إسلام ويب

جلسات رمضانية لعام 1411ه [3]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الشيخ في هذه المادة الشروط المترتبة على مفسدات الصوم، كالعلم وضده الجهل، والذكر وضده النسيان، والقصد وضده الإكراه، وأسهب الشيخ في شرح هذه الشروط، ثم ختم ذلك بأجوبة تتعلق بالموضوع وغيره.

    1.   

    شروط مفسدات الصوم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    في هذه الليلة؛ ليلة الأحد الموافق للثامن من رمضان عام: (1411هـ) نتكلم على شروط مفسدات الصوم كما تكلمنا في الدرس الماضي عن المفسدات، وبينَّا أنها تسعة؛ لكن هذه المفسدات هي محظورات في الصيام، ولا تُفسد الصومَ إلا بشروط ثلاثة:

    1/ العلم.

    2/ والذكر.

    3/ والقصد.

    وذلك لأن المشهور عند أهل العلم أن المحظورات يُعذر فيها الإنسان:

    بالجهل.

    والنسيان.

    والإكراه.

    أما المأمورات فإنها لا تسقط بالجهل، والنسيان، والإكراه، بل يفعل الإنسان ما يقدر عليه، ويتدارك ما يمكنه تداركه.

    وهذه القاعدة التي أصَّلها أهل العلم لها دلائل من الكتاب والسنة، وهي قاعدة مفيدة لطالب العلم.

    فمثلاً: الصلاة من باب فعل المأمور أو من باب ترك المحظور؟

    الجواب: من باب فعل المأمور.

    والفرق بينهما لئلاَّ يشتبه: أن ما طُلب فعله فهو: مأمور، وما طُلب اجتنابه فهو: محظور.

    فالصلاة طُلب فعلها، إذاً: هي من باب فعل المأمور، لم تسقط لا بالنسيان، ولا بالجهل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلِّها إذا ذكرها) يعني: إذا ذكرها بعد النسيان، وإذا استيقظ بعد النوم.

    النائم تركها بقصد أو بغير قصد؟

    بغير قصد، ولم تسقط عنه.

    والناسي تركها بغير ذكر، ولم تسقط عنه (فليصلِّها إذا ذكرها).

    الجهل: جاء رجل فصلَّى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل لا يطمئن في صلاته، وهو جاهل، لا يعلم أن الطمأنينة ركن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: (ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ) ولم يعذره بالجهل، بل كرر ذلك عليه حتى قال الرجل: (والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلِّمني، فعلَّمه).

    إذاً: ففعل المأمور لا يسقط بالنسيان، ولا يسقط بعدم القصد، ولا يسقط بالجهل؛ ولكن يجب أن نعلم أنه يسقط الإثم بالنسيان، والجهل، وعدم القصد؛ لكن يقارب الإنسان في إيجاد هذا الشيء الذي طُلب منه فعلُه، واضح يا جماعة؟

    فالمحظور إذا فعله الإنسان جاهلاً، أو ناسياً، أو غير قاصد، فإنه لا يلحقه حكمه، يُعفى عنه نهائياً، كأنه لم يفعله.

    ولهذه القاعدة أيضاً دلائل، فاجتناب النجاسة في الصلاة من باب ترك المحظور؛ لأنه يُقال: اجتنب النجاسة؛ لكن الطهارة من الحدث من باب فعل المأمور؛ لأنه يقال للمحدِث: تطهَّر، أما النجاسة فالمأمور يعني: يؤمر باجتنابها، فإذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه.

    دليل هذه القاعدة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى ذات يوم وعليه نعلان، وفيهما قذر، وفي أثناء الصلاة جاءه جبريل فأخبره أن فيهما قذراً، فخلعهما، ومضى في صلاته) مضى في صلاته.

    إذاً: كان أول صلاته متلبساً بمحظور وهو النجاسة، ولم يبطل أول الصلاة، لماذا؟

    لأنه كان جاهلاً، لم يعلم عليه الصلاة والسلام أن في نعليه قذراً، فعُفي عنه؛ لأنه كان جاهلاً.

    حسناً! ترك الأكل والشرب للصائم من باب ترك المحظور، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) فأسقط عنه حكم هذا المحظور؛ لأنه كان ناسياً.

    وهذه القاعدة تنفعك أيضاً في غير العبادات:

    لو أن الإنسان حلف وقال: والله لا أدخل بيت فلان، فدخل بيتاً وهو لا يدري أنه بيت فلان، ثم علم أنه بيت فلان، فهل تلزمه الكفارة؟

    لا؛ لأنه كان جاهلاً، لا يعلم أنه بيته.

    ولو قال: والله لا ألبس ثوبي هذا اليوم، ثم نسي فلبسه فليس عليه كفارة؛ لأنه ناسٍ، وبالحلف أصبح فعله محظوراً؛ لأنه ممنوع عليه، ممنوع عليه باليمين، فإذا فعله فقد فعل محظوراً.

    ولو قال لزوجته: إن كلمتِ فلاناً فأنتِ طالق، فنسيَت وكلمَته، فإنها لا تطلُق، أو كلمت شخصاً لا تعلم أنه فلان، فتبيَّن أنه هو، فإنها لا تطلق؛ لأنها كانت جاهلة.

    فالقاعدة هذه مفيدة لطالب العلم، ويدخل فيها من المسائل ما لا حصر له؛ لكن الإنسان إذا طبقها استراح.

    وهناك أدلة منصوصة غير المسائل التي بالاستقراء أخذنا منها الحكم؛ لأن القواعد تؤخذ أحياناً من الاستقراء، بمعنى: أن الإنسان يجمع مسائل من السنة أو من القرآن، فتتكون من هذه المسائل قاعدة، وأحياناً تكون منصوصة عليها.

    استمع إلى الآية الكريمة: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286].

    وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5].

    فنقول: بناءً على هذه القاعدة: يُشترط لإفساد الصوم بالمفطِّرات ثلاثة شروط:

    أن يكون عالماً، وضده الجاهل.

    وذاكراً، وضده: الناسي.

    وقاصداً، وضده: من لم يقصد.

    العلم وعدم الجهل

    فلو أن الإنسان أكل وهو يظن أن الفجر لم يطلع، ثم تبين أنه قد طلع، فصومه صحيح؛ لأنه جاهل؛ لكن يجب عليه من حين أن يعلم أن الفجر قد طلع أن يمسك، حتى لو كانت اللقمة في فمه وجب عليه لفظُها، أو كان الماء في فمه وجب عليه مَجُّه، ولا يجوز أن يبلع بعد العلم بأن الفجر قد طلع.

    مثال آخر: رجل سمع في (الراديو) أذان الرياض ، فظن أنه أذان عنيزة فأفطر، ثم بعد أن أكل وشرب أذَّن المؤذنون؛ لأن التوقيت بين عنيزة والرياض الفرق عشر دقائق تقريباً، أكل وشرب ثم أذن الناس، نقول لهذا الرجل: صومك صحيح، كيف صومه صحيح وهو أكل قبل أن تغرب الشمس؟ نقول: لأنه كان جاهلاً، لو علم أن هذا الأذان ليس أذان بلده ما أكل، إذاً: هو جاهل.

    مثالٌ ثالث: رجل احتجم، يظن أن الحجامة لا تفطِّر، يعني: لم يعلم أن الحجامة تفطِّر، فقيل له: إن الحجامة تفطِّر، بعد أن احتجم، فهل يفطر؟ لا؛ لأنه كان جاهلاً؛ لكن الفرق بين هذا الجهل والجهل في المثالين السابقين أن الجهل في المثالين السابقين جهل بالحال، والجهل في هذا المثال الثالث جهل بالحكم، ولا فرق بين الجهل بالحكم والجهل بالحال، كلاهما يُعذر به، ولا يترتب على الفاعل شيء؛ لأنه جاهل.

    مثال رابع: رجل جامع زوجته في نهار رمضان في حال يلزمه الصوم، وهو يدري أن الجماع حرام، وأنه مفطِّر؛ لكن لم يعلم أن فيه كفارة، نعم، نقول: صومه فاسد لا شك، لأن عالم أنه يفطِّر؛ ولكن هل تلزمه الكفارة؟ لو قال: أنا ما علمتُ أن في ذلك كفارة، ولو علمتُ أن في ذلك كفارة ما فعلتُ، نقول: جهلك بالعقوبة لا يمنع العقوبة، أنت قد علمت أنه حرام، وأنك قد ارتكبت إثماً، والعقوبة ليست إليك، إلى الله، ولهذا لم يعذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي جاء إليه وقال: (يا رسول الله! هلكتُ، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان وأنا صائم) ثم أمره بالكفارة، ولم يعذره، مع أن الرجل يعلم عن الكفارة أو لا؟ لا يعلم، جاء يستفتي.

    إذاً: فالجهل بالعقوبة ليس بعذر، تلزمه العقوبة؛ لأنه فعل سبب العقوبة وهو عالم، وليس معذوراً، فلزمته العقوبة؛ وهي الكفارة.

    الذكر وعدم النسيان

    ومن شروط مفسدات الصوم الذكر وعدم النسيان.

    ونقول: النسيان أيضاً له أمثلة:

    رجل كان صائماً، فعطش، فشرب ناسياً أنه صائم، سواءً في الفريضة أو في النافلة، ثم بعد أن شرب ذكر أنه صائم، فصومه صحيح، وليس عليه شيء.

    حسناً! لو رَوِيَ؟

    ولو رَوِيَ؛ لكن إذا ذََكََرَ ولو كان الماء في فمه وجب عليه أن يَمُجَّه، ولا يجوز له ابتلاعه بعد الذكر؛ لأن العذر زال.

    فإذا قال قائل: ما هو الدليل على ما ذكرتم؟

    نقول: الدليل على ما ذكرنا نوعان:

    عام.

    وخاص.

    أما العام: فقوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] .

    هذا يشمل النسيان في الصوم، والخطأ في الصوم، والجهل من الخطأ.

    وأما الخاص: ففي الجهل: ما ثبت في صحيح البخاري : عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) هكذا قالت.

    وجه الدلالة من هذا الحديث: أنه لو كان إفطارهم مفسداً لصيامهم لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بالقضاء، ولو أمرهم بالقضاء لنُقل إلينا؛ لأنه إذا أمرهم بالقضاء صار القضاء من الشرع، وإذا كان القضاء من الشرع فلابد أن يُنقل، وهذه أيضاً من القواعد المهمة لطالب العلم، أنه إذا لم يُنقل عن النبي عليه الصلاة والسلام شيء فإنه يُعلم أنه ليس من الشرع؛ لأنه لو كان من الشرع لنُقل؛ لأن الشرع محفوظ؛ كما قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] ولا يمكن أن يُنسى، ولما لم يُنقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء عُلِم أن القضاء ليس بواجب، إذْ لو كان واجباً لأمرهم، ولَنُقِل، واضح؟

    هذا جهل بالحكم وإلاَّ بالحال؟

    بالحال.

    الجهل بالحكم: عدي بن حاتم رضي الله عنه أصبح صائماً، وتلا قوله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187].

    أتدرون ماذا صنع؟!

    أخذ عقالين وهما: الحبلان اللذان تُعقل بهما الإبل، أسود وأبيض، فوضعهما تحت الوسادة، وجعل يأكل وينظر إلى العقالين، فلما تبيَّن الأبيض من الأسود أمسك، ظناً منه أن الآية الكريمة يُراد بها هذا المعنى.

    فلما أصبح وأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك قال له: (إن وِسادك لَعَريض أن وَسِع الخيط الأبيض والأسود) عريض يعني: واسع؛ لأن الخيط الأبيض هو: النهار؛ بياض النهار، والأسود: سواد الليل؛ لكن عدياً لم يتبين له ذلك، فجعل يأكل حتى ارتفع الضياء، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، لماذا؟ لأنه كان جاهلاً، ونوع الجهل؟ جهل بالحكم، فلا يجب القضاء.

    القصد وعدم الإكراه

    بقي الشرط الثالث ما هو؟

    القصد، يمكن أن نستدل عليه بقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] .

    وفي قوله تعالى في جزاء الصيد: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] فإن قوله: مُتَعَمِّداً [المائدة:95] يخرج من ليس بمتعمد، فلابد من القصد.

    الذي لا يُقصَد له أنواع:

    منها: الإكراه:

    أن يُكره الإنسان على الشيء، فإذا أكره على الشيء، فإنه لا يلحقه حكم، يعني: يُعفى عنه، والدليل قوله تعالى في أعظم المحرمات، وهو الكفر: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ [النحل:106] نعم، فهذا يدل على أن المُكرَه على فعل المحرم معفوٌّ عنه، لا يلزمه شيء.

    وبناءًَ على ذلك: لو أن الرجل أكره زوجته الصائمة فجامعها، فإن صومها صحيح، وليس عليها شيء، وتستمر في صيامها؛ لأنها مكرهة.

    ولو أن شخصاً أكره صائماً على أن يأكل، وقال: كُلْ وإلا حبستك، وخاف أن ينفذ ما قال، فأكل، فليس عليه شيء؛ لأنه مكره.

    ولو أن الإنسان تمضمض وهو صائم، فنزل الماء من فمه إلى معدته بدون قصد، فصومه صحيح؛ لأنه لم يتعمَّد، وقد قال الله تعالى: وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] صومه صحيح.

    ولو أن المريض المغمى عليه صُب في فمه ماء من أجل أن يستيقظ، فهل يُفطر؟

    لا.

    لماذا؟

    لأنه بغير قصد، هو ما قصد؛ لكن صبُّوه عليه، وقال بعض العلماء في هذه المسألة بالذات: إنه يُفطر؛ لأنه لو كان صاحياً لرضي أن يُعالج حتى يزول عنه الإغماء؛ لكن المشهور عند الحنابلة رحمهم الله: أنه لا يفطر بهذا؛ لأنه ليس بقاصد، وإن كان يرضى؛ لكن هو الآن غير قاصد.

    فصارت هذه الشروط إذا انتفى واحدٌ منها فإنه لا فطر، والصوم صحيح، ويبقى الإنسان صائماً، لا ينقص من صيامه شيء.

    لو أن شخصاً تطيَّب ببخور، وطار شيء من دخان البخور إلى أنفه، ثم إلى جوفه بدون قصد، فليس عليه شيء؛ لأنه غير قاصد.

    واختلف العلماء رحمهم الله في مسألة، وهي: إذا أكره الإنسان على فعلٍ محرم:

    فإذا فعله لدفع الإكراه لا لقصد الفعل فلا شك أنه معذور، ولا خلاف في ذلك.

    لكن إذا فعله لقصد الفعل؛ غاب عن باله أنه يريد دفع الإكراه، فهل يسقط عنه إثم هذا الفعل أو لا؟

    قال بعض العلماء: لا يسقط عنه؛ لأنه نوى الفعل.

    وقال آخرون: بل يسقط عنه؛ لعموم الأدلة الدالة على أنه يُعفى عن الإنسان في حال الإكراه؛ ولأن العامي لا يفرق بين أن يفعل الشيء لدفع الإكراه أو يفعله بقصد فعله.

    مثال ذلك: جاء شخص إلى عامي وأكرهه على أن يُفطر وهو صائم، قال: لازم تفطر وإلا، يهدِّده، فأخذ الماء وشرب، قصَد شُرب الماء؟ نعم قاصد، قصَد شُرب الماء، هذا واحد.

    ثانياً: عامي أكرِه على أن يُفطر وهو صائم، فأخذ الماء فشربه دفعاً للإكراه، لا قصداً للشرب.

    الثاني: لا يفطر، لا إشكال فيه، قول واحد؛ لأنه ما قصد الفعل، قصد دفع الإكراه.

    والأول: فيه خلاف:

    فمنهم من قال: إنه يؤاخذ لأنه قصد الفعل.

    ومنهم من قال: لا يؤاخذ لأنه وإن قصد الفعل فهو مكره على الفعل.

    وهذا الأخير أصحُّ، ما لم يتناسى الإكراه نهائياً، ويعتمد على أنه سيعمل هذا المُكرَه عليه، فإنه حينئذٍ لا شك أنه اختار.

    فالأحوال إذاً ثلاثة:

    أن يقصد دفع الإكراه دون الفعل، فهذا لا إشكال أنه لا حرج عليه.

    الثاني: أن يقصد الفعل؛ لكن من أجل الإكراه؟ ففيه خلاف، والصحيح: أنه لا حرج عليه.

    الثالث: أن يقصد الفعل متناسياً للإكراه؛ يعني: كأنه يقول: لما أُكرِهتُ أريد أن أفعل إذاً، ويفعله اختياراً، فهذا لا شك أنه عليه الحرج، وعليه حكم هذا الفعل.

    وإلى هنا ينتهي الكلام على المفطِّرات، وقد عرفنا شروطها، ومعرفة الشروط مهمة، وأخذنا من هذا التقرير قاعدتين مهمتين، وهما:

    أن فعل المأمور لا يسقط بالجهل، والنسيان، وعدم القصد.

    بخلاف ترك المحظور، إذا فعل الإنسان المحظور جاهلاً، أو ناسياً، أو غير قاصد، فلا شيء عليه.

    والله الموفق.

    1.   

    الأسئلة

    ما يترتب على الصائم من أحكام إذا أكل أو شرب عامداً

    السؤال: ما هي الأحكام المترتبة على من أكل أو شرب عامداً؟

    الجواب: إذا أكل الإنسان في نهار رمضان عامداً، ترتب عليه أربعة أحكام، لزمه الإمساك، وترتب عليه الإثم، ووجوب القضاء، وفساد الصوم ولا كفارة.

    يعني: كله ما فيه كفارة إلا الجماع في نهار رمضان، في حال تجب فيه.

    حكم من أدركه الفجر في رمضان وهو جنب

    السؤال: قرأتُ في أحد الكتب تحت موضوع: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صوم رمضان: أن من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدركه الفجر وهو جنُب من أهله، فهل هذا صحيح؟

    الجواب: صحيحٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنُب من أهله، ويصبح صائماً، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذا في القرآن، فقال: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187] أي: بالجماع: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187].

    فإذا أبيح للإنسان أن يجامع إلى أن يتبين الصبح لزم من ذلك ألا يغتسل إلا بعد تبيُّن الصبح، وهذا يدل على أن الإنسان يجوز أن يصبح جنباً وهو صائم، وكذلك يجوز للمرأة إذا طهرت من الحيض قبل طلوع الفجر أن تنوي الصوم وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر؛ لأن الحائض إذا طهرت من الحيض قبل اغتسالها، فإنها تشبه الجنب، فيجوز لها أن تنوي الصيام ولو كانت لم تغتسل، وتغتسل بعد طلوع الفجر.

    حكم الشرب عند سماع أذان الفجر في رمضان

    السؤال: رجل يستيقظ من النوم مع الأذان الأخير، وعندما يسمع: (الله أكبر) يشرب، وهذا الشيء قد اعتاد عليه، فهل صومه صحيح؟ أفتونا.

    الجواب: أما صومه فصحيح، وأما عادته فسيئة، والذي ينبغي للإنسان: أن يحتاط لدينه، وألا يؤذن الفجر إلا وقد انتهى من كل شيء، لاسيما إذا كان المؤذن يتحرى ولا يؤذن إلا بعد أن يتيقن طلوع الفجر، فإن الواجب عليه الإمساك، ولا ينبغي للإنسان أن يتهاون، الفرق دقيقة أو دقيقتان.

    والعجب أن بعض الناس إذا أذَّن أكلَ وشربَ وأفتى لنفسه بأنه ما دام المؤذن لم يكمِّل الأذان فله أن يأكل ويشرب، ولكن هذا ليس بصحيح، إذا كان المؤذن لا يؤذن إلا بعد طلوع الفجر وجب الإمساك من حين أن يسمع المؤذن.

    غاية ما هنالك أنه جاء في مسند الإمام أحمد: أنه إذا سمع الإنسانُ المؤذنَ والإناء في يده فلا بأس أن يشرب، ما دام الإناء في يده، قد تهيأ للشرب، فليشرب، هذا أبلغ ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذه المسألة.

    حكم من نام عن صلاة العصر

    السؤال: هل يجوز للشخص أن ينام إذا أتى من العمل عن صلاة العصر، مع العلم بأنه ينام قبل الأذان بنصف ساعة، وهو يأتي متعباً، فهل يدخل في حكم تارك الصلاة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

    الجواب: هو لا يدخل في حكم تارك الصلاة، ولكن يجب عليه إذا نام قبل الوقت بنصف ساعة أن يجعل من ينبهه من أهله، أو ساعة منبهة، أو ما أشبه ذلك، فإن لم يمكن هذا، بأن كان أهله مثله ينامون، والساعة المنبهة لا تؤثر فيه شيئاً فعليه قضاء صلاة العصر وألا ينام قبل الصلاة، أما أن ينام عن صلاة العصر، وصلاة العصر هي أعظم الصلوات وأهمها، هي المذكورة في قوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] وهي: صلاة العصر، التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة الأحزاب، يقول عن الكافرين: (ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً، شغلونا عن الصلاة الوسطى؛ صلاة العصر) هي التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام: (من ترك صلاة العصر، فكأنما وُتِر أهله وماله) أي: كأنما فَقَد أهلَه ومالَه، إذا فُقِد الأهلُ والمالُ من شخص، تجد الناس يأتون إليه زرافات يعزونه؛ لكن الذي يترك صلاة العصر من يقول له: عظَّم الله أجرك، وأحسن عزاءك بترك صلاة العصر، يَقِلُّ مَن ينتبه لهذا.

    إذاً: فأنا نصيحتي لهذا الرجل أن يتقي الله عزَّ وجلَّ، وألا يُضِيْع صلاة العصر، ولا غيرها من الصلوات، والإنسان الحريص بإمكانه أن يعمل الأسباب التي تؤدي إلى تدارك هذا الشيء.

    حكم من استمر حيضها في رمضان أكثر من خمس عشرة يوماً

    السؤال: امرأة تقول: لقد حضت قبل رمضان بعشرة أيام، وما زال الدم يخرج مني حتى الآن، ولقد يئستُ من كثرة الغسل، فهل إذا خرج الدم في نهار رمضان أفطر أم لا؟ وهل علي فعل الصلاة؟ الجواب: الذي يظهر أن هذا الدم إذا كانت المرأة لا تستعمل الحبوب أن هذا استحاضة، فإذا تجاوز خمسة عشر يوماً فلتغتسل ولتصلِّ ولتصم حتى يأتي دور الحيض العادي، ثم تجلس عادتها، أما قبل الخمسة عشر فإنها تبقى لا تصلي ولا تصوم حتى تطهُر.

    حكم من أفطر في رمضان ثم شك في عدد أيام فطره

    السؤال: أفطرتُ في رمضان لعذر، فشككتُ في عدد الأيام، فماذا أفعل؟ جزاكم الله خيراً. الجواب: خذ بالأنقص، يعني: إذا كنت قد أفطرت لعذر في رمضان، ويعني بذلك -والله أعلم- رمضان الماضي، ولم تعلم عدد الأيام التي أفطرتها، فخذ بالأنقص، فإذا كنت تشك هل أفطرت ثلاثة أيام أو أربعة فاجعلها ثلاثة، خذ بالأنقص، لماذا؟ لأن الأصل عدم الإفطار، فأنت إذا لم تتيقن أنك أفطرت أربعة أيام فإنه لا يلزمك إلا ما تيقنت وهو الثلاثة.

    حكم تلبية المحرم للعمرة

    السؤال: رجل سافر إلى مكة بهدف العمرة، وقام بجميع الأعمال التي يُشرع للمعتمر فعلها من غسل، ولبس للإحرام، ونزول إلى الحرم، وأكمل عمرته، لكنه لم يقل وهو في الميقات: لبيك عمرة، فما عليه؟

    الجواب: الصحيح أن التلبية ليست بواجبة، وليست بركن، وإنما هي سنة، فإذا لم يلبِّ الإنسان في حجه أو في عمرته، فإن نسكه تام، بمعنى أنه صحيح، وإن كان لا شك أنه ناقص بفوات هذه السنة؛ ولكنه لا يقال: إنه ليس بصحيح.

    فالرجل المعتمر الذي ذكر عن نفسه ما سمعتموه نقول له: إن عمرتك صحيحة، وليس عليك إثم.

    من قال إنها مثل تكبيرة الإحرام؟

    أنا أشرتُ إلى أنها ليست بركن ولا واجبة.

    لزوم تأخير أذان العشاء وتوحيده

    السؤال: تكلمتم في الجمعة الماضية عن أذان العشاء، وأن الذي ينبغي تأخيره، ومع هذا ما زال بعض المؤذنين يؤذن قبل الوقت المحدد بعشر دقائق، فلماذا لا يكون هناك إلزام للجميع من الجهة المسئولة؟ الجواب: هذا السؤال ينبغي أن يوجه إلى الجهة المسئولة، ما دام يقول: لماذا لم يكن إلزاماً من الجهة المسئولة، فيوجَّه إلى الجهة المسئولة. وربما هؤلاء الإخوة المؤذنين الذين يؤذنون قبل الساعة الثانية، أو قبل مضي ساعتين من الغروب، ربما أنهم ما علموا بقرار الحكومة، أو ما علموا بما ذكره الخطباء في هذا البلد، لا أدري. على كل حال: الأَولى كما قال السائل أن توحَّد المساجد، وأن يكون الأذان كما قرر ولاة الأمر بعد الغروب بساعتين، ومن سمع منكم مؤذناً فليتصل به وليخبره، ربما يكون ناسياً، وربما يكون جاهلاً لم يعلم.

    حكم من أصيبت إصبعة فمسح على قدمه كلها

    السؤال: لقد حصل لي قبل صلاة يوم الجمعة قبل الماضية أن أصيب أحد أصابعي بإصابة، وعلى إثر ذلك عُمل له لفافة على الإصبع فقط، ومنذ ذلك الحين وأنا أمسح على ظهر القدم عند كل صلاة، على صفة المسح على الجوارب، وليس عليها جوارب، فهل عملي صحيح؟ فإن كان غير صحيح فما حكم عملي ذلك؟ وما حكم الصلوات التي صليتُها؟

    الجواب: هذا السؤال ينبني على القاعدة التي قررناها قبل قليل، وهي: أنها من باب فعل المأمور، وعلى هذا فيلزمه أن يعيد الصلوات التي صلاها بهذا الطهور؛ لأن طهارته غير صحيحة، إذ أن الإنسان إذا لف على إصبعه خرقة فإنه يغسل بقية العضو.

    فيجب على هذا الأخ السائل أن يغسل قدمه كلها إلا الملفوف عليه فيجزئه أن يمسح عليه.

    وعليه: فنقول له: أعد صلواتك الماضية.

    حكم إخراج زكاة الفطر لمن هو في غير بلده

    السؤال: أنا من مصر ، وأعمل بـالمملكة ، وأعول أسرة تجب عليَّ نفقتها، هل أخرج زكاة الفطر عني وعنهم هنا بـالمملكة ؟ أم عن نفسي ويخرجون عن أنفسهم هناك؟ أو يخرجون عني وعنهم في الوطن الأصلي؟ الجواب: الأَولى أن تخرج أنت عن نفسك هنا؛ لأن الفطرة تابعة للبدن، وأن يخرجوا هم عن أنفسهم هناك، هذه هي القاعدة، أن زكاة الفطر تتبع البدن، وزكاة المال تتبع المال، فلو فرضنا أن رجلاً في بلد، وماله في بلد آخر يُتَّجَر فيه، فإنه يخرج زكاة المال في البلد الآخر، لا في بلده هو، وأما زكاة الفطر ففي بلده هو؛ لأن هذه هي قاعدة الفقهاء رحمهم الله، على أن زكاة المال تتبع المال، وتُخرج في البلد الذي فيه المال، وزكاة الفطر تتبع البدن، وتُخرج في البلد الذي فيه الإنسان.

    حال حديث: (من أفطر يوماً من رمضان ...)

    السؤال: مَن أفطر متعمداً نطالبه بالقضاء، وقد ورد حديث: (من أفطر يوماً من رمضان عامداً متعمداً فلو صام الدهر كله ما قضاه) أو كما ورد في الحديث، نرجو التوضيح؟ الجواب: هذا الحديث ضعيف عند كثير من أهل العلم، وإذا كان ضعيفاً، فإننا نرجع إلى القاعدة الأصلية: أن الإنسان إذا أفسد عبادته لزمه قضاؤها، كما أن الإنسان لو كان يصلي ثم أفسد صلاته لِحَدَثٍ، أو ضَحِكٍ، أو أَكْلٍ، أو شُرْبٍ، لزمه أن يقضي هذه الصلاة، كذلك الصوم إذا أفسده فإنه يلزمه أن يقضيه، بخلاف الرجل الذي ترك الصيام أصلاً، لم يصُم أصلاً، فإن جمهور العلماء يقولون: يجب عليه القضاء، والصحيح: أنه لا يجب عليه القضاء، لا رحمة به أو تخفيفاً عنه؛ ولكن لأن صيامه بعد زوال الوقت لا ينفعه، ولا تبرأ به ذمته، فلا نلزمه بشيء لا ينفعه.

    حكم من نوى في سفره جمع تأخير فوصل والإمام في الصلاة الثانية

    السؤال: سائل يقول بأنه سيذهب إلى العمرة قريباً، ولكن يريد أن يعرف حكماً من أحكام الصلاة في السفر، وهو: أنه عندما يصل إلى مكة ينوي جمع تأخير، وقد وصل في وقت الصلاة الثانية، فماذا يفعل؟ الجواب: إي نعم، يعني: أن هذا المسافر نوى جمع التأخير فوصل إلى مكة ووجدهم يصلون صلاة العشاء، وهو لم يصلِّ المغرب ولا العشاء فماذا يصنع؟ نقول: ادخل معهم في صلاة العشاء وأنت بنية المغرب، فإن دخلت في أول ركعة فإن الإمام إذا قام إلى الرابعة لا يمكنك متابعته فما تصنع؟ تجلس وتقرأ التشهُّد وتسلِّم، وتدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن دخلت مع الإمام في الركعة الثانية فإنك تسلم معه، وإن دخلت معه في الركعة الثالثة تأتي بعد سلامه بركعة، وإن دخلت في الرابعة تأتي بعد سلامه بركعتين، إي نعم، هذا هو أصح ما قيل في هذه المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

    الأحكام الخاصة والمشتركة بين الرجل والمرأة في العبادات

    السؤال: هل المرأة كالرجل بالنسبة لصلاة السنن الرواتب، والوتر، وصلاة الضحى، والجلوس في المسجد بعد الفجر حتى تطلع الشمس يعني: في مصلاها، وضحوا ذلك وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الأصل أن الرجال والنساء سواء في الأحكام الشرعية، إلا ما دل الدليل على أنه خاص بالرجال فيختص بهم، أو أنه خاص بالنساء فيختص بهنَّ، فصلاة الجماعة مثلاً قام الدليل على أنها خاصة بالرجال، هم الذين تلزمهم صلاة الجماعة، وأن يصلوا في المساجد، أما المرأة فلا تلزمها صلاة الجماعة، لا في المسجد مع الرجال، ولا في بيتها، بل إن بيتها أفضل لها من حضور الجماعة مع الرجال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، وبيوتُهنَّ خير لهنَّ) وهذه الجملة الأخيرة، وإن لم تكن في الصحيحين لكنها صحيحة، (بيوتهن خير لهنَّ).

    وعلى هذا فنقول: المرأة كالرجل في جميع الأحكام، فإذا كانت مسافرة فإنها تفعل كما يفعل الرجل، بمعنى أنها لا تصلي راتبة الظهر، ولا راتبة المغرب، ولا راتبة العشاء، والباقي من السنن تفعلها، كما أن الرجل يفعل كذلك.

    أما بالنسبة لجلوسها في مصلاها في البيت حتى تطلع الشمس وتصلي ركعتين لتدرك العمرة والحجة كما جاء في الحديث الذي اختلف العلماء في صحته فإنها لا تنال ذلك؛ لأن الحديث: (من صلى الصبح في جماعة ثم جلس) والمرأة ليست ممن يصلي الصبح في جماعة، وإذا صلت في بيتها فإنها لا تنال هذا الأجر؛ لكنها على خير، إذا جلست تذكر الله، تسبح، تهلل، تقرأ القرآن؛ حتى تطلع الشمس، ثم إذا ارتفعت الشمس صلت ما شاء الله أن تصلي فهي على خير.

    حكم من فعل ذنباً في رمضان

    السؤال: فعلتُ ذنباً في رمضان فهل يبطل صيامي أم لا؟ الجواب: لا نعلم عن هذا الذنب، هل هو يُبطل الصوم أو لا! إنما إذا كان هذا الذنب من مفسدات الصوم، فإنه يبطل صومه، وقد ذكرنا المفسدات فيما سبق في درس من الدروس. أما إذا كان معصية لا تتعلق بالصيام فإنها لا تفسد الصوم، مثل: أن يغتاب الإنسان إخوانه المسلمين في نهار رمضان وهو صائم، هذا ذنب، كبيرة من الكبائر؛ ولكنه لا يفسد الصوم؛ إنما ينقِّص الصوم.

    حكم من نوى العمرة ثم تجاوز الميقات إلى ميقات آخر فأحرم منه

    السؤال: نوينا العمرة من القصيم ، وذهبنا من طريق المدينة، ومررنا بالميقات ولم نحرم، ثم ذهبنا إلى جدة، وجلسنا فيها أربعة أيام، ثم ذهبنا إلى الطائف وأحرمنا منه، فهل عمرتنا صحيحة؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب: نعم، عمرتهم صحيحة؛ ولكن على كل واحد منهم فدية، أعني: دماً يُذبح في مكة، ويوزَّع على الفقراء، وذلك لأنهم تركوا واجباً من واجبات العمرة، وهو الإحرام من الميقات؛ لأنهم لما مروا بـذي الحليفة صار ميقاتهم ذا الحليفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هُنَّ لَهُنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن يريد الحج أو العمرة). وكأنهم هم ذهبوا إلى السيل ؛ لأن السيل ميقات أهل نجد ، ومنهم: أهل القصيم ، فظنوا أنهم إذا ذهبوا إلى السيل ذهبوا إلى ميقاتهم الأصلي، فكفى عن الميقات الفرعي، الذي هو ذو الحليفة ، وهذا وإن كان بعض العلماء رخَّص فيه؛ لكنه قول ضعيف، مخالف لظاهر الحديث؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل المواقيت أصلي، وفرعي: الأصلي: ما حدده الرسول عليه الصلاة والسلام: لأهل المدينة : ذو الحليفة . ولأهل الشام : الجحفة . ولأهل اليمن : يلملم . ولأهل نجد : قرن المنازل . ولأهل المشرق: ذات عرق . هذه المواقيت أصلية لأهل هذه البلاد؛ لكن قال في حديث ابن عباس: (ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ) فكان ميقات النجدي إذا مرَّ بـذي الحليفة هو ذو الحليفة، ولابد.

    كيفية قص المرأة شعرها إذا اعتمرت

    السؤال: امرأة تسأل عن الشعر إذا كان بأطوال مختلفة، فهل عليها التقصير من جميع الطبقات، أم تكفي الطبقة الأخيرة وهي الأطول؟

    الجواب: يقول العلماء: إن المرأة يجب عليها أن تقصر من كل قرن أنملة، القرن يعني: الجديلة، ومعروف أن الجدائل تختلف في الطول والقِصَر.

    وعلى هذا: فإذا كان الرأس مختلفاً؛ بعضه طويل، وبعضه قصير، فعليها أن تقص من كل شيء منه مقدار أنملة.

    حكم المريض الذي لا يرجى برؤه وعليه صوم من رمضان

    السؤال: هناك رجل مريض له تقريباً ثمانية أشهر، ومرضه لا يُرجى برؤه، فما الحكم؟ الجواب: الحكم بالنسبة للصوم أن يكفِّر بأن يطعم عن كل يوم مسكيناً، إذا كان لا يمكنه أن يصوم. أما بالنسبة للصلاة فنقول له: في الفريضة صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جَنْب.

    جواز طواف الوداع قبل صلاة الفجر لمن عزم الخروج من مكة بعد الفجر

    السؤال: إذا كنتُ أريد أن أسافر من مكة بعد صلاة الفجر مباشرة، فهل يجوز لي أن أطوف طواف الوداع قبل صلاة الفجر، أرجو توضيح الأفضلية؟

    الجواب: إذا كان الإنسان يريد أن يغادر مكة بعد الصلاة مباشرة، وطاف قبل الصلاة مباشرة فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قَفَل راجعاً من الحج وطاف بالبيت طواف الوداع صلَّى الفجر في المسجد الحرام، ثم ركب، فدلَّ هذا على أن حيلولة الصلاة بين سفر الإنسان وطواف الوداع لا تؤثر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.

    أما لو طاف مبكراً في آخر الليل، وبقي بعد الطواف لمدة ساعة أو نصف ساعة، ثم أذن، ثم صلى الفجر، فلابد أن يعيد الطواف؛ لأن الطواف لابد أن يكون آخر شيء، إلا أنه إذا حانت صلاة فريضة، أو شراء شيء في طريقه؛ حاجة في طريقه يشتريها، أو عرَّج على بيت لأقاربه أو أصدقائه وتغدَّى أو تعشى ومشى، كل هذا لا يضر.

    حكم الذهاب إلى العمرة وترك الوظيفة أو إمامة المسجد

    السؤال: أسئلة كثيرة حول موضوع الإجازة الاضطرارية لمن يريد العمرة أو غير ذلك؟ الجواب: على كل حال كلمة اضطرار تعني: أنه لابد من ضرورة، والعمرة ليست ضرورة أبداً، حتى لو كانت فريضة والإنسان موظف فإنها لا تجب عليه؛ لأنه مشغول بوظيفة، فكيف وهي تطوُّع. وكذلك أيضاً بالنسبة لأئمة المساجد، هؤلاء الذين يذهبون إلى العمرة ويَدَعون مساجدهم، هم في الحقيقة كالذي يبني قصراً ويهدم مصراً، يذهبون إلى التطوع ويَدَعون الواجب، وهذا من قلة الفقه، عندهم رغبة في الخير ولا شك، ولم يحملهم على هذا إلا رغبة الخير؛ لكن عندهم قصور في الفقه، لا يعرفون ولا يميزون بين الأمور؛ لأن بقاءهم في عملهم الذي يؤدون فيه واجباً أفضل من ذهابهم إلى العمرة؛ لأن البقاء في العمل من باب الواجبات، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله قال: (ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضتُه عليه). فالإجازة الاضطرارية إذا أخذنا مدلول هذه الكلمة صار معناها أنها لا تحل إلا عند الضرورة، كإنسان مريض أو إنسان يريد أن يصاحب مريضاً ليس له أحد يمرضه إلا هو، أو ما أشبه ذلك، هذا فضلاً عما اطلعنا عليه من الكتاب الصادر من ديوان الخدمة بأن السفر للعمرة أو الاعتكاف في المساجد، وترك الواجب على الموظف غير مسموح به، نصاً، يعني: نصوا على العمرة؛ لأنه كثر التشاغل بها، ونصوا على الاعتكاف؛ لأنه كثر الاعتكاف من بعض الموظفين يعتكفون من أول العشر قبل أن تبدأ الإجازة، ويدعون أعمالهم، ونص ديوان الخدمة على أن هذا ممنوع، ولا يعتبر ضرورة.

    كيفية زكاة المال الذي ساهم به صاحبه

    السؤال: لديَّ مبلغ من النقود في البنك، وأخرج زكاته في رمضان من كل عام، وفي شهر ذي القعدة من العام الماضي وضعتُ جزءاً منها في مساهمة في أرض، وحتى الآن لم تنتهِ المساهمة، فهل عليها زكاة؟ جزاكم الله خيراً عنا وعن المسلمين! الجواب: الإنسان إذا وضع شيئاً من الدراهم في مساهمة أرض يريد بها التجارة والكسب فإن الحول الأول لا ينهدم، يعني: أن حول هذه التجارة ينبني على حول الدراهم، فمثلاً: إذا كان قد اشتراها في ذي القعدة، لا نقول: انتظر في زكاتها حتى يأتي شهر ذي القعدة، بل نقول: أخرج زكاتها مع زكاة مالك في رمضان، وإن كانت الأرض لم يتم عليها الحول؛ لأن عروض التجارة ينبني بعضُها على بعض، والمعتبر: الأول، وإلا لكان الرجل الذي يكون دائماً يحرِّك تجارته لا يجب عليه الزكاة مثلاً؛ لأن كل أمواله ما يتم عليها الحول، أو كثيراً من أمواله لا يتم عليها الحول. والحاصل: أن هذه ينبغي لطالب العلم وغير طالب العلم أن ينتبه لها: أن عروض التجارة ينبني حولها على ماذا؟ على الأصل، فمثلاً: لو كان عندي مال دراهم تحل زكاتها في رمضان، وفي شعبان اشتريت بهذا المال سلعة للتجارة، متى أزكي هذه السلعة؟ في رمضان، يعني بعد شهر واحد؛ عروض التجارة كما قلتُ لكم يُبنى فيها الحول على الأصل. وإلى هنا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768032334