أما بعد:
فإننا في هذه الليلة ليلة السابع عشر من شهر ذي القعدة عام ثمانية عشر وأربعمائة وألف نلتقي بإخواننا كجاري العادة في اللقاءات الشهرية التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها وينفع كل من بلغته من الناس.
وبما أن شهر ذي الحجة قد قرب والمسملون يتهيئون إلى الحج إلى بيت الله الحرام رأيت من المناسب أن يكون لقاؤنا هذه الليلة حول هذين الموضوعين:
الموضوع الأول: عشر ذي الحجة.
هذه العشر قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) وبناءً على هذا الحديث الشريف: ينبغي لنا أن نجتهد في الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر من الصيام والذكر وقراءة القرآن، وكثرة الصلاة والصدقة والإحسان إلى الخلق، وغير ذلك مما يقرب إلى الله تبارك وتعالى، فإن العمل الصالح في هذه الأيام العشر أفضل من العمل الصالح في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عمم تعميماً مؤكداً بمن فقال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر).
وينبغي لطلاب العلم أن يبثوا الوعي بين الناس في فضائل هذه الأيام العشر؛ لأن الناس عنها غافلون، وبفضلها جاهلون، فيحتاجون إلى التذكير وإلى المعرفة والعلم، وآكد أيامها في الصيام يوم عرفة، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده).
وأما ما يفعله بعض الناس من تخصيص السابع والثامن والتاسع بالصوم ظناً منهم أن لذلك مزية، فهذا غلط، لكن من كان من عادته أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وصام السابع والثامن والتاسع عن الأيام التي كان يعتادها فلا بأس، أما أن يقول: إنه من السنة صوم السابع والثامن والتاسع، فهذا لا أصل له، فبالنسبة للعشر إما يوم عرفة فقط وإما العشر كلها، أما من كان من عادته أن يصوم ثلاثة أيام من الشهر وجعل السابع والثامن والتاسع هي الأيام فلا حرج عليه.
والمقصود الأعظم بها -أي بالأضحية- التقرب إلى الله تعالى بالذبح، وبهذا نعرف أن ما يصدر من بعض الناس من الدعوة إلى جلب الدراهم ليضحى بها في بلاد بعيدة أن ذلك صادر عن جهل؛ لأنه ظن أن المقصود بالأضحية ما يؤكل من لحمها، ولكن الله في القرآن يقول: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37].
ولهذا أقول لإخواني: إذا كنتم تريدون تطبيق السنة بالأضحية فعليكم أن تضحوا في بلادكم، لا تخرجوا بها إلى بلاد أخرى؛ إظهاراً للشعيرة، وتبياناً لها بين الأهل والأولاد، ولتباشروا أنتم ذبحها في بيوتكم إذا أمكن، فتذكروا اسم الله عليها، وتأكلوا منها؛ حتى توافقوا هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال الله تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا [الحج:36] فبدأ بالأكل وهذا يدل على أنه ليس المقصود الصدقة بها ولكن المقصود التعبد لله تعالى بنحرها تعظيماً له جل وعلا، وهذا يفوت بلا شك إذا أعطيت دراهم يضحى بها في بلاد بعيدة.
ثم إنك إذا أعطيت هذه الدراهم لا تدري أيضحى بشيء مجزئ أو غير مجزئ، ولا تدري -أيضاً- هل يذبحها من يوثق بمعرفته في الذبح وبدينه، ولا ندري أيمكن أن تذبح في أيام الأضحية أم لا؛ لأن الأضاحي التي تبذل قد تكون كثيرة جداً، لا يستوعبها الناس في ثلاثة أيام أو أربعة، وربما لا يصل الخبر إلا بعد، والمقصود: أن إعطاء الدراهم ليضحى بها في بلاد ولو كانت أفقر البلاد لا يحصل به المقصود الشرعي من الأضحية.
أما إخواننا في البلاد الأخرى من الفقراء فالباب واسع -ولله الحمد- يرسل إليهم دراهم، يرسل إليهم أطعمة، يرسل إليهم ألبسة، يرسل إليهم فرش، وغير ذلك من أنواع المنافع، أما أضحية .. شعيرة .. نسيكة قرنها الله تعالى بالصلاة فقال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] وقال: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162] وأمرنا أن نأكل منها وأن نذكر اسم الله عليها، فلا ينبغي أبداً أن تذبح خارج البلد، والذي أحث عليه أن تذبح في نفس البيت إذا أمكن ولم يتيسر أن تذبح في مصلى العيد.
الله الله -أيها الإخوة- لا تعصف بكم العاطفة حتى تغفلوا عن مقاصد الشريعة.
الكثير من المسلمين يعلمون أن الحج أحد أركان الإسلام التي لا يتم إلا بها ولكن بشروط أهمها: القدرة والاستطاعة، لقول الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] فمن كان فقيراً فلا حج عليه، ومن كان مديناً فلا حج عليه، ومن كان عاجزاً ببدنه فلا حج عليه لكن يقيم من يحج عنه، وبهذا نعرف قلة فقه الذين يكون عليهم الدين فيذهبون ويحجون، أو ربما يستدينون ليحجوا، فهذا خطأ، احمد الله على العافية، إذا كان الله قد أوسع عليك ولم يوجب عليك الحج إلا بعد أن تقضي دينك فاحمد الله على ذلك، أنت مطالب بالدين ولست مطالب بالحج ما دام عليك دين، أرأيتم الفقير هل نلزمه بالزكاة؟ لا. من ليس عنده مال أو عليه دين لا نلزمه بالحج، وإذا لقي الله عز وجل يلقى الله تعالى وهو غير ناقص الإسلام، لماذا؟ لأن الله لم يوجبه عليه، إنما يجب على من استطاع إليه سبيلاً.
يقول بعض الناس: أنا أستأذن من الدائن وأحج. نقول: ماذا ينفعك الاستئذان؟ هل إذا استأذنت يسقط عنك شيء من الدين؟ الجواب: لا يسقط، إذاً ما هي الفائدة؟ أنت إذا كان عليك عشرة آلاف دين وحججت بألفين اجعل الألفين في قضاء دينك، كم يبقى عليك؟ ثمانية، احمد الله على العافية.
لو أذن لك الدائن وقال: لا بأس حج، فحججت هل تكون العشرة ثمانية؟ لا. إذاً لا فائدة، لكن الذي عليه دين ويعرف أنه كلما حل منه شيء فإذا هو واجد لوفائه فهذا إذا توفر عنده مال للحج فليحج، وأضرب لذلك مثلاً للذين في ذمتهم دين لصندوق التنمية العقاري، يقول: أنه إذا حل علي القسط فأنا واجد، لكن الآن عندي مال أستطيع أن أحج به، وإذا حل القسط أديت ما علي. نقول: نعم، حج، لأن هذا الدين لا يمنع من وجوب الحج، لكن إنساناً ليس عنده شيء ولا يثق بنفسه أن يوفي إذا حل الدين فلا يحج حتى لو أذن له صاحب البيت.
ولهذا أقول: ينبغي لمن كان معهم حملة حملوا فيها كثيراً من الناس أن يكون معهم طالب علم يبين للناس، إذا جلسوا للفطور أو جلسوا للغداء أو جلسوا للعشاء يقرأ عليهم ويعلمهم، ما أكثر الذين يأتون بعد سنة أو سنتين يقصون علينا ما فعلوا في حجهم وإذا بهم قد تركوا ركناً من أركان الحج، وهذا شيء عظيم، يأتيك إنسان ويقول: والله أنا في اليوم الفلاني طفت طواف الإفاضة -وطواف الإفاضة ركن من أركان الحج- يقول: طفت طواف الإفاضة واحتجت إلى أن أنقض الوضوء وذهبت ونقضت الوضوء ثم رجعت وأكملت الطواف، ما بدأت من جديد. هذا لا يصح طوافه، نقول: يلزمك الآن أن تذهب إلى مكة وتحرم بعمرة من الميقات وتطوف وتقصر للعمرة ثم تطوف طواف الإفاضة، وربما يكون هذا المسكين قد تزوج ونكاحه غير صحيح عند كثير من العلماء؛ لأنه لم يحل التحلل الثاني، فالمسألة خطيرة، ولهذا أكرر وأقول: ألا يحج أحد حتى يعرف أحكام الحج.
ينبغي للإنسان عند السفر أن يتأهب للسفر، وذلك بأن يوفر معه النفقة -الدراهم- والطعام والشراب والفرش في أيام الشتاء، لأنه ربما يحتاجه هو في أمر لم يكن طرأ على باله، وربما يحتاجه أحد من رفقته فيحسن إليه بالصدقة، أو الهدية، أو القرض، فينبغي لمن أوسع الله عليه أن يتأهب بأكثر مما يتصور أنه يحتاجه حتى ينفع غيره.
ثم ليحافظ على الصلوات بواجباتها وشروطها، يتطهر بالماء إذا أمكن فإن لم يمكن فبالتيمم، ويؤديها في وقتها، ويصليها قصراً من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه ولو طالت المدة، اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (لم يزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي ركعتين منذ خرج من المدينة حتى رجع إليها) وقال لما سئل: (كم أقام في مكة؟ قال: عشرة) يعني: عشرة أيام.
أما الجمع فالجمع إن كان سائراً -يعني: يمشي- فالأفضل أن يجمع إما جمع تقديم أو جمع تأخير حسب الأيسر له، وإن كان نازلاً فالأفضل ألا يجمع وإن جمع فلا بأس؛ لأنه مسافر، لكن إذا كان في مكة أو غيرها من البلاد مقيماً فإنه يلزمه أن يصلي مع الجماعة، فإن فاتته صلى ركعتين.
فإذا وصل إلى الميقات اغتسل كما يغتسل للجنابة، وتطيب بأطيب ما يجد على رأسه ولحيته، ثم لبس ثياب الإحرام إزاراً ورداءً، والأفضل أن يكونا أبيضين نظيفين، ثم يلبي، والمرأة ليس لها لباس مخصوص في الإحرام، تلبس ما شاءت، إلا أنها لا تلبس ثياباً يعتبر زينة؛ لأن الناس سوف يشاهدونها، بل تلبس ثياباً بذلة، تلبس العباءة، وتلبس الثياب التي لا تلفت النظر.
ثم يقول -ونحن الآن نريد أن نجعل نسكنا تمتعاً- يقول: لبيك عمرة، ولا يحتاج أن يقول: متمتعاً بها إلى الحج؛ لأنه قد نوى بقلبه أنه سيحج: لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شرك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويرفع الرجل بها صوته، وليعلم أنه لا يسمعه شجر ولا حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة بهذه التلبية، ومضمون التلبية: إجابة الله عز وجل؛ لأن لبيك بمعنى: أجبتك، قال الله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج:27] يعني: أعلمهم به يَأْتُوكَ رِجَالاً [الحج:27] أي: على أرجلهم وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ [الحج:27] أي: ويأتونك ركباناً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ [الحج:27] أي: على كل ناقة ضامر يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27] الله أكبر! الآن لا يوجد ناقة (ضامر) وإنما طيارة أو سيارة، لكن كلها سواء.
وليستمر في تلبيته إلى أن يشرع في طواف العمرة فيدخل المسجد الحرام ويقدم رجله اليمنى عند الدخول ويقول كما يقول إذا دخل غيره من المساجد، وليقصد الحجر الأسود يستلمه ويقبله إن تيسر فإن لم يتيسر أشار إليه، ويقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك, واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ويجعل البيت عن يساره، ويقول في طوافه ما شاء من ذكر ودعاء وقراءة قرآن، وفيما بين الركن اليماني والحجر الأسود يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
في هذا الطواف يضطبع الرجل بردائه في كل الأشواط السبعة، ويرمل في الأشواط الثلاثة فقط، ويمشي في الباقي.
والرمل: هو إسراع المشي، وهذا إذا تيسر أما إذا لم يتيسر الرمل لكون الزحام شديداً فالأمر واسع -ولله الحمد- فإذا أتم سبعة أشواط صلى ركعتين خلف المقام إن تيسر، وإن لم يتيسر ففي أي مكان من المسجد، يقرأ في الأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] وفي الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] مع الفاتحة، ويخفف هاتين الركعتين، وينصرف بعد السلام مباشرة بدون دعاء، فيتجه إلى الصفا ، فإذا قرب من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] أبدأ بما بدأ الله به. فيرقى على الصفا ويتجه إلى القبلة، ويرفع يديه داعياً وذاكراً فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد هذا الذكر مرة ثانية، ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، ثم ينزل متجهاً إلى المروة؛ يمشي مشياً معتاداً حتى إذا وصل إلى العمود الأخضر سعى -يعني: ركض ركضاً شديداً- فإن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يسعى حتى إن إزاره ليدور به من شدة السعي.
وإذا كان المسعى زحاماً فالأمر واسع -والحمد لله- يمشي حسب القدرة، وإذا كان معه نساء يخاف عليهن لو سعى فيمشي؛ لأن المرأة لا تسعى.
ثم إذا تجاوز العلم الأخضر الثاني مشى على عادته حتى يصل إلى المروة، إذا دنا من المروة فلا يقول شيئاً، العامة إذا دنوا من المروة قالوا: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] وهذا غلط، لا يقول شيئاً، بل يبقى في ذكره الذي كان يذكر الله به حتى يصعد على المروة ويتجه إلى القبلة ويرفع يديه داعياً وذاكراً بما فعل على الصفا ، ويسعى سبعة أشواط.
كيف يسعى سبعة أشواط؟
الأشواط هنا -في السعي- ليست كأشواط الطواف، أشواط الطواف من الحجر إلى الحجر، وأشواط السعي من الصفا إلى المروة هذا واحد، ومن المروة إلى الصفا هذا ثاني.
يكمل سبعة أشواط وحينئذٍ نعرف أنه يبتدئ بـالصفا وينتهي بـالمروة ، فإذا رأيت أنك ختمت السعي بـالصفا فاعلم أنك مخطئ، إما أنك زدت أو نقصت.
إذا أتم السعي بقي عليه الآن الحلق أو التقصير، فأيهما أفضل؟ الأفضل هنا التقصير لوجهين:
الوجه الأول: أنه الذي أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه حين قدم في اليوم الرابع وأمرهم أن يقصروا، أمر من لم يكن معه هدي أن يحل ويقصر.
الوجه الثاني: أنه لو حلق وقد بقي مدة يسيرة للحج لم يبق للحج شعر، فنقول: وفر الشعر للحج واقتصر على التقصير، فإن قال قائل: هل التقصير يعم جميع الرأس أو جوانب الرأس؟ الجواب: إنه يعم جميع الرأس، المهم أنه يبقى الرأس وقد تبين وظهر أنه مقصر لا أنه غير مقصر، وبذلك يحل التحلل كله.
بذلك -أي: بالطواف والسعي والتقصير- يحل الحل كله، حتى لو كان أهله معه جاز له أن يباشر أهله، انتهت العمرة، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن من مكانه الذي هو نازل فيه، إن كان نازلاً في مكة فمن مكة ، أو في منى فمن منى ، أو في أي مكان من مكانه، يحرم بالحج فيغتسل كما سبق في العمرة ويتطيب ويلبس ثياب الإحرام ويقول: لبيك حجاً ثم يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. هذا يكون ضحى اليوم الثامن، ويذهب إلى منى فينزل بها، فيصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كل صلاة في وقتها مقصورة، أي: الظهر والعصر والعشاء تكون على ركعتين، فإذا طلعت الشمس في اليوم التاسع سار إلى عرفة ، فينـزل بـنمرة إن تيسر وإن لم يتيسر ذهب رأساً إلى عرفة ونزل في مكانه، فإذا زالت الشمس صلى الظهر.
وينبغي لإمام الحجيج أن يخطب فيهم خطبة قبل أذان الظهر، يقرر فيها أصول الإسلام وحقوق الإسلام، ويبين أحكام النسك، ثم يؤذن لصلاة الظهر والعصر جمع تقديم قصراً.
لكن لو صادفت الحجة يوم الجمعة يصلي الجمعة أو لا؟ لا يصلي الجمعة، السفر ما فيه جمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صادف يوم عرفة في حجة الوداع يوم الجمعة ولم يصل الجمعة، صلى الظهر والعصر.
ثم إذا فرغ من صلاة الظهر والعصر يتفرغ للدعاء والذكر، ويكثر الابتهال إلى الله عز وجل في آخر النهار، فإن الله تعالى يباهي الملائكة بأهل الموقف، فإذا غربت الشمس سار من عرفة إلى مزدلفة ملبياً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، ويؤخر الصلاة إلى أن يصل إلى مزدلفة فينـزل بها، ويصلي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ويبيت في مزدلفة إلى أن يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر أذن وصلى الركعتين الراتبة ثم صلى الفجر، ثم جلس يدعو الله سبحانه وتعالى بما أحب إلى أن يسفر جداً.
وليعلم أن عرفة كلها موقف وأن مزدلفة كلها موقف، ولكن ليتحرى أشد التحري في حدود عرفة ؛ لأن بعض الناس يقصُر عن عرفة وينزل قبل أن يصل إلى حدودها، ويبقى في مكانه حتى تغيب الشمس ثم ينصرف إلى مزدلفة ، وهذا لا حج له، بل رجع بدون حج؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الحج عرفة ).
كذلك مزدلفة كلها موقف، لا يلزم أن تذهب إلى المشعر الحرام، بل أي مكان وقفت فيه أجزأك.
ثم تنصرف من مزدلفة إذا أسفر جداً إلى منى ، وبعد الانصراف من مزدلفة إلى منى ستفعل ما يأتي:
أولاً: رمي جمرة العقبة قبل كل شيء؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رمى جمرة العقبة على بعيره قبل أن يحط رحله، فإذا تيسر لك فابدأ أول شيء برمي جمرة العقبة، بسبع حصيات تكبر مع كل حصاة، الله أكبر الله أكبر حتى تكمل سبع حصيات. ومن أين تأخذ الحصى؟
بل من أي مكان، ليس من مزدلفة، من أي مكان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخذ الحصى من منى، لكن بعض السلف استحب أن يلقط الحصى من مزدلفة ليكون متأهباً حتى يبدأ بالرمي من حين أن يصل، أما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يلقطها من مزدلفة لقطها من منى ، حتى قال ابن حزم رحمه الله: إنه أمر ابن عباس أن يلقط له الحصى وهو واقف على الجمرة، المهم أن الحصى من أي مكان أخذتها فلا بأس.
ترمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بسبع حصيات، ولا تقف للدعاء وامش؟ إلى المنحر وانحر الهدي، ثم احلق رأسك، ثم قد حللت التحلل الأول، فتلبس الثياب، وتتطيب، ثم تنـزل إلى مكة لطواف الإفاضة والسعي، تطوف بثيابك لأنك حللت التحلل الأول، فتطوف وتسعى، وبهذا تكون قد حللت التحلل كله؛ حتى لو كانت زوجتك معك وقد حلت مثلك جاز لكما المباشرة؛ لأنها حلت التحلل الثاني.
فيوم النحر فيه خمسة أشياء ترتبها على هذا الترتيب: الجمرة، النحر، الحلق، الطواف، السعي. فلو قدمت بعضها على بعض فلا حرج، انظر التوسعة من الله عز وجل، لو أنك ذهبت من مزدلفة إلى البيت وطفت وسعيت ورجعت ورميت فلا بأس، لو رميت ثم نزلت إلى البيت وطفت وسعيت ثم خرجت ونحرت وحلقت، فلا بأس، لو نزلت إلى مكة للطواف والسعي فوجدت المطاف مزحماً والسعي أخف فبدأت بالسعي قبل الطواف فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يوم العيد يسأل عن الرمي والنحر والحلق والطواف والسعي ما سئل عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: (افعل ولا حرج) اللهم لك الحمد، نعمة وتيسير من الله عز وجل.
لو ألزم الناس أن يرموا جميعاً وينحروا جميعاً ويطوفوا جميعاً ويسعوا جميعاً لكان في ذلك مشقة، لكن هذا ينحر، وهذا يرمي، وهذا يطوف وهذا يسعى، والحمد لله من نعم الله على العباد أن يسر عليهم.
ثم بعد ذلك -أي: بعد الطواف والسعي- يرجع إلى منى، ويبيت ليلة الحادي عشر في منى، ويبقى هناك، فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر رمى الجمرات الثلاث: الأولى والوسطى والعقبة، كل واحدة بسبع، يرمي الجمرة الأولى ثم الوسطى ثم العقبة، لكن إذا رمى الأولى بسبع حصيات تقدم حتى لا يصيبه الحصى أو الزحام، واتجه إلى القبلة ورفع يديه يدعو دعاءً طويلاً، ثم رمى الوسطى وفعل كما فعل في الأولى، يتقدم حتى لا يصيبه الزحام والحصى ويتجه إلى القبلة ويرفع يديه ويدعو دعاءً طويلاً، ثم العقبة ولا يقف للدعاء؛ لأن الإنسان قد يكون فيه شوق إلى رحله، فليذهب إلى رحله، ولأن جمرة العقبة هي ختام العبادة والدعاء يكون قبل ختام العبادة لا بعده، ولهذا الصلاة لو سألنا سائل: هل الأفضل أن أرفع يدي بعد الصلاة وأدعو، أو أن أدعو بما أريد الدعاء به بعد الصلاة قبل أن أسلم؟ لقلنا: ادع قبل أن تسلم.
يفعل هذا الفعل -رمي الجمرات- في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر إن تأخر، وإن تعجل وخرج قبل غروب الشمس في اليوم الثاني عشر فقد انتهى حجه، قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203] وهي أيام التشريق: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203] فرخص الله في التعجيل ورخص الله في التأخير، والحمد لله على نعمه.
الحكم أنه ترك سنة، إن نزل في منى قبل عرفة فهو أفضل وإلا فلا شيء عليه، لا فدية ولا إثم ولا صيام ولا شيء، الدليل: أن رجلاً من طيء - طيء : جبل حول حائل - أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي الفجر يوم العيد في مزدلفة ، وأخبره بأنه أتعب نفسه وأكل راحلته -أتعبها- وأنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده. فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بـعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر المبيت في منى ، فدل ذلك على أن المبيت في منى قبل يوم عرفة سنة، إن تيسر لك فهذا المطلوب وإن لم يتيسر فلا بأس.
جائز، وقد قيده بعض أهل العلم بما إذا كان ضعيفاً أو صغيراً لا يستطيع المزاحمة، لكن في وقتنا هذا كل يخشى المزاحمة، أليس كذلك؟ الصغير والكبير، فيما سبق لم يكن هناك زحام إلا قليل، ولا يشق الزحام إلا على شخص ضعيف جداً أو مريض، وأنا أدركت ذلك، أدركت أن الناس يرمون جمرة العقبة يوم العيد ونحن مخيمون عند مسجد الخيف نشاهد الذين يرمون، وتجدهم قليلاً، فكان الناس يقولون: من كان ضعيفاً أو مريضاً أو صغيراً فليدفع خوفاً من الزحام، أما الآن فالزحام موجود على الكبير والصغير والقوي والضعيف، وعليه فنقول: لا بأس أن يدفع الإنسان قبل الفجر، ومتى وصل إلى منى رمى، وأما حديث: (لا ترموا حتى تطلع الشمس) فهو حديث فيه نظر، وقد ثبت في صحيح البخاري : أن ابن عمر يرسل أهله إليه من مزدلفة ويوافون منى عند الفجر أو نحو ذلك ويرمون، وكذلك كانت أسماء بنت أبي بكر تفعل ذلك.
ومن المعلوم: أن الناس إذا وصلوا إلى منى قبل الفجر ممن رخص لهم هل سيبقون هكذا في الخيام حتى تطلع الشمس وترتفع؟ لا. أبداً، سيبدءون بالرمي، والرمي هو تحية منى كما قال العلماء، بمعنى: أنك من حين أن تدخل منى ارم الجمرة، كما أنك إذا دخلت المسجد تبادر بصلاة ركعتين.
فالقول: بأن من جاز له الدفع من مزدلفة في آخر الليل لا يرمي إلا إذا طلعت الشمس قول ضعيف، والصواب: أنك متى وصلت ارم.
حسن.. لو وصلت قبل الفجر ورميت، ونزلت إلى مكة وطفت قبل الفجر طواف الإفاضة؟ يجوز أو لا يجوز؟ يجوز.
وقياساً على المسجد إذا امتلأ، إذا امتلأ المسجد هل نقول للإنسان: صل في أي مكان، أو صل حيث تتصل الصفوف؟ الثاني، إذاً نقول: الأحوط والأبرأ للذمة أن تضع خيمة عند آخر خيمة من خيام الحجاج، سواء من جهة مكة أو من جهة مزدلفة ، أو من شمال أو من جنوب.
في هذا خلاف بين العلماء:
من العلماء من قال: إذا كان لا يستطيع سقط عنه الرمي، أخذاً بقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وهذا لا يستطيع، وأخذاً بقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الصلاة وهي أعظم من الحج قال: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) فأسقط عنه القيام مع أنه ركن؛ لأنه عاجز، فمن العلماء من قال: إذا عجز عن الرمي سقط عنه. ولا شك أننا في هذا الوقت في الزحام الشديد الإنسان الكبير الذكر الرجل القوي لا يكاد يتمكن من الرمي، وربما لا يرمي إلا من بعيد، يمكن تقع الحصاة في المكان أو لا تقع.
والنساء في الواقع أمرهن مشكل، ضعيفات، متحجبات، محتشمات، أحياناً تخرج المرأة بلا عباءة، تسقط عباءتها مع الزحام، وأحياناً قد تكون نشأ فيها حمل فتسقط، وأحياناً تدوخ، وهذا والله لا يأتي به الإسلام؛ لأن الله قال في كتابه العظيم: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، ويقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] كيف نحرج أنفسنا والله قد وسع علينا والحمد لله؟!
إذا كان الإنسان عاجزاً عن الرمي فمن العلماء من قال: يسقط؛ لأن جميع الواجبات تسقط بالعجز.
ومنهم من قال: فليوكل، واستند إلى حديث هو في السنن: أن الصحابة كانوا يرمون عن الصغار، قالوا: فإذا كان الصحابة رضي الله عنهم وهم خير هذه الأمة، بل خير الناس كلهم إذا كانوا يتوكلون عن صبيانهم في الرمي دل هذا على جواز الرمي، وهم يفعلون ذلك مع وجود الرسول عليه الصلاة والسلام. وهذا القول أحوط وأبرأ للذمة: أن من يشق عليه الرمي فليوكل.
الوكيل، هل نقول: ارم الثلاث عن نفسك ثم ارجع أو ارمها كلها في موقف واحد؟ الثاني، في موقف واحد؛ لأن هذا ظاهر فعل الصحابة رضي الله عنهم، لم يقولوا: فكنا نرمي عن أنفسنا ثم نرجع ونرمي عن صبياننا، فترمي سبعاً عن نفسك أولاً ثم عن موكلك في الأولى، ثم في الثانية كذلك ثم في الثالثة.
مسألة أيضاً: إذا وكل الإنسان من يرمي عنه، فهل يجوز أن يخرج من منى قبل أن يرمي الوكيل؟ الظاهر نعم يجوز؛ لأن بقاءه في منى إلى ما بعد الزوال إنما هو من أجل الرمي، والرمي الآن سقط عنه وتعلق بالوكيل فله أن يخرج، لكن ليس له أن يطوف طواف الوداع حتى يرمي الوكيل، وعلى هذا فليحدد وقتاً معيناً، يقول لوكيله: متى تظن أنك تنتهي من الرمي؟ قال: أظن أنني أنتهي من الرمي الساعة الثانية، فإذا تمت الساعة الثانية حينئذٍ يطوف للوداع ولا حرج، هذا إن لم يكونوا قد تواعدوا أن يكون طواف وداعهم وهم جميع، فهنا ينتظر حتى يأتي رفقته ويطوفون جميعاً.
ولعلنا نقتصر على هذا القدر.
ولتعلم أنك إذا زرت المدينة فإنما تقصد المسجد النبوي لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) لكن من المعلوم أن الإنسان إذا ذهب وصلى في المسجد النبوي أنه سوف يزور النبي عليه الصلاة والسلام، فيسلم عليه، ويجعل وجهه إلى القبر الشريف وظهره إلى القبلة، ويسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، فإن قال قائل: ما هو أفضل سلام على الرسول؟ قلنا: أفضل سلام على الرسول ما علمناه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث علمنا أن نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. هذا أفضل سلام، ولا حاجة أن نطول ونسجع: السلام عليك يا من بالمؤمنين رءوف رحيم، السلام عليك يا خيرة خلق الله، وما أشبه ذلك، كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم يقول: [السلام عليك يا رسول الله] وابن عمر من هو؟ صحابي من أجل الصحابة، لكن لا بأس أن تسلم بما علم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد -إذا زدت هذا فلا بأس- اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ثم بعد ذلك تخطو عن اليمين خطوةً واحدة لتسلم على أبي بكر رضي الله عنه، تقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله! رضي الله عنك، وجزاك عن أمة محمد خيراً، وتقول كذلك بالنسبة لـعمر رضي الله عنه، وتنتهي.
وإذا شئت أن تخرج إلى مسجد قباء بعد أن تتطهر في بيتك وتصلي فيه ركعتين في غير وقت النهي فهذا حسن؛ لأن من تطهر في بيته وخرج وصلى في قباء ركعتين كان كعمرة، وتسلم -أيضاً- على أهل البقيع وفيهم عثمان رضي الله عنه الخليفة الثالث للمسلمين، تسلم عليهم بما كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسلم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم.
كم زرنا من القبور الآن؟ قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقبر صاحبيه، والبقيع، كذلك تخرج إلى أحد لتسلم على الشهداء هناك، وأجلهم حمزة بن عبد المطلب ، تسلم عليهم بما يسلم به الرسول عليه الصلاة والسلام على أهل القبور.
ولا يجوز أبداً أن يعتقد الإنسان أن الرسول عليه الصلاة والسلام ينفعه أو يضره، أو ينجيه من الشدة أبداً؛ لأن ذلك لله عز وجل وحده، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يوصي ابن عباس : (اعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) وأمر الله نبيه أن يقول علناً: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً [الجـن:21] ما أملكه، لا أقدر أضركم ولا أقدر أرشدكم، وأمره أن يقول: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188]، وقال الله له: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ [الأنعام:50] فأعطيكم منها قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام:50] حتى إن أصحابه رضي الله عنهم يغيبون عنه قريباً ولا يعلم، قال أبو هريرة : (كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بعض طرق المدينة ، وكان رضي الله عنه على جنابة، فانخنس -يعني: ذهب بخفية- واغتسل ثم جاء، فقال: أين كنت؟ -الذي يقول: أين كنت يعلم أو لا يعلم؟ لا يعلم- أين كنت؟ قال: كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس).
يدخل بيته أحياناً ولا يعلم ما الذي فيه، دخل يوماً البيت وطلب طعاماً، وتعذروا منه فقال لهم: (ألم أر البرمة على النار؟) -وهو لا يعلم ما الذي فيها- قالوا: بلى، لكن هذا لحم تصدق به على بريرة - بريرة أمة اشترتها عائشة وأعتقتها، وبقيت عند عائشة تخدم- قالوا: هذا لحم تصدق بها على بريرة، هل كان يعلم؟ ما كان يعلم، يرى البرمة على النار لكن لا يعلم ما الذي فيها.
فقال عليه الصلاة والسلام: (هو عليها صدقة ولنا هدية) وإنما قالوا: إنه لحم تصدق بها عليها؛ لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من خصائصه: أنه لا يأكل الصدقة، ومن باب أولى ألا يأكل الزكاة، أما أهل البيت فلا يأكلون الزكاة ويأكلون الصدقة، الصدقة تعتبر حلال لأهل البيت لكن الزكاة حرام عليهم.
أسأل الله لي ولكم الإخلاص في العمل، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأسأله تعالى أن يحشرنا في زمرته وأن يسقينا من حوضه، وأن يدخلنا في شفاعته، وأن يجمعنا به في جنات النعيم.
الجواب: لا يلزم الوالد أن يحج بأولاده ولو كان عنده مال كثير؛ لأن هذا دين، فإن تحقق فيهم الشرط والاستطاعة بأنفسهم وجب عليهم، لكن إن تطوع الأب وحج بهم فهذا حسن، وله أجر بلا شك، لكن نقول: يجب عليه أن يحج بهم؟ لا يجب، ربما نقول: يجب فيما لو حج ببعضهم وترك الآخرين نقول: يجب أن تحج بالآخرين بناءً على وجوب العدل، فإذا سمح الآخرون قالوا: يا والدنا إن شئت فحج بنا وإن شئت فلا تحج سقط عنه الوجوب.
الجواب: هذا كالسؤال الأول تماماً، إذا كان الولد ما عنده مال فلا حج عليه، حتى لو قال الوالد: خذوا من المال وحجوا فلا يلزمهم. هم يقولون: ما نخاف، لو قالوا: ما نخاف، والمكان سعة والطريق سهل، لكن لسنا بحاجين حتى يجب علينا نقول: نعم لهم ذلك؛ لأنه لا يجب عليهم الحج حتى يدركوه بأنفسهم، انتبهوا -يا إخواني- الذي لا يستطيع الحج كالفقير الذي ليس عنده مال، هل يجب على الفقير الذي ليس عنده ماله أن يزكي؟ لا يجب، هذا مثله بالضبط ولا فرق.
ولهذا أعطيكم ضابطاً ذكره العلماء قالوا: إن الرجل لا يكون مستطيعاً ببذل غيره له.
الجواب: إذا كان الأب الذي طلب من ولده أن يجعل حجه له -أي: للأب- قادراً على الحج فهذا لا ينفعه؛ لأن القول الراجح: أن القادر على الحج لابد أن يحج بنفسه، وأما أن يوكل فلا ينفع حتى لو كان نفلاً، نقول للإنسان: إن كنت قادراً حج بنفسك، وإن كنت غير قادر فالحمد لله لا يجب عليك شيء، ولا توصي أحداً به.
ونقول له: إذا كان عندك فضل المال أعن به شخصاً يحج الفريضة تؤجر وتثاب، وهو أفضل من أن تذهب أنت بنفسك لحج نفل؛ لأنك تعين على فريضة، فكيف بمن يقول: يا ولدي حج عني؟ ما هو صحيح هذا، لم يرد الحج عن الغير إلا في الفريضة.
الجواب: الظاهر أنه مثل هذا المرض -عافاه الله منه وعافانا وإياكم- الظاهر أنه لا يبرأ، وعلى هذا فإذا كان عنده مال وجب عليه أن يوكل من يحج عنه بالمال الذي عنده.
الجواب: جمرة العقبة فيها زحام في أول اليوم؛ لكن في آخر النهار يخف الزحام جداً، وفي الليل يخف أكثر، فإذا كانت تستطيع المشي فلتؤخر الرمي حتى يخف، لكن الشيء الذي فيه مشقة هو اليوم الثاني عشر، لمن أراد التعجل هذا لا شك أن فيه مشقة ويحصل فيه أموات؛ لذلك أرى: أن من أراد أن يتعجل ومعه نساء فليتوكل عنهن ويبقين في الخيمة، لئلا يلقين بأنفسهن إلى التهلكة، والناس كما ترون كثير منهم لا يرحم أحداً، يريد أن يقضي شغله ولا يهم أحداً، فتجد -ما شاء الله- كبار الأجسام لا يهمهم أحد إلا من شاء الله.
فعلى كل حال: في اليوم الثاني عشر إن بقيت الدنيا هكذا زحاماً كما نشاهد وأراد الإنسان أن يتعجل فليتوكل عن النساء ويرمي عنهن.
الجواب: والله أرى ألا يفعل، أرى أن الله تعالى لما يسر الأمر فليتيسر، قال تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُون [الزخرف:12] فبدأ بالفلك، والسيارة فلك البر، والطيارات فلك الجو، والسفن فلك البحر، فليحمد الله على العافية، وأخشى أن يقع في قلوبهم أحد أمرين: إما ما يعرف بالآثار وإحياء الآثار وما أشبه ذلك، وإما أن يكون هناك رياء، وكلاهما شر، لذلك أنصح إخواننا بأن لا يشقوا على أنفسهم، عليهم بالتيسير حيث يسر الله عليهم، وأن يحجوا بما يحج الناس عليه.
الجواب: جزاهم الله خيراً، هذا حسن، أقول: هذا النظام الذي ذكر ما علمت به إلا الآن، وهو نظام جيد، فأقول: سدد الآن ما تستطيع مما مضى، ولكن لا تستدن من أحد لتسدد؛ لأن هذا الذي يستدين ويسدد يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، فإذا أديت ما عليك بمال تقدر عليه أنت، وبقي الباقي إلى أجله وأنت في ظنك أنك ستوفي فحج ولا بأس، وإلا فلا تضيق على نفسك.
الجواب: نعم هذا يحج، لأن صاحب الدين مجهول، ولكني أرى للأخ: أن يذهب إلى القاضي ويعرض عليه المسألة، ويقول: دبر لي ماذا أفعل بهذه الصبرة، أجعلها في بيت المال، أم أتصدق بها على الفقراء، أم أجعلها في المساجد؟ حتى تبرأ ذمته منها وهو حي، ولا يتهاون، الأيام تمشي والأزمان تمضي فلعل أجله قريب، فلينظر لنفسه قبل رمسه، وليذهب إلى القاضي غداً قبل اليوم الذي يليه ليخلص نفسه.
الجواب: أما حجه فصحيح، وأما عمله فخطأ، ولكن عليه الآن أن يذهب إلى الرجل الذي أعانه على الزواج ويخبره بالواقع، ويقول: إني حججت ببعض المال الذي أعطيتني، وأرجو من الأخ الذي ساعده أن يسامحه حتى يحصل أجرين: أجر الإعانة على الحج، وأجر الإعانة على الزواج.
الجواب: لا يجوز أن تذهب الخادم بدون محرم، حتى مع نساء، وإن كان بعض العلماء يقول: إن كانت المرأة مع نساء وهي آمنة فلا بأس أن تحج، لكن إذا نظرنا إلى الحديث الصحيح وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطب وقال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا. فقال: انطلق فحج مع امرأتك) فأمره أن يدع الغزو ويحج مع امرأته، ولم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام: هل معها نساء؟ هل هي آمنة؟ هل هي شابة؟ هل هي عجوز؟ هل هي جميلة؟ هل هي قبيحة؟ ما استفصل، ومن قواعد العلماء: أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال. لذلك أرى ألا يسمحا لها بالذهاب إلى الحج.
ثانياً: أرى أن عليهما أن يطمئناها ويقولا لها: الحج ليس واجباً عليك، وأنت منه في حل، وإذا لقيت ربك فإنك تلقينه غير ناقصة ركناً من أركان الإسلام، وانتظري حتى يأذن الله تعالى بتيسير أمرك مع محرم، وأما الاعتذار بأنها جاءت بلا محرم فهذا عجيب! أن يعتذر عن الداء بداء مثله أو أشد، كونها جاءت بلا محرم لا يبرر أن تحج بلا محرم؛ لأن مجيئها بلا محرم غلط، وكم من فظائع وطوام حصلت لكون الخادم ليس لها محرم في البيت. نسأل الله السلامة والعافية.
الجواب: هذه مشكلة! أولاً: يجب يا إخواننا أن تعلموا أنه ليس من شرط الرمي أن تضرب العمود، العمود إنما جعل علامة على مكان الرمي.
ثانياً: إذا سقطت الحصى من يدك أو حين رميت لم تقع في المكان فخذ من الأرض التي تحتك حتى ولو كانت جنب الحوض ما فيه مشكلة؛ لأن الحصى حصى؛ سواء رمي به أو لم يرم به، والقول: بأن الحصاة التي رمي بها لا تجزئ قول ضعيف، ولا يرد على هذه المسألة التي ذكرت؛ لأن الذين قالوا: إن الحصاة التي رمي بها لا يرمى بها خافوا من أن إنساناً يحمل حصاةً واحدة فيرمي بها، ثم يأخذها من الحوض ويرمي بها، ثم يأخذها ويرمي بها، بكم رمى هو؟ رمى بحصاة واحدة لكن سبع مرات، هذا لا يجزئ، لكن إنسان يريد أن يأخذ حصاة من غيره ولم يأخذ حصاة ويرمي بها ثانية، من يقول: لا يجزئ؟! الحجر حجر.
فنقول: إذا سقطت من يدك أو رميتها ولم يغلب على ظنك أنها وقعت في المكان فخذ من المكان الذي أنت فيه وأكمل الرمي.
أما بالنسبة لصاحبنا الذي سأل، فأنا أقول وعلى ذمة القائلين من العلماء في ذلك: أنه يجب عليه أن يذبح فديةً في مكة ويوزعها على الفقراء؛ لأنه ترك واجباً.
الجواب: إذا كان الميت لم يؤد الفريضة فلا شك أنه إذا وكل من يحج عنه أفضل؛ لأنه يؤدي فريضة، أما إذا كانت نافلة فهنا ينظر للمصالح: إذا كان الناس في حاجة شديدة وفي مسغبة فالصدقة أفضل، وإلا فالحج عنه أفضل.
الجواب: أرى أن هذه المرأة التي يستفيد منها الناس في التوجيه والإرشاد أن تحج، ومسألة التضييق إذا لم تضيق هي ضيق غيرها، لكن هي فيها مصلحة للمسلمين، فإذا كانت في حملة توجه النساء وترشدهن، فلا شك أن حجها أفضل من بقائها، أما إذا كانت من عامة النساء فإننا نقول: إعانة من أراد الحج فريضةً بالمال الذي تريد أن تحج به أفضل؛ لأن الإنسان إذا أعان أخاه في عبادة فكأنه فعلها كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أعان غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا).
الجواب: أنا الحمد لله أديت العمرة في رمضان ولم أجد في هذا إشكالاً، وحضرت المساجد في الجماعة ولم أجد إشكالاً، فأنا أتعجب من كثرة السؤال حول هذا الموضوع والإشكالات، حتى أني سمعت بعض الناس الإمام يقول: استووا، اعتدلوا، طفوا البياجر. وكلاماً هذا معناه، المسألة ما وصلت إلى هذا إطلاقاً، لكن لا شك أن الإنسان إذا عرف أن الاتصالات هذه كثيرة وأبقى الهاتف أو البيجر أبقاه مفتوحاً لا شك أنه يؤذي؛ لأن بعض الناس -ما شاء الله!- يكون عليه اتصالات كثيرة، فهذا نقول له: أقفلها حتى لا تؤذي، وإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على أصحابه وهم يقرءون القرآن ويجهرون بالقرآن نهاهم عن ذلك وقال: (لا يؤذين بعضكم بعضاً) في الجهر بالقراءة، فكيف بهذه الأصوات؟
فعلى كل حال: من عرف من نفسه أن الاتصالات تكثر عليه فليغلق هذا.
الجواب: يفعل كل ما يفعله الناس إلا تقليم الأظفار؛ ونتف الإبط، وأخذ الشارب، وحلق العانة، فهذه يفعلها قبل أن يدخل شهر ذي الحجة ما دام قد عرف أنه سيضحي، وأما حلق الرأس أو تقصيره في الحج والعمرة فهذا لا يضر حتى وإن كان يريد الحج؛ لأن هذا نسك، فلا بد من فعله.
الجواب: المشكلة أن هذا قد وقع؛ فما أدري ماذا صنع الرجل، ولنقل: إن الرجل تحلل وألغى العمرة، فالواجب عليه هدي كما قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [البقرة:196] يعني: منعتم عن إتمامهما فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] فعلى هذا الرجل الآن أن يذبح هناك في مكة هدياً يفرقه على الفقراء.
الجواب: الظاهر لي أن الوقوف لا يشق في الطائرة، كل إنسان يتمكن من أن يقف، فيقف، وإذا تمكن أن يستقبل القبلة فعل وإذا لم يتمكن أو لم تتبين القبلة يصلي حيث كان وجهه، وهل يستطيع الركوع أو لا يستطيع الركوع؟ حسب الكراسي، إذا كانت متقاربة ولا يستطيع الركوع لكن إن استطاع أن يركع فليركع، كذلك السجود يجلس ويومي بالسجود، فقول الأخ أنه لا يستطيع القيام فيه نظر.
أما إذا رجَّع الذي أمامه الكرسي إليه يقول له: أبعدها عني؛ لأن الهواء تابع للقرار كما قرأناه في الصلح، وهوى الكرسي الذي عليه الراكب ليس للذي أمامه، بمعنى: أنه إذا وصل إلى حد كرسيه أنه لا يملكه، فإن رأى الأخ أن يعيد الصلاة فهو خير، وإن لم يعدها فأرجو ألا يكون فيه بأس.
الجواب: لا يجب عليهم الحج، ما دام باق عليهم دين فإن الحج لا يجب ولو كانت تكاليفه يسيرة، اللهم إلا رجل يذهب مع الحجاج يخدمهم ويعطونه أجرة على هذه الخدمة فهذا قد نقول: إنه اكتسب مالاً يستطيع أن يوفي به دينه من هذا الحج، هذا نقول: لا بأس أن يحج، وأما شخص يأخذ منه الحج ولو شيئاً يسيراً فليحمد الله على العافية وليقض دينه قبل حجه.
النموذج الأول: كم دنتيل، النموذج الثاني: كم بدنتيل نوع آخر، النموذج الثالث: كم شيفون على مخمل -لا حول ولا قوة إلا بالله!- النموذج الرابع: كم مطرز بجلد.
يقول: أرجو من فضيلتكم بيان حكمها وتوجيهي وإخواني أصحاب المحلات في مثل هذه الموديلات التي تتجدد حتى لا نستطيع ملاحقتها.
الجواب: لا شك أن المرأة كلما كانت أستر؛ فهو أقرب إلى السنة وإلى الحشمة وإلى الحياء الذي هو من شيمة المؤمن، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الحياء من الإيمان) وهذه الألبسة التي لها أكمام، العباءات التي لها أكمام فيها محذور قبل أن تكون مطرزة وهي أنها تصف جسم المرأة؛ لأنها سوف تجعل هذه العباءات على أكتافها ويبقى رأسها بارزاً ورقبتها بارزة، ولا نعلم بعد ما الذي تستر به الرأس، قد يكون خماراً مزركشاً، وقد يكون هو نقاباً هو لثام في الحقيقة ما هو نقاب، لذلك أولاً: أنصح بناتنا وأخواتنا وعماتنا وخالاتنا بعدم لباس هذه العباءات.
أما بالنسبة لمن يجلبونها فأنصحهم -أيضاً- بألا يجلبوها، وأن يجعلوا العباءات السابقة التي فيها الستر الكامل والبعد عن مظاهر الفتن هي سلعتهم، وإذا تركوا ذلك -أي: الأول والتطريزات التي عرضت علينا الآن- إذا تركوها لله عوضهم الله خيراً منها بالبركة وعدم الطمع والجشع؛ لأنه بإذن الله ما من إنسان اكتسب مالاً بمحرم إلا ألقى الله في قلبه الشح والحرص على الدنيا، وصار كالذي يأكل ولا يشبع.
الجواب: نصيحتي لها: أن تحمد الله على العافية، وأن تشكر الله سبحانه وتعالى أن يسر لها هذا الولد الذي نرجو أن يكون صالحاً، وأن تخرج التلفزيون من بيتها، ولكن لا أقول: إنه حرام إذا كان الإنسان أبقى التلفزيون في البيت ولا يقال عليه إلا الأخبار والأحاديث الدينية وما أشبه ذلك، هذا ليس حراماً، وليس لنا أن نحرم ما لم يحرمه الله عز وجل؛ فلذلك أنصحها أن تخرج هذا التلفزيون بناءً على طلب ولدها الذي نرجو الله أن يكون صالحاً، ولا حرج أن يشتروا بدلاً منه الفيديو فيعرض فيه الأشياء النافعة من المحاضرات الدينية، والآيات الأفقية وما أشبه ذلك.
الجواب: رأيي أن هذه فتوى من جاهل، وأنه لا يحل لإنسان أن يفتي إلا بعلم، إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قيل له: إن صفية زوجته قد حاضت. قال: (أحابستنا هي؟) ستحبس القوم والرسول والصحابة) حتى تطهر (أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: انفروا) يعني: طواف الوداع لا يجب على الحائض، فهذه الفتوى التي أفتاها خطأ، والواجب عليها الآن أن تتجنب جميع محظورات الإحرام ومن ذلك معاشرة الزوج؛ لأنها لم تزل على إحرامها، ولتذهب إلى مكة وتكمل العمرة، لا تغتسل عند الميقات وتحرم، لأنها محرمة، الآن هي محرمة، تذهب إلى مكة وتطوف وتسعى وتقصر.
وأما مسألة الاستثفار فيجب يا إخواني أن تعلموا أنه لم يقل بها إلا قليل من العلماء، ولم يقولوا بها في مثل حالنا الآن، قالوا بها: إذ جاءت امرأة على بعير من بلاد بعيدة؛ من الشام أو العراق أو مصر أو ما وراء ذلك ولم تتمكن من إبقاء الناس معها، ولا تتمكن من الرجوع فبعض العلماء يقول: تبقى على إحرامها إلى يوم القيامة، لا تتزوج ولا يأتيها زوجها؛ لأنها ما كملت، تبقى، وبعض العلماء يقول: تكون محصرة. ومعنى محصرة: أن تذبح هدياً، ولم تكن قد أدت الفريضة عليها حينئذ، فترجع بدون أداء الفريضة، والمسألة فيها ثمانية أقوال للعلماء، وذهب شيخ الإسلام رحمه الله مذهباً جيداً قال: إذا كانت لا تستطيع أن ترجع ولا تستطيع أن تبقى حتى تطهر فلها أن تستثفر بثوب وتطوف ولا حرج عليها.
لكن الذي في بريدة أو في عنيزة أو في أطراف المملكة أما يستطيع أن يرجع؟ يستطيع، فيذهب بأهله وهي حائض قبل أن تكمل النسك، وإذا طهرت رجع بها.
فليتق الله أخونا، وليعلم أن الإقدام على الفتوى بلا علم ليس بالهين، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وقال تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] فليتق الله، وليبادر الآن قبل أن يكثر الزحام في مكة فيذهب بامرأته لتكمل عمرتها، اللهم اهدنا فيمن هديت.
الجواب: الأمر سهل لأنه ترك الرمي وطواف الوداع، فهذان واجبان، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن من ترك واجباً فعليه دم، فإذاً عليه دمان يذبحهما في مكة ويوزعهما على الفقراء، وتم بذلك حجه أو عمرته إن كان معتمراً.
الجواب: الأضحية لا حاجة أن تعلم بحناء ولا بقلائد؛ لأن الإنسان سيضحي بها في بيته، ويأكل منها هو وأهله، ويطعم الفقراء، ويتصدق على الفقراء ويطعم الأغنياء، وإنما التقليد يكون للهدي الذي يبعث به إلى مكة حتى يعرف الفقراء أنه هدي فيتبعوه ليأكلوا منه.
الجواب: لا أرى أن يضحي الإنسان وعليه دين إلا إذا كان الدين مؤجلاً، وهو عالم من نفسه أنه إذا حل الدين تمكن من وفائه، فلا بأس أن يضحي وإلا فليدخر الدراهم التي عنده للدين.
الدين مهم -يا إخواننا- كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا قدم إليه رجل يصلي عليه ترك الصلاة عليه، حتى إنه في يوم من الأيام قُدِّم إليه رجل من الأنصار فخطا خطوات ثم قال: (هل عليه دين؟ قالوا: نعم. قال: صلوا على صاحبكم، ولم يصل عليه، حتى قام
ولما سئل عن الشهادة في سبيل الله وأنها تكفر كل شيء قال: (إلا الدين) الشهادة لا تكفر الدين، فالدين ليس بالأمر الهين -يا إخواننا- أنقذوا أنفسكم، لا تصاب البلاد بمصيبة اقتصادية في المستقبل؛ لأن هؤلاء الذين يستدينون ويستهينون بالدين سيفلسون فيما بعد ثم يفلس من ورائهم الذين دينوهم، فالمسألة خطيرة للغاية، وما دام الله عز وجل يسر للعباد العبادات المالية ألا يقوم بها الإنسان إلا إذا كان عن سعة فليحمد الله وليشكر.
الجواب: لا شك أن هذا الذي ذكر في السؤال -إن كان حقاً- وأنه قد انتشر في النساء نتف الحواجب فالمسألة خطيرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن النامصة والمتنمصة، ونتف الحواجب من النمص، فهل ترضى المرأة أن تكون ملعونةً مطرودة عن رحمة الله -والعياذ بالله-؟ لا أحد يرضى بهذا، فيحرم على المرأة وعلى من نمصها هذا الفعل، بل هو من كبائر الذنوب التي لا تكفرها الصلاة ولا الصيام.
وعلى كل منا مسئولية فليتفقد أهله من بنات وزوجات وأخوات، وربما أمهات -أيضاً- وليمنعها من هذا العمل المنكر الذي يعد من كبائر الذنوب، وأخشى أن يعاقب بعقوبة صارمة عاجلة بدل هذا النعيم الذي نعيشه الآن؛ لأن الرب عز وجل قال لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:50] وقال الله عز وجل: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:98]، وقال الله تبارك وتعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:25].
علينا -أيها الإخوة- ألا نجعل هذه النعم سبباً للأشر والبطر والغفلة عن ذكر الله، علينا أن نجعلها عوناً على طاعة الله لعل الله يرحمنا في الدنيا والآخرة، أسأل الله الهداية للجميع.
وعلى المعلمات أن يحذرن الطالبات من هذا العمل، وعلى المديرات أن يراقبن هذا مراقبة شديدة، ورئاسة تعليم البنات لا تألو جهداً في إقامة البنات على الوجه الأكمل، فهي تساعد في القضاء على هذه الظاهرة إن صح أن نعبر عنها بأنها ظاهرة، مع أني أرجو ألا تكون إلا في شرذمة قليلة جاهلة، وإلا لو علمت المرأة أنها تطرد وتبعد عن رحمة الله بهذا العمل ما عملته.
الجواب: أما على قواعد الفقهاء رحمهم الله فقد أدوا الواجب؛ لأنهم يقولون: إن المكث في منى لا يجب إلا في الليل، فإذا قضى الإنسان معظم الليل في منى فقد أدى الواجب، لكن لا شك أن هذا ناقص، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقي في منى ليلاً ونهاراً، والبقاء في منى ليلاً ونهاراً عبادة، المسألة ليست نزهة، بل عبادة لله يتعبد الإنسان إلى الله عز وجل بالبقاء حتى الدقيقة التي تمضي يرى الإنسان أنه قد تقرب إلى الله بها.
فما دام الإنسان يشعر بأن البقاء في منى قربة فإنه يهون عليه أن يبقى ولو مع مشقة، لكن الشيء الذي يضر الإنسان ويؤذيه هو غير مأمور به.
الجواب: والله أنا أتوقف في هذا؛ فتارةً أقول: إذا رأينا الزحام الشديد وأن الإنسان يتعب بنفسه في أمر قد يكون بقاؤه في بلده أخشع وأتقى لله؛ لأنه في بلده سوف يقيم على ذكر وتكبير وقراءة قرآن وصيام وصدقة وإحسان، ويؤدي العبادات مطمئناً فيها، فتارةً أقول: هذا أفضل. وتارةً إذا رأيت الأدلة الدالة على الحث على الحج وبيان فضله أقول: أن يحج أفضل.
ثم إذا رأيت -أيضاً- أن الحجاج بعضهم يحج فريضة، وبعضهم نافلة، ولا شك أن الأمكنة -أمكنة المناسك والمشاعر- لمن يؤدي الفريضة أولى؛ لأنه أحق بها ممن يحج تطوعاً، فأنا متردد في هذا، أخشى إن قلت: لا تحجوا والنصوص جاءت بالحث على الحج أن يكون في هذا إثم عظيم، وإذا نظرت إلى المصالح ودفع المفاسد وتخفيف الضرر على الناس قلت: عدم الحج أفضل، ومن عنده فضل مال فأبواب الخير كثيرة.
الجواب: لا يحل له ذلك، يعني: لا يحل أن يحجج من مال الأيتام لأبيهم، كل تطوع فإنه لا يجوز أن يبذل فيه مال الأيتام إلا شيئاً واحداً وهو الأضحية، إذا كان ترك الأضحية يكسر قلوبهم فلا بأس أن يشتري لهم أضحية ويضحي لهم.
وإذا كان أبوهم لم يحج الفرض فليس لهم ولا لغيرهم حق من الميراث حتى تؤدى عنه الفريضة؛ لأن الفريضة دين والدين مقدم على الميراث.
الجواب: ليس في هذا شيء، يعني: لا بأس أن الإمام يقول: صلوا على الرجل، صلوا على الأنثى. لكن في مثل ليلتنا هذه لا يخفى على أحد أن هناك جنازة. السبب؟ كثرة الجمع، فكثرة الجمع تؤذن بأن هناك جنازة. ثم إن الإمام إذا قام وكبر بعد التسبيح والتهليل إذا أمكنه علم أنها جنازة، إنما أصل التنبيه على وجود جنازة ليس فيه شيء لكن عند الحاجة، أما إذا لم يكن حاجة فما ليس له حاجة ليس له حاجة.
الجواب: يجب أن نعلم أن النكاح صلة بين الناس كما قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً [الفرقان:54] وإذا تزوج إنسان امرأة وله آباء وأبناء صار أبناؤه وآباؤه محارم لهذه الزوجة بمجرد العقد، حتى لو أن زوجها طلقها بقي أبوه وأبناؤه محارم لها.
كذلك -أيضاً- أمهات الزوجة يكون الزوج محرماً لهن، أبناء الزوج وآباء الزوج وأمهات الزوجة، هذه الثلاثة بمجرد العقد يثبت فيهم الحكم، من بقي؟ آباء الزوج، أبناء الزوج، أمهات الزوجة، بنات الزوجة، بنات الزوجة لا يكون الزوج محرماً لهن إلا إذا جامع أمهن، فلو تزوج إنسان امرأة ودخل عليها ولم يجامعها ثم طلقها، ثم تزوجت بعده آخر وأتت ببنت هل يحل له أن يتزوجها؟ نعم، يحل له أن يتزوجها؛ لأنه لم يجامع أمها.
وأم الزوجة التي تزوج عليها وطلقها قبل الجماع هل تحل له؟ لا، انتبهوا للقاعدة هذه: يتعلق بالنكاح أربعة أصناف: آباء الزوج، وأبناء الزوج، أمهات الزوجة، وبنات الزوجة. آباء الزوج وأبناء الزوج وأمهات الزوجة بمجرد العقد يثبت فيهم الحكم، بنات الزوجة لا يثبت فيها الحكم إلا إذا جامع الأم.
حسن أضرب مثلاً: رجل تزوج امرأة وطلقها قبل الدخول، ولها بنت من غيره ولها أم، من الذي يحرم عليه: البنت أو الأم؟ الأم، والبنت تحل.
وهي من الذي يحرم عليها أبو الزوج أو ابن الزوج؟ كلهم يحرمون أبو الزوج وابن الزوج، المهم خذوا هذا الضابط: آباء الزوج وأبناء الزوج وأمهات الزوجة يثبت فيهم الحكم بمجرد العقد، بنات الزوجة لا يثبت فيهن الحكم إلا إذا جامع الزوجة.
ونقتصر على هذا القدر من الأسئلة، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر