إسلام ويب

بيان عقيدة أهل السنة والجماعةللشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لحكمة اقتضاها، وهي عبادته سبحانه وتعالى وترك عبادة ما سواه، وإن من أعظم ما يتعبد الله به هو توحيده والإيمان به، وبكل ما أخبر به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الأمور الغيبية؛ كالإيمان بالرسل والملائكة واليوم الآخر، والإيمان بوجود الجنة والنار وعدم فنائهما، وعبادة الله سبحانه بإثبات ما أثبته لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، ونفي ما نفاه الله عن نفسه من صفة عيب ونقص، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله جل وعلا خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بها سبحانه وتعالى، فقال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58] سبحانه وتعالى.

    فخلقهم للعبادة، وتكفل بأرزاقهم، كما قال في الآية الأخرى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، وأرسل الرسل جميعاً لهذا الأمر العظيم؛ ليدعوا الناس إلى عبادة الله، ويأمروهم بها، ويوضوحها لهم، فقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].

    وهكذا فجميع الرسل بعثوا لهذا الأمر العظيم؛ ليأمروا الناس أن يعبدوا الله وحده دون كل ما سواه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، ويقول سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وهذه العبادة التي خلقوا لها، وأرسلت الرسل بها، أمرهم بها سبحانه في كتابه العظيم، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، وقال في سورة النساء: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [النساء:36]، وقال في سورة بني إسرائيل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وقال في سورة البينة: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ [البينة:5]، وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3].

    دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبادة الله

    هذه العبادة التي خلق العباد لها قد أمروا بها، وبينت لهم في كتاب الله وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وبعث الله بها الرسل جميعاً، وكان خاتمهم وأفضلهم وإمامهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فقد بعثه الله ليدعو الناس إلى عبادة الله وتوحيده والإخلاص له، ومكث في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى توحيد الله، وطاعة الله، يأمرهم أن يعبدوا الله وحده، وأن يخلعوا عبادة ما سواه من الأصنام والأوثان والملائكة والأنبياء وغير ذلك.

    فكان يقول: يا قوم! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فأجابه الأقلون، وأنكر دعوته الأكثرون، ولم يزل صابراً داعياً إلى الله عز وجل حتى أمره الله بالهجرة إلى المدينة ، بعدما اشتد أذى المشركين له، ولم ينقادوا لما جاء به عليه الصلاة والسلام، فهاجر إلى المدينة ومكث فيها عشر سنين يدعو إلى الله، ويعلم الناس شريعة الله، وأنزل الله عليه القرآن العظيم بعضه في مكة وبعضه في المدينة وبينه للناس، وأرشد الناس إلى ما دل عليه القرآن، وبين لهم ما أوحى الله إليه في ذلك، فإن الله أعطاه وحيين: القرآن، والسنة: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:1-2] أي: محمد صلى الله عليه وسلم وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، فالله أوحى إليه القرآن، وأوحى إليه السنة، والسنة هي أحاديثه عليه الصلاة والسلام، وما بينه للأمة من شرع الله، فتلقى الصحابة رضي الله عنهم عنه هذا الدين العظيم -دين الإسلام- ونقلوه إلينا غضاً طرياً، وهكذا نقله التابعون عن الصحابة، وهكذا أتباع التابعين، ولم يزل أهل العلم ينقلون هذا العلم من جيل إلى جيل، ومن قرن إلى قرن، ويكتبون في كتب كثيرة، ويوضحون للناس دعوة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وما بينه الكتاب العظيم -وهو القرآن- من دين الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088799053

    عدد مرات الحفظ

    779110782