أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثاني والعشرون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بـ(لقاء الباب المفتوح) والتي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع.
وهذا هو الخميس الحادي والعشرون من شهر ذي الحجة، عام (1416هـ)، نتحدث فيه عما منَّ الله به على الحجاج في هذا العام من الصحة والأمن، والاستقرار، والنظافة في جميع المشاعر، حتى أدى المسلمون نُسُكهم -ولله الحمد- على أتم وجه، ولكن لا يخلو مثل هذه التجمعات الكبيرة من بعض النواقص ولا سيما ممن ليس عندهم علم بالشريعة ومقاصدها ومواردها، عامةُ الحجاج جهالٌ عوامٌ لا يعرفون إلا أنهم أدوا النسك؛ وأنهم حجوا وأنهم اعتمروا، لا يشعرون بأن هذه عبادة عظيمة يتلبَّس بها الإنسان من حين الإحرام إلى أن يتحلل، ولذلك تجدهم في عنف عند التلاقي بإخوانهم في المشاعر، وفي الطواف، وفي السعي، وفي رمي الجمرات، وتجد كثيراً منهم لا يقبل النصح؛ لأنه إنما جاء ليؤدي أفعالاً فقط دون أن يُشعر قلبه بأنه في عبادة، وهذا أمر يجب على إخواننا المسلمين كلهم أن يشعروا بأنهم في عبادة من حين الإحرام إلى أن يتحللوا وينتهي نسكهم.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وأخبر بأنه: (من حج، ولم يرفث، ولم يفسق رجـع -يعني من ذنوبه- كيوم ولدته أمه) وهذا يؤدي إلى أن يكون المسلم بعد فراغه من الحج خيراً منه قبل فعل الحج؛ لأنه عاد نقياً من الذنوب، فلا ينبغي أن يلطِّخ صفحات أعماله بالذنوب بعد أن طهَّره الله تعالى منها، وذلك بالمحافظة على طاعة الله عز وجل:
وأعظمُها وأشدُّها: الصلاة، فإنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الدين، ولا يُمكن أن يكون دين إلا بِها، ولهذا كان أصـح الأقوال من أقوال أهل العلم أن تاركها كسلاً، أو تهاوناً كافر كفراً مُخرجاً عن الملة -والعياذ بالله-.
المحافظة كذلك على أداء الزكاة إلى مستحقيها الذين بيَّنهم الله تعالى في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60] .
وكذلك الصوم، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والضيافة، وغير ذلك من شرائع الدين، وشعائره.
نسأل الله لنا ولكم الاستقامة والثبات.
لما ذكر أن العبد، بل الإنسان -كل الإنسان- كادح إلى ربه (كادح) أي: عامل بجد ونشاط (إلى ربه) أي: أن عمله هذا ينتهي إلى الله عز وجل، كما قال الله تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ [هود:123] لما ذكر هذا قال: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [الانشقاق:7] إشارة إلى أن هؤلاء العاملين منهم من يؤتى كتابَه بيمينه، ومنهم من يؤتى كتابَه من وراء ظهره.
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ : و(أوتي) هنا: فعل مبني لما لم يسم فاعله، فما الذي يؤتيه؟ يحتمل من الملائكة أو غير ذلك لا نعلم، المهم أنه يُعطى كتابه بيمينه يستلمه باليمنى.
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً : والمحاسب له هو: الله عز وجل، كما قال تعالى: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:25-26] .
ينقلب من الحساب إلى أهله في الجنة مسروراً -أي: مسرور القلب- وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن: (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر) ثم هم بعد ذلك درجات، وهذا يدل على سرور القلب؛ لأن القلب إذا سُرَّ استنار الوجه.
هؤلاء هم الأشقياء -والعياذ بالله- يؤتَى كتابَه وراء ظهره وليس عن يمينه، وفي الآية الأخرى في سورة الحاقة: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ [الحاقة:25] فقيل: إن من لا يؤتى كتابَه بيمينه ينقسم إلى قسمين:
1/ منهم من يؤتى كتابه بالشمال.
2/ ومنهم من يؤتى كتابه وراء ظهره.
والأقرب والله أعلم: أنه يؤتى كتابه بالشمال، ولكن يده تُعْكَس حتى تكون من وراء ظهره إشارة إلى أنه نبذ كتاب الله وراء ظهره، فيكون الأخذ بالشمال، ثم تلوى يده إلى الخلف، إشارة إلى أنه قد ولى ظهره كتابَ الله عز وجل، ولم يبالِ به، ولم يرفع به رأساً، ولم يرَ بمخالفته بأساً.
فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً [الانشقاق:11-12] أي: يصلى النار التي تسعَّر به -والعياذ بالله- ويكون مخلداً فيها أبداً؛ لأنه كافر.
فالسرور الأول: سرور دائم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
والسرور الثاني: سرور زائل، قد ذَهَبَ، كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً أما الآن فلا سرور عنده.
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [المطففين:13] :-
أي: أن هذه الأساطير ليست إلا لإشغال المجالس والتلهي بها فقط، وذلك لأنه -والعياذ بالله- لم يكن مؤمناً، فلا يصل نور آيات الله عز وجل إلى قلبه، ويراها مثل أساطير الأولين التي يتكلم بها العجائز والشيوخ، وليس لها أي حقيقة وليس فيها أي جِد.
ولكن هؤلاء بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ : أي: اجتمع عليها وحجبها عن الحق.
مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ : أي: من الأعمال السيئات؛ لأن الأعمال السيئات تحول بين المرء وبين الهدى، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17] فمن اهتدى بهدى الله، واتبع ما أمر الله به، وترك ما نَهى الله عنه، وصدَّق بما أخبر الله به وفاءً منه، وذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا شك أن قلبه يستنير، وأنه يرى الحق حقاً، ويرى الباطل باطلاً، ويعظِّم آيات الله عز وجل، ويرى أنها فوق كل كلام، وأن هدي محمد صلى الله عليه وسلم فوق كل هدي، هذا من أنار الله قلبه بالإيمان، أما -والعياذ بالله- من تلطخ قلبه بأرجاس المعاصي وأنجاسها فإنه لا يرى هذه الآيات حقاً بل لا يراها إلا أساطير الأولين كما في هذه الآية.
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، وفي (بَلْ) سكتـة لطيفـة عنـد بعـض القراء، وعند آخرين لا سكتة، فيجوز على هذا أن تقول: كَلَّا بَلْ ، ويجوز أن تقول: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وهذه لا تغير المعنى، أي: سواء سكت أم لم تسكت فالمعنى لا يتغير.
أي: حقاً إنهم عن ربهم لمحجوبون، وذلك في يوم القيامة، فإنهم يُحجَبون عن رؤية الله عز وجل، كما حُجِبوا عن رؤية شريعته وآياته، فرأوا أنها أساطير الأولين، وبهذه الآية استدل أهل السنة والجماعة على ثبوت رؤية الله عز وجل، ووجه الدلالة ظاهر، فإنه لما حَجَب هؤلاء في حال السخط إلا وقد مكَّن للأبرار من رؤيته تعالى في حال الرضا، فإذا كان هؤلاء المحجوبون فإن الأبرار غير محجوبين، ولو كان الحجب لكل منهم لم يكن لتخصيصه بالفجار فائدة إطلاقاً، ورؤية الله عز وجل ثابتة في الكتاب، ومتواترة في السنة، وإجماع الصحابة والأئمة، لا إشكال في هذا أنه تعالى يُرَى حقاً بالعين كما قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] ، وقال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله تعالى، وكما في قوله تعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35] والمزيد هنا هو بمعنى: الزيادة في قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] ، وكما قال تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام:103] فإن نفي الإدراك يدل على ثبوت أصل الرؤية، ولهذا كانت هذه الآية مما استدل به السلف على رؤية الله، واستدل به الخلف على عدم رؤية الله، ولا شك أن الآية دليل عليهم بأن الله لم ينفِ بها الرؤية، وإنما نفى الإدراك، ونفي الإدراك يدل على ثبوت أصل الرؤية.
فالحاصل: أن القرآن دل على ثبوت رؤية الله عز وجل حقاً بالعين، وكذلك جاءت السنة بذلك صريحة، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب) ، (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تُضامون في رؤيته) وقد آمن بذلك الصحابة رضي الله عنهم، والتابعون لهم بإحسان من سلف هذه الأمة وأئمتها، وأنْكَر ذلك من حُجِبَت عقولهم وقلوبهم عن الحق فقالوا: إن الله لا يمكن أن يُرَى بالعين، وأن المراد بالرؤية في الآيات هي رؤية القلب، أي: اليقين، ولا شك أن هذا قول باطل مخالف للقرآن والسنة وإجماع السلف ، ثم إن اليقين ثابت لغيرهم -أيضاً- حتى الفجار يوم القيامة سوف يرون ما وعدوا به حقاً ويتيقنونه.
وليس هذا موضع الإطالة في إثبات رؤية الله عز وجل، والمناقشة في أدلة الفريقين؛ لأن الأمر ولله الحمد من الوضوح أوضح من أن يطال الكلامُ فيه.
إن هؤلاء الفجار لصالو الجحيم أي: يصلونها؛ يصلون حرارتها وعذابها، نسأل الله العافية.
ثُمَّ يُقَالُ [المطففين:17] تقريعاً لهم وتوبيخاً: هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [المطففين:17] :-
فيجتمع عليهم العذاب البدني والألم البدني بصَلْي النار، وكذلك العذاب القلبي بالتوبيخ والتنديم حيث يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [المطففين:17] ولهذا يقولون: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27] قال الله تعالى: بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28].
الجواب: الفرق بينهما: أن الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين:
قسم نص عليه الشارع بعينه: مثل: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [المائدة:3] إلى آخره، ومثل قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24] يعني: من النساء، والأمثلة على هذا كثيرة.
وقسم آخر لا ينص عليه بعينه ولكن يذكره في القواعد العامة من الشريعة والأدلة العامة من الشريعة، وذلك لأن الشريعة شاملة عامة لكل شيء، ولا يمكن أن يُنَصَّ على كل مسألة بعينها؛ لأن هذا يستدعي أسفاراً كثيرة لا تحملها الجمال ولا السيارات؛ ولكن هناك قواعد عامة يُنْعِم الله على من يشاء من عباده فيستطيعون أن يُلْحِقوا الجزئيات بأحكام هذه القواعد العامة، مثل: (لا ضرر ولا ضرار) مثلاً، هذا حديث وإن كان في صحته نظر لكن قواعد الشريعة تشهد له، فيمكن أن تدخل في هذا آلاف المسائل التي فيها الضرر، وآلاف المسائل التي فيها المضارة دون أن يُنَصَّ عليه، فمثلاً: في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بين رجلين خصومة، وكان أحدهما له أرضان، وبينهما أرض الآخر، فأراد صاحب الأرضَين أن يجري الماء على أرض الآخر إلى أرضه الأخرى، فأبى صاحب الأرض وقال: [لا يمكن أن تجري الماء على أرضي]، فرُفِع الأمرُ إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأمر أن يُجْرَى الماء على أرضه قهراً عليه وقال: [لأجرينه ولو على بطنك، أو قال: على ظهرك] ؛ لأن هذا الجار الذي أبى أن يمر الماء من أرضه إنما أراد المضارة بصاحبه، وإلا فالمصلحة له، يعني: يتمكن من أن يغرس على هذا الماء الذي يجري، أو يزرع عليه فهو مصلحة للطرفين.
الجواب: هذا الذي ذُكِر ليس فيه دليل، ويمكن أن يُعْطَى الكتاب من وراء ظهره بدون أن تخرق صدره، يمكن أن تلوى من الخلف ويحصل بهذا.
الجواب: هذا صحيح؛ لأنه كان في الأول عليه الصلاة والسلام قليل ذات اليد، ولا يفتدي مَن عنده الأموال، لكن لما كَثُرَت الأموال التي أشار الله إليها بقوله: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ [الفتح:20] لما كثرت الأموال عنده صار إذا قُدِّم عليه الميت وعليه دَين التزم هو صلى الله عليه وسلم بالقضاء وصلى عليه، فيؤخذ من هذا أن الميت إذا خلَّف رهناً يكفي دينَه أو ضَمِنَه ضامن فإنه لا أثر لهذا الدين في ذمته، ومن ذلك ما هو الآن شائع كثيراً في مجتمعنا من الدين الذي يثبت على الإنسان من صندوق التنمية العقارية وهو مؤجل لسنوات عدة، فهؤلاء إذا ماتوا وقد أدوا ما حل في حياتهم فليس عليهم تَبِعَة لما بقي من الدين؛ لأن هذا الدَّين فيه رهن، وهذا الرهن يكفي لأداء ما بقي من الدين.
الجواب: هذا لأن الموالاة أقسام، الموالاة التي هي المناصرة بحيث يناصر الكفار على ما كانوا عليه فهذا مخرج عن الملة، وأما الموالاة التي تكون بسبب الأحلاف والأيمان فلا بأس بها فإن النبي صلى الله عليه وسلم عقد الحلف بينه وبين خزاعة، ولما اعتدت قريش على خزاعة جاء النبي عليه الصلاة والسلام -هذا نقضاً للعهد- وألغى الصلح الذي بينه وبين قريش؛ لأنهم اعتدوا على خزاعة الذين هم حلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام، فالموالاة التي تخرج هي أن يوالي الكفار على ما كانوا عليه بحيث يناصرهم ويساعدهم على أي حال كانوا حتى وإن قاتلوا المسلمين فهذا هو الذي يقول الله فيهم: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] .
ولم يتطرق مثلاً إلى قصة حاطب بن أبي بلتعة ، ألم تكن تلك صورة عملية ولم تكن قلبية؟
حاطب رضي الله عنه بيَّن السبب في أنه كتب لقريش بأن الرسـول عليـه الصلاة والسلام يغزوهم بأن عندهم -أي: قريش- له من الأموال والبيوت ما يخشى عليه فعذره النبي عليه الصلاة والسلام، ثم إنه أيضاً لم يعذره بذلك العذر التام إلا أنه كان من أهل بدر ، وقد قال الله لأهل بدر : (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) .
الجواب: النذر، لو نذر الإنسان نَذْرَ تَبَرُّعٍ أن يحج وجب عليه أن يحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) والحج طاعة لله ورسوله، فإذا نذر أن يحج وجب عليه أن يحج، وقولنا: نَذْرَ تَبَرُّعٍ احترازاً مما لو كان نذر احتجاجٍ أو غضب وهو الذي يقصد به المنع، أو الحث، أو التصديق، أو التكذيب، ويظهر ذلك بالمثال إذا قال رجل: إن شفى الله مريضي فلله عليَّ أن أحج هذا العام أو أن أحج، ويُطْلِق، هنا النذر نَذْرُ تَبَرُّعٍ؛ لأنه نذر في مقابلة نعمة فيكون شكراً، وأما لو قال: إن كلمت فلاناً فلله عليَّ نَذْرٌ أن أحج كل عام، فهذا لا يلزمه الوفاء به؛ لأنه لم يقصد بذلك التقرب إلى الله بالحج، وإنما قصد بذلك أن يثقل على نفسه حتى يمتنع مما نذر عليه.
فالمهم أن الحج يكون واجباً بالنذر، كذلك -أيضاً- يكون واجباً إذا شرع فيه، ولو كان حج نافلة، لقول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] ، وهذه الآية نزلت قبل فرض الحج؛ لأنها نزلت في الحديبية عام (6) للهجرة وفَرْضُ الحج إنما كان في السنة التاسعة، وعلى هذا فيجب الحج لأمرين:
بالشروع فيه.
وبالنذر.
وأما الفريضة فهي واجبة.
الجواب: ليس لهم أن يعفوا، وذلك لأن حق أولياء المقتول لا يَرِد إلا بعد الدين؛ لقول الله تعالى في آية المواريث: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] ، فليس لهم حق في إسقاط الدية؛ لأن الدية تَرْكٌ في التركة، ولهذا تضاف إليها فإذا قدرنا أنه قتل وعنده خمسون ألفاً والدية مائة ألف صار ماله مائة وخمسين ألفاً.
الجواب: أي أن هذا الحكم إنما هو لمن اتقى الله عز وجل بحيث أتى بالحج كاملاً وقبل التعجل، وتأخر للتقرب إلى الله عز وجل لا لغرض دنيوي، أو حيلة، أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا القيد راجعاً لمسألتين:
للتعجل.
والتأخر.
وقيل: إن القيد للأخير فقط وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203] يعني: أن التأخر أَتْقَى لله عز وجل؛ لأنه خير من التعجل؛ حيث إن الرسول عليه الصلاة والسلام تأخر، وحيث إن المتأخر يحصل له عبادتان:
الرمي.
والمبيت.
لكن الأظهر والله أعلم أن هذا القيد للتعجل والتأخر.
الجواب: هذا حرام ولا يجوز للإنسان أن يقول: عليك وجه الله أن تتغدى عندي أو تتعشى؛ وذلك لأنه استشفع بالله على الخلق، والله عز وجل أعظم من أن يكون واسطة بينك وبين الناس، فهذا القول حرام ويجب النهي عنه.
والمخاطَب له أن يخالف؛ لأن هذه الصيغة محرَّمة، والمحرمة لا يُلزَم بها شيء.
الجواب: لا بأس أن يبني على الأول، إذا كان سعى شوطاً ثم شق عليه الزحام وانتقل إلى فوق فلا حرج، ويكمِّل على الشوط الأول؛ لأنه كله مسعى، وليس هناك مدة طويلة بين انتقاله إلى السطح الأعلى من السطح الأسفل.
الجواب: الأمر في أثاث المسجد وسماعاته ومكينة مكبر الصوت وما أشبه ذلك المرجع في هذا إلى الجهة المسئولة عن المساجد.
أما إذا كان المسجد خاصاً بشخص هو الذي يتولاه ويقوم عليه فهذا لا حرج عليه أن يبيع ما زاد عن فرشه ويجعله في مصلحة أخرى للمسجد.
والمساجد التي تحت رعاية الشئون الإسلامية ليس للإنسان أن يتصرف فيها بأي شيء، حتى لو فرضنا أن هذا المسجد فيه ألف مصحف، وعندنا مسجد آخر ما فيه إلا عشرة مصاحف ومحتاج إلى مائة مصحف؛ فإنه لا يمكن أن ننقل من المسجد الأول إلى الثاني إلا بإذن المسئولين عنه، أما المساجد الخاصة فهذه لها شأن آخر.
الجواب: نعم. إذا مر المسافر في قرية أو مدينة وهم يصلون الجمعة وهو يريد أن يبقى فإنه يجب عليه أن يحضر إلى الجمعة لعموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] فيقال لهذا المسافر: ألستَ من المؤمنين؟ سيقول: بلى. فإذاً يشملك الخطاب، ولكنه يصلي بنية الجمعة كالمرأة إذا حضرت في صلاة الجمعة فإنها تصلي بنية الجمعة لا بنية الظهر، وإنما قلنا: يصلي بنية الجمعة اتباعاً للإمام من وجه؛ ولأن الجمعة أفضل من الظهر، فلا ينبغي أن ينصرف عن الأفضل إلى المفضول.
وأما قوله: هل يجوز لهذا المسافر أن يجمع العصر إلى الجمعة؟
نقول: لا يَجوز؛ لأن الصلاة إنَّما تُجمع إلى نظيرتِها، والعصر ليست نظيرة للجمعة، هذا من جهة التعليل العقلي، ولأنَّها لم تَرِدْ بِها السنة، أي: لم تَرِدْ السنة بجمع العصر إلى الجمعة، والجمع صفة شرعية، لا يجوز للإنسان أن يقوم بها إلا بدليل من الشرع.
الجواب: يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر:16] يخاطب الله عز وجل هؤلاء البارزين يقول: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ أنتم في الدنيا عندكم مالِك ومَمْلُوك، فلِمَن الملك اليوم؟ فيجيب نفسه عز وجل: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وهذا قبل أن يدخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة، وذلك كله في عرصات يوم القيامة.
الجواب: لا. هذا غير صحيح، إذا قال الإنسان: اللهم أنجني من النار، فهل معناه أنه دخل فيها؟
طبعاً: لا؛ لكني ظننتُ أنه يقول: لماذا يسأل بالإعتاق بدل النجاة؟! أنا أقول: لا بأس أن يسأل بالإعتاق بدلاً من النجاة، كما جاء في الحديث في باب صيام رمضان: (ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) وجاء فيمن أعتق عبداً (أن الله يعتقه بكل جزء منه أو بكل عضو منه عضواً من النار).
الجواب: هذا ظاهر الحديث: (من حج فلم يرفث ولم يفسق -إذا أتى بهذا القيد- رجع كيوم ولدته أمه) وكذلك حديث عمرو بن العاص الذي أشرتَ إليه: (وأن الحج يهدم ما قبله) ظاهره العموم، وأنه يهدم كل شيء ما عدا الكفر فلابد فيه من توبة.
وهذا الذي ذكرتَ ذكره بعض العلماء قال: إذا كانت الصلوات الخمس لا تكفِّر إلا إذا اجتُنِبَت الكبائر وهي أعظم من الحج وأفضل وأحب إلى الله فالحج من باب أولى، لكن نقول: هذا ظاهر الحديث، ولله تعالى في حكمه شئون، والثواب ليس فيه قياس، والحمد لله أنت احتسب على ربك هذا فلعل الله عز وجل أن يؤتيك إياه.
الجواب: الفرق أنه لا يقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ولا يزيد في الدعاء على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما هل هو سنة أو واجب، فلا أعلم هل يرى الشيخ أنه واجب أو أنه من باب السنة؛ لكن القول الصحيح عندي: أنه لا يزيد، وأنه يقتصر على قوله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف هذا التشهد حتى كأنما هو جالس على الرَّضَف) أي: الحجارة المحماة، وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً لكنه الظاهر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علَّم ابن مسعود وابن عباس التشهد، ولم يُذْكَر فيه الصلاة على الرسول، فمن زادها فلا حرج، ومن لم يزدها فلا حرج.
لكن الإمام لا يقول الصلاة على النبي، والذي وراءه يقول ذلك.
الجواب: الواجب عليهم أن يعيدوا الجمعة ظهراً، وأن يصلوا عصراً؛ لأن الجمعة لا تصح للمسافر إلا إذا كان معه ناس يقيمون الجمعة يعني: بحيث أنهم مروا بمدينة وصلوا مع الناس فهذا لا بأس به، تجزئهم؛ لكن وهم في البر لو صلوا الجمعة فصلاتهم باطلة، أما إذا صلوها تبعاً، فليس عليهم إلا صلاة العصر التي جمعوها إلى الجمعة فيجب عليهم إعادتها، وتكون ركعتين وإن كانوا في البلد؛ لأنها وجبت عليهم كذلك، ويصلونها عندما يعلمون أن عملهم غير صحيح مثلاً: قيل لهم قبل الظهر بدقيقتين إن صلاتكم للعصر التي جمعتموها إلى الجمعة غير صحيحة، فيجب عليكم أن تعيدوا العصر، نقول: صلوها الآن.
الجواب: بعد مكبرات الصوت لا يُسَن الالتفات؛ لأن المراد بالالتفات هو أن يَعْلم أو أن يَسْمع مَن على اليمين وعلى الشمال، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنك تقول: حي على الصلاة على اليمين، حي على الصلاة على اليسار، حي على الفلاح على اليمين، حي على الفلاح على اليسار، أما مع وجود مكبر الصوت فإن الالتفات يؤثر على الصوت؛ لأنك إذا التفت لم تكن اللاقطة أمامك فيضعف الصوت؛ لكن وضع السبابة في الأذنين هذه سنة، حتى وإن كنت تؤذِّن في مكبر الصوت.
الجواب: نعم، إذا خطب المرأة ورآها أول مرة، ثم أراد أن يعيد النظر مرة أخرى فلا بأس إذا لم يكن قصده التمتع بالنظر إليها فلا بأس؛ لأن الإنسان قد يرى الشيء لأول مرة خلاف ما هو عليه، فيقول: أريد أن أكرر المرة لأجل أتأمل أكثر، فنقول: لا بأس بهذا؛ لأن المقصود من النظر إلى المخطوبة هو: أن يخطبها وهو على بصيرة منها حتى يكون ذلك أدعى إلى محبتها والالتئام بينهما.
الجواب: إذا كان الإنسان لم يصلِّ المغرب ودخل والناس يصلون صلاة العشاء فإنه يدخل معهم بنية المغرب، ثم إن أدرك الإمام في الركعة الأولى فإنه يجلس إذا قام الإمام إلى الرابعة، ويتشهد ويسلم ويدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن أدرك الإمام في الركعة الثانية سلم مع الإمام؛ لأنه تم له ثلاث ركعات، وإن أدركه في الركعة الثالثة أدى بركعة بعد سلام الإمام.
والمخالفة للعذر لا بأس بها، وقد نص على هذا أهل العلم رحمهم الله في كتبهم ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من العلماء، نعم.
الجواب: لا حرج على الإنسان إذا أتى بالعمرة وهو متمتع أن يخرج إلى بلد آخر فيما بين العمرة والحج، ويبقى على تمتعه إلا إذا رجع إلى بلده ثم عاد من بلده محرماً بالحج فحينئذٍ لا يكون متمتعاً؛ لأن السفر الذي كان للعمرة انقطع برجوعه إلى بلده، وعلى هذا فيكون مفرِداً لا متمتعاً، فمثلاً لو كان الرجل من أهل جدة وأتى بعمرة في أشهر الحج على أنه سيحج هذا العام، ثم رجع إلى جدة وفي اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج فإن هذا لا يكون متمتعاً؛ لأنه عاد إلى بلده، وقطع سفره الأول، والله عز وجل يقول: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196] ، فظاهر هذا أنه في سفر واحد؛ لأنه إذا قطع السفر وأنشأ سفراً جديداً للحج لم يكن متمتعاً بالعمرة إلى الحج؛ بل هو محرم بالحج رأساً، وهذا هو المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأظنه أيضاً عن ابنه عبد الله، وهو مقتضى النظر والقياس.
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر