هذا هو اللقاء السادس والخمسون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الثالث والعشرون من شهر محرم عام 1418هـ.
فـ(ما أتى الذين من قبلهم من رسول) أي: ما أتاهم رسول إلا وصفوه بهذين الوصفين: (إلا قالوا ساحر أو مجنون) ساحر باعتبار تأثيره وبيانه وبلاغته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من البيان لسحراً).
(أو مجنون) أي: أو قالوا مجنون باعتبار تصرفاته؛ لأن هذا التصرف في نظر هؤلاء المكذبين جنون نسأل الله العافية، وفي هذا تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الإنسان إذا علم أن غيره أصابه ما أصابه تسلى بذلك وهان عليه الأمر، ولهذا قالت الخنساء وهي ترثي أخاها صخراً قالت في رثاءٍ لها:
ولولا كثرة الباكين حـولي على إخوانهم لقتلت نفسي |
وما يبكون مثل أخي ولكـن أسلي النفس عنه بالتأسي |
وقد دل لذلك قول الله تبارك وتعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [الزخرف:39] لأن الإنسان إذا شاركه غيره في العذاب هان عليه، لكن يوم القيامة لا ينفع الإنسان أن يشاركه غيره في عقوبته، المهم أن في هذه الجملة بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام تسلية لـه حتى لا يحزن، فإن ما أصابه قد أصاب غيره، وفيها أيضاً دليل على أن المكذبين للرسل طريقتهم واحدة ولو تباعدت أزمانهم وأقطارهم، لأن المجرم أخو المجرم فالطريقة واحدة.
الجواب: لا، ولهذا قال: بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:53] وهذا إضراب إبطال، أي: ما حصل تواصل، ولكن تواردت الخواطر؛ لأن الهدف واحد وهو تكذيب الرسل فاتفقت الكلمة، وفي قوله: (طاغون) وصف بأن هؤلاء طغاة معتدون، وهذا من أعظم الطغيان -والعياذ بالله- أن يصفوا دعاة الحق بأنهم سحرة ومجانين.
فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ [الذاريات:54] أي: لا أحد يلومك؛ لأنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، وصبرت وصابرت، فلقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم وصابر على أذى قريش وامتهانهم إياه، ولكنه كانت لـه العاقبة ولله الحمد، ولهذا قال: (تول عنهم) بمعنى: أنك لا تتعب نفسك فيهم، ولا تهلك نفسك فيهم، فأنت في هذه الحال لا تلام على ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قام بما يجب عليه.
وفي قوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ [الذريات:54] فيها أمران: الأمر الأول: عذر النبي عليه الصلاة والسلام وإقامة العذر له، والأمر الثاني: تهديد هؤلاء المكذبين أن الله تعالى يهددهم بتولي الرسول عنهم؛ لأنهم لا خير فيهم.
إن كانت الأولى فاحمد الله فإنك من المؤمنين، وإن كانت الثانية فحاسب نفسك ولا تلومن إلا نفسك، عليك أن ترجع إلى الله عز وجل حتى تنتفع بالذكرى.
وفي الآية دليل على أنه كلما كان الإيمان أقوى كان الانتفاع بالذكرى أعظم وأشد، وذلك من قاعدة معروفة عند العلماء وهي: أن الحكم إذا علق بوصف ازداد بزيادته ونقص بنقصانه.
أما قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات:57] * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58] فقد سبق الكلام عليها في اللقاء السابق.
وانظر كيف سمى الله تعالى السابقين بأزمان بعيدة أصحاباً لهؤلاء؛ وذلك لاتفاقهم في التكذيب، ورمي الرسل بما لا يستحقون، فهم أصحاب في الواقع وإن تباعدت الأزمان والأماكن، (فلا يستعجلون) النون هنا مكسورة على أنها نون الوقاية، وحذف الضمير الياء وأصله: فلا يستعجلوني، فحذفت الياء تخفيفاً، ولهذا لا يشكل على الإنسان فيقول: كيف كانت النون مع (لا) ناهية؟
والجواب: أن نقول: إن هذه النون ليست نون الإعراب ولكنها نون الوقاية، فالفعل -إذاً- مجزوم، والنون للوقاية والياء التي هي المفعول به محذوفة، وفي قوله: (فلا يستعجلون) تهديد واضح أن هؤلاء سيأتيهم العذاب لا محالة ولكن لا يستعجلون الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يملي للظالم ويمهله حتى إذا أخذه لم يفلته، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وتلا قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]).
الشيخ: يعني اشترى منه قطعة غيار ثم ركبها في السيارة؟
السائل: لا. هو أرجعها على أساس أنها ما تركب وهي الأصل أنها تركب، صاحب المحل رفض أن يأخذ القطعة. فيقول: إن هذا دعا عليه بسبب أنه ما قبل القطعة وأعطوه مقابلاً .. فهو يسأل يقول: هل ظلمته أو كذا؟
الشيخ: هل بينهم شرط أنه إذا اشترى هذه القطعة على أن يركبها في السيارة فإن ركبت وإلا ردها عليه؟
السائل: لا أدري.
الشيخ: إذا كان بينهم شرط على أنها إن ركبت في السيارة أخذها وإلا ردها فله الحق أن يردها، وصاحب المحل ليس لـه حق ألا يقبل الرد؛ بل يجب عليه أن يقبل الرد.
أما إذا لم يكن بينهما شرط بل هو -أي صاحب السيارة- رأى هذه القطعة أنها تركب على سيارته فاشتراها بدون شرط، فهنا لصاحب الدكان الذي باعها أن يرفض الرد.
السائل: صاحب المحل سيخسر القطعة الآن .
الشيخ: يخسر أو لا يخسر ..
السائل: أخذها على أنها تركب فيه، أخذ شخص قبله نفس القطعة وبعده وكلها ركبت ما رجعوا..
الشيخ: على كل حال جوابي واضح، والتطبيق عليك أنت، ما دام أنه أخذها على أنه يريد أن يركبها في السيارة فإن ركبت وإلا ردها فليس لصاحب القطعة الذي باعها أن يمتنع من قبولها، وإن كان لم يشترط فهي له ولا يلزم صاحب الدكان الذي باعها بقبولها، لكن خير من هذا أن يصطلحا يقول: خذها وأن أضمن النقص إن كان فيها نقص.
الجواب: لا بأس بهذا إذا كان المقلد حسن الصوت وحسن الأداء فإن هذا لا بأس به.
الشيخ: إي نعم، هذا يسأل يقول: إنه حضر إلى مسجد آخر بعد أن صلى الفريضة ووجدهم قد صلوا ركعتين ودخل معهم في الركعتين الباقيتين ونواها نفلاً، فهل يجوز؟
نقول: نعم يجوز.
السائل: وإن دخل من أول الصلاة؟
الشيخ: وإن دخل من أول الصلاة يجوز ويتبعهم.
الجواب: لا بأس بها، يسأل عن استعمال الآلة التي تُعلَّق لقتل الذباب والبعوض؟ فنقول: لا بأس بها؛ لأن هذا ليس تعذيباً بالنار وإنما هو بالصعق، ثم لو فرض أنها نار ولم يتمكن من دفع أذاها إلا بذلك فلا بأس.
الجواب: أنا أرى أن الأولى أن يحفظ القرآن لاشك، القرآن هو أصل العلم، فحفظ القرآن أولى، لكن بإمكانه أن يجمع بينهما فيما أظن إذا لم يكن هناك أشغال أخرى، يجعل أول النهار لحفظ القرآن، وآخر النهار لمراجعة بعض المتون، ويتمكن من هذا وهذا، وإذا لم يستطع فالقرآن أولى، نحن لا نفضل شيئاً على القرآن إطلاقاً.
الجواب: يعني يسأل: هل يجوز أن يقبل الإنسان أخته شقيقة كانت أو لأب أو لأم؟
نقول: الأصل الجواز، لكن لا ينبغي أن يقبلها على الخد أو على الفم، وإنما يقبلها على الجبهة أو على الرأس أو تقبله أيضاً على الجبهة أو على الرأس، أما الخد أو الفم فقد كرهه أهل العلم.
الجواب: نعم هذا حديث ثابت في الصحيحين أو أحدهما، شرح الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) سبب ذلك: أنه قدم أناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وهم فقراء فحث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فجاء رجل ومعه صرة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) فيكون معنى الحديث: من ابتدأ العمل بسنة ولنضرب لهذا مثلاً في وقتنا: لو فرضنا أن رجلاً من أهل العلم ذكر الناس بشيء لم يكونوا يعرفونه وهو من السنة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام، فقام أحدهم فعمل به وصار هو أول من قام نقول: هذا الرجل سن سنة حسنة، والمعنى: أنه عمل بسنة أول من عمل بها هو؛ فصار سن سنة حسنة للعمل بها أول من عمل، هذا أمر.
المعنى الثاني: (من سن في الإسلام سنة حسنة) بمعنى: أن السنة اندثرت ونسيها الناس فقام رجل فعمل بها فسنها للناس، هذا أيضاً سن سنة حسنة، ودليل هذا: أن عمر رضي الله عنه لما أمر الناس أن يجتمعوا في قيام رمضان على إمام واحد قال: [نعمت البدعة هذه] فسماها بدعة وهي سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلها، لكن هي سنة باعتبار أنها تركت وهجرت ثم ابتدأها عمر رضي الله عنه.
وأما أن يسن شيئاً من العبادات غير مشروع ويقول: هذه سنة حسنة كما يوجد في بعض الطوائف كطوائف أهل البدع فلا، لا يمكن أبداً أن يكون هذا حسناً، ولهذا زعم بعض أهل البدع الذين سنوا عبادات ما أنزل الله بها من سلطان، زعموا أن هذه سنة حسنة، فيقال: لا يمكن أن تكون حسنة وهي بدعة أبداً، كل بدعة ضلالة.
إذاً.. صار معنى: (من سن سنة حسنة). إذا هو بدأ بها أو أول من عمل بها بعد الدعوة إليها.
الجواب: العجب أن هذا سؤال كثر في الناس هذه الأيام، أنا لا أدري هل يريدون من النساء أن تبقى لا تلبس إلا ما يستر ما بين الركبة والسرة؟!!
لعلهم يريدون هذا هم أو أهل الشر، إذا قلنا: إن عورة المرأة بالنسبة للمرأة كعورة الرجل بالنسبة للرجل صارت العورة ما بين السرة والركبة، فهل يريدون هؤلاء السائلون أو النساء السائلات أن تخرج المرأة إلى أختها ليس عليها إلا سروال من السرة إلى الركبة؟!!
لهذا يجب العدول عن هذا السؤال، ويجب أن يقال: المرأة يجب أن تلبس ثياباً من الكعب إلى الكف هذا الواجب كما كانت نساء الصحابة يفعلن هذا في بيوتهن، وإذا أرادت أن تخرج جعلت لها ذيلاً في ثوبها يعني: طرفاً من ثوبها يمشي على الأرض حتى لا تتبين قدماها، هكذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه: لباس المرأة ، إن النساء يلبسن في بيوتهن من الكف إلى الكعب، وإذا خرجن صارت المرأة تلبس ثوباً يسحب من ورائها حتى لا يرى قدمها، ومعاذ الله أن نقول: إن نساء المسلمات يجوز أن يخرجن بين النساء ليس عليها إلا ما يستر ما بين السرة والركبة، معاذ الله أن نقول هذا، لكن لو فرض أن امرأة عليها ثياب ساترة وافية واسعة ثم رفعت ثوبها من أجل أن تعمل عملاً يعني: فساعدت أمها مثلاً على عمل ما فيه بأس، أو رفعت ثوبها لتمر من على ماء أو ما أشبه ذلك فلا بأس، أو أخرجت ثديها لترضع ولدها أمام أخواتها فلا بأس، أما أن يكون اللباس نقول للمرأة: أن تلبس ما بين السرة والركبة، لا أحد يقول بهذا.
الجواب: الصحيح في هذا أنه إذا دعت الأم ولدها وهو يصلي فإن كانت دعوتها إياه لضرورة وجب عليه أن يقطع صلاته، وإن مضى فيها فهو آثم، أو كان يعلم أن هذه الأم لو لم يجبها لغضبت عليه ورأت ذلك عقوقاً منه، فهذا أيضاً يجب عليه أن يقطع صلاته، وهذه هي قصة الرجل الذي في الحديث؛ لأن أمه غضبت عليه بدليل أنها دعت عليه.
أما إذا علم أن أمه إذا علمت أنه في صلاة فإنها سوف ترضى بذلك أي: بعدم كلامه إياها فإنه لا يجب عليه أن يقطع صلاة النافلة.
الجواب: يعني رجل اشترى حاجة من الدكان بثمانين ريالاً ومعه ورقة فئة مائة ريال وقال لصاحب الدكان: رد عليَّ عشرين، قال: ليس عندي شيء، فلا بأس أن يجعل المائة عنده ثم يرجع في وقت آخر فيأخذ العشرين.
السائل: إذا أرجع المائة الريال؟
الشيخ: لا حاجة لأن يرجع المائة لماذا يرجعها؟
السائل: إذا رضي البائع بأن يبقى المبلغ عند المشتري.
الشيخ: لا بأس هذه ما فيها إشكال، إذا قال: لا يلزمك أن تنقدني الثمن متى جئت فأت به فلا بأس، لكن إذا قال صاحب الدكان: أنا ما أعطيك إلا أن تعطيني ثمن البضاعة، نقول: أعطه المائة الريال ويبقى عنده عشرون ريالاً بخلاف الصرف، فلو أتيت إلى الصراف وقلت: هذه المائة ريال أعطني فيها من فئة عشرة، قال: ما عندي إلا تسع ورقات فئة عشرة، ما يجوز هذا الصرف، لابد أن يعطيك المائة كلها وإلا ابحث عن غيره.
الجواب: الصلاة في السفر لا تحتاج إلى نية، لو أن إنساناً مثلاً هو مسافر وحان وقت صلاة الظهر فقام يصلي، في أثناء الصلاة قال: والله! ما أدري هل نويت أني أقصر أم لا؟ نقول: لا حاجة له، الأصل في صلاة المسافر أنها مقصورة لا تحتاج إلى نية، فامض وصلِّ قصراً، كذلك إذا دخل المسجد -كما في السؤال- ووجد المصلين وهو من مساجد الطرق التي على الخطوط، فإن الظاهر أنهم يقصرون، فيدخل ويصلي ركعتين.
الجواب: إذا انتقض وضوء الطائف فإن الواجب عليه أن يخرج من الطواف ويتوضأ ثم يعود ويستأنف الطواف من جديد، هذا ما عليه جمهور العلماء؛ لأن من شرط الطواف الطهارة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا انتقض الوضوء وهو يطوف فإنه يستمر في طوافه ولا يلزمه الوضوء؛ لأن الطواف ليس من شرطه الوضوء، وما قاله شيخ الإسلام رحمه الله هو الصحيح؛ لأنه ليس هناك دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الطواف تشترط له الطهارة، غاية ما فيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام حين أراد أن يطوف توضأ ثم طاف، وهذا فعل والفعل لا يدل على الوجوب، كذلك أيضاً في حديث عائشة لما حاضت قال: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) وهذا لأنها حائض، والحيض يلوث المسجد في الغالب، وأيضاً الحائض لا تمكث في المسجد، وكذلك الجنب لا يمكث في المسجد، ومثله أيضاً حديث صفية أنها حاضت بعد الحج فقال: (أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فانفروا) فهو دليل على أنه لو كانت حائضاً ما طافت، فيقال: الحيض غير الحدث الأصغر، لو كان الطهارة واجبة في الطواف لكان الرسول بينها للناس، لأن كثيراً من الناس قد لا يكونوا متوضئين، فالأصل عدم الوجوب، وهذا الذي ذهب إليه شيخ الإسلام وهو الصحيح وهو الذي نفتي به، لكنه لا شك أن كون الإنسان يطوف على طهارة أفضل وأحوط وأبرأ للذمة، لكن أحياناً يقع شيء لا يستطيع الإنسان -يشق عليه مثل أيام الزحام البالغ- أن يتوضأ إذا أحدث في الطواف، لو قلنا: اذهب وتوضأ، ذهب وتوضأ ثم رجع ماذا يصنع؟ يستأنف أو يبني على ما قد سبق؟
مداخلة: يستأنف.
الشيخ: طيب استأنف، في أثناء الطواف أيضاً أحدث، لأن في بطنه غازات مثلاً نقول: اذهب وتوضأ ثم ارجع وابتدأ الطواف؟ قلنا: نعم يفعل، ذهب وجاء ورجع ثم أحدث، وإلى متى؟ لأن الوضوء في أيام الزحمة شاق جداً، أولاً: متى يتهيأ للإنسان أن يخرج؟
ثم إذا خرج متى يجد مكان الوضوء خالياً؟
ثم إذا توضأ ورجع متى يحصل له أن يدخل؟ فكونه موجباً على عباد الله شيئاً ليس فيه دليل واضح من الكتاب والسنة مع هذه المشقة العظيمة، الحقيقة أنه يجد الإنسان نفسه غير مرتاحٍ أن يوجب على عباد الله مثل هذا الشيء بدون دليل واضح، نعم لو كان الأمر سهلاً مثل أيام غير المواسم يخرج ويتوضأ ويرجع ويعيد الطواف هذا أمر سهل، نقول: الأحوط أنك تفعل هذا.
على كل حال: الذي نرى ما رآه شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يشترط الوضوء للطواف.
الشق الأول: ما هو حكم الشيعة وما موقفهم يوم القيامة؟
الشق الثاني: ما هو حكم ختان البنات هل تروه من السنة أم لا؟ جزاكم الله خيراً؟
الجواب: أما السؤال الأول فلا نجيب عليه؛ لأن أمرهم واضح من عقائدهم وأفعالهم.
وأما الثاني: فالصحيح أن ختان المرأة سنة وليس بواجب، وأما ختان الذكر فإنه واجب؛ لأن ختان الذكر يترتب عليه من النظافة ما لا يترتب على ختان المرأة؛ لأن الذكر ختانه بقطع القلفة التي فوق الحشفة، وهذه إذا بقيت يحدث منها أمراض، واحتقان البول بينها وبين الحشفة، وهذا يؤدي إلى تلوث الإنسان بالبول، وإلى مفاسد كثيرة، حتى عند الزواج إذا تزوج الواحد من هؤلاء يجد صعوبة عظيمة عند الجماع لـه ولزوجته، فكان لا شك أن ختان الذكور واجب، وأما الإناث فالصحيح أنه سنة وليس بواجب.
وعلى كل فيجب أن يكون الخاتن حاذقاً يعرف محل الختان ومقداره حتى لا يؤدي إلى التجاوز والتهاون.
الشيخ: هل هو في المدينة الثانية ينوي الإقامة المطلقة وإلا إقامة محددة؟
السائل: على ما أعتقد محددة.
الشيخ: إذا كانت محددة فهو مسافر، كل إقامة محددة لعمل أو زمن فإنها في حكم السفر، خذ هذه القاعدة: الإقامة المحددة بعمل مثل أن ينتدب الإنسان لعمل من الأعمال على أنه متى خلص رجع فهو مسافر لو بقى عشر سنوات، مثل: أن ينتدب قاضٍ إلى جهة من الجهات ويقال: اذهب حتى نجد قاضياً يحل محلك، فهذا مسافر لو بقي عشر سنوات، وهذا محدد بماذا بعمل وإلا زمان؟
بعمل، الإقامة المحددة بزمن مثل أن يقال للشخص: اذهب وادرس في هذا المكان لمدة سنة أو سنتين فهذا أيضاً محدد، فلا فرق بين التحديد بعمل أو التحديد بزمن، كل منهما لا يريد الإقامة المطلقة ولا يريد الاستيطان فهو مسافر، لكن بعض أهل العلم يقولون: إن المحدد إذا تجاوز أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقه ولزمه الإتمام، وبعضهم يقول: خمسة عشر يوماً، وبعضهم يقول: تسعة عشر يوماً، ولكن كلها أقوال متضاربة ليس بعضها أولى بالقبول من بعض، وليس لكل واحد منها دليل صحيح صريح، فلذلك نرجع إلى الأصل هو أن السفر مفارقة الوطن فمتى فارقه الإنسان على وجه مطلق غير مقيد ونوى الإقامة المطلقة في البلد الثاني فقد انقطع حكم السفر في حقه، ومتى كان مقيداً بزمن أو عمل فهو مسافر، وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى وبسطه بسطاً تاماً في باب: صلاة الجمعة من مجموع الفتاوى الذي جمعه ابن قاسم .
الجواب: يعني يكون بين اثنين مخاصمة ويستنجد أحدهما بأخيه أو أبيه أو صديقه، يعلم أنه لا يسمعه، أخوه أو أبوه لا يسمع؟
السائل: لا يسمع من السمع يعني.
الشيخ: هل هو الذي لا يسمع؟
السائل: لا يسمع هذا لأنه بعيد عنه وإنما مراده التخويف للآخر.
الشيخ: لا. هذا ليس من الاستغاثة المحرمة، أولاً: إذا كان هذا الذي استغاث به قريباً فلا بأس كما جاء في قصة موسى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15] فأجابه موسى، وهذا يدل على الاستغاثة فيما يقدر عليه المخلوق جائز.
أما لو استغاث ميتاً فهذا شرك أكبر؛ لأن الميت لا يستطيع أن يغيثه، وكذلك لو استغاث بغائب يريد إغاثته إياه هذا أيضاً لا يجوز، لكن لو استغاث لا على أنه يريد أن يغيثه لكن يخوف خصمه فلا بأس بذلك، إذا كان بحق، لأنه ربما تكون الخصومة ومع أخيه الحق فلا يجوز أن يخوفه في باطل، يعني مثلاً: تخاصم وإياه وجعل ينادي: يا أخي! يا أخي! يا أخي تعال، وهو ما هو موجود، وهو ما قصده أن أخاه ينجيه لكن قصده من أجل ذاك يخاف؛ لأنه ربما إذا سمع أن وراءه أحد يهرب إذا كان لصاً أو معتدياً.
الجواب: هذا فيه تفصيل:
إذا جاء إلى المسجد وهو في التشهد الأخير إن كان معه أحد يعني حوله أحد سيصلي معه انتظر، وإذا لم يكن حوله أحد فليدخل مع الإمام؛ لأن إدراك بعض الصلاة خير من عدم الإدراك.
أما إذا كان سيدرك ركعة كاملة فلا ينتظر أحداً؛ لأنه (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة).
الجواب: قول متابعي المؤذن: (رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً) هذه تكون بعد الشهادتين، أي: قبل أن يقول المؤذن: حي على الصلاة، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن محمداً رسول الله.. أشهد أن محمداً رسول الله، وتابعه السامع فإنه يقول بعد ذلك: رضيت بالله رباً مقابل أشهد أن لا إله إلا الله، وبمحمد رسولاً مقابل أشهد أن محمداً رسول الله، وبالإسلام ديناً مقابل الجملتين جميعاً؛ لأن الإسلام مبني على الإخلاص الذي يدل عليه أشهد أن لا إله إلا الله، وعلى المتابعة التي يدل عليها قوله: أشهد أن محمداً رسول الله.
الجواب: لا هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأن هذا الذي تذكر هو قوله تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9]، المداهنة في الدين لا تجوز، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما صالح اليهود على ألا يعتدي أحد على أحد، لا على أن نرضى بدينهم أبداً ولا يمكن يرضى الرسول بدينهم أبداً، وهذا الذي تذكر يعني الرضا بما هم عليه من الباطل، فالمصالحة على هذا الوجه هي مداهنة في الواقع، والمداهنة محرمة، لا يجوز لأحد أن يداهن أحداً في دين الله، بل يجب بيان الحق مهما كان، لكن من الممكن إذا رأوا من المصلحة ألا يبدءوا بالإنكار قبل كل شيء، وأن يبدءوا أولاً بالشرح الصحيح، فمثلاً إذا تكلم عن الاستواء كما قلتم يشرح معنى الاستواء ويبين حقيقته دون أن يقول ويوجد أناس يفسرونه بكذا إلا بعد أن يتوطن الناس ويعرفوا الحق ويسهل عليهم الانتقال من الباطل إلى الحق.
الجواب: المعنى: أن هؤلاء أعمالهم كسراب بقيعة، فهذا السراب يراه الظمآن فيظنه ماءً، وإذا ظنه ماءً سوف يسرع إليه ويظن أن النجاة فيه فيسرع، فإذا وصل فإذا هو بسراب أبعد وحينئذٍ يهلك أكثر، ومعنى: (ووجد الله عنده) أي: بحضور أجله، هذا المراد بالعندية، وليس أن الله تعالى في نفس المكان؛ لأن الله مستوٍ على العرش عالٍ على الخلق، لكن المعنى: أنه (وجد الله عنده) بمعنى: حضر أجله فوفاه حسابه.
الجواب: هذا خاص، فهناك تذكير تذكر شخصاً معيناً هذا يذكره إن نفعت الذكرى، أما إذا علمنا أنه متمرد ويعرف الحق ولكنه معاند فلا، وأما إذا كان عموماً فهو عام يذكر على كل حال، هذا إذا قلنا: (إن) الشرطية يراد بها: حقيقة الشرط، أما إذا قلنا بالقول الآخر: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9] المعنى: سواء نفعت أم لم تنفع، مثلما يقال للإنسان: علم هذا إن كان ينفعه العلم، المعنى: كرر عليه التعليم، وهذا أسلوب معروف في اللغة العربية أنه يقصد بالشرط الاستمرار، فالعلماء لهم فيها قولان:
فهذه الشرط شرط مقصود بمعنى: ذكر إن رأيت في الذكرى منفعة وإلا فلا، فحينئذٍ نحملها على الخصوص لشخص معين أو طائفة معينة.
أما إذا قلنا: (إن) هنا بمعنى: إن نفعت أو لم تنفع يعني معناه: إن هؤلاء كان لا توجد فائدة ذكرت أو لم تذكر، فلا يقتضي التخصيص.
الجواب: استدلوا على أن هذا ممكن، ممكن أن يجد الإنسان عذاباً ونعيماً وهو لم يتغير، لأن أولئك قالوا: كيف نحن نثبت عذاب القبر ونحن نجد الرجل إذا دفناه اليوم جئنا من بكرة ووجدناه على ما هو عليه؟
نقول: لا يلزم أن يتغير الجسم، العذاب في القبر الأصل أنه على الروح لكن قد تتصل بالبدن، كذلك الرؤيا في المنام هي للروح في الواقع لكن مع ذلك ربما يتألم الجسم ولهذا تجد الإنسان إذا رأى ما يكره في منامه تجده يضطرب ويتقلب ويقول: هذه الليلة نومي ما هو جيد، بل ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح : أنه أحياناً يجد الإنسان إذا رأى في المنام أنه قد ضرب أو ما أشبه ذلك يجد أثر الضرب على بدنه، فهذا مثال تقريبي وإلا ما في شك أن هناك فرقاً بين المنام وبين الموت، يعني: ما يجده الميت من سرور ونعيم أو عذاب وعقوبة أشد وأشد مما يراه النائم.
الجواب: الراجح أن قصر الصلاة في السفر ليس بواجب، وأن قول عائشة : [كانت ركعتين، فزيد في صلاة الحضر ثم أقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى] ليس دليل على أنها مفروضة، ولكن دليل على أنها لم تزد، ويرجح هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما أتم عثمان في منى صلوا خلفه، وهذا كالإجماع منهم على أن القصر ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً ما جاز أن يصلوا خلفه أربعاً، فهذا هو الذي ترجح لنا أخيراً: أنه سنة مؤكدة وليس بواجب.
الشيخ: هي مسافرة؟
السائل: لا هي مقيمة في البلد.
الشيخ: في بلدها؟
السائل: في بلدها وهو كان مسافراً.
الشيخ: وهو مسافر؟
السائل: نعم.
الشيخ: أما بالنسبة له هو فليس عليه شيء يعني: ليس عليه كفارة؛ لأن المسافر يجوز أن يفطر، ولهذا يجب التنبه لهذه المسألة أن بعض الناس في العمرة مثلاً يذهب إلى مكة هو وأهله يبقون الشهر كله أو نصفه أو ما شاء الله ثم يجامعها في النهار وهو صائم نقول: هذا ليس عليه إلا قضاء اليوم فقط، ويجوز أن يجامعها؛ لأنه مسافر، وهذه نقطة يجب التنبه لها؛ لأن بعض الإخوان نسمع أنهم أفتوا أن من جامع زوجته وهو في العمرة أن عليه الكفارة وهذا غلط، ليس عليه شيء إلا قضاء اليوم.
بالنسبة لمسألتك أنت نقول: إنه حرام عليه أن يكره زوجته على الجماع؛ لأنه أفسد صومها، فهو آثم من هذه الناحية، أما زوجته فإذا كانت مكرهة لا تستطيع الدفاع فليس عليها شيء لا قضاء ولا كفارة، فصار الرجل عليه القضاء وليس عليه كفارة، أما بالنسبة للمرأة فليس عليها قضاء ولا كفارة إن كانت مكرهة بحيث لا تستطيع الدفاع، وفي ظني أنها تستطيع الدفاع كيف؟
ألا تأتي إليه، ما دامت تعرف أنها متى أتت إليه يجامعها لا تأتي إليه هي في بيتها.
السائل: البيت واحد يا شيخ!
الشيخ: البيت واحد لكن تستطيع أن تروح في مكان آخر إلا إذا كان ما عندهم أحد في البيت.
السائل: ما عندهما أحد.
الشيخ: ولا يمكن أن تتخلص منه؟
على كل حال: الإكراه معناه: أن يأتي على الإنسان شيء لا يستطيع دفعه، فمتى ثبت أنها مكرهة فليس عليها قضاء ولا كفارة.
السائل: هو عليه كفارة أو القضاء فقط؟
الشيخ: عليه القضاء فقط، وعليه الإثم بالنسبة لإكراه المرأة فليتب إلى الله من ذلك وليستحلها هي.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر