أما بعــد:
فإننا نلتقي وإياكم في هذه الليلة ليلة الثلاثاء المتممة لشهر ذي القعدة عام (1409هـ) وهذا اللقاء سيكون موضوعه: الأضحية وما يتعلق بها، وربما نشير إلى شيء من فضائل عشر ذي الحجة، فنقول:
إن هذه الأيام العشر -عشر ذي الحجة- من أفضل الأيام عند الله عز وجل، بل وقد ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر)، وفي رواية: (أفضل عند الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء).
وعلى هذا: ينبغي لنا أن ننتهز هذه الفرصة العظيمة وهذا الموسم العظيم لنعمل فيه العمل الصالح؛ لكونه أحب إلى الله عز وجل من أي عمل كان في يوم آخر، حتى إن العمل في هذه الأيام، أيام عشر ذي الحجة الأولى أفضل عند الله وأحب إلى الله من العمل في العشر الأواخر من رمضان، وهذا شيء غفل عنه الناس وأهملوه، حتى إن هذه العشر -عشر ذي الحجة- تمر بالناس وكأنها أيام عادية ليس لها فضل وليس للعمل فيها مزية، فلنكثر فيها من كل عمل صالح يقربنا إلى الله عز وجل؛ من الصلاة والذكر، والصدقة والصوم، وكذلك الإحسان إلى الخلق في الجاه والبدن وكل ما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
ولكن هناك أعمال صالحة خصصت بأيام معينة كالاعتكاف مثلاً، فلا يشرع أن نخص هذه الأيام العشر بالاعتكاف وأن نعتكف فيها كما يعتكف في العشر الأواخر من رمضان؛ لأن العشر الأواخر إنما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتكف فيها تحرياً لليلة القدر، ولهذا اعتكف العشر الأول ثم الأوسط، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف في العشر الأواخر.
ويكون الذكر على حسب ما جاء عن السلف: [الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد] أو التكبير ثلاثاً: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) يجهر بذلك الرجال في المساجد والأسواق والبيوت والمكاتب وغيرها، وتسر بها المرأة بقدر ما تسمع من إلى جانبها، من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق، فتكون الأيام ثلاثة عشر يوماً، عشرة أيام آخرها العيد وثلاثة أيام وهي أيام التشريق.
فذهب أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أن الأضحية واجبة وأن من كان قادراً ولم يضح فهو آثم عاصٍ لله ورسوله.
وذهب مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أنها سنة مؤكدة، لكن أصحاب الإمام أحمد رحمهم الله صرحوا بأنه يكره للقادر أن يترك الأضحية، وقد مال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى القول بالوجوب، وقال: إن الظاهر وجوب الأضحية، لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، ولهذا كان ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها، حتى أنك لو ملأت جلدها دراهم وتصدقت بهذه الدراهم لكان ذبحها أفضل من ذلك، وليس الحكمة من الأضحية حصول اللحم وأكل اللحم، ولكن الحكمة: التقرب إلى الله تعالى بذبحها، قال الله تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37] فظن بعض الناس أن المقصود من ذلك الأكل والانتفاع باللحم وهذا ظن قاصر، بل أهم شيء أن تتعبد لله تعالى بذبحها، ولهذا كان من الخطأ أن يصرف الإنسان الدراهم إلى الجهاد في أفغانستان ويدع الأضحية في بلده، فإن هذا يعني ترك شعيرة من شعائر الإسلام، وهؤلاء الأفغانيون وغيرهم من المجاهدين في سبيل الله يمكن أن يرسل لهم الإنسان دراهم ويجعل هذه الشعيرة في بيته وفي بلده لتقام شعائر الله عز وجل في أرض الله تعالى عموماً.
الأضحية في الحقيقة مشروعة للأحياء وليست للأموات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عنه وعن أهل بيته، والصحابة رضي الله عنهم كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، ولم أعلم إلى ساعتي هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى لأحد من أمواته، فقد مات له أقارب من أعز الناس عليه؛ استشهد عمه حمزة في أحد ، وماتت زوجته خديجة ، وماتت بناته وأولاده ما عدا فاطمة ولم يضحِ عن أحد منهم أبداً، ولم أعلم إلى ساعتي هذه أن أحداً من الصحابة ضحى عن أحد من أمواته، فلم يكن من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا من هدي أصحابه إفراد الميت بالأضحية، ومن وجد شيئاً من هذا -أي: وجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام أو أن أحداً من أصحابه ضحوا عن الميت- فليسعفنا به فإنا له شاكرون، ولما ثبت من شرع الله تعالى منقادون إن شاء الله، لكن لا يمكن أن يجد.
إذاً: فالأصل في مشروعية الأضحية أن تكون عن الأحياء لا عن الأموات، الأضحية عن الميت لم ترد في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ولا في هدي الصحابة رضي الله عنهم، ولهذا اختلف العلماء هل تشرع أو لا تشرع؟ فقال بعض العلماء: إنها ليست بمشروعة، وقال آخرون: بل هي كالصدقة، فقاسوها قياساً على الصدقة، لأنهم لم يجدوا لها أصلاً في السنة فقاسوها على الصدقة، ولا شك أن الصدقة جاءت السنة بجوازها، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن أمي افتتلت نفسها وإنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم).
واستأذنه سعد بن عبادة رضي الله عنه أن يتصدق بمخرافه، أي: بنخله لأمه وقد ماتت، فأذن له، أما أن أحداً من الصحابة ضحى عن ميت، أو استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحي عن ميت فهذا لم يرد، والأضحية عن الميت تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أضحية أوصى بها الميت، فهنا نعمل بها، ونضحي له؛ لأننا نضحي من ماله ومن وصيته، وهذه الأضحية لا إشكال فيها؛ لأنها تنفيذ أمر أوصى به الميت واكتسبه في حياته بما أوصى به.
القسم الثاني: أن يضحى عن الميت تبعاً، مثل أن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته وينوي كل أقاربه الأحياء والأموات فهذا أيضاً جائز، ويمكن أن يقال: إن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (اللهم إن هذا عن محمد وآل محمد)يشمل الحي والميت منهم، ولكن الميت هنا دخل تبعاً لا استقلالاً، والشيء الذي يتبع ليس كالشيء الذي يستقل.
القسم الثالث: أن يضحى للميت استقلالاً بدون وصية، فهذا هو ما ذكرته لكم بأنه لا دليل فيه من السنة؛ لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين أنهم ضحوا لأحد من الأموات استقلالاً بدن وصية، وإذا قلنا: إن الأضحية للأحياء وليست للأموات إلا تبعاً، فهل مطلوب من أهل البيت أن يضحي كل واحد منهم عن نفسه؟
الجواب: لا. السنة أن يضحي رب البيت عمن في البيت، لا أن كل واحد من أهل البيت يضحي، ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بشاة واحدة عنه وعن أهل بيته، وقال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: (كان الرجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته) ولو كان مشروعاً لكل واحد من أهل البيت أن يضحي لكان ذلك ثابتاً في السنة، ومعلوم أن زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام لم تقم واحدة منهن تضحي اكتفاء بأضحية النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: لعل ذلك لفقرهم؟
فالجواب: إن هذا احتمال وارد لكنه غير متعين، بل إنه جاءت الآثار بأن من أزواج الرسول عليه الصلاة والسلام من كانت غنية.
وهاهي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها جاءت بريرة إليها تستعينها في قضاء دين كتابتها، بريرة أمة اشترت نفسها من أسيادها بتسع أواق من الفضة، والأوقية أربعون درهماً، فتكون التسع الأواق ثلاثمائة وستين درهماً، فجاءت تستعين أم المؤمنين عائشة قالت: أعينيني، فقالت: عائشة لها: [إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت] أي: أن أنقدها لهم نقداً وهذا يدل على أنها كان عندها مال.
أتدرون كم نحصل من الغنم في ثلاثمائة وستين درهماً، كم نحصل؟ أي كم تساوي الشاة في ذلك الوقت؟ تساوي والله أعلم عشرة دراهم، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الجبران في الزكاة قال: (إنه يعطي معها شاتين إن استيسرتا لها أو عشرين درهماً) وهذا يدل على أن الشاة في ذلك الوقت تساوي عشرة دراهم، إذاً: فالحصول على الأضحية في ذلك الوقت متيسر ومع ذلك لم يكن كل واحد من أهل البيت يذبح أضحية.
وفي عهدنا الآن لما أيسر الله على الناس صار بعض أصحاب البيوت يضحي كل فرد بأضحية، ولعلهم يظنون هذا من جنس زكاة الفطر؛ لأن زكاة الفطر فرض على كل واحد، فهم يظنون أن الأضحية -والله أعلم- تشبه زكاة الفطر مطلوبة من كل واحد، وليس كذلك.
المقصود التقرب إلى الله بالذبح، بدليل أن الإنسان لو اشترى لحم عشر من الإبل ووزعه على الفقراء وضحى بشاة واحدة، أيهما أفضل؟
الأضحية بالشاة الواحدة، مع أن لحم عشر إبل أنفع للفقراء وأكثر نفعاً، لكن المقصود هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح، وعلى هذا فنقول: إذا كانت الأضحية عبادة مشروعة فإن هذه العبادة يجب أن يتمشى فيها الإنسان على ما تقتضيه الشريعة، والشريعة جاءت بشروط معينة للأضاحي، انتبهوا لها:
الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام.
الشرط الثاني: أن تبلغ السن المعتبرة شرعاً.
الشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء.
الشرط الرابع: أن تكون في الوقت المحدد لها شرعاً.
الشرط الأول:
بهيمة الأنعام هي: الإبل والبقر والغنم، لو أن الإنسان ضحى بفرس عن شاة هل تجزئ؟ لا. لا تجزئ الأضحية، لماذا؟ لأنه ليس من بهيمة الأنعام، وإن كان ثمن الفرس يساوي أضعاف أضعاف قيمة الشاة فإنه لا يجزئ لأنه من غير الجنس الذي جاءت به السنة.
الشرط الثاني:
أن تبلغ السن المقدرة شرعاً، وهو في الإبل: خمس سنوات، وفي البقر: سنتان، وفي الماعز: سنة، وفي الضأن: ستة أشهر، أي: نصف سنة، فما دون ذلك لا يجزئ، ودليله: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) أخرجه مسلم من حديث جابر .
الشرط الثالث:
أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء، والعيوب المانعة من الإجزاء أربعة، حصرها النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل: ماذا يتقى من الضحايا؟ فقال: أربع وأشار بأصابعه الأربعة تأكيداً: (العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكبيرة التي لا تنقى) -أي: التي ليس فيها نقي، والنقي هو: المخ- هذه أربع لا تجزئ في الأضاحي.
فالمريضة البين مرضها: التي يظهر آثار المرض عليها؛ إما على أكلها، أو على مشيها، أو على حالها، أو على جسمها كالحرارة وشبهها، المهم أنها لا تشكل على أحد رآها أنها مريضة، هذه المريضة البين مرضها، العوراء البين عورها: التي إذا رآها الإنسان عرف إنها عوراء، قال أهل العلم: وذلك من انخساف العين أو نتوء العين، انخساف العين: أن تكون غائرة؛ أو أن تكون ناتئة كالزر، فإن كانت العين قائمة إذا رأيتها لا تحس بأنها عوراء فإنها تجزئ.
العرجاء البين ضلعها، العرجاء: قد يكون عرجها يسير، وقد يكون عرجها بين، قال العلماء: وبيان العرج ألا تستطيع معانقة الصحاح في الممشى، أي: تتأخر عن الصحاح، هذه عرجاء بين ضلعها، أما العجفاء أو الكبيرة التي لا تنقي: التي ليس فيها مخ، أي: تكون أعضاؤها، اليدان والرجلان ليس فيها مخ، لأن هذه هزيلة، فهذه أربعة عيوب.
هل يلحق بهذه العيوب ما يماثلها، أو ما يكون أولى منها؟
الجواب: نعم. لأن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين متماثلين، كما لا تساوي بين مفترقين، فهل العمياء تجزئ؟ لا تجزئ، لماذا؟ لأنها أشد من العوراء، هل مقطوعة إحدى اليدين تجزئ؟ لا، لماذا؟ لأنها أشد من العرج، هل التي لا تستطيع أن تقوم من الهزال، التي لو أقمتها سقطت تجزئ أو تجزئ؟ لا تجزئ لأنها في الواقع ليس فيها نقي، ليس فيها مخ.
إذاً: ما كان في معنى هذه العيوب أو أولى منها فإنه لا يجزئ.
الشرط الرابع:
أن تكون في الوقت المحدد شرعاً، وهو: من صلاة العيد يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، فتكون أربعة أيام يجزئ فيها الذبح ليلاً أو نهاراً، فمن ذبح قبل الصلاة فليس له أضحية، ومن ذبح بعد غروب الشمس من آخر أيام التشريق فليس له أضحية، ماذا تكون شاته؟ تكون شاة لحم.
خطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له وإنما هو لحم قدمه لأهله، فقام رجل، فقال: يا رسول الله! نسكت قبل أن أصلي؟ فقال: شاتك شاة لحم فقام
الجواب: لا. لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (من ذبح قبل الصلاة فليذبح أخرى مكانها) وعلى هذا فيلزمه أن يذبح بدلها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: فليذبح أخرى مكانها، ويجب أن تكون مثل الذي ذبح، لا يذبح أدنى، ولو ذبح بعد أن مضت أيام التشريق، فهل تجزئ عن أضحية؟
لا. لا تجزئ عن أضحية، لأنه فات وقتها، فإن قال: أنا نسيت، أو لم يحصل لي دراهم إلا بعد مضي أيام التشريق، قلنا: هذه عبادة فات وقتها، وإذا كانت السنة القادمة فضح، أما هذه السنة فقد فاتت، لأنها لا تكون إلا في أيام معلومة، لا تتقدم ولا تتأخر.
هناك عيوب لا تمنع من الإجزاء لكنها تكره؛ كالعور إذ لم يكن بيناً، وكالنقص في الأذن، والنقص في القرن، والنقص في السن، والنقص في الذيل كأن تكون مجبوبة الذيل، من المعز أو من البقر أو من الإبل، فأما مجبوبة الإلية فقد قال العلماء: إنها لا تجزئ لأن الألية عضو نافع مقصود، بخلاف الذيل في المعز والبقر والإبل فإنه غير مقصود فلهذا يقطع ويرمى به، ومثل ذلك ذيل الغنم الأسترالية فإنه ليس كالإلية وإنما هو كالذيل من البقر، ليس فيه شيء مقصود، فتجزئ الأضحية في الغنم الأسترالية لأن ذيلها المقطوع لا يساوي شيئاً.
هذه هي الأضاحي التي جاء ذكرها في القرآن وفي السنة، وأجمع المسلمون على مشروعيتها، ولا ينبغي للإنسان أن يدعها، فإذا قال قائل: هل يجزئ أن يشترك جماعة في أضحية واحدة؟
الجواب: إن كانت من الإبل أو البقر فيجزئ أن يشترك فيها سبعة، والسُّبُعُ من الإبل أو البقر يقوم مقام الواحدة من الضأن أو المعز، وعلى هذا: فيجوز أن يضحي الإنسان بالسبع من البقر أو الإبل عنه وعن أهل بيته؛ لأن الشرع جعل سبع البقرة وسبع البدنة قائماً مقام الشاة، وأما ظن بعض الناس أنه لا يجوز أن يجعل السبع عنه وعن أهل بيته فهذا ليس له أصل، لا من السنة ولا كلام أهل العلم، وإنما يجزئ السبع عما تجزئ عنه الشاة، فكما أن الإنسان يجوز أن يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ولو كانوا مائة، يجوز بأن يضحي بالسبع من الإبل أو البقر عنه وعن أهل بيته ولو كانوا مائة.
فإذا قال قائل: هل يجوز أن نجمع الوصايا في أضحية واحدة إذا كانت لا تكفي؟
فالجواب: لا. لا يجوز؛ لأن كل واحد من الموصين يريد أضحية مستقلة، فإذا جمعناها خالفنا نص الموصي، هذا من جهة الإيصاء؛ ولأن الشرع لم يأت باشتراك أكثر من واحد أو في الواحدة من الضأن أو المعز، وإنما جاء الاشتراك في الإبل والبقر، ولو جوزنا مثلاً أن نجمع سبع وصايا في شاة واحدة لحكمنا بأن الشاة الواحدة تجزئ عن سبع وهذا خلاف ما جاءت به السنة، قد يقول قائل: أليس المراد الصدقة، ولو أنك تصدقت بعشرة دراهم عن عشرة رجال لكان جائزاً؟ قلنا: لا. المقصود بالأضحية التقرب إلى الله عز وجل بالذبح، وإذا كان كذلك فلا بد أن يكون جارياً على ما تقتضيه الشريعة.
وإذا قال قائل: لو كانت الوصية لواحد ولكنها نقصت عن العدد الذي عينه، مثل أن يأتي شخص بثلثه ويجعل فيه عدة ضحايا، يقول في أضحية له وأضحية لوالديه، وأضحية لزوجته، وأضحية لأجداده، المهم فيها عدة ضحايا فنقص الريع عن هذه الأضاحي، فهل يجوز أن نجمعها في أضحية واحدة؟
الجواب: نعم. يجوز لأن الموصي واحد، ونحن نعلم علم اليقين أنه لو كان حياً لأجاز ذلك. والاشتراك في الثواب ليس كالاشتراك في الملك، بمعنى أنه يجوز أن أشرك في الثواب من شئت، حتى في الشاة الواحدة، فيجوز أن أقول: هذه عني وعن أهل بيتي ولو كانوا عشرة، بل يجوز أن أقول: هذه عني وعن جميع المسلمين، وهي شاة واحدة، فالثواب لا حصر لها، لكن الملك لا يشترك اثنان فأكثر في أضحية واحدة، إلا فيما ورد الشرع فيه بالتعدد كالإبل والبقر، ولعلنا نتمم ذلك بالكلام على العقيقة.
وهذه العقيقة تؤكل ويطعم منها الجيران والفقراء ويدعا إليها أيضاً، فهي جامعة بين الدعوة إليها والإطعام منها والصدقة، وأما الأضاحي فإنه يأكل منها ويهدي ويتصدق.
العقيقة إذا فات اليوم السابع، فمتى تكون؟ قال العلماء: تكون في اليوم الرابع عشر، وإذا فات فتكون في اليوم الحادي والعشرين، وإذا فات لم تتقيد بالأسابيع، إذا فات اليوم الحادي والعشرون تذبحها في أي يوم شئت، ولكن ينبغي للإنسان أن يحرص على أن تكون في اليوم السابع.
أما تسمية المولود فتكون عند ولادته إلا إذا لم يكن الاسم قد أعد فيؤجل إلى اليوم السابع، أي إذا كنت قد هيأت الاسم فسمه من حين ولد، وإذا لم تهيئ الاسم فأجل تسميته إلى اليوم السابع ليكون في اليوم الذي تكون فيه العقيقة.
الجواب: العلماء رحمهم الله تكلموا في هذه المسألة في المقيد والمطلق بكلام كثير، لكن ليس فيه شيء مأثور عن النبي عليه الصلاة والسلام، والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن التكبير المطلق أي: الذي في كل وقت من دخول شهر ذي الحجة إلى صلاة يوم العيد، وأما المقيد فهو من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق، وعلى هذا فتكون الأيام الثلاثة عشر بالنسبة للتكبير منقسمة إلى ثلاثة أقسام: قسم ليس فيه إلا مطلق، وقسم ليس فيه إلا مقيد، وقسم فيه مطلق ومقيد:
القسم الأول: الذي ليس فيه إلا مطلق: من دخول شهر ذي الحجة إلى فجر يوم عرفة هذا مطلق، ومعنى (مطلق) أنه لا يشرع أدبار الصلوات بل تقدم أذكار الصلاة عليه.
القسم الثاني: المقيد وهو: الذي ليس فيه مطلق من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق، وهذه الأيام الأربعة فيها تكبير مقيد أي: يكون دبر الصلاة ولا يكون في بقية الأوقات.
القسم الثالث: الجمع بين المطلق والمقيد من متى إلى متى؟ من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العيد، أي: أربعاً وعشرين ساعة تقريباً، ولكن الصحيح أن التكبير المطلق من هلال شهر ذي الحجة إلى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق.
كل الأيام الثلاثة عشرة فيها تكبير مطلق، لكن من يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق فيها مقيد أيضاً، يذكر دبر الصلاة مع أذكار الصلوات، والمسألة هذه أمرها واسع، يعني لو أن الإنسان لم يكبر التكبير المقيد واكتفى بأذكار الصلوات لكفى، ولو كبر حتى في أيام المطلق دبر الصلوات لجاز ذلك، الأمر في هذا واسع، لأن الله تعالى قال في أدبار الصلوات: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103]، وقال: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج:34]، وقال تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203] فكلها ذكر والأمر في هذا واسع، والمهم أن نعمر أوقات هذه العشر وأيام التشريق بالذكر.
الجواب: أما شرعاً فإنه لا يدخل شهر ذي الحجة إلا يوم الأربعاء، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) ولم يثبت دخول شهر ذي القعدة ليلة الإثنين، بل لم يثبت ليلة الأحد، وإذا لم يثبت ليلة الأحد صار أوله ليلة الإثنين وآخره المكمل للثلاثين يوم الثلاثاء؛ لأن شهر شوال دخل في يوم السبت، فلا يوجد إشكال، عيد الفطر يوم السبت، يوم السبت يكمل تسعة وعشرين ويوم الأحد يكمل ثلاثين، يدخل شهر ذي القعدة يوم الإثنين، ويوم الإثنين من شهر ذي القعدة تسعة وعشرون يكمل يوم الثلاثاء، والذي جاءنا من رئاسة القضاء أنه لم يثبت دخول شهر ذي القعدة في يوم الإثنين، وعلى هذا: فتعتبر الليلة ليست من ذي الحجة، وأول ذي الحجة هو يوم الأربعاء إلا إذا جاء إثبات، والظاهر والله أعلم أن الليلة من شهر ذي الحجة؛ لأن القمر لم ير اليوم، وأما قول السائل: إذا رُئي في الأفق في الصباح، هل يمكن أن يهل؟
فالمشهور عند العامة أن هذا أمر ممكن، فيمكن أن يرى صباحاً في الشرق ويهل ليلاً في المغرب، ولكن المعروف عند الفلكيين أن هذا أمر غير ممكن والله أعلم، لكن نحن نتبع ما أمرنا به الرسول عليه الصلاة والسلام، قال في رمضان: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين).
الجواب: أما الإنسان الذي سوف يحج هو وأهله فإنه لا حاجة إلى الأضحية في حقه لأنهم سوف يهدون والهدي في مكة للآفاقيين أفضل من الأضحية، وأما من كان يريد أن يحج بنفسه أو ببعض عائلته ويبقى البعض في البلد فهذا يشرع له أن يضحي لأهله الباقين، أضحية عندهم لا يذهبوا بها معه إلى مكة ، وحينئذ يثبت في حقه حكم المنع من أخذ الشعر والأظفار والبشرة، إلا أنه إذا تمتع لا بد أن يقصر من شعر رأسه ويسمح له في ذلك لأن التقصير حينئذ نسك مأمور به ومن واجبات العمرة، فهذا هو الكلام والتفصيل فيمن يريد الحج ويريد الأضحية، وخلاصته: أن من أراد أن يحج بأهله فلا حاجة به إلى الأضحية اكتفاء بالهدي، ومن كان أهله سيبقون أو بعض أهله فإنه يضحي: أي يوصيهم بالأضحية وحينئذ يكون مضحياً لأهله في بلده ويكون مهدياً لنفسه ومن معه في مكة ، ويتجنب أخذ الشعر والأظفار والبشرة إلا أخذ الشعر في التقصير للعمرة لأنه نسك.
الجواب: نقول: في هذا تفصيل: الفقير الذي ليس بيده شيء عند حلول عيد الأضحى لكنه يأمل أن يحصل، كإنسان له راتب شهري صادف أنه في يوم العيد ليس بيده شيء لكن يستطيع أن يستقرض من صاحبه ويوفيه إذا جاء الراتب فهذا ربما نقول له أن يستقرض وأن يضحي ثم يوفي، أما إذا كان لا يأمل الوفاء عن قرب فإننا لا نستحب له أن يستقرض ليضحي؛ لأن هذا يستلزم إشغال ذمته بالدين ومنة الناس عليه، ولا يدري هل يستطيع الوفاء أو لا يستطيع.
الجواب: لا. الذبح ليس له أثر، أو ليس التحلل معلقاً بالذبح، فيمكن أن يتحلل الإنسان وإن لم يذبح؛ وذلك لأن الإنسان يتحلل التحلل الأول يوم العيد إذا رمى الجمرة وحلق أو قصر حل التحلل الأول وجاز له جميع محظورات الإحرام إلا النساء، فإذا أضاف إلى ذلك الطواف والسعي حل الحل كله حتى وإن لم يذبح، ومعنى قولنا: حل الحل كله أنه يجوز له جميع محظورات الإحرام حتى النساء.
فإذا فعل الإنسان أربعة أشياء حل التحلل كاملاً وهي: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، والطواف، والسعي، إذا فعل هذه الأربعة حل الحل كله، وإن فعل اثنين من ثلاثة حل التحلل الأول، الثلاثة هي: الرمي، والحلق، والطواف، السعي في التحلل الأول ليس له دخل.
السعي لا يتعلق به حل بالنسبة للتحلل الأول، إنما التحلل الأول باثنين من ثلاثة، وهي: الرمي، والثاني: الحلق، والثالث: الطواف، فلو رمى وطاف حل التحلل الأول، لو حلق ورمى حل التحلل الأول، لو حلق وطاف حل التحلل الأول، لكن الأفضل ألا يحل التحلل الأول حتى يرمي، حتى لو طاف وحلق فالأفضل ألا يتحلل حتى يرمي.
الجواب: نعم. إذا كان يشق عليها أن تبقى بدون تسريح لمدة عشرة أيام فإن لها أن تسرحه لكن برفق، وإذ سقط شيء من التسريح بغير قصد فلا شيء عليها، ولكن تأتي مسألة تعدد الضحايا في البيت الواحد، هذه المرأة كيف تضحي وعندها قيم البيت، إذا كان عندها قيم في بيتها فإن أضحية القيم تجزئ عنها، لكن قد تكون أحياناً هي قيمة البيت ليس في البيت رجل، هي التي تقوم بالبيت، لأنه ليس عندها رجال فحينئذ تكون أضحيتها في محلها، ويلزمها أن تتجنب أخذ الشعر والظفر والبشرة ولكن لها أن تسرح شعرها إذا كان يشق عليها تركه ويكون التسريح برفق.
الجواب: أما من أراد منهم التمتع فالحقيقة أن عدم إحرامه من الميقات خطأ مخالف للحكمة؛ لأن الأولى به أن يحرم من الميقات ويأتي بالعمرة ويخرج إلى جدة ، وأما من أراد القران والإفراد فصحيح أنه سيشق عليه أن يبقى شهراً كاملاً في إحرامه، لكن نقول: إنه لا حرج عليهم أن يبقوا في جدة وإذا جاء وقت الحج خرجوا إلى الميقات الذي تجاوزوه وأحرموا منه، مثال ذلك:
لنفرض أنهم من أهل الرياض ومروا بميقات أهل نجد بـالسيل وذهبوا إلى جدة ، نقول: إذا أردتم الإحرام بالحج فلا بد أن تذهبوا إلى السيل وتحرموا منه لتحرموا من الميقات الذي يجب عليكم الإحرام منه، فإن قدر أن تعذر هذا ولم تتمكنوا من الذهاب إلى الميقات فلكم أن تحرموا من جدة وعليكم عند أهل العلم دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء، والمتمتع الآن مثلهم ما دام إلى الآن لم يحرم، فإذا أراد الإحرام بالعمرة فلا بد أن يذهب إلى السيل ويحرم منه، ويطوف ويسعى ويقصر ويحل.
الجواب: عمله جائز ولا بأس به؛ لأنه إذا جاز للإنسان أن يدفع من مزدلفة جاز له أن يفعل كل ما يترتب على ذلك، فإذا دفع الضعفة من مزدلفة في آخر الليل بعد مغيب القمر ووصلوا إلى منى فليرموا الجمرة ولينـزلوا إلى مكة ويطوفوا ويسعوا ويرجعوا، ولو رجعوا قبل الشمس في هذا المثال فلا بأس لأنه إنما جاز الدفع للضعفة من أجل أن يأتوا بمناسك الحج قبل زحمة الناس.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر