أما بعد:
فهذا هو اللقاء السابع والخمسون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثلاثون من شهر محرم عام (1418هـ)، نتكلم فيه على ما تيسر من كلام الله عز وجل العزيز الحميد، وقد ختمنا سورة الذاريات فلنبدأ بسورة الطور.
والصحيح أنها ليست من الفاتحة، وأن أول آية في سورة الفاتحة هي قول الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ويدل لهذا السنة القولية والعملية: أما القولية فما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فإذا قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال: مجدني عبدي، وإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).
وأما السنة العملية: فهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في صلاة الليل لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويجهر بالفاتحة، وهذا يدل على أنها ليست من الفاتحة، وهذا هو القول الراجح.
يقول الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ [الطور:1-6].
هذه أشياء أقسم الله بها، أولها: الطور ؛ وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، فإن الله تعالى كلمه أول ما كلمه على جبل الطور ، فكان لهذا الجبل من الشرف والفضل ما سبق به غيره من الجبال، ولهذا أطلق كثير من العلماء أنه -أي: جبل الطور- أفضل الجبال وأشرفها، وعلى هذا يكون أشرف وأفضل من جبل حراء الذي ابتدأ فيه الوحي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا ظاهر إطلاق كثير من العلماء، ولكن في هذا الإطلاق نظر؛ لأن حراء كلم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن كلمه جبريل مرسلاً من عند الله، فمنه ابتدأت أفضل الرسالات على أفضل الرسل، وأيضاً حراء داخل الحرم المكي؛ لأنه من الحرم الذي لا يحل صيده، ولا قطع شجره، وبقعة الحرم أفضل البقاع، ويمكن أن يحمل إطلاق كثير من العلماء على هذا فيقال: إلا جبل حراء.
إن قلنا بالأول صار المراد بالكتاب عدة أشياء منها: اللوح المحفوظ، ومنها: الكتب التي بأيدي الملائكة، ومنها: القرآن الكريم، ومنها: التوراة، فيشمل عدة كتب، إذا قلنا: أن الرَّق هو كل ما يكتب فيه.
وإذا قلنا: أن الرَّق هو الورق وشبهه ما يكتب فيه عادة، فاللوح المحفوظ ليس معنا فلا يدخل في هذا، وإنما المراد به إما التوراة وإما القرآن، فالذين قالوا: إنه التوراة رجحوا قولهم: بأنه قرن بـالطور ، وهو الذي كلم منه موسى عليه الصلاة والسلام، فكان الكتاب المسطور هو التوراة الذي جاء به موسى.
ومن قال: إن المراد به القرآن الكريم رجح ذلك بأن الله ذكر الطور الذي أوحي منه إلى موسى والكتاب الذي هو القرآن أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون الله تبارك وتعالى ذكر أشرف الرسالات في بني إسرائيل إيماءً إليها بذكر الطور وذكر أشرف الرسالات التي بعث بها من بني إسماعيل محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيتعين أن يكون المراد بالكتاب المسطور القرآن الكريم.
وقوله: (منشور) صفة لكتاب، ويحتمل أن تكون صفة لرَقّ، والمعنى واحد، والمراد بالمنشور: المفرق الذي يكون في أيدي كل قارئ، وهذا يصدق تماماً على القرآن الكريم، فإنه -ولله الحمد- بين يدي كل قارئ، حتى الصغار من المسلمين يقرءونه.
مداخلة: الله أعلم.
الشيخ: لا يحصيهم إلا الله، من يحصي الأيام؟! ثم من يحصي سبعين ألفاً؟! كل يوم يدخلون هذا البيت المعمور ولا يعودون إليه.
وقيل: إن المراد بالبيت المعمور: بيت الله في الأرض؛ وهو الكعبة؛ لأنه معمور بالطائفين والعاكفين والقائمين والركع السجود، فهل يمكن أن تحمل الآية على المعنيين جميعاً؟
نحن نحب أن نذكر قاعدة في التفسير وهي أن (الآية إذا احتملت معنيين على السواء وليس بينهما منافاة وجب أن تحمل على كلٍ منهما)؛ لأن المتكلم بها -وهو الله جل وعلا- عالم بما تحتمله من المعاني، وإذا لم يبين أن المراد أحد المعاني فإنه يجب أن تحمل على كل ما تحتمله من المعاني، أي: المعاني الصحيحة وليست المعاني الباطلة، فلننظر الآن هل هناك منافاة بين أن يكون المقسم به الكعبة أو البيت المعمور في السماء؟
الذي يظهر أن لا منافاة؛ لأن كلا البيتين معظم، ذاك معظم في أهل السماء، وهذا معظم في أهل الأرض، ولا مانع، فالصواب: أن الآية شاملة لهذا وهذا، إلا إذا وجدت قرينة ترجح أن المراد به البيت المعمور في السماء.
وقيل: المراد به البحر الذي في الأرض؛ لأنه مشاهد، المعلوم الذي فيه من آيات الله ما يبهر العقول.
والصحيح: أن المراد به بحر الأرض؛ لأن (أل) في البحر للعهد الذهني، أي: البحر المعهود الذي تعرفونه، فأقسم الله به لما فيه من آياته العظيمة: من أسماك، وأمواج، وغير هذا مما نعلمه ومما لا نعلمه، ومن أعظم ما فيه من آيات الله ما أشار إليه تعالى في قوله: (المسجور) أي: الممنوع، ومنه سجر الكلب يعني: في اللغة ليس المعنى هنا، في اللغة يقال: سجرت الكلب يعني: ربطته حتى لا يهرب، البحر المسجور: الممنوع بقدرة الله عز وجل.
إننا نعلم جميعاً أن الأرض كروية، وهذا البحر لو نظرنا إليه بمقتضى الطبيعة لكان يفيض على الأرض؛ لأنه لا يوجد جدران تمنع، والأرض كروية مثل الكرة، فلو نظرنا إلى هذا البحر بمقتضى الطبيعة لقلنا: لابد أن يفيض على الأرض فيغرقها، ولكن الله تبارك وتعالى أمسكه بقدرته سبحانه وتعالى، فهو مسجور -أي: ممنوع- من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها، وهذه آية من آيات الله، صب -مثلاً- فوق كرة من الكرات ماءً أين يذهب؟ يغمرها يميناً وشمالاً، لكن هذا البحر لا يمكن أن يفيض على الأرض بقدرة الله سبحانه وتعالى، وانظر إلى الحكمة أحياناً تأتي أيام المد والجزر نفس البحر يمتد امتداداً عظيماً لعدة أمتار وربما أميال، ثم ينحسر من الذي مده ولو شاء لبقي ممتداً فتغرق الأرض فمن الذي رده؟
إنه الله، ولهذا كان هذا البحر جديراً بأن يقسم الله به.
في البحر آيات عظيمة يقال: إنه ما من شيء على البر من حيوان وأشجار إلا وله نظير في البحر، بل أزيد؛ لأن البحر بالنسبة لليابس يمثل نحو (70%) كبير جداً، ففيه من الأشياء ما ليس في البر، يعني: توجد سمكة على شكل إنسان، وعلى شكل ذئب، وعلى شكل طبلة، وعلى شكل حية، وعلى شكل عقرب، وفيه أشياء لا نرى لها نظيراً في البر، هذه من آيات الله عز وجل.
والبحر المسجور، إذاً أعظم آية في البحر هو أنه مسجور أي: ممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها.
وقيل المراد بالمسجور هو الذي سيسجر أي: يوقد كما قال الله تبارك وتعالى: وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6] أي: أوقدت، فهذان قولان، البحر المسجور يعني القول الأول: الممنوع، والبحر المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، وهذا متى يكون؟
يوم القيامة، هذا الماء الذي نشاهده الآن والذي لو سقطت فيه جمرة أو مر على جمرة لأطفأها؛ يوم القيامة يكون ناراً، يسجر هذا الماء ويكون ناراً، هذا من آيات الله عز وجل، هذان قولان:
الأول: المسجور الممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها.
الثاني: المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، وذلك يوم القيامة.
هل يمكن أن نقول: إن المراد به المعنيان جميعاً؟
نعم، لأنه لا منافاة بين هذا وهذا، فكلاهما من آيات الله عز وجل، يعني: أنه سواء قلنا: المسجور الممنوع من أن يفيض على الأرض، أو المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، فكل هذا من آيات الله.
والثاني: بأن.
والثالث: باللام.
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ أي: لابد أن يقع عذاب الله الذي وعد به، هذه -والله- جملة عظيمة مؤثرة، لكنها لا تؤثر إلا على قلب لين كالزبد أو أشد.
أما القلب القاسي فلا يهتم بها، تمر عليه وكأنها ثلجة، كان عمر رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية يمرض حتى يعاد من شدة ما يقع على قلبه من التأثر حتى يعاد، إذا كان واقعاً وليس له دافع أليس الجدير بنا أن نخاف؟!! بلى والله، هذا هو الجدير.
لننظر، قال الله تعالى: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ [المعارج:1-3] ضم هذه الآية إلى الآية التي في الطور تجد أن قوله: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ [الطور:7-8] على الكافرين، فعذاب الله على الكافرين ليس له دافع، لا أحد يدفعه، لا قبل وقوعه ولا بعد وقوعه، ولهذا لا تنفعهم الشفاعة فيرفع عنهم العذاب.
أما عذاب الله للمؤمن فإن الأصل أنه واقع، كل ذنب توعد الله عليه بالعذاب فالأصل أنه واقع، لكنه مع ذلك قد يرفع بفضل من الله عز وجل، قد يرفع بالشفاعة، قد يرفع بأعمال صالحة تغمر الأعمال السيئة، ألم تر أن الله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) فيرتفع عنه العذاب.
وعلى هذا نقول: عذاب الله واقع على الكافرين لا محالة، ولا دافع له، أما على عصاة المؤمنين فإن الأصل الوقوع، ما الذي يمنع وقد أنذر الله العباد وخوفهم وبين لهم؟
لكن مع ذلك قد يرتفع بأسباب متعددة.
قال تعالى: مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ [الطور:8] (ما) نافية، و(دافع) مبتدأ مؤخر دخلت عليه (من) الزائدة للتوكيد، أي: ما من أحد ولو عظمت منزلته وقوته يدفع عذاب الله عز وجل أبداً، لا يمنعه ولا يرفعه؛ لأن (دافع) تشمل المنع والرفع؛ تشمل المنع قبل الوقوع والرفع بعد الوقوع، لا أحد يدفع عذاب الله، لا يمنعه أن ينزل ولا يرفعه إذا نزل، وإنما ذلك إلى الله وحده.
نسأل الله تعالى أن يعاملنا وإياكم بعفوه، وأن يغفر لنا ما سلف من ذنوبنا وما حضر إنه على كل شيء قدير.
الجواب: أما من جهة الأولاد الصغار فهو يعوذهم بالمعوذتين عند النوم أو عند إقبال الليل أو عند إقبال النهار، أما الكبار فهم بأنفسهم يتولون هذا فيعلمهم ويرشدهم، والإنسان من جملة الدعاء الذي يدعو به الإنسان صباحاً ومساءً: (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي) هذا نوع من التعويذ.
السائل: هل يكون بالمسح أو بالنفث؟
الشيخ: لا. بالنفخ فقط.
الشيخ: وهي موجهة له؟
السائل: لا. موجهة لزميله.
الشيخ: لا. إذا وجد الإنسان رسالة موجهة لصديق له أو زميل له فإنه لا يحل له أن يفتحها إلا إذا كان قد قال له: إذا أتتك الرسالة باسمي فلك أن تفتحها.
الجواب: التعوذ عند آية العذاب، والسؤال عند آية الرحمة، والتسبيح عند آية التسبيح، هذا سنة في صلاة الليل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.
في الفريضة ظاهر السنة أنه لا يتعوذ ولا يسأل ولا يسبح إذا مر بما يقتضي ذلك، هذا بالنسبة للإمام، لكن لو فعل فقد قال فقهاؤنا رحمهم الله: إنه لا بأس به.
المأموم إذا كان لا يمنع من استماع قراءة إمامه فلا بأس، وأظن كلمة واحدة لا تمنع، لو قال: سبحانه، أسأل الله من فضله، لا تمنعه من الاستماع، فلا بأس أن يقول هذا، وإن أنصت فهو أفضل.
السائل: هل يرفع إصبعه؟
الشيخ: لا. رفع الإصبع حركة لا داعي لها.
الجواب: يقول العلماء: الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، وبعضهم يقول: عمل القلب واللسان والجوارح.
الفرق بين قول القلب وعمل القلب:
فقول القلب: إقراره وإيمانه بالشيء، وعمله: حركته بمعنى: المحبة .. الخوف .. الرجاء وما أشبه ذلك، هذه لا تسمى قول القلب وإنما تسمى عمل القلب، لكن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر هذا يسمى قول القلب، هذا هو الفرق بين قول القلب وعمل القلب.
الجواب: إذا لم يكن هناك مانع يمنع من الإتمام فالأفضل أن يتم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا).
أما إذا كان يخشى أن يفوته ما جاء من أجله كمن جاء ليصلي على جنازة وأدرك مع الإمام ركعتين فهنا يسلم مع الإمام؛ لأنه يجوز التنفل بركعتين، وهو إنما حضر للصلاة على الجنازة، وصلاته على الجنازة أفضل من إتمامه؛ لأن الصلاة على الجنازة أولاً فرض كفاية فيكون مشاركاً للمصلين في الفرضية والفرض أفضل من النفل، فيسلم مع الإمام من أجل أن يدرك الصلاة على الجنازة.
الجواب: أما آية السجدة فإن الله يقول: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة:5] هذا في الدنيا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ [السجدة:5] وذلك أنه قد جاء في الحديث: (بين الأرض والسماء الدنيا خمسمائة سنة، وأن كثف السماء خمسمائة سنة). فعلى هذا ألفاً.
أما في سورة المعارج فإن ذلك في الآخرة، ولهذا يظهر لي أن قوله تبارك وتعالى: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] متعلق بقوله: بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ [المعارج:1-2] أي: أن هذا العذاب الواقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وليس متعلقاً بقوله: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج:4] بل تعرج الملائكة والروح إليه في الدنيا حسب ما جاء في سورة: (ألم تنزيل) السجدة، هذا الذي يظهر لي.
الجواب: نعم. البيت المعمور في السماء السابعة، وهو كما جاء في الحديث: (بحيال الكعبة) وحيال الكعبة هل معناه أنه فوقها؟ وهذا ليس بغريب، والله على كل شيء قدير، أو المعنى: (بحيال الكعبة) بإزائها بمعنى: أنه كما تعمر الكعبة من أهل الأرض يعمر البيت المعمور من أهل السماء، الذي يهمنا أن البيت المعمور في السماء السابعة، وأنه يدخله في اليوم سبعون ألف ملك، هذا أهم شيء.
الجواب: الصلاة بالثوب الشفاف إن كان تحته سراويل تستر ما بين السرة والركبة فلا بأس، وإن لم يكن تحته شيء فلا يجوز أن يلبسه في الصلاة أو غير الصلاة؛ لأنه لا بد من ستر العورة، وقد قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] والثوب الشفاف وإن لبسه الإنسان لم يتخذ الزينة، ما الفائدة إذا كان شفافاً وجوده كعدمه.
الجواب: (وما رميت) يعني: ما رميت وجوههم بهذه الحصى التي أرسلتها عليهم، (إذ رميت) يعني: أرسلت الحصى، فالرمي الأول بمعنى: الإصابة، (ولكن الله رمى): أصابهم، فرمى تكررت كم مرة؟
مداخلة: ثلاث مرات.
الشيخ: (وما رميت) الأول بمعنى: أصبت وجوههم، (إذ رميت) يعني: أرسلت الحصى، هذا فعل الرسول، (ولكن الله رمى) أصابهم، لأنه من المعلوم أن الرسول إذا أرسل حصيات على قوم بعيدين عنه أنه جرت العادة أنه لا تصل هذه الحصى إلى وجوههم أو التراب لكن الله هو الذي أوصلها.
مداخلة: هل تحمل على الفعل؟
الشيخ: لا. أصلاً إذا فسرناها بما ذكرنا فلا إشكال أن الرمي يطلق على الإصابة، ويطلق على الفعل، فقوله: (ما رميت) المنفي هنا الإصابة: (إذ رميت) المثبت إرسال الحصى أو التراب: (ولكن الله رمى) الإصابة، ولا إشكال.
الجواب: أولاً: لي ملاحظة على كلمة: الحق، نحن نؤمن بأن الله تعالى هو الحق المبين وأنه سبحانه وتعالى من أسمائه الحق، لكن كوننا نقول: يقول الحق، قال الحق، وما أشبه ذلك دائماً مع أن استعمالها في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة يقولون: قال الله، وكلمة (الله) تعطي معنىً غير الحق، تعطي أنه وحده الإله وما سواه باطل، وهو الإله الحق، لذلك ينبغي لنا أن نقول: قول الله تعالى، أو قال الله تعالى، أو ما أشبه ذلك، كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (أتدرون ماذا قال ربكم) ويقول: (قال الله تعالى).. وما أشبه ذلك، هذا الأمر الأول، وما سمعته في اطلاعاتي على كلام السابقين أنهم يعبرون عن الله بالحق فيقولون: قال الحق إلا في المتأخرين هم الذين يكثرون من قولها، وكذلك يكثرون كلمة المصطفى يعنون به الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا شك أنه مصطفى وأنه أصلاً مصطفى، لكن كوننا نقول: رسول الله، أو قال النبي، أو قال الرسول أفضل؛ لأن هذا هو المستعمل في عرف السلف وكلامهم.
أما السؤال عن الآية: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] فهذا كقوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41] فالمصائب بأسباب الأعمال، لكن المصيبة قد تكون خاصة وقد تكون عامة، والسبب قد يكون خاصاً وقد يكون عاماً، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25] الإنسان قد يشعر بأنه ليس عليه خطيئة لأنه قليل الخطايا، ولأنه إذا أخطأ استغفر، فيقول: من أين أتت هذه المصيبة؟ نقول: هناك شركاء لك قد تكون أعمالهم سبباً لإصابتك: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25].
ثانياً: كونك ترى نفسك أنك لست مخطئاً هذه سبب المصيبة؛ لأن الإنسان إذا اعتقد هذه العقيدة صار معجباً بنفسه مدلاً على ربه يقول: يا رب! أنا ما فعلت ما يوجب المصيبة أو العقوبة، واعتقاد الإنسان أنه معصوم هو محل الخطأ، يعني: من ادعى العصمة فهو الزال الذي لم يعصم، لأن الإنسان يجب أن يعرف نفسه فأينا لم يخطئ، قد يقول قائل: أليست المصائب تصيب النبي صلى الله عليه وسلم؟
فنقول: بلى تصيب النبي صلى الله عليه وسلم لكن المصائب بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم لزيادة علو مرتبته؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه قد نال من كل وصف جميل أعلاه، وأقول: من كل وصف جميل يتصف بالمخلوق أعلاه، الصبر يحتاج إلى شيء يصبر عليه، فلهذا أصيب النبي صلى الله عليه وسلم بالأذى في دعوته أليس كذلك أصيب بدعوته؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: كيف أصيب؟
ردوا دعوته، وكذبوه وقالوا: ساحر، كذاب، شاعر، مجنون، ألقوا عليه السلى وهو ساجد عند الكعبة، هذه أذية عظيمة فصبر، أيضاً الأمراض التي تصيبه أكثر مما يصيبنا مرتين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم) بل عند مفارقته الدنيا في حال احتضاره عليه الصلاة والسلام أصابه من شدة الموت ما لم يصب غيره عليه الصلاة والسلام لماذا؟
حتى ينال أعلى مرتبة في الصبر على أقدار الله وعلى شرائع الله.
فصار الرسول صلى الله عليه وسلم ما أصابه من المصائب التي نعتقد أنها أصابته من أجل أن تكمل درجة الصبر في حقه حتى يكون صابراً شاكراً، فقد -والله نال- أعلى درجة الشاكرين حتى إنه يقوم في الليل حتى تتورم قدماه ويتفطر ساقه، وقيل له في ذلك، قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) فنال أعلى درجة الصبر، وأعلى درجة الشكر صلوات الله وسلامه عليه.
الجواب: لا تقرأ القرآن لا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في البقيع ، ولا عند قبور الناس، لا تقرأ القرآن هذا بدعة، لكن سلم إذا وصلت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قل: (السلام عليك يا رسول الله! ورحمة الله وبركاته) هذا أحسن صيغة في السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمها أمته في الصلاة (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) فقط وانصرف، وإن قلت: (أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة) فهذا حسن.
وفي البقيع تقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) وتنصرف، وإن شئت أن تسلم على قبر عثمان رضي الله عنه وهو معروف فهذا حسن؛ لأن عثمان ثالث الخلفاء الراشدين في هذه الأمة.
إذاً: لا يُقرأ قرآن عند القبر؛ لا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا قبر عثمان، ولا في البقيع، ولا في أحد، ولا في أي مقبرة.
مداخلة: يا شيخ والصلاة.
الشيخ: لا. الصلاة في المقبرة حرام ولا تصح، وعند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ستصلي في المسجد ما تصلي عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أنت تنوي أنك تصلي في المسجد النبوي.
الجواب: يعني: هل المار في المقبرة يسلم أم لا؟
إن كانت المقبرة مكشوفة ليس عليها جدار فلا بأس أن تسلم، وإن كانت مستورة بجدار فلا تسلم؛ لأنه لا معنى لذلك، إذ أن المار بالسور وبينه وبين القبور جدار كالذي في بيته ولا فرق، لهذا نقول: إن مررت بمقبرة مكشوفة فلا بأس أن تسلم، وإن مررت بمقبرة مسورة فلا تسلم، ولهذا لولا أن الشهداء في أحد قد فتحت منافذ في الباب وأظنه مشبك، يقف الإنسان فيه ويشاهد القبور لقلنا: لا تسلم عليهم؛ لأنهم محجوبون عنك، والسلام على المقبرة وبينك وبينها جدار كالسلام عليهم لو كنت في بيتك، ولا أحد يقول: قف في بيتك وسلم على أهل المقابر.
أولاً: بارك الله فيك الذي أعرف أن هذا النوع من الأجهزة ممنوع.
السائل: لا. بل يباع الآن.
الشيخ: الآن؟
السائل: نعم.
الشيخ: علناً؟
السائل: على هيئة مسجل يضعه في بيته على هاتفه هو فقط، إذا اتصل أحد عليَّ وأنا في البيت بإمكانه أن يسمع من يتصل بي.
الشيخ: لكن قصدي هل هو مسموح؟
السائل: مسموح، يا شيخ! مسجل عادي.
الشيخ: أما إذا تصنت على الناس فهذا حرام لا إشكال فيه؛ لأن هذا من باب التطلع على أسرار الناس، وخيانة الأمانة، حتى إن العلماء رحمهم الله قالوا: إذا حدثك الإنسان والتفت لينظر هل حوله أحد، فإن ذلك من الأمانة، فلا يجوز لك أن تفضي بسره إلى أحد، فكيف بالذي يتلقف أو يخطف أقوال الناس، هذا لا شك في تحريمه سواء علم وكتم أو علم وأعلن.
أما الذي يأخذه ليتصنت مثلاً على أولاده أين ذهبوا وأين راحوا، أو على الخادمة أو على أهله، فهذا إن كان هناك قرينة فساد واضحة يريد أن يتحقق منها فلا بأس، وإلا فإنه من التجسس والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التجسس، وكم من إنسان تجسس وسمع ما يكره أو رأى ما يكره ثم لا يمكنه أن يغير شيئاً فيزداد لذلك محنة إلى محنته، ويزداد أيضاً كراهة لمن سمعه أو رآه إذا كان يتجسس بالعين وهو في غنىً عن ذلك، حتى إنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن مسعود أنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحدثني أحد عن أحد بشيء فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) انظر إلى التربية، كن سليم الصدر، وربما يهدي الله هذا الرجل ويستقيم، لكن إذا كرهته لمعصية عرفتها منه، ربما لا تزول هذه الكراهة ولو استقام.
ثم إن الإنسان إذا سمع أو رأى من شخص ما يكره يظهر أثر ذلك عليه في رؤيته إياه، وفي نظره إليه، وفي وجهه إذا لاقاه، فيشمئز كل واحد من الآخر، وتحصل العداوة والبغضاء.
فالمهم أني أرى أن السلامة من هذا الجهاز الذي يتجسس على الناس أولى بكل حال.
السائل: هناك فرق بين الناس الآخرين والأولاد ..
الشيخ: اسمع يا رجل الكلام، أن السلامة أولى منه بلا شك، فإن دعت الحاجة إليه في أولاده أو أهله فلا بأس بهذا، ومع ذلك أفضل ألا يفعل؛ لأنه أولاً: النفس البشرية طبيعتها أنها تتنقل فربما يأتي يوم من الأيام يقول: هاه أريد أتجسس على الشرطة على كذا على كذا على كذا، وهذا مثل السحر يصير في البدن من حيث لا يشعر الإنسان، كذلك هذا يصير في القلب من حيث لا يشعر، فالسلامة من هذا الجهاز أرى أنها أولى بكل حال.
وهذا الأخ موسى بعد رجوعه من أهله جزاه الله خيراً يشير إلى أن الوقت قد انتهى.
فسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وإلى اللقاء القادم إن شاء الله إلا إذا رأيتم أننا نلغي الجلسة القادمة نظراً للامتحان؟
مداخلات: ما يؤثر.
الشيخ: إذاً: الأمور تمشي على ما هي عليه بإذن الله.
الجواب: إذا استخار الإنسان في شيء ثم لم يتبين له الأمر فليعد الاستخارة مرة أخرى وثالثة ورابعة، ثم إذا قدر الله له الشيء علم أن هذا هو الخير، إذا قدر الله له الشيء سواء مال إليه الآن أو مال إليه بعد علم أنه هو الخير. بارك الله فيكم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر