أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثلاثون الذي يتم كل شهر في ليلة الأحد الثالث من كل شهر إلا أن يكون هناك سبب يقتضي التأخير أو التقديم، لقاؤنا هذه الليلة يكون في الكلام عن النصارى، ومدى ما يكنونه للمسلمين.
أما إنكارهم بشارة عيسى، فإن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام قال: يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وهذا باعتبار الرسالة السابقة على رسالته.. وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6] وهذا باعتبار الرسالة التي تلت رسالته، ولا نبي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، هل قبلوا هذه البشارة؟
لا، بل رفضوها وأنكروها وكذبوا بها، وقالوا زاعمين وملبسين: إن عيسى بن مريم إنما بشر برسول اسمه أحمد، ورسول العرب اسمه محمد، ونحن في انتظاره.
فيقال لهم: هذا تلبيس وتشبيه على السذَّج من الناس، وإلا فإن الله تعالى قال في نفس الآية: فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:6] جاءهم الفاعل من؟ المبشر به، لما جاءهم بالبينات الدالة على أنه رسول الله، وعلى أنه الذي بشر به عيسى عليه السلام قالوا: هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:6] فإذا كان قد جاء فكيف ينتظر؟!
وأما تسميته بأحمد فيما أنطق الله به عيسى بن مريم، فلا يعني هذا ألا يكون له اسم آخر، فله أسماء متعددة: اسمه أحمد، ومحمد، والعاقب، والحاشر، وأسماء كثيرة له عليه الصلاة والسلام، ولكن أنطق الله عيسى أن يقول: أحمد دون محمد؛ لأن أحمد أدل على الكمال حيث إنه اسم تفضيل مشتق من الحمد، وهو مبني مما لم يسم فاعله ومما سمي فاعله، فباعتبار الأول يكون هو أكثر وأحق من يحمد، وبالاعتبار الثاني يكون هو أكثر وأحق من يحمد الله، والرسول عليه الصلاة والسلام له هذا وهذا، فلذلك أنطق الله عيسى بن مريم أن يقول: أحمد حتى يُعلم أن هذا الرسول عليه الصلاة والسلام أحمد الناس لربه، وأن هذا الرسول أكثر ما يحمده الناس.
يقول الله عز وجل: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:116-117] لكنهم قالوا: لا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73] ويعبدون ثلاثة، فقد كفروا بما جاء به عيسى من الحق، فكيف يصح أن ينتسبوا إلى عيسى عليه الصلاة والسلام وهم يكفرون بما جاء به؟!
وهؤلاء النصارى وإن كانوا أعداء لليهود فيما سبق؛ لأن اليهود كذبت عيسى، وادعت أنه ولد زنا، وأن أمه بغي، وقتلوا من شبه لهم به، وقالوا: قتلنا المسيح عيسى بن مريم وصلبناه، فقال الله تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] ولكن لما جاء الإسلام صار هؤلاء المتعاديان بعضهم لبعض ولياً ضد الإسلام، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] فإذا كان بعضهم أولياء بعض ضد المسلمين، فلا بد أن يتناصروا على المسلمين ويتعاونوا، فاليهود والنصارى كلهم أعداء للمسلمين، كلهم أعداء لنا، كلهم أعداء لمولانا وربنا عز وجل.
هل تظنون أن الولاية بين اليهود والنصارى مقتصرة على اليهود والنصارى فقط؟
لا، كل الكفار مع اليهود والنصارى، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73] وهذه شهادة من الله عز وجل الذي يعلم ما في صدورهم، ويعلم ما في قلوبهم، ويعلم ما يكنونهم لحزبه المسلمين، لذلك لا غرابة أن ترحب دول النصارى بما جرى من الصرب على إخواننا المسلمين، وأن يقفوا ساكتين متفرجين على ما حصل من المآسي العظيمة: من القتل والتشريد والتمثيل، وانتهاك الأعراض، وإجلاء الناس عن منازلهم، والقتل العشوائي.
ولما حصل ما حصل من الكروات على النصارى في هذه الأيام الأخيرة، صاروا يتحدثون عن السلام، يتحدثون عن حقوق الإنسان، مع أن النصارى الكروات لم يفعلوا بالنصارى الصرب كما فعل الصرب بالمسلمين ولا قريباً منه، بل فتحوا لهم الخط وجعلوهم يسيرون من ديارهم، ولم يحصل ما حصل للمسلمين.
ثم لما وصلوا إلى البلاد التي كان فيها الكروات وهي من بلاد الصرب أجلوا الكروات من ديارهم، واستقبلوا هؤلاء الذين فروا من القتال، ومع ذلك لم يتكلم أحد في هذا، بل إنهم يحاولون الآن أن يقسموا بلاد يوغسلافيا على ما يروق لهم، وعلى ما يرون أنه يقضي على حركة المسلمين هناك، ولكننا بحول الله واثقون بالله عز وجل، وأنه ينطبق عليهم قول الله عز وجل: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] القلوب بيد الله عز وجل، وهو سبحانه وتعالى قادر على أن يصرف هذه القلوب ويلقي العداوة بينها حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] ونحن نؤمن بأن هذا بقضاء الله وقدره، وأنه أمر مكتوب قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأنه لا بد أن يكون له حكماً بالغة عظيمة، ولكننا نستعجل؛ لأن الإنسان خلق من عجل وكان عجولاً، إلا أننا كلما رجعنا إلى أنفسنا نقول: وانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ [السجدة:30] لا تعجل كما قال الله تعالى: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].
وهذه الأيام كانت الحملة المباركة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين وفقه الله لجمع التبرعات، وجمعوا ولله الحمد أموالاً كثيرة، نسأل الله تعالى أن ينفع إخواننا المسلمين بها، وأن تكون عوناً لهم على قتال أعدائهم، وتبرع المسلمون، مقل ومستكثر، كل بحسب حاله، حتى إن بعض النساء تبرعت بحليها، بالخاتم .. بالسوار .. بالخرص .. بالقلادة؛ لأن الناس والحمد لله معهم حياة، لكنهم يحتاجون إلى من يوقظ هممهم، ويشجعهم على الخير، والباب مفتوح إلى الآن لمن أراد أن يتبرع إما من الزكاة وإما من الصدقات، ولكنه يخبر من يتلقى هذه التبرعات بأن هذه زكاة أو صدقة تبرع؛ لأن كل شيء له باب معين وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39].
ونقتصر على هذا القدر من الكلام على هذه القضية المفجعة التي نرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعل العاقبة حميدة للمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين.
الجواب: ما ذكره السائل أمر حقيقي، ويوجد من المسلمين من لا يتبرأ من المشركين، وإن تبرأ بلسانه لم يتبرأ بقلبه، يحبهم ويواليهم، لكن الله يقول في القرآن الكريم: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] وكيف يقول الإنسان: إنه مؤمن بالله محب لله وهو يحب أعداء الله؟!
أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له ما ذاك في الإمكان |
كل إنسان يحب أعداء الله فإنه ليس محباً لله، وهذا شيء مفطور عليه الناس، وكل الأمم مفطورة على هذا، فحذار من هذه الوصمة أن تحب أعداء الله، حتى وإن برزوا في العلم والطب وفيما ينفع الناس فهم أعداء، ولا يمكن أن يسعوا في مصلحة المسلمين أبداً، بل إنهم يسعون لإضعاف وتفريق المسلمين وتمزيقهم إما تصريحاً وإما تلميحاً.
وأما ما أشار إليه مما يرى في الأفلام أو يسمع وأن الصغار تعلقوا به فهذه نكبة كبيرة يجب على كل إنسان يتقي الله عز وجل ويخاف يوم الحساب .. يجب أن يحمي أولاده من ذلك، وأن يمنعهم منعاً باتاً من مشاهدة شيء يخل بعقيدتهم ويوجب الولاء لأعداء الله مهما كان الثمن؛ لأنه مسئول عن أولاده وعائلته، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته).
وكذلك يمنع مما يشاهد في بعض المجلات الخليعة التي تمجد ما تدعي أنهم أبطال، فيأخذها الصبي ويقرأها ويتعلق قلبه بهؤلاء، ومع ذلك يحتقر المسلمين وما هم عليه من الدين.
الجواب: أنا أرى أن هذا كافر، الذي يرى أن الدين الإسلامي واليهود والنصارى متفقون على التوحيد كافر مكذب لله ورسوله، وإذا كان يرى أن النصارى الذين يقولون: إن الله ثالث ثلاثة أنهم موحدون فهو غير موحد؛ لأنه رضي بالكفر والشرك، وكيف يتفق من يقول: إن عيسى ابن الله وعزير ابن الله، ومن يقول: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]؟!!
ولهذا أقول لهذا الرجل: تبّ إلى الله عز وجل؛ لأن هذه ردة يباح بها دمك ومالك، وينفسخ بها نكاحك، وإذا مت فلا كرامة لك، ترمس في حفرة لئلا يتأذى الناس برائحتك، ولا يحل لأحد أن يستغفر لك إذا مت على هذه الحالة، حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لا يؤمن -أو قال: لا يتبع ما جئت به- إلا كان من أصحاب النار).
الأديان السماوية هي أديان ما دامت باقية، فإذا نسخت فليست بأديان، فاليهود حين كانت شريعة موسى قائمة وهم متبعون لها هم على الإسلام، والنصارى حينما كانت شريعة عيسى قائمة وهم متبعون لها هم من أهل الإسلام، لكن بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام صاروا كلهم كفاراً، لا يقبل عملهم؛ لقول الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
الجواب: نعم له أن يذهب إلى هناك ليجاهد في سبيل الله، هذا هو الأصل، ولكن تعلمون أن الجهاد يحتاج إلى رجال وإلى سلاح، والسلاح كما نعلم وكما يظهر لنا من الأخبار محظور على الدولة الإسلامية في البوسنة والهرسك وممنوعة من ذلك، فكيف يذهب الإنسان إلى ساحة الحرب بدون سلاح؟!! لهذا لو أننا نتوقف حتى يتبين الأمر وحتى يسمح بالسلاح إلى البوسنة والهرسك هناك حتى يكون لذهابنا أثر، ولا نكون عالة على غيرنا، هذا ما أراه في هذه المسألة؛ لأن الواجب والعقل كلاهما يقتضي أن يتصرف الإنسان بحكمة، يقدم في موضع الإقدام ويحجم في موضع الإحجام.
الجواب: نقول: هذا طيب فافعلوا إن شئتم، إننا نوافق أنه إذا انتهت عقود الخدم الكافرين أن تنهى عقودهم، ولكن بعض قومنا نسأل الله لنا ولهم الهداية لا يوافقون على هذا، بل إن بعضهم نسأل الله السلامة يصرح بأن خدمة غير المسلم أقوى من خدمة المسلم، بمعنى: أن غير المسلم يؤدي عملاً أكثر، وكأنه لم يسمع قول الله تعالى: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221].. وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221].
الجواب: كل ما يجلب المودة بين المسلم والكافر فإنه وسيلة إلى الموادة، وقد قال الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] ولا يجوز للإنسان أن يسعى إلى شيء يفضي إلى الموادة؛ لأنه إذا سعى في ذلك فقد سعى إلى انتفاء الإيمان عنه، إما انتفاء مطلقاً وإما انتفاء الكمال، لكن إذا سلم علينا نرد عليه السلام، وإذا حيانا بتحية نرد عليه بمثلها، ولا نسيء إلى جيرته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره).
وقال العلماء: الجيران أربعة:
الأول: جار قريب مسلم فله ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام.
الثاني: جار قريب كافر فله حقان: حق الجوار، وحق القرابة.
الثالث: جار مسلم ليس بقريب فله حقان: حق الجوار، وحق الإسلام.
الرابع: جار كافر غير قريب له حق واحد وهو حق الجوار. (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) ولا يلزم من إكرامه الموادّة، كثيراً ما يكرم الإنسان شخصاً نزل به ضيفاً أو لقيه بعد سفر، فيكرمه ويعزمه ويصنع له الوليمة وهو لا يحبه، لكن الموادة وفعل ما يوصل إليها بالنسبة للمؤمن مع الكافر هذه تنقص الإيمان.
الجواب: صفة مكر الله تعالى بالكافرين ذكرها الله تعالى في قوله: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:182-183] هذا مكر الله تعالى بأعدائه أن يملي لهم وييسر لهم أسباب المعصية وأسباب الكفر حتى يستمروا في كفرهم ويموتوا على ذلك، فهذا من المكر، ومن ثم نعرف أن الله تعالى إذا ابتلى الإنسان المؤمن ببلاء فإن ذلك من نعمة الله عليه؛ لأن الله تعالى يكفر عنه به الذنوب، ويوقظ قلبه ويعرف أنه أخطأ فيستقيم، لكن الذين كفروا عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، وسوف يجدون الخسران يوم القيامة.
وآخر يقول: هل يكفي أن نتبرع بالأموال لإخواننا المسلمين في البوسنة إذا كنا نقدر على أكثر من ذلك، مع العلم أن أموال التبرعات المرسلة إليهم لم تزدهم قوة وغلبة على الأعداء، بل تسكت جوعهم فترة من الزمن، ويحتاجون بعدها إلى أموال باستمرار، فهل من حل نهائي، وهل يسعنا هذا عند الله؟
الجواب: يقول الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] فمن استطاع أن يتبرع بالمال تبرع به، ومن لم يستطع دعا، ومن استطاع أن يجمع بين التبرع بالمال والنفس فليفعل، لكن كما قلنا أولاً: لا بد من استعمال الحكمة، وإلا فلا شك أن الواجب علينا أن ننصرهم بكل ما نستطيع، والجهاد كما تعلمون فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين إلا في مواطن أربعة فإنه يكون فرض عين:
الموطن الأول: عند التقاء الصفين، فإن الفرار حينئذٍ محرم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:15-16].
الموطن الثاني: إذا استنفره الإمام، قال للناس: انفروا، فإنه يجب أن ينفر؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التوبة:38-39].
الموطن الثالث: إذا احتيج إليه بحيث يكون هذا الإنسان متدرباً على سلاحاً لا يعرفه إلا هو، فهنا يتعين أن يقاتل بنفسه؛ لأن فرض العين إذا لم يقم به من يكفي تعين على الآخرين.
الموطن الرابع: إذا حصر بلده العدو فإنه يجب عليه الدفاع.
في هذه المواطن الأربعة يكون الجهاد فرض عين، وما عدا ذلك فهو فرض كفاية، هكذا قرره أهل العلم رحمهم الله.
الجواب: هذا اسم متعارف عليه الآن، ولكن الله تعالى سماهم في كتابه النصارى، والنبي صلى الله عليه وسلم سماهم النصارى، وعلماء المسلمين سموهم النصارى، إلى وقت قريب حيث استعمرت النصارى بعض البلاد الإسلامية، وقالوا: أنتم محمديون ونحن مسيحيون لمحاولة الجمع والتأليف بين المسلمين والنصارى.
الجواب: نعم هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) فإذا أحسن إليك أحد من غير المسلمين فكافئه فإن هذا من خلق الإسلام، وربما يكون في ذلك تأليف لقلبه فيحب المسلمين فيسلم.
الجواب: أما نصيحتي لوالد هذا السائل ووالدته: فإني أوصيهم بتقوى الله عز وجل بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه، وأحذرهم من مغبة هذه الدشوش التي لا ينشر فيها إلا ما يدمر الأخلاق والعقائد، وأقول لهم: إن الدنيا متاعها قليل، وإن ما يوعدون لآت، وإنهم إن سروا بمعصية الله يوماً فسوف يحزنون أياماً، وأن هذه الدشوش وما يشاهد فيها سوف يكون لها الأثر البالغ على العقيدة وعلى الأخلاق، كما يسمع الآن من بعض الصبيان الذين يشاهدون هذه المرئيات.
أما بالنسبة إليه فأقول له: إذا كان بقاؤك خيراً بحيث يهون الشر ويسدي النصيحة، ولعل القلوب تلين ولعل النفوس تتطهر فليبق وليصبر، وإذا كان لا يفيد شيئاً فليخرج سواء غضب والداه أم رضيا بذلك؛ لأن رضا الله مقدم على رضا كل أحد، وإذا قدر أن الوالدين غضبا عليه فهما المسيئان، وليس فعله عقوقاً بل فعلهم قطيعه إذا قاطعوا ولدهم من أجل أنه أنجى نفسه من وبال هذا الدش.
ثم ليعلم صاحب الدش أنه إذا أساء إلى جيرانه بذلك فإنه آثم؛ لأن بعض الدشوش ينتشر شره فيما جاور البيت، ويلتقط الناس منه، وليعلم أيضاً: أنه إذا مات وشاهد أحد هذه الدشوش فإن كل معصية تحصل عليه من إثمها، وإذا كان في قبره فما الذي ينجيه؟! والله لا ينجيه أحد، حتى أبناؤه وبناته لا يستطيعون أن ينجوه، وكل مشاهدة لهذا الدش الذي كان هو السبب في إيجاده سيكون عليه وباله -نسأل الله العافية- لأن من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهذا الرجل لا يدري ربما يصبح ولا يمسي، أو يمسي ولا يصبح، ولا أدري كيف تصوره لهذا الأمر، هل تصور المنكر ويقول: هذا ليس بصحيح ولا عليَّ إثم إذا مت ولا شيء، أو تصور المقر المعترف؟!
فإن كان تصوره هو التصور الأول فهو على خطر في دينه، وإن كان على تصوره الثاني فهو على سفه في عقله أن يبقي هذه الآلة التي ستكون وبالاً عليه ولو طال الزمن ولو كان بعد موته بسنين.
الجواب: الخطبة لا تحتمل التفصيل في كل شيء؛ لأنه يحضرها عالم قد يفهم الشيء على وجهه وقد يفهمه على خلاف وجهه، والمنكر هو دخول الرجال على النساء في هذه الليلة، ورقصهم مع النساء، وإلا فمن المعلوم أن هذا جناية على المجتمع كله، ومن المعلوم أيضاً أن الناس لا يرضون أن يدخل رجال على نسائهم في حفلات النساء، كل واحد لا يرضى، ولهذا اتصل بي بعض الناس بعد الجمعة وقال: يجب أن نحاكم هؤلاء الذين فعلوا هذا الفعل؛ لأننا لا نرضى أن نساءنا يدخل عليهن شباب يرقصون، وأن هؤلاء مستحقون للمحاكمة لما يفضي فعلهم إليه من الشر وفتح باب الشر، وكل إنسان والحمد لله ينكر هذا، لكن الإنسان قد يكون له هفوة وانطلاق لا يفكر في عاقبته، ونرجو لهؤلاء الذين فعلوا هذه الفعلة القبيحة نرجو الله سبحانه وتعالى أن يمن عليهم بالعفو والتوبة، وأن يحمي المسلمين من مثل هذه الفتن والشرور.
وأما واجب النساء فإني لا أستطيع أن أقول: ما هو واجب النساء؟ هل واجب النساء أن يصحن بهؤلاء الرجال: اخرجوا اخرجوا؟ إنما المهم أني أرى من المنكر العظيم دخول الرجال على النساء.
الجواب: هذه القاعدة: (كل خارج من السبيلين ينقض الوضوء). مستفادة من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) لا ينصرف أي: من شك هل أحدث أو لا حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، ومن المعلوم أن الريح ليس لها جرم وأنها هواء، فإذا كانت هذه الريح التي ليس لها جرم وأنها هواء ناقضة للوضوء فما له جرم فهو أخبث منها وينقض الوضوء، لكننا نرى أن هذه الرطوبة الدائمة مع المرأة وإن نقضت الوضوء فإنها طاهرة لا يلزمها أن تغسل ثيابها منها.
وأما جواز جمعها بين الصلاتين لمشقة الوضوء لكل صلاة فهو جائز، يجوز أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء إذا كان يشق عليها أن تتوضأ لكل صلاة، أما إذا كان لا يشق عليها، فإن الواجب أن تصلي كل صلاة في وقتها.
وكيفية الجمع بين الصلاتين أنها تصلي الظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء، وليس فيه قصر، لأن القصر إنما يكون للسفر فقط.
السؤال: حكم الرطوبة الخارجة من فرج المرأة مع كثرتها، ولم يظهر دليل صريح يبين هذه الحالة في عهد الصحابيات، حيث إن هذه الرطوبة تنـزل بصفة مستمرة، ومن طبيعة كثير من النساء؟
الجواب: الواقع أن هذا الإشكال الذي أوردته السائلة هو إشكال حقيقة؛ لأن هذا -أعني الرطوبة التي تخرج- يبتلى بها كثير من النساء أو أكثر النساء، ولكن بعد البحث التام لم أجد أحداً من العلماء قال: إنها لا تنقض الوضوء إلا ابن حزم، ولم نذكر له سابقاً حتى نقول: إن سلف الأمة يرون أن هذا لا ينقض الوضوء، وأنا أقول: إذا وُجد أحد من سلف الأمة يرى أنه لا نقض بهذه الرطوبة فإن قوله أقرب إلى الصواب من القول بالنقض، أولاً: للمشقة، وثانياً: لأن هذا أمر معتاد، ليس حدثاً طارئاً كالمستحاضة، بل هو أمر معتاد عند كثير من النساء، فإن وجدتم سلفاً من صدر هذه الأمة يرى أنه لا نقض بخروج هذا السائل فقوله أقرب إلى الصواب، وأما إذا لم تجدوا فليس لنا أن نخرج عن إجماع الأمة.
الجواب: تغيير الشيب بغير السواد سنة أمر بها النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) لكن كثيراً من العلماء لا يفعلون ذلك لمشقة الملاحظة، لأن الإنسان لا بد أن يلاحظ الشعر وإلا فإنه سيتبين أصله ويتضح، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله في اتخاذ الشعر -أي: شعر الرأس- قال: هو سنة لو نقوى عليه اتخذناه ولكن له كلفة ومئونة.
فعدل عن ذلك للكلفة والمئونة، هذا هو عذر بعض العلماء لا يفعلون ذلك، وقد كان شيخنا عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله لا يسبغ لحيته بشيء، وكان مفتي هذه البلاد الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله كذلك لا يسبغ الشيب، وكذلك إخوانه، وكذلك كثير من العلماء فيمن شاهدناهم لا يسبغون، لكن السنة لا شك أنها ثابتة سواء فعلها العلماء أم لم يفعلوها أنه ينبغي للإنسان أن يغير الشيب لكن بغير السواد، أما السواد فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وجنبوه السواد).
الجواب: طلب العلم والجهاد في سبيل الله الأفضل لكل أحد ما يناسبه، فإذا وجدنا رجلاً ذكياً حافظاً ولكنه ليس بذاك الجيد في القتال قلنا: الأفضل طلب العلم، وإذا وجدنا رجلاً قوياً شجاعاً وهو في تحصيل العلم أقل قلنا: الجهاد أفضل لك، ولهذا نجد الرسول عليه الصلاة والسلام إذا سئل: أي العمل أفضل؟ يخاطب كل إنسان بما تقتضيه حاله، فقد يقول: الأفضل كذا... وفي حديث آخر يقول: الأفضل كذا... وذلك باعتبار حال السائل، فكل إنسان له ما تقتضيه حاله، الإنسان الذي هو وعاء لطلب العلم في الحفظ والفهم، وتخريج المسائل، ومناظرة أهل الباطل طلب العلم أفضل له، والإنسان الشجاع المقدام النشيط القوي، العالم بأساليب الحرب ومعداتها، وهو دون ذاك في العلم الأفضل له الجهاد.
الجواب: أما الذي يشترط لصحة البيع فيه القبض فإنه لا يصح البيع والشراء عبر هذه الشاشة؛ لأنه ليس فيه قبض، وأما ما لا يشترط فيه القبض فإنه يحتاج إلى شيء آخر وهو العلم بالمبيع، وهل المبيع يعرض على هذه الشاشة وينظر، يبقى شيء آخر: القدرة على التسليم، هل لو طلبت أن يسلم لك ما اشتريت هل تتمكن من ذلك، ولهذا نرى ألا يتعامل الإنسان بهذه المعاملة، ولا نقول: إنها حرام إلا فيما تقتضي الشريعة أنه حرام كالبيع الذي يشترط فيه القبض، أو بيع المجهول، أو بيع ما لا يقدر على تسليمه فإنه يكون حراماً، لأن الله تعالى قال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [البقرة:275] وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الغرر).
الجواب: إذا ظهر الشيب على الإنسان فإنه لا ينتفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن النامصة والمتنمصة) والنامصة قال العلماء: هي التي تنتف شعر وجهها للتجمل، وهذا الذي ينتف شعره للتجمل شبيه بالنامصة، ثم نقول له: إذا اتبعت هذه القاعدة، وكلما خرجت شعرة بيضاء قلعتها لم يبق عليك شعر، لأن الشعر سوف يبيض، أول ما يظهر شعرتان أو ثلاثاً أو أربعاً ثم يشتعل الرأس شيباً، فهل كلما ظهرت شعرة بيضاء قلعتها؟ إن فعلت ذلك لم يبق عليك شعر.
الجواب: أولاً: إذا وقع هذا الزواج في العدة أي: قبل أن تعتد عدة الوفاة فإنه لا يصح، وهو باطل بإجماع المسلمين، وعدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام لمن لم تكن حاملاً، ووضع الحمل لمن كانت حاملاً، قد تطول مدة الحمل وقد تقصر، فإذا تزوجها بعد العدة فلا بأس لكن بشرط أن ينوي أنه نكاح رغبة، ثم إن بدا له أن يطلقها فيما بعد فلا بأس.
الجواب: إذا دخل الوقت على المرأة المستحاضة أو من أصيبت بالماء الذي يخرج دائماً توضأت وبقيت على طهارتها حتى يخرج الوقت، تصلي ما شاءت من فروض ونوافل؛ لأن طهارتها تامة إلا أنها طهارة ضرورة تتقدر بقدرها، ومعنى قولي: تتقدر بقدرها أنه إذا خرج الوقت احتاجت إلى وضوء ثانٍ للصلوات المستقبلة.
الجواب: إذا نوى فإن عزم النية أي: نوى أنه أفطر فإنه لا يتم صومه؛ لأن الصوم نية، وأما إذا قال: يمكن أن أفطر إن اشتد الحر علي أو ما أشبه ذلك ولكنه لم يفطر فإنه يتم صومه، فالكلام على عزمه إن عزم أفطر وإن لم يعزم فإنه لا يفطر.
الجواب: من لا يستطيع الوصول إلى دورة المياه فإنه يحضر له الماء ويتوضأ في مكانه؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وهو إذا لم يستطع الوصول إلى الحمام يستطيع أن يحضر له الماء ويتوضأ منه، ولا يجوز التهاون في هذا، فأما إذا كان يشق عليه نفس الوضوء سواء ذهب إلى الحمام أو توضأ في مكانه فحينئذٍ يتيمم.
الجواب: إذا دخل في التكبيرة الرابعة فإنه يدعو للميت؛ لأن هذا محل دعاء للميت بالنسبة للإمام وأنت تابع للإمام، فإذا سلم الإمام فإن انتظروا بالجنازة حتى يقضي من فاتهم ما بقي عليهم قضى ما فاته على صفته، وإن حملت كما هو الغالب فإنه يتابع التكبير الله أكبر الله أكبر الله أكبر ويسلم، وإن شاء سلم مع الإمام، وهذه مسألة لم أطلع فيها على سنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هذا كلام العلماء يقولون: إذا أمكن أن ينهي ما فاته قبل أن ترفع الجنازة فليفعل، وإن خاف رفعها فإما أن يسلم مع الإمام وإما أن يكبر ويتابع التكبير ويسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر