إسلام ويب

اللقاء الشهري [39]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد ابتليت الأمة المحمدية في عصرنا هذا بأنواع شتى من الفتن والمحن والبلايا، وإن من أعظم ما فُتنت به الأمة اليوم هو الغزو الفكري والأخلاقي المدمر للبيوت والأخلاق والفضيلة والعفاف من قبل أعداء الله عبر القنوات الفضائية، فأفسدوا وميعوا شباب ونساء الأمة ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد اغتر كثير من المسلمين بذلك وظنوه حضارة، ولكن المخرج والعصمة بهجر آلات اللهو والطرب، والالتزام بالكتاب والسنة.

    1.   

    فتنة الغزو الفكري والخلقي عبر القنوات

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها الإخوة.. فهذا هو اللقاء التاسع والثلاثون من اللقاء الشهري الذي يتم في ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وشهرنا هذا هو شهر جمادي الثانية عام (1417هـ) أسأل الله تعالى أن يكثر من اللقاءات النافعة بين المسلمين .. بين شبابهم وشيوخهم .. بين علمائهم ومتعلميهم إنه على كل شيء قدير.

    أيها الإخوة: إلى أين نسير؟ وإلى أين نتجه؟ أنحن نعيش كما تعيش البهائم؟ أنعيش كما تعيش الأنعام ليس لنا هم إلا ملء البطن وشهوة الفرج؟ إلى أين؟

    الواقع أن هذا سؤال عظيم، تنبني عليه حياة الإنسان الحاضرة والمستقبلة، إننا في الحقيقة نعلم أين نذهب، ونعلم إلى أي شيء نعيش، ونعلم لماذا وجدنا في هذه الحياة من كلمة واحدة من كلام الله عز وجل ألا وهي قول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] لم يخلق الله الجن والإنس إلا لعبادته، وعبادته توحيده والقيام بطاعته فعلاً للمأمور وتركاً للمحظور.

    ولقد أكرم الله تعالى بني آدم وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، خلق لهم ما في الأرض جميعاً لينتفعوا به ويستعينوا به على ما خلقوا من أجله وهي العبادة، ولقد أكرم الله بني آدم وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً حين سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، كما قال الله عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29] وقال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [الجاثـية:13] ولكن هل نحن استخدمنا هذا المسخر لنا والمخلوق لنا فيما خلقنا له، أم أننا ألغينا ما خلقنا له واشتغلنا بما خلق لنا؟

    الجواب: إن كثيراً من بني آدم على هذا الوضع، تركوا ما خلقوا له، واشتغلوا بما خلق لهم، ويدلك على هذا قول الله تبارك وتعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116] من أكثر من في الأرض؟

    الكفرة، الكفار هم أكثر من في الأرض إن أطعناهم أضلونا عن سبيل الله: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا [النساء:89] .. وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة:2] .. وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [آل عمران:69] .. وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً [البقرة:109] أكثر أهل الأرض ضُلَّال ليسوا على هدى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116].

    ولكن تدرون هل من في الأرض من هؤلاء يصدرون الأوامر بلفظ: افعلوا؟ لا، لا يصدرون الأوامر بلفظ: افعلوا كذا، ولو أنهم أصدروا ذلك لكشفوا عن أنفسهم، ولتبين خطؤهم، لكنهم يسرون في جسم الأمة الإسلامية كما تسري النار في الفحم أو كما يسري السم في البدن، إنهم يأمروننا أمراً غير مباشر بسخافة الأخلاق، ونحاتة الأفكار، وفساد الأديان بما يغزوننا به من أنواع الغزو الفكري والخلقي والمالي والاقتصادي والاجتماعي، في كل ما يستطيعون من قوة؛ لأنهم يعلمون أنه لو كان الميدان بيننا وبينهم في الأخلاق والعبادة لكان الظفر للمسلمين، يعلمون ذلك، لكنهم لم يجابهونا مجابهةً نعلم بها حقدهم وعداوتهم وبغضاءهم، إنما دسوا لنا هذه الأخلاق عبر وسائل الإعلام؛ ولهذا تجدهم جادِّين ليلاً ونهاراً في اختيار الأساليب المغرية والصور الفاضحة التي يبثونها عبر الأقمار الصناعية، ولا شك أن هذا من فتنة الله عز وجل لعباده: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35].

    الذي يسر هذه السبل حتى أوصلوا أخلاقهم الرذيلة وأفكارهم المنحرفة إلى بلادنا، إلى حجرنا، إلى غرفنا، إلى مدارسنا إنما ذلك لحكمة؛ امتحاناً من الله عز وجل، والله تعالى يمتحن عباده بتيسير أسباب المعصية ليبلوهم أيهم يصبر أو أيهم ينحدر.

    ألم تعلموا إخوانكم وسلفكم حين ابتلوا بتسهيل أسباب المعصية ولكنهم امتنعوا، امتحن الله الصحابة رضي الله عنهم وهم محرمون بشيء من الصيد، ونحن نعلم جميعاً أن المحرم يحرم عليه الصيد، حتى ولو كان خارج الحرم؛ لأن الصيد يشغف القلب، ولو استرسل الإنسان وراءه لنسي أنه محرم، فحرم من أجل ألا يشتغل به عن إحرامه، حرم الله عليهم الصيد لكنه ابتلاهم بشيء من الصيد تناله أيديهم ورماحهم، واحد يمسك الصيد بيده أو برمحه، قال العلماء: ينالون الصيد الزاحف باليد مثل الأرنب، وينالون الصيد الطائر بالرمح بدون سهم ليبلوهم عز وجل أيهم يصبر عن هذا الصيد أو لا يصبر.. هذا تسهيل لطرق المعصية حتى يبتلى العبد أيصبر عنها أو لا؟ فماذا كان منهم؟ أن صبروا وهجروها وتركوها، وربما يكونون جياعاً يحتاجون إلى الأكل لكن الله حرم ذلك.

    نحن في زمننا الآن في فتنة، ومحنة، هذه الأقمار الصناعية التي يبث فيها أعداؤنا من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم ما يدمرون به عقائدنا وأخلاقنا، ويدمرون به مجتمعاتنا من أكبر الفتن، هذه الوسائل الإعلامية القوية الزاحفة أضلت أناساً كثيرين إما مباشرة وإما غير مباشرة، إننا تكلمنا قبل جمعتين أو أكثر على موضوع الدشوش، وبينا أنها مدمرة للأخلاق، وأنها مدمرة حتى للعقيدة؛ لأن الشعوب إذا دمرت أخلاقها، وارتفع حياؤها، دمر دينها وعقيدتها، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).

    أين الحياء من قوم يبثون بيننا شباباً وشابات سافرات متبرجات؟ تجد هذه تعانق الشاب، إذا رأى الشاب والشابة هذا المنظر فهو بشر تعصف به الشهوة إلى مكان سحيق، إنهم يأتون بالشبهات حتى فيما يتعلق بالعقيدة كما سمعنا أنهم يشبهون السحب المتراكمة وفوقها شيخ كبير يصب عليها براميل الماء!! وكأنهم يقولون: هذا الشيخ هو الله -والعياذ بالله- قاتلهم الله، إلى غير ذلك من الأشياء المزعجة المخزية.

    1.   

    فتنة بناء الاستراحات والأحواش التي يجاهر فيها بالمعاصي

    والمسلمون الآن ممتحنون مفتونون بهذا، إننا نسمع أنه بواسطة ما منَّ الله به علينا من السعة في الأموال وكثرة الأرزاق بنيت الاستراحات، وبنيت الأحواش، وصار يجتمع فيها الناس من شيوخ وكهول وشباب ومراهقين يجتمعون فيها إلى ساعات متأخرة من الليل، ولقد بلغنا أنهم يصطحبون معهم هذه الدشوش ليسهروا عليها -والعياذ بالله- ولقد بلغنا أيضاً أنهم يحملون (الشيشة) ليدخنوا بها، ويحملون علب السجائر ليدخنوا بها، ويحصل عندهم من آلات العزف والموسيقى ما يفسد أخلاقهم، فلماذا لا يكون كل واحد منا رقيباً على أولاده؟ أين ذهبتم؟ لماذا تأخرتم في المنام؟

    إنكم مسئولون .. إنكم محاسبون! أتظنون أن هذه النعم التي ابتليتم بها اليوم لن تسألوا عنها! أبداً .. لا بد أن يسأل الإنسان كما قال عز وجل: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8] تسأل عن النعيم وأنت ترى الجحيم: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:6-8] لا بد أن نسأل أين ذهب هؤلاء الشباب.

    1.   

    الذين يجب عليهم تحمل المسئولية في إنكار المنكر

    حمل المسئولية على الشباب

    إن بعض الناس -حتى الكبار كما سمعنا- يحضرون في هذه الاستراحات، وفي هذه الأحواش إلى وقت متأخر من الليل، وربما يأتون إليها من قبل الغروب فينسون أهليهم وأبناءهم وبناتهم، يأتي الإنسان في آخر الليل وقد انهمك جسمه من التعب والسهر وينام، والله أعلم هل يصلي الفجر أم لا يصلي! ولا يرى أهله، ولا يجلس معهم في عشاء ولا غداء، وكأنه في وادٍ وهم في واد.. أين المسئولية؟

    إن أي إنسان يضيع حق الله في أولاده فسيضيعون حق الله فيه؛ سوف يبتلى بعقوقهم وكراهيتهم له حتى كأنه ليس أباً لهم، لذلك أنصح أولاً الشباب عن الانهماك في هذه الأحواش وفي هذه الاستراحات على وجهٍ لا يرضي الله ورسوله.

    حمل المسئولية على أولياء أمور الشباب

    ثانياً: أحمل المسئولية أولياءهم أمام الله ثم أمام مجتمعهم، أحمل المسئولية لآبائهم الذين استرعاهم الله عز وجل عليهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكَّل كل إنسان على أهله، أنت راع بوكالة الرسول عليه الصلاة والسلام: (الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته) هل يمكن أن تنفك عن هذه الوكالة التي ألزمك بها رسول الله؟ لا يمكن، إذاً: قم بالوكالة على الوجه المطلوب وإلا فستسأل: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65] أين جوابك يوم القيامة إذا لقيت الله عز وجل؟

    حمل المسئولية على أصحاب أماكن المنكرات

    ثالثاً: أحمل المسئولية أصحاب هذه الأحواش وأصحاب هذه الاستراحات، إذا أتاهم من يعلمون أو يغلب على ظنهم أنه سوف يكون فيها على الوجه الذي لا يرضاه الله ورسوله فليعلم أنه يأكل أجرتها سحتاً وحراماً، وما أعظم أن يكون معيناً على الإثم والعدوان، هذه الأجرة التي يأخذها سحتاً وحراماً؛ لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه.

    ثم إذا أكل هذا ما الذي يترتب عليه؟

    جاء في الحديث: (كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به) هذه واحدة.

    أيضاً الذي يأكل الحرام يبعد أن تجاب دعوته -والعياذ بالله- حتى لو دعا في أكبر الأسباب التي تستجاب بها الدعوة فإن إجابته بعيدة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51] ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا ربِ! يا ربِ! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!) بعيد أن يستجاب له، مع أن الرجل فعل من أسباب إجابة الدعاء ما فعل، ما الذي فعل من أسباب إجابة الدعاء؟

    أولاً: السفر.

    ثانياً: أنه أشعث أغبر.

    ثالثاً: أنه يمد يديه.

    رابعاً: أنه يستنجد بالله ويتوسل بربوبيته: يا رب! يا رب!

    ولكن مطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فلا يستجاب له.

    أتريد أيها المؤمن أن تدعو الله ولا يستجيب لك؟ لا أحد يريد هذا، لكن إذا كان مأكلك حراماً، ومشربك حراماً، وغذيت بالحرام فالإجابة -أعني: إجابة الدعاء- بعيدة منك نسأل الله العافية.

    حمل المسئولية على عموم الناس

    رابعاً: أحمل بقية الناس الذين يعلمون ما يحصل في هذه الأحواش أو في هذه الاستراحات أحملهم أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من النصيحة، ينصحون إخوانهم، أرأيت لو أن ناراً استعرت وأقبل الناس إليها، أليس من النصيحة أن تحذرهم منها؟ بلى، من حق إخوانك عليك أن تنصحهم وتحذرهم، تكف النار عنهم أو تكفهم عن النار، فالواجب على من علم عن أخيه أن له استراحةً أو أن له حوشاً يجتمع فيه الناس على معصية الله أن ينصحه ويحذره من عذاب الله.

    يقول: يا أخي الدنيا ليست باقية، لا تدري متى تلاقي ربك، قد تصبح ولا تدرك المساء، وقد تمسي ولا تدرك الصباح، اتق الله.

    ثم اذكر أنك متى اتقيت الله جعل لك من أمرك يسراً .. متى اتقيت الله رزقك من حيث لا تحتسب .. متى اتقيت الله جعل لك مخرجاً من كل ضيق .. وانصحه فلعل الله أن يهديه، وإذا هداه الله على يديك اكتسبت خيراً كثيراً.

    ثم إذا قُدِّر أنه ليس في الإنسان إقدام على النصيحة إما لعجزه أو خجله أو خوفه ممن يوجه النصيحة إليه فعليه أن يبلغ من يستطيع نصحه ومنعه؛ لأن سكوتنا عن شيء نشاهده بأعيننا أو نسمعه بآذاننا وهو محرم دون نصح أو محاولة للإصلاح خطأ عظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) أنت وأخوك شيء واحد، إذا انحرف واحد من الشباب فيعني ذلك أنه نقص .. نقص هذا الواحد، أو نقص قوة تماسكه وسلامته؟ الأمرين، نقص هذا المنحرف خسارة، أيضاً يعتبر هذا النقص الذي حصل للمجتمع خللاً في الجميع، ومن الأمثلة العامة يقولون: إن البئر إذا سقط منه حصاة فالبئر كله خراب؛ لأنه يختل كل البناء، والرسول عليه الصلاة والسلام بين أن المجتمع الإسلامي كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وأما السكوت على الباطل فلا.

    فإن قال قائل: أرأيت لو أن الإخوة أو الأقارب اجتمعوا في واحد من هذه الأحواش أو في الاستراحة للتآلف والتعارف، وإلقاء أطراف الحديث لتزول الوحشة لكن من غير شيء محرم.. فهل هذا جائز؟

    الجواب: جائز، لكن ليكن بقدر معلوم، لا يمضوا أكثر الليل في هذا المكان، لأنه مهما كان الأمر إذا أمضوا أكثر الليل في هذا المكان فسوف ينفد ما عندهم من الكلام النافع، ويبقى الكلام اللغو أو المحرم، فليكن هذا بقدر الحاجة بحيث إذا حصلت الفائدة انفضوا، ونحن لا يمكن أن نحجر على عباد الله ونقول: لا تفرحوا، لا تستأنسوا، لا تجتمعوا.. غير ممكن، الصحابة لما قال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام: (إياكم والجلوس على الطرقات! قالوا: يا رسول الله! هذه مجالسنا مالنا منها بد -أقرهم على ذلك- لكنه قال: أعطوا الطريق حقه).

    نحن لا نقول: لا تجتمعوا في هذا! ولو قلنا هذا ما أطاعنا الناس، ولا نقوله أيضاً لكن نقول: ليكن جلوسكم على خير، تآلف، تعارف، تجاذب أطراف الحديث النافع.. هذا طيب.

    هناك قسم ثالث يجتمعون على كتاب الله، وعلى ذكر الله، وعلى التناقش في مسائل العلم، وهذا لا شك أنه في قمة المجالس؛ لأنه ما اجتمع قوم على ذكرٍ إلا كان ذلك خيراً لهم، وهذا يعتبر في قمة المجالس.

    فتبين الآن أن الجلوس في هذه الأماكن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

    1- قسم خير محض.

    2- قسم شر محض.

    3- قسم لغو لكن قد يكون خيراً وقد يكون شراً حسب ما يؤدي إليه.

    ولنقتصر على هذا القدر من الكلام، ونسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يجعلنا من الهداة المهتدين والقادة المصلحين.

    أما الآن فإلى الأسئلة، وأحثكم على أن تكون أسئلتكم واضحة وصريحة بقدر الإمكان؛ لأن الصراحة في السؤال تدل على صدق السائل، وأنه يريد الوصول إلى الحق، لقد جاءت أم سليم وهي امرأة تقول: (يا رسول الله، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت) صرحت، وطُلِقت امرأة طلقها زوجها ثلاثاً فتزوجها رجل، لكنه لم يجامعها، ولم ترض به، فأرادت الرجوع إلى الزوج الأول، وجاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تقول له: (إني نكحت فلاناً وليس معه إلا مثل هدبة الثوب. وأمسكت بثوبها ونفضته) تعني بذلك: أنه لم بجامعها، ليس معه شيء، هذا كلام يمكن لا يستطيع الرجل أن يعبر به، لكنها امرأة صارت صريحة، فالصراحة -كما قيل- هي الراحة، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق.

    1.   

    الأسئلة

    نصيحة لمن ابتلي بدخول الدش إلى بيته

    السؤال: فضيلة الشيخ: تعرضت -وفقك الله- في الخطبة واللقاء إلى الأحواش والاستراحات، وما تكلمت وفقك الله عن البيوت وغزو الدشوش لها، فهذا والد له أولاد كبار ألزموا والدهم بإحضار الدش، فأحضروه من مالهم، فأقرهم الوالد ومكنهم منه مع أنه ممن يصلي في الروضة ولا يريده، لكنه مكره، فما نصيحتك له ولأولاده والبيت فيه نساء وأطفال؟

    الجواب: حقيقة أني تكلمت على الأحواش والاستراحات؛ لأنه بلغني أنها شاعت شيوعاً عجيباً وبسرعة، حتى بلغت نحو ألفين في مدينة كـعنيزة، وهذا صعب جداً، أما الذي في البيوت فهو من مدة كثيرة، وأقول: إن هذا الرجل الذي وافق أهله إما أبناءه أو بناته أو زوجاته على أن يحضر هذا الدش، ويستمعون إلى ما شاءوا فيه، وينظرون إلى ما شاءوا، أرى أنه أخطأ وأنه مسئول عن ذلك، وهو صاحب البيت يستطيع أن يمنع، وأنصحه الآن بأحد أمرين:

    إما أن يكون رقيباً مباشراً على هذا الدش بحيث لا ينظر فيه إلا إلى ما فيه المصلحة، وإما أن يكسره -يجب عليه- سواء رضي الأولاد أم لم يرضوا؛ لأنه مسئول عن ذلك، ولا يمكن أن يبيعه هو، لأنه إذا باعه إنما يبيعه على قوم يستعملونه في المعصية فيكون معيناً على معصية الله، ولا سبيل إلى التوبة منه إلا أن يكسره، فإذا قال: خسر عليه مثلاً ألف ريال أو ألفي ريال نقول: الحمد لله، الخسارة فيما يقرب إلى الله ربح، وسوف يخلف الله عليك خيراً منه.

    وإتلاف الأموال لرضا الله عز وجل غضباً على النفس وانتقاماً منها من سنن المرسلين، قال سليمان عليه الصلاة والسلام: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [ص:32] أي: ألهاني حب المال عن ذكر الله حتى توارت الشمس بالحجاب -أي: حتى غابت- رُدُّوهَا عَلَيَّ [ص:33] وكان ذلك الخير الذي شغله عن الله كانت خيولاً وفرساناً يجاهد عليها: رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ [ص:33] أكثر المفسرين على أن المعنى: جعل يقص أعناقها ويقص أرجلها.. غضباً على نفسه وإرضاءً لربه حتى لا يعود مرةً ثانية.

    وها هو النبي عليه الصلاة والسلام صلى يوماً في خميصة أهداها له أحد أصحابه وهو أبو جهم ، فنظر إلى أعلامها -خطوطها- وهو يصلي نظر إليها نظرةً واحدة، فلما انصرف من صلاته قال: (اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم لأنها ألهتني آنفاً عن صلاتي) وهو لم ينظر إليها إلا نظرةً واحدة، لكنها ألهته، ولكنه من أجل ألا ينكسر قلب صاحبها قال: (ائتوني بأنبجانية أبي جهم ) من أجل ألا يقول: إنه ردها علي، فأتوه بها.

    المهم أني أقول لصاحب هذه العائلة: عليك بتقوى الله، فإما أن تبقى عند هذا الدش ليلاً ونهاراً حتى لا تنظر العائلة إلى ما لا يجوز، وإما أن تكسره ويخلف الله عليك.

    حكم من أجّر أو سعى في تأجير استراحة لأناس يرتكبون فيها المعاصي

    السؤال: فضيلة الشيخ: رجل عنده استراحة وقد أجرها على أناس يستعملونها فيما حرم الله تعالى، ولم يشترط عليهم في العقد عدم استعمال ذلك، فما الحل؟ وإذا كان قد اشترط عليهم فهل ينفسخ العقد ويحق له إخراجهم؟ وماذا عن قيمة الإيجار؟

    الجواب: نحن تكلمنا عن شيء من ذلك، وقلنا: أولاً: إذا كان يغلب على ظنه أو يعلم علم اليقين أن هؤلاء استأجروها ليعصوا الله فيها فهذا لا يجوز تأجيرهم أصلاً، والإجارة باطلة ولم تنعقد، ولا يملك الأجرة وهم لا يملكون الانتفاع بهذه الاستراحة، عقد باطل، والعقد الباطل عند العلماء هو الذي لا يترتب عليه أثره.

    أما إذا آجرهم وهو لا يدري ماذا يصنعون ثم حدد لهم مدة معينة وصاروا يفعلون هذا الشيء، أي: يستعملونها في معصية الله، فالأجرة باقية إلى أمدها، لا يملك إخراجهم، لكن عليه أن ينصحهم وينهاهم عن المنكر، والأجرة التي أخذها حلال له، لأنه لم يؤجرهم إياها ليعصوا الله فيها، ولا علم بذلك، ولا غلب على ظنه.

    فالمسألة إذاً فيها تفصيل:

    إن كان يعلم أو يغلب على ظنه أنهم سوف يستعملونها في معصية الله فما الجواب؟

    العقد باطل، والأجرة ليست ملكاً له، وهم لا حق لهم بالانتفاع، وله أن يخرجهم فوراً.

    ثانياً: إذا كان لا يغلب على ظنه ذلك جاءه قوم استأجروها ولكن صاروا يعصون الله فيها، فهذا يجب إنظارهم إلى مدتهم؛ لأن عقد الإجارة عقد لازم.

    لكن إن شرط عليهم ألا يستعملوا ذلك واستعملوه وجب عليه فسخ الإجارة وجوباً، وله ما سبق الفسخ من الأجرة.

    السؤال: هل يأثم صاحب المكتب العقاري وما ذنبه؟ فإنه مجرد واسطة بين المؤجر والمستأجر، يأتيه أناس فيؤجرهم هذه الاستراحات والأحواش وقد يعلم أنهم يشاهدون فيها الدشوش، ويجتمعون فيها على ما حرم الله، وقد لا يعلم ذلك، فهل يلحقه الإثم؟

    الجواب: نعم، الدلال كصاحب الملك، إذا كان يعلم أن هؤلاء استأجروها للمعصية فهو حرام عليه، وما أخذه من الدلالة حرام عليه، وإذا كان لا يعلم فلا شيء عليه.

    نصيحة في ترك الاستدانة لأجل بناء استراحة للتنزه

    السؤال: فضيلة الشيخ: حول موضوع الاستراحات أنا موظف وراتبي قليل، أريد أن يكون لي استراحة لي ولأولادي أتنزه فيه، وليس عندي مال أعمل به هذه الاستراحة، فهل يجوز أن أستدين أموالاً لأعمل هذه؟

    الجواب: لا أرى أن يستدين ليعمل هذه الاستراحة، ونقول: الاستراحة -الحمد لله- موجودة، نم على الفراش، فراش هادئ وواطئ وهذه استراحة، أما أن تستدين من أجل أن تعمل هذا الحرث أو تبني هذا القصر في هذه الاستراحة ويكون في ذمتك دين لا تدري أتستطيع وفاءه في حياتك أم لا، ولا تدري أيضاً ربما هذه الطفرة في الاستراحات والأحواش ربما تنزل كما نزل غيرها، ربما تنزل ولا تساوي ولا ربع ما أفنيته فيها.

    واجبنا نحو أصحاب الاستراحات التي فيها معاصٍ

    السؤال: فضيلة الشيخ لقد تألم قلبي كثيراً مما سمعت منك عن واقع الناس اليوم، وسمعت الكثير عن ذلك، وسؤالي يا فضيلة الشيخ: كيف نتعامل مع هؤلاء؟ هل يقوم طلاب العلم بالزيارة لهم وتوجيههم وإهداء الأشرطة لهم داخل هذه الأحواش والاستراحات أم ماذا نعمل نحن حتى تبرأ ذممنا ونعذر، ونكون قد أعذرنا إلى الله تعالى أرشدنا أرشدك الله ونفع بك، ورد المسلمين إليه رداً جميلاً؟

    الجواب: الظاهر أن كاتب السؤال كتبه ونحن نتكلم عما يجب علينا نحو هؤلاء الإخوة، فقد بينا أن الواجب نصيحتهم، وإذا لم نستطع لخجل أو عجز أو خوف بلغنا من يستطيع أن ينصحهم أو يمنعهم.

    الهجر .. مصالحه ومفاسده

    السؤال: من كان له قريب قد وضع دشاً على ظهر بيته، فهل يزوره في بيته أم يهجره؟ ومتى يكون الهجر، لأني أخشى أن تكون زيارتي له إضراراً وأنا أعلم أنه لن يستجيب للنصيحة؟

    الجواب: أيها الإخوة! الهجر لا يجوز، لا يجوز هجر العاصي مهما بلغت معصيته، إلا إذا كان في الهجر مصلحة، ودليل ذلك: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) هل العاصي مؤمن أو غير مؤمن؟ مؤمن، لو كانت معصيته أعظم المعاصي بعد الشرك فهو مؤمن، ليس هناك ذنب فيما يتعلق بمعاملة المخلوقين أشد من القتل، قتل المؤمن عمداً من أعظم الذنوب، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) ومع ذلك قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178] أخيه من هو؟: المقتول، مع أن القتل عمد؛ لأنه لا قصاص إلا بعمد: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178] فجعل الله تعالى المقتول أخاً للقاتل، مع أنه قاتل من أعظم الذنوب، وإذا كان مؤمناً فإنه لا يجوز هجره إلا ثلاثة أيام فقط.

    نعم .. لو كان في الهجر مصلحة وفائدة هجرناه، كيف المصلحة؟

    أن يخجل، ويشعر بذنوبه، ويقول: إنه لم يهجرني قريبي أو أخي إلا لهذا السبب.. إذاً نترك هذا السبب، فهنا يحسن الهجر أو يجب الهجر، اذكروا لي هجراً صار مفيداً؟ الثلاثة الذين خلفوا، صار هجرهم مفيداً، هجرهم النبي عليه الصلاة والسلام، وهجرهم الصحابة، لكن يا له من هجر! أثمر ثمرات يانعة لا نظير لها في مثل قصتهم، أنزل الله فيهم قصةً تتلى في المساجد .. في الصلوات .. يتقرب إلى الله تعالى بها، في كل حرف منها عشر حسنات، ثم في النهاية قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] لكن أي هجر يورث هذا؟!

    بعض الناس يقول: أنا والله ما عندي نفس أتحمل أن أُسلِّم على الإنسان العاصي! يا أخي.. العاصي هذا عنده مرض، هل نترك المرضى ونقول: لا نعالجهم؟

    الجواب: لا، نعالجهم لا نغلب العاطفة والغيرة على المصلحة العامة، عالجهم، صحيح أن الإنسان ربما يجد من نفسه ثقلاً عظيماً أن يلقاه إنسان معه سيجارة ويسلم عليه، لكن ما دمت تعلم أنك تريد أن تداوي هذا الرجل من مرضه فاسلك أقرب طريق يكون دواءً له ولا عليك، الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعامل الناس باللطف واللين والرفق، وقال الله له: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159].

    الصحف والمجلات وخطرها على العقائد والأخلاق

    السؤال: فضيلة الشيخ: تطرقت للحديث عن الغزو الفكري وأثره عبر هذه القنوات، وإن هناك خطراً لم تتحدث عنه وهو هذه الصحف التي أصبحت تنشر صور النساء العاريات، بل أساءت إلى القلوب والأفكار، خصوصاً وأن الرجل أو الأب يأتي بها إلى بيته، وتكون بين يدي نسائه دون رقيب ودون رعاية، فما نصيحتك له ولإخواننا المسلمين؟

    الجواب: هذه المشكلة صحيحة وحقيقةً، لكنها مشكلة قديمة تكلمت عنها عدة مرات على المنبر، وتكلم عليها غيري في مقالات وخطب، لكن بعض الناس قلوبهم ميتة -والعياذ بالله- لا تحس بشيء، والله عز وجل يقول: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37] عجزنا وعجز غيرنا، وإلا فلا شك أنه يوجد في المجلات -ولا سيما المجلات التي ترد إلينا من الخارج- يوجد مجلات نسأل الله العافية تنشر العهر والفساد، إما بكلماتها النابية، وإما بصورها الخليعة، ولا يحل لإنسان استرعاه الله تعالى على أهله -والموكل له رسول الله- أن يبقي هذه الصحف في بيته أبداً، يجب عليه أن يحاربها محاربة الأسد للشاة، بل يجب أن يحاربها محاربة الماء للنار، وأن يمزقها وأولاده يشاهدون؛ حتى يعلموا أنها حرام وباطلة، أما أن يأتي بها إليهم أو يراهم يشترونها ويقرهم فهذا والله ما رعاهم حق رعايتهم، ولا أحسن الرعاية لهم.

    ثم إن من العجب أن هذه المجلات التي ترد أو الصحف وفيها ما يدمر الأخلاق والعقائد يشتريها الناس بأموالهم، وهل هناك ضياع للمال أكثر من هذا؟!!

    لو أن الإنسان مشى في السوق وجعل ينثر الدراهم لكان ذلك خيراً من أن يشتري هذه المجلات ويعطيها أولاده؛ لأنه بهذه المجلات فعل محرماً، وأعان على باطل، وأفسد أخلاق أهله، لكن لو كان ينثر الدراهم في السوق ربما يأخذها مسكيناً وينتفع بها.

    فعلينا -أيها الإخوة- أن ينصح بعضنا بعضاً عن هذه المجلات الخليعة، إما في مقارها وإما في غيره، حتى إننا رأينا كتابة في صحفنا لامرأة، والمرأة دائماً كما قال الرسول ناقصة في عقلها ودينها تقول: يجب ألا نكفر اليهود والنصارى، كلها أديان سماوية.. سبحان الله! نحن وإن قلنا: هذه امرأة جاهلة، أدنى ما نقول فيها: أنها جاهلة، فكيف تنشر الصحيفة مثل هذا الكلام في بلد مسلم يقرءون القرآن صباحاً ومساءً، والله تعالى يكفر النصارى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:72] .. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73] .. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ [البينة:6] كيف نقول: لا يجوز أن نطلق عليهم الكفر؟!! هؤلاء نطلق عليهم الكفر وزيادة أيضاً؛ لأنهم حرفوا نصوص التوراة والإنجيل وأفسدوها، يبدون كثيراً ويخفون كثيراً: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النساء:46] نعم نقول: إن أصحاب موسى في عهد موسى الذين اتبعوه كانوا مسلمين وإخوتنا، ونسأل الله لهم المغفرة والرحمة، وكذلك أيضاً أتباع عيسى في زمن عيسى الذين اتبعوه هم مؤمنون وندعو لهم بالمغفرة والرحمة، لكن بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام الذي قال الله عز وجل له: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] بعد هذا صار من لم يتبعه من اليهود والنصارى فهو كافر، من أصحاب النار.. هذه عقيدتنا، وهذا ما نشهد به أمام الملأ وأمام كل إنسان أن كل من لم يتبع رسول الله محمد بن عبد الله فإنه كافر، مهما تسمى بأي اسم، فتأتي امرأة تقول: إن هؤلاء ليسوا كفاراً، ولا يجوز أن نطلق عليهم كفاراً .. سبحان الله! وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9].

    نصيحة لامرأة تعمل في المستشفى

    السؤال: سائلة تقول: فضيلة الشيخ: أنا عاملة في المستشفى فكيف أحافظ على التزامي وأنا أخصائية في قسم النساء؟

    الجواب: على كل حال هي تستطيع أن تلتزم بقدر ما تستطيع، قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] فلا تخضع بالقول للرجال، ولا تخلو بأحد من الرجال، ولا تكشف من وجهها إلا ما دعت إليه الحاجة عيناً واحدة تنظر بها، وتلتزم ما أمر الله به ورسوله نساء المؤمنين، وبإمكانها بقدر المستطاع، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يأتي اليوم الذي يخصص فيه مستوصفات أو مستشفيات للنساء خاصة وللرجال خاصة، وما ذلك على الله بعزيز.

    نسأل الله أن يوفق حكومتنا أن تتخذ هذا حتى تسلم من القيل والقال، وحتى يسلم أيضاً الملتزمون في هذه المستشفيات من الإثم الذي قد يحيط بهم.

    حكم امرأة كانت تؤدي زكاة حليها ثم تركته

    السؤال: زكيت على ذهبي الملبوس في العام الأول والثاني والثالث، ثم تكاسلت عن أداء زكاته في العام الرابع وما بعده، وقلت: إن فيه خلافاً فلا يلزمني، فهل يلزمني الآن دفع زكاة الذهب الملبوس عن السنوات التي لم أزكِ فيها؟

    الجواب: يجب عليك أن تؤدي الزكاة لكل ما مضى؛ لأنك أديتيها في الأول على أنها واجبة وأنها فريضة فما الذي ثناك في المرة الثانية؟!! أطالعت في الأدلة ثم اشتبه عليك الأمر فأنت معذورة، أم مجرد أنك سمعت أن في ذلك خلافاً فلا يجوز، بمجرد أن فيه خلافاً لا يجوز للإنسان أن يعدل عن رأيه الأول، هي في الأول التزمت بأنها تؤدي الزكاة فما الذي حولها؟ أراجعت أدلة الذين قالوا: بأن الزكاة واجبة وأدلة القائلين بأنها غير واجبة، أم مجرد أنها سمعت أن فيه خلافاً وقالت: خلاص، اختلاف الأمة رحمة؟ هذا غلط.

    أقول لأختنا: بارك الله فيها، عليها أن تؤدي زكاة ما مضى، وأن تعلم هي وغيرها أن الزكاة غنيمة وليست غرامة، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة، هل أحد منا يخلد للمال؟ وهل المال مخلد لنا؟ ما أكثر القوم الأغنياء الذين افتقروا! وما أكثر الأغنياء الذين ماتوا في شبابهم!

    فنقول للأخت: استعيني بالله ودعي البخل: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] قال العلماء: أي: بالبخل: وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً [البقرة:268] فأبشري بالمغفرة والفضل والخلف العاجل، وأدي زكاة حليك فإن النصوص العامة في القرآن والسنة بل والنصوص الخاصة في نفس الحلي تدل على وجوب الزكاة في الحلي.

    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله

    السؤال: فضيلة الشيخ: هل يوجد ضابط لخدمة الرجل زوجته في البيت؟ وما معنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في خدمة أهله وأنه قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) فبعض الرجال قد يكنس، وبعضهم يطبخ، وبعضهم يرتب الأثاث ويقول: نحن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خدمة أهله، ويغسل لهم الأواني، ويكنس لهم البيت، وبعض الرجال يقول: أنا لا آكل مع زوجتي، وبعضهم يقول: أنا لا أنام معها إلا في فترة الجماع فقط، فأرجو من فضيلتكم بيان هذه المسألة لكثرة الرجال الذين يقعون في إفراط أو تفريط فيها، وما هو الهدي الذي ترونه؟

    الجواب: أقول: إن الله تعالى ذكر ميزاناً عادلاً، فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وقال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ [البقرة:228] لكن الله تعالى قطع أطماعهن أن يساوين الرجال، لما قال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ [البقرة:228] ربما تشمخ المرأة تقول: أنا والرجل واحد: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ [البقرة:228] فقطع الله ذلك وقال: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة [البقرة:228] لا يوجد مساواة بين الرجل والمرأة إلا فيما تقتضي الحكمة تساويهما فيه.

    فأقول: هذا راجع للعرف، إذا جرى العرف بأن الزوجة هي التي تخدم زوجها في الكنس والطبخ والغسيل وإصلاح الحرث فلا بأس، كانت زوجة الزبير بن العوام تنقل النوى من المدينة إلى حائطه خارج المدينة ، وهي زوجته، وكان الناس في زماننا الذي أدركناه كانت المرأة هي التي تفرش البيت وتكنسه وتغسل الأواني وتحلب البقرة، وتطبخ وتعمل كل شيء، والرجل عليه أن يأتي بالنفقة، وهذا هو الأصل، لكن لا بأس أن يعين الرجل امرأته تأليفاً لها وقرباً منها، وهذا فيه مصلحة عظيمة.

    أما ما صوره صاحب السؤال من أن عائشة أم المؤمنين نائمة والرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي ينفخ ويطبخ فهذا كذب وغير صحيح، يأتي الرسول عليه الصلاة والسلام يجد طعامه مهيأً، ويأتي ويقول: هل عندكم من طعام؟ وأتى مرةً والبرمة على النار تغلي باللحم وسأل عنها، لكنه لا شك أنه يعين أهله، ويخصف نعله، ويرقع ثوبه عليه الصلاة والسلام، لكن أما أن تصور المسألة كما صورها هذا السائل فهذا إما أنه جاهل، وإما أنه خفي عليه الأمر.

    على كل حال: الدين الإسلامي قال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وقال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] فالإنسان يتبع العرف، ربما يختلف العرف في الوقت الحاضر القريب عما كان سابقاً، أي: المرأة عليها من كلفة البيت فيما سبق وأدركناه نحن أكثر بكثير مما هو اليوم، اليوم المرأة بدأت تطلب الخادم، وبدأت تقول للزوج إذا خرجت هي وإياه إلى السوق تقول: احمل الصبي وأنا أتبعك! أحياناً تقول: احمل الصبي وأنت ورائي!! هذا موجود، لكن هل هذا اقتداء بالرسول وأصحابه؟ لا. لكن بالأمم الغربية، لذلك يجب علينا أن نتمسك بعاداتنا ما لم تأتنا عادة أفضل منها من الناحية الشرعية، أنا لست أقول: نتمسك بالعادة حسنة أو سيئة وإنما: أمسك بالعادة ما لم تر شيئاً خيراً منها إما في دينك أو دنياك فلا بأس.

    السفر الذي يصح فيه قصر الصلاة وجمعها

    السؤال: فضيلة الشيخ: أخبرني عن أمرٍ أجهله وتعلمه أنت: رجل خرج من بيته طالباً للعلم واستقر في عنيزة واستوطنها، فأتم فيها الصلاة، ثم بدا له أن يرحل منها بعد سنين عدة إلى منطقة أخرى يعلم الناس فيها الخير غير بلدته الأولى -أعني: مسقط رأسه التي خرج منها- ولا ينوي أيضاً أن يستقر في كلا البلدين الأولى والأخرى التي نزل فيها، سؤالي يا فضيلة الشيخ: هل بتغير نيته يقصر الآن في عنيزة؟ وهل إذا وصل إلى بلده أو إلى بلدة أخرى يقصر الصلاة أسبغ الله عليك من فضله، وعاملك بلطفه؟

    الجواب: أليس لي الحق أن أقول: لا أدري. هو يقول: يخفى عليَّ وأنت تعلمه، فما الذي أعلمه أني أعلمه؟!

    يمكن أن أقول: لا أدري. لكن يظهر لي والله أعلم في هذه المشكلة: أنه مقيم في عنيزة ويجب أن يعتبر نفسه مقيماً فيها حتى يسافر إلى البلد الآخر، فإذا قال لنا: الآن لا أقرر أي بلد وطناً لي. قلنا: إذاً كل البلاد التي أنت فيها وطنك، عليك أن تتم الصلاة، فإذاً .. ما دام كان قد قرر أن يبقى في عنيزة نقول: أتم الصلاة حتى ترتحل عنها، وإذا ارتحل إلى بلد أخرى قال: حتى البلاد الأخرى الآن لا أنوي الاستيطان فيها ولا الإقامة المطلقة، ولا أريد أن يكون لي بلد معين حتى مسقط رأسي. نقول: إذاً الأرض كلها بلدك، وليس لك الحق أن تترخص برخص السفر إلا فيما بين البلدتين، أما في البلدتين فأنت مقيم عليك أن تتم الصلاة، وعليك ألا تترخص برخص السفر إلا ما بين البلدتين ما دمت مسافراً من هذه إلى هذه فأنت مسافر.

    المخرج من وساوس الشيطان ومن الحسد

    السؤال: فضيلة الشيخ أنا امرأة ملتزمة -ولله الحمد- ولا أزكي نفسي، ولكن مشكلتي التي أعاني منها هي أنني أتعذب مما أشعر به وهو:

    أولاً: أشعر أن الله لا يقبل عملي.

    ثانياً: إذا رأيت أحداً عنده نعمة لا توجد عندي أتمنى زوالها، وهذا ليس بيدي، بل دائماً أدعو الله أن يزيل عني هذا الشعور في كل وقت. جزاك الله خيراً؟

    الجواب: الواقع أن هذا من الشيطان، كون الإنسان يعمل العمل على حسب ما جاءت به الشريعة مخلصاً لله، متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يرجو ثواب الله ويخاف عقاب الله، ثم يقول: إن الله لا يقبل مني. ليس هذا إلا من الشيطان: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا [الحجر:56] إلا من؟ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56] هذا قنوط من رحمة الله.

    وأنا أقول لهذه المرأة وللرجل أيضاً: أبشر يا أخي المسلم إذا من الله عليك بالعمل على الوجه الذي شرعه فأبشر بأن الله يقبله؛ لأن فعل المرء ما أمر الله به ورسوله من التقوى، وقد قال الله تعالى في كتابه: إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ [المائدة:27] ممن؟ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] ولو أننا كلما عملنا خيراً قلنا: ما قبل الله. ما استطعنا أن نمشي، ولاستولى علينا اليأس من روح الله.

    بل الواجب على المرء إذا أتى بالعبادة على الوجه المشروع إخلاصاً لله ومتابعة لرسول الله أن يستبشر خيراً، وأن يقول: اللهم كما مننت عليَّ بالعمل فامنن عليَّ بالقبول، ولا ييئس، بل يفرح، وقد جاء في الحديث: (من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن) هذه شهادة من الرسول عليه الصلاة والسلام أن الإنسان إذا فعل الحسنة وسر بذلك وفرح وانشرح صدره، وإذا عمل سيئة اغتم لذلك فذلك هو المؤمن بنص الرسول عليه الصلاة والسلام، أبشر يا أخي! لا تقنط من رحمة الله، ولا تيئس من روح الله.

    وأما الحسد، فيلقيه الشيطان في قلب بني آدم، وهو من أردئ الأخلاق، الحساد أشبه ما لهم اليهود، أترضى أن تكون مشابهاً لليهود؟ لا، يقول الله عز وجل: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109] فالحسد لو لم يكن منه إلا أنه خُلُق اليهود لكفى به رادعاً، مع أن الحسد خلق الظالم من ابنيَ آدم، ما هي القصة؟ هابيل وقابيل قربا قرباناً فتقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فقال الثاني الذي لم يتقبل الله منه: لأقتلنك. لماذا؟ حسداً، لماذا الله يتقبل منك ولا يتقبل مني؟ وحصل ما حصل، قتله، ولكنه عوقب بحمله وعجز عن التصرف فيه، حتى بعث الله غراباً يبحث في الأرض.

    ما أقل حيلتك يا ابن آدم! من علمك أن تقبر الموتى؟ الغراب، نحن الآن نقبر موتانا نتأسى بالغربان، لكنه بإذن الله فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ [المائدة:31]. فالحسد خلق ذميم، خلق يهودي.

    ثم إن الحاسد إذا تمنى زوال نعمة الله على أخيه، أو كره أن ينعم الله على غيره هل ذلك يمنع نعمة الله على المحسود؟ لا، هل ذلك يزيد نعمة الله على الحاسد؟ أبداً، الحاسد قلبه حار كأنه على جمر، كلما رأى نعمة اغتم، لا يهدأ له بال، ومع ذلك لن ينال خيراً، قال الله عز وجل: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32] إذا رأيت الله أنعم على غيرك بمال أو علم أو صحة أو جاه أو أولاد أو غير ذلك قل: اللهم إني أسألك من فضلك، كما قال عز وجل: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32] أما أن تبقى مغموماً محزوناً كلما رأيت نعمة من الله على أحد اغتممت فسوف تحرق نفسك.

    فأقول للأخت السائلة: كلما أحسستِ بشيء من الحسد فقولي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اللهم إني أسألك من فضلك كما أعطيت هؤلاء ألا تحرمني.

    حكم الشك في الحدث من الطهارة

    السؤال: شيخي الفاضل: هذه مشكلتي وهي مسألة في الطهارة، وهي أنني كلما قضيت حاجتي ثم توضأت وانتهيت من الوضوء فما إن أتحرك أي حركة كانحناء أو عطسة أو جلوس إلا وأحس بأن شيئاً قد خرج مني، ولا أدري هل هو باقٍ من البول، أو أنه من الماء من أثر الوضوء، والله إنها يا شيخ مشكلة كبيرة لديَّ، وأخشى أن أترك الصلاة من أجلها؛ لأنني أحس أني أصلي بلا طهارة إن كان الخارج بولاً، وإن أعدت الوضوء فإن ذلك تكلفة عليَّ. أرجو الإجابة على مشكلتي حفظك الله؟

    الجواب: الحمد لله رب العالمين، ما من مشكلة إلا وفي كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حلها، أي مشكلة ترد على العالم فحلها في كتاب الله أو سنة رسوله، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، لكن قد يخفى على الإنسان الحكم الشرعي؛ لأنه قاصر العلم أو قاصر الفهم.

    إن النبي صلى الله عليه وسلم شكي إليه: الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، أي: يخيل إليه أنه أحدث، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) أي: حتى يتيقن يقيناً لا شك فيه، الإنسان إذا سمع صوت الريح خارجةً منه هل يبقى عنده شك أنه خرج؟ لا يبقى، إذا شم ريحاً وليس حوله أحد يمكن أن يكون منه هل يبقى شاكاً أو يتيقن أنه أحدث؟ يتيقن.

    إذاً .. ما دمت أيها الأخ لم تتيقن ولكنك تحس ببرودة في طرف الذكر فتقول: لعله بول خرج. لا تجعله بولاً خرج، اجعله من أثر الماء الذي استنجيت به، وهذا يقع كثيراً، لكن بعض الناس يضيق على نفسه، يقول: لا، هذا بول. ثم يذهب ويكشف عن مؤتزره، ويقلب ذكره، وربما يعصره لعله يخرج فيصدق وهمه، وهذا غلط بلا شك.

    إذا أحسست بهذا الوهم، فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تقلب ولا تفكر، ولهذا قال إمام أهل السنة ومن نعلمه من عباد الله المتورعين المتقين أحمد بن حنبل رحمه الله حين سئل عن ذلك قال له: اله عن ذلك. أي: تله عنه فاتركه، لا تلتفت إليه من أجل أن تستريح.

    وقال بعض أهل العلم: إذا ابتليت بهذه الأوهام فانضح سراويلك. أي: رشها بالماء لأجل إذا جاءك الشيطان يقول لك: خرج منك بول، هذه البرودة بول، هذه الرطوبة بول، تقول له: هذا الماء أنا الذي رشيته.

    فهذه الأوهام يا أخي إياك إياك أن تعلق بذهنك! الشيطان عدو لك، كما قال ربك عز وجل: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً [فاطر:6] وأنت إذا استرسلت معه في هذا فسوف تتعب، ألم تعلموا أن بعض الناس من هذه الأوهام صار لا يصلي أبداً نسأل الله له العافية ولنا ولكم، عجز، ربما يبكي، ويصيح، ولكن يعجز، الله لا يبتلينا ولا إياكم، ويعافينا، فأنت إن استرسلت تعبت، ألم تعلموا أن بعض الناس استرسل معهم هذا الأمر ودبَّ إلى أهله وزوجته، فصار يخيل إليه أنه طلقها، حتى إن بعضهم يقول لي: إني يخيل أني إذا فتحت القرآن أقرأ أني قلت لزوجتي: أنت طالق.. إلى هذا الحد! كل هذا من استرسال الإنسان بالهواجيس.

    لذلك يجب عليك اتخاذ شيئين أرشد إليهما الرسول عليه الصلاة والسلام، هما: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والانتهاء، انته عن هذه الوساوس واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإلا فسيكون الأمر خطيراً.

    فأقول للأخ: لا عليك، لا تفتش، ولا تفكر، تله عن ذلك، واستمر، وصلِّ، وبإذن الله عز وجل سوف يزول عنك، لأنك امتثلت أمر النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً).

    كلمة توجيهية في مد يد العون والمساعدة لإخواننا المضطهدين

    السؤال: فضيلة الشيخ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم) وفي هذه الأيام نسي كثير من الناس إخوانهم في بقاع الأرض، نسوا أن يفعلوا لهم أقل ما يفعلون وهو الدعاء أو المساعدة بما زاد من حاجتهم، نرجو يا فضيلة الشيخ توجيه نصيحة أو كلمة تهز بها وجدان الحاضرين وتحرك مشاعرهم، وتذكرهم بكلمة نافعة نفع الله بك الحاضرين ووفقك.

    الجواب: لا شك أن زمننا هذا زمن فتن، وزمن شر إلا من عصم الله، وإذا تأملنا من حولنا وجدنا أشياء كثيرة: من قتل ونهب وخوف، ونسمع أشياء نسأل الله تعالى أن يحمينا منها وأن يرفعها عن إخواننا، والواجب علينا نحو وإخواننا أن نسأل الله لهم الثبات قبل كل شيء، وأن نسأل الله لهم المعونة وأن يعينهم على ما ابتلاهم به، وأن نجود عليهم بشيء مما يسر الله عز وجل كل بحسب حاله.

    ولكن أيضاً يجب أن نعلم أن هناك ممن حولنا من كانوا في حاجة شديدة وليسوا بعيدين منا، يحتاجون أيضاً إلى مد يد العون والمساعدة: (والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) فلا أقل من أن ندعو الله لهم بالثبات والنصر وأن يدحر أعداءهم الذين هم أعداء الله في الواقع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768033867