من الدلالات الكثيرة ما يدل دلالة واضحة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق, ليس لعلوه ولا لجاهه ولا لرئاسة قومه أبداً, له أعمام انقسموا في معاملته ومعاملة ربه عز وجل إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: آمن به, وجاهد معه, وأسلم لله رب العالمين.
القسم الثاني: ساند وساعد لكنه باقٍ على الكفر -والعياذ بالله-.
القسم الثالث: عاند وعارض وهو كافر.
أما القسم الأول: فـالعباس بن عبد المطلب , وحمزة بن عبد المطلب , والثاني أفضل من الأول؛ لأن الثاني من أفضل الشهداء عند الله عز وجل, ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أسد الله وأسد رسوله, واستشهد رضي الله عنه في أحد في السنة الثانية من الهجرة, جمعني الله وإياكم به في جنات النعيم.
أما القسم الثاني: من ساند وساعد مع بقايا الكفر فهو أبو طالب , الذي قام مع النبي صلى الله عليه وسلم خير قيام في الدفاع عنه, ومساندته, ولكنه -والعياذ بالله- قد سبقت له كلمة العذاب, فلم يسلم حتى في آخر حياته وفي آخر لحظة من الدنيا عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلم ولكنه أبى, ومات على قوله: إنه على ملة عبد المطلب, فشفع له النبي عليه الصلاة والسلام حتى كان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه.
أما القسم الثالث: الذي عاند وعارض فهو أبو لهب , أنزل الله فيه سورة كاملة تتلى في الصلوات فرضها ونفلها, في السر والعلن, يثاب المرء على تلاوتها على كل حرف عشر حسنات, أي: من يقرأ سيرة أبي لهب التي في هذه السورة له في كل حرف عشر حسنات, لكن لو قرأت سيرة أبي بكر من سيرة ابن إسحاق أو سيرة البداية والنهاية وغيرها لم يحصل لك هذا الأجر, فالإنسان كأنه يدعى دعوة أكيدة إلى قراءة سيرة أبي لهب, كل حرف تقرأه من سورة المسد لك به عشر حسنات.
فالحاصل: أن أبا لهب قال: تباً لك ألهذا جمعتنا؟! فرد الله عليه بهذه السورة تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] والتباب الخسار, كما قال تعالى: وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ [غافر:37] أي: خسار, وبدأ بيديه قبل ذاته؛ لأن اليدين هما آلة العند والحركة والأخذ والعطاء وما أشبه ذلك, وهذا اللقب أبو لهب لقب مناسب تماماً في حاله ومآله.
وجه المناسبة: أن هذا الرجل سوف يكون في نار تلظى -والعياذ بالله- لهباً عظيماً, فكنيته مطابقة لحاله ومآله, ويقول الشاعر:
وقل أن أبصرت عينك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه |
ولما أقبل سهيل بن عمرو في قصة غزوة الحديبية قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذا
يقول الله عز وجل: مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ [المسد:2] (ما) يحتمل أن تكون استفهامية, والمعنى: أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب؟!
الجواب: لا شيء, ويحتمل أن تكون ما نافية أي:لم يغنِ عنه ماله وما كسب شيئاً, وكلا المعنيين متلازمان, ومعناهما: أن ماله وما كسب لم يغن عنه شيئاً, ومع أن العادة أن المال ينفع, المال يأتي به الإنسان نفسه, لو تسلط عليه عدو وقال: أنا أعطيك كذا وكذا من المال وأطلقني, سيطلقه، لكن قد يطلب مالاً كثيراً أو قليلاً, لو مرض انتفع بماله, لو جاع انتفع بماله, فالمال ينفع, لكن النفع الذي لا ينجي صاحبه من النار ليس بنفع.
والصواب: أن الآية أعم من هذا, وأن الآية تشمل الأولاد, وتشمل المال المكتسب الذي ليس في يده الآن, وتشمل ما كسبه من شرف وجاه, كل ما كسبه مما يزيده شرفاً وعزاً فإنه لا يغني عنه شيئاً.
وبهذا انتهى الكلام على ما يسره الله عز وجل على هاتين السورتين.
الجواب: أرى أن هذا الكلام حرام؛ لأنه يوهم معنىً باطلاً وإن كان سوف يفسر ما يريد, لكن سيبقي الشيطان أثر ذلك في قلب المخاطب أو المستمع, وأنصح من يتكلم بهذا أن يقرأ قول الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] واعلم أن كلمتك هذه إن ترتب عليها كفر أو شك فالحساب عليك.
فعلى كل مؤمن أن يحترم جانب الحق, جانب الرب عز وجل, وأن يعلم أن الأمر خطير, (رُب كلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً ) -والعياذ بالله- أو أكثر, فأرى أن هذا الكلام منكر, وأنه لا يحل للإنسان أن يلقيه, وأن على من سمعه أن ينصحه، فإن اهتدى فله ولمن نصحه, وإن لم يهتدِ فإنه يجب عليه أن يغادر المكان الذي يلقى فيه مثل هذا الكلام.
الجواب: لا بأس به، أي: لا بأس أن يصل إنسان شريان قلبه بشريان حيوان آخر, وينظر إلى ما هو أنسب لقلبه؛ لأن هذا ليس من الأكل إنما حرم الله أكل الخنـزير، وهذا ليس أكلاً, وإذا علمنا أنه لا ينفعه إلا هذا فهذا من باب الضرورة, وقد قال الله تعالى في أكل لحم الخنزير الأكل المباشر: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119].
الشيخ: أرأيت لو كان مسلماً؟
السائل: لو كان مسلماً ممكن تكافئه على هذا.
الشيخ: والكافر؟
السائل: أنا أسأل.
الشيخ: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه) لكن هل يحل للإنسان أن يكافئ عمال الحكومة ويعطيهم هدايا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هدايا العمال غلول)؟
يقال: أما إن كان ذلك لدفع شرهم ولا يندفع شرهم إلا بإعطائهم فلا بأس, حتى وإن كان مسلماً, مثلاً: أصحاب الجمارك لو قدرنا أنك تعطيهم مالاً ليكفوا عن أخذ الجمرك فلا بأس؛ لأن هذا دفع للظلم, مع أن الأفضل في هذا الحال أن تخضع، لكنه لما لم يكن به منابذة صار جائزاً, أما أن تنابذهم وتقول: لا أعطيكم, أنتم ظلمة, ومال المسلم محترم. فهذا حرام عليك؛ لأن الواجب على المؤمن أن يسمع ويطيع وإن ضرب ظهره وأخذ ماله, لكن في باب المدافعة بالمال لا بأس به.
الجواب: هذه المسألة مختلف فيها اختلافاً طويلاً عريضاً, فقد اختلف فيها العلماء على أكثر من عشرين قولاً؛ وذلك لأنه ليس هناك نصوص واضحة وصريحة بالتحديد, وإذا لم يكن هناك نصوص واضحة صريحة بالتحديد فالأولى إبقاء النصوص على عمومها, وأن الإنسان ما دام في السفر فهو مسافر, يترخص بجميع رخص السفر, حتى وإن أقام لغرض يعرف أنه ينتهي في المدة الفلانية أو لغرض متى انتهى رجع ولا يدري متى ينتهي.
فالصواب: أن البابين حكمهما واحد, وأن من أقام لغرض متى انتهى رجع إلى بلده فإنه مسافر سواء حدد المدة أم لم يحددها, إذ ليس هناك نص في أن تحديد المدة ينقطع به السفر.
لكني أقول: إن المقيمين للدراسة يجب عليهم أن يصلوا في جماعة إذا كانوا في بلاد إسلامية، ولا يحل لهم التخلف عنها باعتبار أنهم مسافرون؛ لأن المسافر لا تسقط عنه صلاة الجماعة ولا صلاة الجمعة، أيضاً ما دام في البلاد التي تقام فيه الجمعة, لكن لو فاتتهم الصلاة أو كانوا في مكان ليس حولهم مساجد وصلوا فلهم القصر على ما نرى أنه القول الصحيح, ومن قال: إنهم ليس لهم القصر فعليه الدليل؛ لأنهم ما زالوا مسافرين مغادرين لأهليهم ضاربين في الأرض يبتغون من فضل الله.
وأما صيام رمضان فلهم أن يفطروا ويؤخروا إلى وقت يكون فيه النهار أقصر أو أبرد, لكن تأخيره إلى ما بعد رمضان الثاني في نفسي منه شيء؛ لأنهم إذا فعلوا ذلك تراكمت عليهم الشهور, وربما عجزوا عن القضاء في المستقبل, فأرى أنه لا بد أن يصوم رمضان قبل أن يأتي رمضان الثاني.
الشيخ: هل غسله وكفنه وصلّى عليه؟
السائل: نعم.
الشيح: الأفضل أن يحفره الآن ويأخذ رفاته وينقله إلى المقابر.
السائل: مر عليه زمن طويل.
الشيخ: لا بأس، يحفره الآن ويأخذ رفاته؛ لأنه إن بقي شغل مكاناً من البيت, وإن حجّر عليه فصار مشكلة أن يقال: هذا قبر، ثم بعد مضي سنوات كثيرة ربما يتخذ وثناً.
أولاً: أن في ظني أن (90%) من المتعارف عليه بالواسطة هو على حساب آخرين, أي: تأخير الأحق وتقديم من دونه, ثم إنها فاشية عند الناس كثيراً, ويتعذر بعضهم بأن يقول: كل شخص يفعل ما يستطيعه، كل الناس يفعلون ولذلك أنا سأفعل ما أستطيع, فما حكمها -حفظكم الله- وبماذا تنصح الناس في ذلك؟
الجواب: طلب الشفاعة لشخص أن يتبوأ وظيفة أو غيرها، إن كان هناك من هو أحق منه وقد تقدم لهذه الوظيفة ويعلم أنه إذا اتخذ الواسطة أو الشافع سوف يقدم هذا على من هو أحق، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا يشبه بيع المسلم على أخيه, وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
أما إذا كان الأمر قد حجز من قبل المسئولين وأنه لا يمكن أن يوظفوا أحداً حتى لو كان مستحقاً؛ لأنهم يريدون أن يتقدم من يحابونه لسبب أو لآخر، فله الحق أن يتقدم بالواسطة.
الجواب: الظاهر أن البشرى تحصل للمؤمن وإن كان عليه معاصٍ, وبعد ذلك قد يعفو الله عنها في الآخرة, وقد يعذب بها بمشيئة الله سبحانه تعالى, كما قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
السائل: هو يبشر بالجنة وإن كان عليه معاصٍ.
الشيخ: يبشر بالجنة وإن كان عليه معاصٍ.
الجواب: قوله تبارك وتعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ [البقرة:102] بابل منفصل عما بعدها, وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ [البقرة:102] أي: الناس مِنْهُمَا [البقرة:102] أي: من الملكين مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ [البقرة:102] أي: الناس مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:102].
هذه الآية امتحن الله سبحانه وتعالى عباده وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء, أنزل ملكين من الملائكة بمكان يقال له: بابل ؛ وهو معروف في العراق , والملكان اسم أحدهما: هاروت, والثاني: ماروت, أنزل عليهما نوع من السحر يتعلمانه، علمهم الله سبحانه وتعالى إياه, وصارا يعلمان الناس هذا السحر, لكي يقيما الحجة وينفيا العذر: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102] فمن الناس من يترك ولا يتعلم, ومنهم من يتعلم, هذا هو معنى الآية.
فإذا قال قائل: كيف يكون ملكان يعلمان السحر ويعلمانه الناس, وتعلم السحر حرام كما صرحا به: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]؟
فيقال: من الذي يحلل ويحرم؟ الله, والله سبحانه وتعالى قد يجعل الشيء الحرام حلالاً, بل واجباً, فالله تعالى أذن لهذين الملكين أن يعلما الناس السحر فتعليمهما السحر بإذن الله فلا يكون معصية ولا كفراً.
أرأيتم السجود لغير الله أليس شركاً؟ بلى. ومع هذا لما امتنع الشيطان من السجود لآدم حين أمر الله الملائكة به صار الشيطان كافراً وصارت الملائكة مؤمنة مسلمة عندما سجدت, معناه: سجدت لغير الله, والسجود لغير الله شرك, فصار في هذه الحال طاعة وعبادة.
قتل الإنسان ولده من كبائر الذنوب, من أعظم الذنوب أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك أو لغير ذلك من الأسباب, ومع ذلك صار طاعة يحمد الإنسان عليها حينما أمر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يقتل ابنه.
كذلك السحر تعلمه حرام؛ لكن إذا كان بإذن الله صار حلالاً فلا إشكال في المسألة.
الشيخ: لماذا اقتصر على الشاة في الأول؟
السائل: لأن الولد كان مريضاً, فاقتصر على الشاة.
الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله, كأنه يقول: أعطيتك يا رب نصف واحدة, وسأعطيك نصف العقيقة أم ماذا؟
السائل: لم أسأله يا شيخ! لكن هذا سؤاله.
الشيخ: على كل حال، إذا كان هذا وجهة نظره فهي خاطئة, وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل, وأما العق بالثانية فيعق سواء بقي الولد حياً أو ميتاً.
الجواب: لا. أيمن الصفوف أفضل من أيسرها مع التقارب أو التساوي, أما بعد الإمام فالدنو من الإمام أفضل, والدليل على هذا: أنه كان في أول الإسلام إذا كانوا ثلاثة صف الإمام في الوسط, أحدهم عن يمينه والآخر عن يساره, ولو كان الأيمن الأفضل مطلقاً لكان الذي على اليسار يذهب إلى اليمين, ويكون الإمام عن يسارهما, ثم إن الدنو من الإمام أمر مطلوب, وقد ورد في الحديث الضعيف: (وسطوا الإمام) فصار الأيمن أفضل مع التقارب أو التساوي مثل: أن يكون عن يسار الإمام أربعة وعن يمينه أربعة فدخل إنسان فيكون في الصف الأيمن أفضل, أما إذا كانوا عشرة على اليمين وثلاثة على اليسار فإنه يكون في اليسار.
الجواب: الظاهر أنه لا يشكل هذا, معنى: لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ [يس:40] أي: لا يمكن للشمس أن تخرج ليلاً, وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ [يس:40] أي: لا يمكن أن يكون الليل في النهار, ومعنى الآية: أن الله تعالى قد قدر الليل والنهار فلا يمكن لأحدهما أن يكون في وقت الآخر, لكنه جل وعلا بحكمته يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل -أي: يدخله- لكنه إيلاج كما يولج السلك في الإبرة, أي: أنه رويداً رويداً.. هذا هو معنى الآية.
وأما ما ذكرت فالله تعالى يقول: وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا [الشمس:2] فربما يسبق الشمس يرى في أول النهار ثم يرى في آخر النهار, وهذا يقع، المهم أنهم ثقات, وعليه فإذا رؤي في صباح اليوم التاسع والعشرين ثم شهد شهود ثقات أنهم رأوه في ليلة الثلاثين بعد الغروب فإنه يحكم بدخول الشهر الثاني.
الجواب: المرأة الشاكة تنتظر حتى تتيقن أنها غير حامل, والتي ليس عندها شك إذا تمت أربعة أشهر وعشرة أيام انقضت عدتها.
الشيخ: يعني: خلاصة سؤالك: هل يجوز للصبيان أن يكونوا في الصف؟
الجواب: نعم, يجوز أن يكون الصبيان في الصف ولو قطعوا الصف؛ لأنهم بشر ليسوا حجراً وليسوا أعمدة, فهم لا يقطعون الصفوف, ولا يجوز لأحد أن يبعدهم من مكانهم -أيضاً- حتى ولو كانوا خلف الإمام مباشرة في الصف الأول، فإنه لا يحل لأحد أن يبعدهم من مكانهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) ولأن إقامتهم وطردهم من هذا المكان يؤدي إلى كراهتهم للمسجد ولأهل المسجد, ولأن طردهم من ذلك يؤدي أن تقوم العداوة بين آبائهم ومن طردهم, ولأن إقامتهم من ذلك يؤدي إلى أن يجتمع الصبيان في صف واحد, فيكون تشويشهم وإشغالهم للناس أشد, وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) فهو والله على العين والرأس, وفوق كل ذي قول غير قول الله عز وجل, لكن ما معنى الحديث؟ هل قال الرسول عليه الصلاة والسلام: لا يليني إلا أولو الأحلام والنهى, حتى نقول: اطردوا هؤلاء؟ المعنى: أن ذوي الأحلام والنهى يجب عليهم أن يتقدموا حتى يكونوا هم الذين يلونه, ففرق بين أن يقول: لا يليني إلا أولو الأحلام, وقوله: ليليني أولو الأحلام.
الجواب: من رأى أنه لا يجوز التمثيل بالكفار إذا عثر عليه مطلقاً أخذ بعموم الحديث الذي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يوصي به من يبعثهم من الجيوش والسرايا: (ألا تمثلوا)، ولكن هذا العموم مخصوص بقوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194] فإذا كانوا يفعلون بنا ذلك فلنا أن نفعل بهم مثلما يفعلون بنا؛ لأننا لو نتقاصر عن هذا صار فيه ذل, وهم لن ينفعهم إذا لم نمثل بهم بحيث يكفون عن التمثيل بنا في المستقبل, وإلا لو رجونا ذلك لقلنا: نظراً لهذه المصلحة لا نمثل بهم.
الجواب: والله في احتمال أنه من العموم, يعني: في بعض الألفاظ: (فتؤذوا الأحياء) والكافر قد يتأذى قريبه المسلم بسبه, والمسألة تحتاج إلى النظر في المصلحة بالنسبة لسب الأموات الكفار، قد يكون فيه مصلحة.
الجواب: نعم. هي نظيرها, وهذا الرجل المسلم يحرم عليه أن يقتله, ما دام أنه قال: أشهد أن لا إله إلا اله وأن محمداً رسول الله.
السائل: مع أن الشيوعي كان مثخناً بالجراح.
الجواب: ولو أثخن بالجراح, أليس معه عقله؟ كل من معه عقله فإسلامه صحيح, لكن ما دام متأولاً فالله يعفو عنه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر