أما بعد:
أيها الإخوة المكرمون: إن من نعمة الله عز وجل علينا في هذا العصر أن يسر لنا المواصلات والاتصالات، فها نحن نتكلم من هنا من الجامع الكبير في عنيزة ويسمعنا إخوانٌ لنا في بلاد أخرى بدون مشقة وبدون كلفة، بينما كان الناس في الأول لا يتواصلون إلا بعد مدة، ولكن من نعمة الله عز وجل أن يسر المواصلات في الطائرات والسيارات والبواخر وكذلك الاتصالات، فلله الحمد والنعمة.
قوله عز وجل: إِنَّا عَرَضْنَا [الأحزاب:72]، تحدث الله عن نفسه بصيغة الجمع: إِنَّا عَرَضْنَا [الأحزاب:72] فلماذا؟ للتعظيم، لتعظيم نفسه عز وجل؛ لأنه سبحانه العظيم الذي لا أعظم منه، وقد شبه النصارى على عوام المسلمين فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى متعدد لأنه يقول: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ [الأحزاب:72]، ويقول: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى [يس:12]، ويقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [الحجر:9]، فيشبهون؛ لأن هذه الضمائر تدل على الجمع، لكنها في اللغة العربية تدل على الجمع وعلى التعظيم، وهؤلاء عموا عن قول الله عز وجل: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، وهكذا كل من في قلبه زيغ يتبع ما تشابه من القرآن والسنة فيضرب بعضه ببعض، ولكن يقيض الله عز وجل لدينه من يحفظه ويدفع هذه الشبهات ويبين الحق فيها، فمن هؤلاء؟ هؤلاء هم الراسخون في العلم؛ لقول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ [آل عمران:7]، أي: القرآن .. مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]، ذكر قسمين: آيات محكمات، وأخر متشابهات .. فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ [آل عمران:7]، أي: ميل عن الحق وضلال .. فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7] ويدعون المحكم .. ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ [آل عمران:7]، أي: فتنة الناس عن دينهم .. وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7] أي: تحريفه على ما يريدون.
إذاً: قوله عز وجل: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ [الأحزاب:72]، إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى [يس:12]، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [الحجر:9]، وأشباهها من الآيات يراد بها التعظيم .. عَرَضْنَا الأَمَانَةَ [الأحزاب:72] أي: القيام بما يجب، عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ [الأحزاب:72]سبحان الله! مخلوقات عظيمة عرض الله عليها الأمانة هل تقوم بها أم لا؟ قال الله عز وجل: فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا [الأحزاب:72]، (أبين) أي: امتنعن عن حملها لأنها مسئولية عظيمة، ولعل قائلاً منكم يقول: كيف تعرض الأمانة على جماد؟ فالجواب: الجماد وذو الشعور أمام أمر الله على حد سواء، يوجه الله الخطاب إلى الجماد فيجيب الله عز وجل؛ لأن كل شيء بالنسبة لله على حد سواء، واسمع قول الله عز وجل: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً [فصلت:11]، هذا أمر موجه للجماد .. قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11]، هذا الجواب، أجابت هذه الجماد لله عز وجل.
ولما تجلى الله عز وجل للجبل حين قال موسى: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143] شوقاً إلى الله عز وجل، قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف:143]، فنظر موسى إلى الجبل بعد أن تجلى الله له فجعله دكاً، اندك لعظمة الله عز وجل وخشيته، فخر موسى صعقاً، غشي عليه؛ لما رأى من الهول العظيم، جبل أمامه صخر عظيم اندك في لحظة! ومن المعلوم أن الإنسان لا يتحمل هذا .. وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143].
أيها الإخوة: لقد قال الله عز وجل: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ [الحشر:21]، هذا القرآن وهو كلام الله وصفةٌ من صفاته .. لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21].
عرض الله الأمانة على السماوات والأرض والجبال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا [الأحزاب:72] خفن منها ألا يقمن بواجب الأمانة، وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ [الأحزاب:72] الله أكبر! حملها الإنسان، بماذا حملها؟ بما أعطاه الله من العقل والتفكير وبما أرسل إليه من الرسل وبين له السبل وهداه، (إنه) أي: الإنسان، (كان ظلوماً جهولا).
وقوله: (إنه) قال بعض أهل العلم: الضمير يعود على الإنسان الكافر هو الظلوم الجهول، ليس عائداً على كل إنسان؛ لأن المسلم ذو عدل وذو علم وذو رشد، فالإنسان الذي كان ظلوماً جهولاً هو الكافر، أما المؤمن فلا يمكن، المؤمن يمنعه إيمانه عن الظلم، ويمنعه إيمانه عن السفه والغي.
الأول: المنافقون.
الثاني: المشركون.
الثالث: المؤمنون.
انتبه يا أخي وانظر سبيل من تسلك.
المنافقون: هم الذين يظهرون الإسلام ويخفون الكفر، يظهرون الإسلام ويقولون: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ويحضرون الصلاة، ويتصدقون، لكن قلوبهم خربة خالية من الإيمان، أعاذني الله وإياكم من ذلك! اللهم أعذنا من النفاق.
هذا الصنف من الناس خرج حينما صار للمسلمين قوة وعزة، لكن في مكة قبل الهجرة ليس هناك منافق، الناس إما مؤمن صريح وإما كافر صريح، لكن لما قويت شوكة المؤمنين وخصوصاً بعد أن هزم الكفار في بدر، وقد كانت في السنة الثانية من الهجرة في رمضان -لما هزم المشركون بدأ النفاق؛ لأنهم -أي: المنافقين- عرفوا أن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيظهر دينه، فصاروا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وأنزل الله فيهم سورة كاملة من طوال المفصل، وهي قوله تعالى: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ... [المنافقون:1] فكانوا يحضرون الصلاة، لكنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، ويتصدقون لكنه رياء وسمعة، ويأتون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ويقولون: نشهد إنك لرسول الله، سبحان الله! فماذا قال الله فيهم؟ قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1] أي: لكاذبون في قولهم: نشهد؛ لأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، ولذلك إذا احتاجوا إلى هذه الكلمة عجزوا عنها، فإن المنافق إذا دفن في قبره وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان يسألانه: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت! يقول: لا أدري؛ لأنه ليس في قلبه إيمان، والآخرة مبنية على السرائر لا على الظواهر، أما الدنيا فمبنية على الظواهر، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين استؤذن في قتل المنافقين، قال: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)، وفي الآخرة العبرة بالسرائر .. أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [العاديات:9-10] .. إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق:8-9] .. اللهم طهر سرائرنا، اللهم طهر سرائرنا، اللهم طهر سرائرنا يا رب العالمين، وأمتنا على الإيمان والتوحيد.
أيها الإخوة: المنافقون لهم روغان عن الحقائق، ولذلك كان من صفاتهم أنهم إذا حدثوا كذبوا، وأكذب حديث أنهم يقولون: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهم كاذبون في هذا لا يؤمنون به، وإذا عاهدوا غدروا، لا يوفون بالعهد؛ لأنه ليس عندهم إيمان يحملهم على الوفاء بالعهد، وإذا خاصموا فجروا؛ فجحدوا ما يجب عليهم وادعوا ما ليس لهم، وإذا ائتمنوا خانوا.
أخي المسلم: هذه علامات النفاق، هذه علامات النفاق، هذه علامات النفاق، فاحذر أن تتصف بواحدةٍ منها؛ لأن نبينا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم حذرنا منها.
والآن لو نظرت في واقع المسلمين اليوم لوجدت كثيراً منهم إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا اؤتمن خان. إن كثيراً من المسلمين وليس أكثرهم، فالحمد لله أكثرهم مستقيم، لكن فيهم من إذا حدثك كذبك، وإذا وعدك أخلفك، وإذا عاهدك غدر بك، وإذا خاصمك فجر بك، وما أكثر الذين يأتون إلينا يشكون من كفلائهم! أتى به على عقد معلوم بينهم ثم لا يفي بالعهد ولا يفي بالعقد، يماطل بالأجرة وربما ينكرها، ويؤذي العامل ويحمله ما ليس واجباً عليه .. وهكذا.
وهناك -أيضاً- من إذا اؤتمن خان، وما أكثرهم! إذا اؤتمنوا خانوا، وما أكثر الخيانة في كثير من الناس! ومن ذلك -مثلاً- أن يعرض الإنسان سلعته فيأتيه الزبون ليشتري فيقول: كم قيمة هذه؟ فيقول: ألف ريال، وقيمتها في الحقيقة خمسمائة، لكن استغل فرصة جهل هذا المشتري بالثمن وقال: بألف ريال، هذا جمع بين الكذب والخيانة والغدر، ثلاث صفات من صفات المنافقين، وما يدري أن ما ترتب على هذا الكذب من كسب مادي فهو حرام، ويوشك من أكل الحرام ألا تستجاب دعوته؛ لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!)
ومن الخيانة في الأمانة: ما يفعله كثيرٌ من أولياء النساء في التزويج، فتجده يخطب منه الرجل الصالح المستقيم في دينه وخلقه ولكن إذا عرف أنه لن يعطيه مالاً رده، وقال: البنت صغيرة، البنت مخطوبة لغيرك، وما أشبه ذلك، ثم يزوجها ابن عمها الذي ليس عنده خلق ولا دين، أو يزوجها من ليس ابن عمها ولكن أكثر الدراهم لأبيها، وهذه والله خيانة، وستطالبه البنت يوم القيامة، وحينئذٍ يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه .. لماذا تحجب المرأة عن خاطبها الكفء من أجل مصلحتك الخاصة؟ أليس هذا من الخيانة؟! أليس هذا من الظلم؟! سبحان الله! لو أنك أنت أيها الأب خطبت امرأة ثم منعت منها لاستكبرت هذا الشيء وعددته ظلماً وجوراً، والعجب أن هؤلاء يظلمون أقرب الناس إليهم وهنَّ بناتهم اللاتي هنَّ بضعةٌ من الأب وقطعة وجزء منه، ومع ذلك يظلمها هذا الظلم، يحجزها لابن عمها، أو يقول: لا تتزوجي رجلاً من غير القبيلة، أو ما أشبه هذا! هذا من المنكر، وللقضاة أن يتدخلوا في هذا الموضوع، بمعنى: أن المرأة إذا خطبها كفءٌ لها وأبى أبوها فلها أن ترفع الأمر إلى القاضي ويقول لأبيها: زوجها وإلا زوجتها أنا أو من يليك في الولاية من عصبتها.
ومن الخيانة وهي من صفات المنافقين: ما ذكره الله عز وجل في قوله: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3]، إذا استوفى لنفسه استوفى كاملاً، وإذا كال لغيره نقص، (يخسرون) أي: ينقصون، قال الله عز وجل: أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:4-6].
ومن الخيانة في الأمانة: ما يفعله بعض الناس في أهله، يرضيهم بما حرم الله عليهم، فيجلب لهم من وسائل الإعلام المنظورة والمقروءة والمسموعة ما فيه البلاء والشقاء، وهذا خيانة للأمانة، وسوف يحاسب عند الله عز وجل يوم القيامة، لقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، فجعل وقاية الأهل كوقاية النفس، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته)، مسئول أمام الله يوم القيامة.
أسأل الله أن يعينني وإياكم على أداء هذه الأمانة الكبرى.
عليك أن توجه أهلك من بنين وبنات وزوجات وغيرهن ممن لك ولاية عليهن، أن توجههم إلى الطريق السوي، الطريق المستقيم، ولا تظن أنك بريء من المسئولية أبداً، فقد حملك إياها الله رب العالمين وحملك إياها رسول رب العالمين محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ومن النفاق: أن بعض الناس يرائي، بمعنى: أنه يفعل العبادة ليقول الناس: إن فلاناً عابد. اللهم أعذنا من الرياء .. ومن راءى راءى الله به، وسوف يفضحه إما في الدنيا وإما في الآخرة.
ومن ذلك أيضاً: أن يتصدق بشيء أمام الناس ليقولوا: فلان كريم، لا ليتقرب إلى رب العالمين، وهذا الرياء مبطلٌ للعمل، قال الله عز وجل في الحديث القدسي الصحيح: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)، ولما سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الرجل يقاتل أعداء الله، يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، فالمراءاة في العمل محبطة له، ويا أخي المسلم! ماذا ينفعك الناس؟ ماذا ينفعونك إذا راءيتهم؟ وماذا يضرونك إذا أخلصت العمل لله وتركتهم؟ إنهم لن يضروك شيئاً بالإخلاص، وإنهم يضرونك بالرياء، وأنت الذي أضررت بنفسك.
فاحذر أخي من النفاق، احذر من النفاق العقدي والعملي، العقدي في القلب أجارني الله وإياكم منه، والعملي بالجوارح.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ضد الدعوة الإسلامية، فأسلم وكان الخليفة الثاني في هذه الأمة.
خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، وغيرهم من صناديد قريش وكفارها أسلموا فتاب الله عليهم.
أبو سفيان زعيم قريش، كان يقول يوم أحد : اعلُ هبل. لأن أبا سفيان لما انتهت الحرب وصارت الهزيمة على المسلمين لأنهم حصل منهم ما يوجب الهزيمة، افتخر وقال: أفيكم محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تجيبوه) لماذا؟ إهانة له، وحتى يربو بنفسه بعد ذلك ويفتخر، انظر يا أخي إلى الحكمة النبوية، وهكذا وقع، ثم قال: أفيكم ابن أبي قحافة ؟ أفيكم عمر ؟ قال: (لا تجيبوه) حينئذٍ افتخر وانتفخ ورأى أنه حصل على كل شيء، فقال: اعلُ هبل. وهبل صنم لقريش وسط الكعبة، والمعنى: ما أعلاك اليوم! اليوم أنت العالي، ثم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أجيبوه)، الآن حمي الوطيس، وصلت المسألة إلى الباري عز وجل، قال: (أجيبوه، قالوا: بماذا نجيبه؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل، فقالوا: الله أعلى وأجل)، إذا كنت اليوم تفتخر بصنمك بأنه عالٍ فالله أعلى وأجل، ثم قال أبو سفيان لما رد عليه بالتوحيد أتى عن طريق الرسالة، قال: يوم بيوم بدر والحرب سجال. كيف يوم بدر ؟ يوم بدر كان النصر للمسلمين، وقتل من صناديد قريش وكبرائهم ما هو معلوم .. قال: يوم بيوم بدر ، أي: اليوم غلبناكم وأنتم غلبتمونا يوم بدر، والحرب سجال، أي: مرة لكم ومرة عليكم، فأجابوه: لا سواء، لا سواء -أي: بين اليومين- قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. وهل هذان اليومان على حد سواء بعد أن كان قتلى المسلمين في الجنة وقتلى الكفار في النار؟ لا.
أنا المقصود من هذا أن المشركين يصرحون بمنابذة المؤمنين، وأن الإنسان إذا تاب ولو كان مشركاً منابذاً تاب الله عليه؛ فهذا الرجل أبو سفيان أسلم وصار من الصحابة، لكنه تأخر إسلامه فتأخرت مرتبته.
إذاً: من تاب تاب الله عليه، حتى من الشرك، وحتى من النفاق، وحتى من الاستهزاء بالله وآياته، والدليل على أن التائب من النفاق يتوب الله عليه قول الله عز وجل: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتي اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً [النساء:145-146]، لكن لاحظ أن الله ذكر أشياء مهمة .. الَّذِينَ تَابُوا [النساء:146] أي: رجعوا من النفاق إلى الإيمان الخالص .. وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ [النساء:146] توكلوا عليه واعتصموا به .. وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ هذه ثلاثة أوصاف .. فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:146].
والمستهزئ بالله وآياته هل تصح توبته؟ الجواب: نعم تصح، والدليل: قول الله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [التوبة:65]، أي: سألت المستهزئين؛ لأنهم كانوا يستهزئون ويقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه- ما رأينا مثلهم أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء. وكذبوا والله، هذه الأوصاف في المنافقين تماماً، قال الله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً [التوبة:65-66] إذاً معناه: أن هؤلاء قد يعفو الله عنهم وذلك بالتوبة، فمن تاب مهما كان شركه وكفره فإن الله يتوب عليه.
وهؤلاء الذين تابوا من الكفر وقد قتلوا من قتلوا من المسلمين هل يلزمهم ضمان المسلمين الذين قتلوهم؟ لا يلزمهم، لقول الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ [الأنفال:38] ولهذا لو رأى شخص شخصاً كان كافراً وقد قتل أباه ثم أسلم فإنه لا يجوز له أن يقتله؛ لأن إسلامه عصمه وغفر له به ما سلف.
قال تعالى: وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:73] أيها الأخ العربي النحوي: تشكل عليك هذه الجملة: وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:73] أي: كان فيما مضى، والآن؟ كان فعل ماضي، نقول: (كان) هنا لا يقصد بها الزمان، بل يقصد بها تحقيق اتصاف الله عز وجل بالمغفرة والرحمة، فهي كما يقول النحويون: مسلوبة الزمان، والمقصود بها التوكيد، فالله تعالى متصف بالمغفرة والرحمة دائماً وأبداً.
الأول: الإخلاص لله عز وجل.
فمن تاب رئاء الناس فلا توبة له، ومن تاب خوفاً من سوط السلطان فلا توبة له، فلابد فيها من الإخلاص لله عز وجل، وإن كان الإنسان قد يحمله خوفه من السلطان على التوبة، لكن يتوب إلى الله مخلصاً، ولهذا شرعت الحدود في الزنا والسرقة والقذف وما أشبه ذلك، وهذه لا شك أنها تحمل الإنسان على ترك هذه الذنوب، لكنه يتركها لله لا لمجرد الخوف.
الثاني: الندم على ما فات.
يندم بقلبه ويتحسر ويقول: ليتني لم أفعل، ولا يجعل حاله بعد التوبة كحاله قبلها، بل لا بد من انفعال في النفس وندم، وليتني لم أفعل، لا اعتراضاً على القدر ولكن ندماً على ما فعل.
الثالث: الإقلاع عن الذنب.
وهذا هو بيت القصيد، وكيف يكون الإقلاع عن الذنب إن كان الذنب ترك واجب قام بهذا الواجب إذا كان يمكن قضاؤه، وأقول: إذا كان يمكن قضاؤه؛ لأن من الواجبات ما لا يقضى، مثلاً: لو أن الإنسان ترك الصلاة حتى خرج وقتها عمداً بلا عذر، فهنا لا يقضي الصلاة؛ لأنه لو قضاها لم تقبل منه، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، أي: مردود عليه، أما لو أخرها لعذر كنوم ونسيان فيقضيها ولا حرج.
وإذا كان الذنب فعل محرم أقلع عنه في الحال ولا يكمل، فلو فرضنا أن إنساناً يأكل طعاماً لغيره ثم تاب في أثناء الطعام، فهل نقول: له أن يشبع، أو يجب عليه أن يكف؟ يجب عليه أن يكف، ولو استمر لم تصح توبته، لأنه لابد من الإقلاع في الحال. ولو أن شخصاً استولى على أرض رجل من الناس وتبين له أن الأرض ليست له، فهل يبقي الأرض في ملكه، أم يجب أن يردها إلى صاحبها؟ يجب أن يردها إلى صاحبها حتى لو كان قد بنى عليها، يجب أن يردها إلى صاحبها، ويتصالح مع صاحبها إذا كان قد بنى عليها بنياناً، أو يترافعان إلى القاضي.
وإذا كان الذنب جحد دينٍ عليه، فتكون التوبة بأن يقر ويرده إلى صاحبه، أما أن يقول: أنا أخشى إن أقررت بعد أن جحدت أن تسوء سمعتي عند الناس، فنقول له جواباً على هذا: إذا ساءت سمعتك عند الناس زمناً قصيراً فستعود السمعة أحسن من قبل؛ لأن الله إذا رضي عن العبد أرضى عنه الناس، والناس إذا تأملوا في الموضوع ورأوا أن هذا الرجل خرج من المحرم عليه بصراحة أحبوه ورفعوا ذكره وزالت السمعة السيئة، لكن الشيطان يقول للإنسان: لا تقر وأنت قد جحدت أولاً، إذا أقررت بعد جحدك قالوا: هذا رجل متقلب، ما دام الأمر مضى امضِ، هذا غلط عظيم، قل الحق وسوف تكون العاقبة لك.
الشرط الرابع: العزم على ألا يعود في المستقبل.
فإن تاب من الذنب الآن ولكن في نيته أنه إذا حصلت فرصة فعله، فالتوبة غير صحيحة؛ لأنه لم يعزم على ألا يعود، بل تاب الآن لكن في نفسه أنه لو سنحت الفرصة لعاد إلى الذنب، فهذا لا تقبل توبته.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة في زمن القبول.
انتبه إلى هذا الشرط: أن تكون التوبة في زمن القبول؛ بأن تكون قبل حضور الأجل، وقبل طلوع الشمس من مغربها، ذلك لأنه إذا حضر الأجل فإن التوبة غير مقبولة، وإذا طلعت الشمس من مغربها فالتوبة غير مقبولة، والدليل: قول الله عز وجل: وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18] أخي المسلم: هل عندك أمان أنك ستبقى حتى تتوب؟ لا، إذاً: يا أخي! بادر بالتوبة قبل أن يدركك الأجل وأنت لم تتب .. وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18].
وانظر شاهداً لهذا: فرعون الذي أرسل الله إليه موسى فكذبه، وخرج بجنوده ليقضي على موسى وقومه، حتى صار موسى وقومه بين البحر وبين فرعون وقومه، وهو بحر القلزم المسمى اليوم بـالبحر الأحمر .. قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] أي: أدركنا الآن، هلكنا، البحر أمامنا وفرعون خلفنا، فقال موسى قول المطمئن الواثق بالله عز وجل: قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر، عصا من شجر عادي، لكن فيه آيات، فضرب البحر بالعصا، فانفلق اثنتي عشرة طريقاً، انفلق وصارت أسواق واسعة في وسط البحر والماء كالجبال بين هذه الأسواق، ثم إن هذه الأسواق صارت يابسة في الحال كما قال عز وجل: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً [طه:77] فدخل وموسى وقومه من هذه الأسواق، ثم أتبعه فرعوه وقومه، فأمر الله البحر فانطبق عليهم، فماذا قال فرعون لما أدرك الغرق؟ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90]، الآن آمن، وانظر كيف أذل نفسه غاية الذل بقوله: إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ [يونس:90]، فجعل نفسه تابعاً لبني إسرائيل، بينما كان في الأول عالياً عليهم، لكن اضطر إلى هذا .. قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90]، فقيل له: أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91] أي: آلآن تتوب؟ هذا لا ينفع وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين .. فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92] أي: علامة، وذلك أن بني إسرائيل قد أرعبهم فرعون إرعاباً عظيماً، فلا تطمئن قلوبهم ولا تهدأ نفوسهم حتى يروا هذا العدو وقد هلك، فبقي الجسم وشاهده بنو إسرائيل واطمأنوا أنه قد أدركه الغرق، ولهذا قال تعالى: لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92] ثم بعد ذلك أكلته الحيتان وذهب، وما ذكر أنه موجود الآن في الأهرام فلا أساس له من الصحة، وكم من شيء اشتهر ولكن ليس له سند، والقرآن الكريم يقول: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ [يونس:90] انتهى موضوعه.
الأمر الثاني مما لا تقبل معه التوبة: إذا طلعت الشمس من مغربها، فإذا حصل ذلك آمن الناس كلهم؛ لأنه حصل لهم أمر ليس باستطاعة أحد، الشمس الآن تشرق من المشرق وتغرب من المغرب، فإذا طلعت من المغرب ورآها الناس آمنوا، وقالوا: لا يمكن أن تخلف العادة إلا ولها رب يدبرها، فآمنوا، ولكن الله يقول: لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158].
هذه شروط التوبة خمسة، إذا تحققت تاب الله على العبد، اللهم إنا نسألك أن تتوب علينا يا رب العالمين، وأن توفقنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا إنك على كل شيء قدير.
السؤال: فضيلة الشيخ! ما المقصود بالأمانة في هذه الآية التي فسرتموها؟
الجواب: المقصود بالأمانة في الآية التي ذكرناها الأوامر والنواهي، أي: التكليف في العبادات، فيشمل كل ما يجب فعله أن يفعله الإنسان وكل ما يحرم فعله أن يتجنبه الإنسان.
الشيخ: آمين.
وبعد: أعرض هذه القضية التي بدأ يتهافت أرباب الأموال والمستكثرون منها عليها، ألا وهي المشاريع العائلية من منتزهات وحدائق، التي ينشئها أصحاب الأموال، يختلط الرجال والنساء فيها كل ذلك طمعاً في المال، فما توجيهك لهؤلاء؟ وأيهما أولى أن يخصصوها للنساء خاصة أم يجعلوها مختلطة؟ فنحن يا فضيلة الشيخ نقع تحت ضغوط عائلية بالذهاب بأهلنا إلى تلك الأماكن!
الجواب: السؤال هذا مهم جداً، ولكن لا تنفع فيه الفتوى، هذا لا بد أن يرفع إلى الجهات المسئولة في الدولة ويُدرس بنية الإصلاح ويُمنع ما لا يجوز، فالدولة -والحمد لله- قوية، والدولة متى قامت بأمر الله عز وجل نصرها الله على كل إنسان، وإلا فمن المعلوم أن الدول الكافرة والدول الفاسقة وإن لم تصل إلى حد الكفر تضغط على هذه الحكومة بكل ما تستطيع؛ لأنه -والحمد لله- لا أعلم أحداً أقوم بدين الله من هذه الدولة على ما فينا من القصور، لكن إذا رأينا غيرنا ولو كانوا قريبين منا تبين الفرق العظيم، والله عز وجل يقول في القرآن الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، لكن فيما بيننا يجب علينا النصح، أن ننصح هؤلاء الذين انخذلوا أمام الضغوط التي توقعهم في الهاوية، وأن يعلموا أن الدنيا ليست دار مقر إنما هي دار عمل وممر، فليتقوا الله في أنفسهم وليتقوا الله تعالى في إخوانهم المواطنين.
الشيخ: هل هذه الحبوب تزيل العقل؟
السائل: لا، إنما تنشط فقط.
الجواب: إذاً ما المانع؟ لا بأس في هذا ولا إشكال فيه.
الجواب: أقول: إن الله عز وجل قال: وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ [الأحزاب:72]، والله عز وجل لا يظلم أحداً، فلولا أن الإنسان اختار هذه الأمانة أن يحملها لما قال: وحملها الإنسان، وكما ذكرنا في التفسير: إن الإنسان حملها بما أعطاه الله من العقل والتصرف، وبما أرسل إليه من الرسل وأنزل إليه من الكتب، فكأنه قال: أنا لها، أنا الذي أحملها؛ لأن عندي كتاب الله وسنة رسوله وعندي العقل والتمييز.
الجواب: أقول: بارك الله فيك .. هذه النخيل تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب؛ لعموم الأدلة الدالة على ذلك، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر)، والنصاب هو ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويعتبر النصاب بزنة التمر عند يبسه لا بقيمته عند كونه رطباً؛ لأنه قد يكون في حال الرطب يبلغ النصاب، ولكن إذا يبس لا يبلغ النصاب، فالعبرة به يابساً، أي: إذا صار تمراً.
الجواب: طريقة العدل بين الأولاد أن يعطى كل إنسان ما يحتاج، فإذا احتاج أحدهم إلى الزواج أعطاه المهر كاملاً، ولا يلزمه أن يعطي الآخرين، أما بالنسبة للسيارة فالاحتياط أن يجعل السيارة باسمه -أي: باسم الوالد- ويمنح ولده الانتفاع بها، فإذا قدر أن الوالد مات أعيدت السيارة إلى تركته وورثها الجميع، وإذا قدر أن الابن مات أيضاً أعيدت إلى الأب، هذا هو الأحوط.
أما بالنسبة للتعديل في مقدار ما يعطيهم إذا كانوا ذكوراً وإناثاً، فالقول الراجح: أن للذكر مثل حظ الأنثيين، لأنه لا قسمة أعدل من قسمة الله عز وجل، وقد قال الله تعالى: يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11].
وهنا مسألة أحب أن أنبه عليها، وهي: أن بعض الناس يوصي لأولاده الصغار بالمهر بعد وفاته، وهذا حرام، ولا يحل له، ولا يلزم الورثة أن ينفذوا هذه الوصية، مثال ذلك: رجل له ثلاثة أولاد: أحدهم كبير بلغ سن الزواج فأعطاه مهراً خمسين ألفاً مثلاً، وبقي الاثنان صغاراً لم يبلغوا سن الزواج، فبعض الناس يوصي لكل واحد بخمسين ألفاً بمثل ما زوج به الكبير، وهذا غلط، والوصية حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا وصية لوارث)، وإذا شاء الولد الثالث أن يبطل الوصية فله ذلك.
الجواب: لا بأس، إذا كان المسجد بعيداً ويشق عليه فله أن يصلي في بيته.
الجواب: في صلاة الكسوف ركعتان، وفي كل ركعة ركوعان، وإذا أدرك الركوع الأول فقد أدرك الركعة، وإن فاته الركوع الأول فاتته الركعة، وعلى هذا فلو دخل مع الإمام بعد أن رفع من الركوع الأول فاتته الركعة، فيقضيها إذا سلم الإمام، يقضيها بركوعين وسجودين.
الجواب: إذا لبس جورباً ويمسح عليه ثم نزعه ولبس آخر نظرنا: إن كان بعد مسح الأول فإنه لا يمسح على الآخر، وأما إذا كان نزعه -أي: نزع الأول- قبل أن يمسحه بل هو على طهارته ثم غير الجورب، فهنا تبتدئ المدة من أول مسحةٍ بعد الحدث، لكن المسألة التي أردت: لو أن إنساناً لبس جورباً ومسح عليه، ثم رأى نفسه محتاجاً إلى جورب آخر فلبس الجورب الآخر على طهارة مسح الأول، فهنا لا حرج في ذلك، وتبتدئ المدة من مسح الأول لا من مسح الثاني.
الجواب: القول الراجح: أن مس المصحف لا يجوز إلا بطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، وأما قراءة القرآن فتجوز من المحدث حدثاً أصغر ولا تجوز من المحدث حدثاً أكبر حتى يغتسل، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة، والمسألة فيها خلاف معروف عند العلماء، ولكن الراجح عندي ما سمعته مني.
الجواب: المراد: عرضها عليهم، ولم يأمرهم بها سبحانه وتعالى، إنما عرضها عليهم وقال: هل تحملونها أو لا؟ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا [الأحزاب:72] وليس المراد بالعرض الأمر، فلو أمر الله تعالى هذه السماوات والأرض والجبال لامتثلت، وفرق بين العرض وبين الأمر.
الجواب: الضابط: أنه إذا جعلت جائزة لمن يشتري بملغ معين، وهذا الذي وضع الجائزة لم يزد السعر من أجل الجائزة فلا بأس، ولكن يبقى المشتري إذا كان لا يريد السلعة لكن اشتراها من أجل الجائزة فهذا حرام عليه؛ لأنه إنما قصد الجائزة دون السلعة، فصار لنا نظران:
النظر الأول: بالنسبة لواضع الجائزة نقول: لا بأس بوضعها بشرط ألا يزيد قيمة السلع عنده.
النظر الثاني: بالنسبة للمشتري، لا بأس أن يشتري ويأخذ الجائزة إذا حصلت له بشرط أن يكون له غرض في الشراء، لا يشتري من أجل أن يحصل على الجائزة، وكما سمعنا أن بعضهم يشتري علب الحليب من أجل الجائزة التي فيها، فإذا فكها أراق الحليب في الأرض، ليس له غرض فيه، فهذا محرم ولا يجوز .. هذا هو الضابط.
الجواب: أقول: الحمد لله الذي منَّ على هذا بالهداية، وليذهب إلى الذي أخذه ويسأله: هل هو يستعمله في المحرم كما هو غالب الاستعمال عند الناس، أو لا يستعمله إلا في الأخبار فقط؟ فإن كان الثاني وهو ثقة فلا حرج، وإن كان الأول وأنه يشاهد في هذا الدش ما هب ودب، فإنه يقول عني أنا: إن فلاناً يقول: خذه وكسره أمام الرجل الذي أهديته له، وبهذا يزول الشك من الرجل الذي أهدي له، ويقتنع إن شاء الله عز وجل.
الجواب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أمر بغسل الإناء سبع مرات إحداها بالتراب إذا ولغ فيها الكلب، لكن الأحواض الكبيرة لا يؤثر فيها ولوغ الكلب، فإذا كانت هذه أحواض كبيرة -أعني: بركاً كبيرة- فإنه لا يضر أن تشرب منها الكلاب، وتشرب منها الغنم أيضاً، ويتطهر منها الناس؛ لأن هذا ليس كالأواني التي يؤثر فيها ولوغ الكلب.
الشيخ: سرقها سرقة؟
السائل: نعم.
الجواب: ليس هناك مشكلة إن شاء الله، ينظر إلى شخص ثقة أمين ويخبره بالواقع ويقول: جزاك الله خيراً، أعطها أهلها، بشرط أن يكون هذا أميناً عند أهل الأموال، وإذا لم يمكن هذا فهناك طريقة أخرى وهي: أن يرسل بالبريد المسجل أو الممتاز ويكتب ورقة بغير قلمه هو: هذه دراهم قد سرقها منكم سارق والآن يردها عليكم.
الجواب: أما شهادة الابن أو البنت على أبيهما في المحكمة فهي واجبة؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [النساء:135]، وأما التشهير بذلك فهذا حرام؛ لأنه لا داعي لهذا، وفيه عقوق للوالدين.
الجواب: إذا أتيت بالتلفاز هل تستطيع أن تسيطر عليه بحيث لا يشاهد فيه إلا ما كان مباحاً؟ إن كان الأمر كذلك فلا بأس، وإذا كنت لا تستطيع السيطرة عليه فهناك شيء يسمى: الكمبيوتر، اشتر من هذا النوع وضع فيه من الأشرطة ما تريد، ويحصل به المطلوب إن شاء الله.
الجواب: لا شيء عليها ما دامت جاهلة، وأما ترك زوجها لها مدة طويلة فهذا لا يمنع العدة كما يتوهمه بعض الناس، بعض الناس يقول: الرجل إذا طلق زوجته وقد غاب عنها مدة طويلة فإنه لا عدة عليها، وإذا مات عنها وقد تركها مدة طويلة فلا عدة عليها، وهذا غلط، العدة واجبة على كل من كانت مع زوج سواء طالت مدة غيبته عنها أم لا، لكن إذا تركت العدة أو تركت الإحداد جهلاً منها فلا شيء عليها، والعدة تنتهي بانتهاء وقتها.
الجواب: أقول: سيسهل الله أمره.
أولاً: المرأة الحائض إذا حاذت الميقات فماذا تعمل؟
الجواب: إذا كانت المرأة حائضاً ووصلت إلى الميقات وهي تريد العمرة فإنها تغتسل وتحرم، وتبقى حتى تطهر، ثم إذا طهرت طافت وسعت وقصرت، وإذا كانت تخشى أن يرجع أهلها قبل أن تطهر فلا تحرم، فإن قدر أنهم بقوا حتى طهرت فإنها تخرج إلى التنعيم وتحرم منه.
الجواب: الصحيح أن طواف الوداع للمعتمر واجب، إلا إذا رجع الإنسان من سفره فوراً بأن طاف وسعى وقصر ثم ركب السيارة ومشى فهذا يكفيه الطواف الأول، وأما لو بقي ولو ساعة واحدة وجب عليه أن يطوف للوداع عند الخروج.
الجواب: هذا معارض للأمانة، جامع بين الكذب والخيانة وأكل المال بالباطل وحصول المشاكل في المستقبل، لذلك أقول: هذا عمل محرم لا يحل للمسلم أن يفعله.
الجواب: أصل هذه المعاملة محرمة، يحرم على الإنسان أن يأتي إلى البنك أو إلى التاجر ويقول: أنا أريد السيارة الفلانية اشترها لي، ثم بعها عليَّ بالتقسيط بثمن أكثر، هذا محرم، وهذا -والله- حيلة على الربا، وهو أقبح مما لو جاء إلى البنك وقال: أعطني خمسين ألف ريال وهي عليَّ بستين ألف ريال إلى سنة، كلاهما محرم، لكن الأخيرة أهون؛ لأن الأخير ربا صريح، والإنسان فيه لم يسلك سبيل المنافقين، أما الأولى فإنه خادع الله عز وجل، هذا البنك ما اشترى السيارة إلا من أجلك، فكأنه أقرضك قيمتها بزيادة، فليحذر المؤمن هذه المعاملة، وليتق الله ربه، وليعلم أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأن العبرة في العقود بمعانيها لا بصورها.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر