أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نستضيف فيه سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مرحباً بسماحة الشيخ.
الشيخ: أهلاً وسهلاً حياكم الله.
====
السؤال: سماحة الشيخ هذه رسالة وردت من عبد الله محمد علي العذري اليماني يسأل عن التطبب، يقول: يوجد امرأة في قرية وملقبة مصاصة، يذهب إليها الرجال والنساء وكل واحد يشتكي مرضاً في بطنه أو ظهره أو صدره، وكل واحد يعطيها مبلغ مائة ريال، وإذا كان المريض يشتكي من بطنه ترقده على ظهره وتمص بطنه بفمها، يعني: تعمل فمها على بطنه أو صدره أو ظهره وتمص مثل المحجم بدون أن تستعمل شيء بفمها، وبعد ذلك تخرج من فمها حصاة أو عرق أو غير ذلك، هل هذا الأمر صحيح، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه المرأة المسئول عنها يظهر أنها دجالة وأنها تعمل أعمالاً تغر بها الناس ليظنوا أن عندها علماً وأن عندها شيئاً خارقاً أو شيئاً لا يعرفه الأطباء، فتعمل ما ذكر من مص بطن الرجل ثم إخراج أشياء من فمها كحصى أو نحوه، هذه إما أن تكون تستخدم الجن وتلعب على أبصار الحاضرين، فتريهم أنها تخرج من بطنه شيئاً وليس هناك شيء، وإنما هو تعمية على أعين الناس وسحر لأعينهم، كما فعل السحرة في وقت موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون، وإما أن تجعل في فمها شيئاً عند مجيئها إلى المريض من حصى أو غيره وتخرجه عندما تمص بطنه لتري الناس أن هذا الشيء خرج من بطنه، والذي نرى في هذه وأمثالها أنه لا يجوز أن يذهب إليها ولا أن تستطب؛ لأن هذه وأشباهها من المشعوذين وممن يتلاعب على الناس بالكذب أو باستخدام الجن وتعاطي ما حرم الله عز وجل من الشرك وغيره من المنكرات التي تفعل مع الجن، لسؤالهم عن مرض الشخص الذي يراد تطببها فيه.
فالحاصل أن هذه المرأة يظهر من عملها هذا أنها دجالة وأنها متلاعبة وأنها كذابة أو مستخدمة للجن، فلا يجوز إتيانها ولا أشباهها، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) أخرجه مسلم في الصحيح، وفي لفظ آخر: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)، فهذه وأشباهها من العرافين الذين يكذبون ويتعاطون أموراً لا صحة لها بل هي أشياء مكذوبة أو مأخوذة عن الجن لتغرير الناس وإدخال السوء عليهم من دون أن يعلموا الحقيقة، والله المستعان.
الجواب: الصواب هو ما سمعت فيما نقلت عن جوابي السابق، وأن هذه الموالد التي يحتفل بها الناس بدعة لا أصل لها، ولا ينبغي للعاقل وطالب العلم أن يغتر بفعل الناس، فإن فعل الناس لا يقاس عليه ولا يحتج به وإنما يحتج بما قاله الله ورسوله، فأقوال الناس وأعمال الناس واحتفالاتهم كلها تعرض على الكتاب والسنة فما وافق كتاب الله أو سنة رسوله الصحيحة عليه الصلاة والسلام فهو المتبع وهو الحق وما خالفهما وجب رده وإن فعله الناس، قال الله تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال عز وجل: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، وقال سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]. فالحاصل أن أفعال الناس وأقوال الناس ليست ميزاناً توزن بها الأحكام وتعرف بها الأحكام الشرعية، وإنما الميزان هو ما قال الله جل وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، وفيما قال سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى الله [الشورى:10] هذا هو الميزان، الميزان هو ما قاله الله ورسوله، فالاحتفالات بالموالد ليس لها أصل في كتاب الله ولا في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد مضى على المسلمين قرون كثيرة لم يحتفلوا فيها بالموالد، فلم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وهو خاتم النبيين ليس بعده نبي يعلمنا، وهو أنصح الناس عليه الصلاة والسلام وهو أعلم الناس وأخشى الناس لله وأتقاهم لله عليه الصلاة والسلام، فلو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم أو بالموالد الأخرى أمراً مشروعاً لبينه للأمة عليه الصلاة والسلام أو فعله بنفسه حتى يقتدى به، ثم لو تركه بنفسه عليه الصلاة والسلام لأنه غير واجب ولو كان هو سنة في نفسه لفعله الصحابة أخذاً من فعله أو من قوله عليه الصلاة والسلام، فلم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يدع إليه ولم يأمر به ولم يفعله صحابته لا الخلفاء الراشدون ولا غيرهم، ثم جاء القرن الثاني قرن التابعين وكبار أتباع التابعين فلم يفعلوه، ثم جاء من بعدهم القرن الثالث فلم يفعلوه، فدل ذلك على أنه بدعة لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وكان يقول في خطبته عليه الصلاة والسلام: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)، هكذا كان يقول في خطبته عليه الصلاة والسلام في الجمعة.
فلو كانت الاحتفالات بالموالد أمراً مطلوباً أو أمراً مشروعاً لما فات على أولئك الأخيار السادة وحظي به ووفق له من بعدهم، فإن القرون السابقة قد اشتملت على الحق ولا يمكن أن يكون الحق في غيرها وتحرم هي من الحق، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة) وهؤلاء القرون بهذه الطائفة القرون الأولى، القرن الأول ثم الثاني ثم الثالث، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) الحديث، فلا يجوز أبداً أن يعتقد أحد أن الحق يفوت هذه القرون الفاضلة العظيمة ثم يدركه ويحوزه من بعدهم، هذا لا يقوله من يؤمن بالله واليوم الآخر.
فالحاصل أن الاحتفالات بالموالد مولد النبي صلى الله عليه وسلم ومولد الحسين ومولد فلان ومولد البدوي إلى غير ذلك كلها بدع لا أصل لها، وإنما أحدثها من أحدثها في القرن الرابع وما بعده كما ذكر ذلك صاحب (الإبداع في مضار الابتداع) وذكر أن الذين بدءوا بإحداثها هم حكام مصر الفاطميون حكام المغرب الذين انتسبوا إلى أهل البيت كذباً وليسوا منهم في شيء، وقد قال أبو العباس ابن تيمية شيخ الإسلام رحمة الله عليه: إن ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض.
فالحاصل أنهم هم الذين أحدثوا هذا في القرن الرابع ثم أحدثه بعدهم أناس آخرون من الشيعة ومن غير الشيعة ممن ينتسب إلى السنة، غلطاً وجهلاً، ولا ينبغي لعاقل أن يغتر بهذا الأمر الذي فعله كثير من الناس، فهذه أيضاً المساجد تبنى على القبور والقباب توضع على القبور، فهل يقول من يؤمن بالله: إن هذا شرع وإنه سنة وإنه قربة، هو بدعة منكرة ومع ذلك وجدت في الناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) خرجه مسلم في الصحيح.
وقال جابر رضي الله عنه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه)، فأخبر جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبور وعن البناء عليها وهي الآن تجصص ويبنى عليها وتوضع عليها القباب والمساجد، فهل يقول من يعرف الحق إن هذا جائز أو إنه مشروع لأن الناس فعلوه، بل هو بدعة ومن وسائل الشرك ولو فعله الناس، اتخاذ المساجد قبوراً والبناء عليها واتخاذ القباب عليها والتجصيص وكل هذا محرم، كله من وسائل الشرك ولو فعله الناس.
كذلك كثير من الجهلة يأتون القبور ويدعونها ويستغيثون بأهلها ويطلبون منها المدد، فهل يقول قائل: إن هذا جائز؛ لأن الناس فعلوا هذا، لا يقول هذا من يعرف الدين، فإن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات وطلب المدد من الأموات هو فعل الجاهلية الأولى، هو فعل في أهل الشرك المعروف سابقاً وهو من الشرك الأكبر، ومع ذلك فعله كثير من الجهال عند القبور، عند قبر الحسين وعند قبر غير الحسين وعند قبر البدوي وربما فعله بعض الجهال عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، فهل يقول من يؤمن بالله: إن هذا جائز، أو إن هذا قربة، أو إنه لا بأس به؟! بل هو من الشرك ومن عبادة غير الله ومن عمل الجاهلية الأولى، وإن فعله الكثير من الناس، فينبغي لكل مسلم أن يعقل هذا وأن ينتبه لهذا الأمر.
الجواب: هذا كذلك، كون بعض العلماء يشهد بعض البدع لا يستنكر هذا، وهل أهلك الناس إلا علماء السوء وعلماء الجهل؟! هل هلكت اليهود إلا بعلماء السوء فيها؟! وهل هلكت النصارى إلا بعلماء السوء فيها وأغلاطهم؟! وهذه الأمة كذلك، إنما هلك أكثرهم بسبب علماء السوء وعلماء الجهل، والعالم وإن كان كبيراً وعظيماً فقد يغلط فيغتر بغلطه بعض الناس وزلة العالم لها خطر عظيم كما أوصى الصحابة وغيرهم بالحذر من زلة العالم.
فإذا زل عالم بفعله أو بقوله وإن كان يشار إليه بالعلم لكن غلط في مسألة من المسائل مثل حضور الاحتفالات تأول في ذلك أو قصد أن ينصحهم أو يبين شيئاً من أمور الدين فحضر، وغاب عنه أن حضوره قد يحتج به فلا يكون هذا حجة إذا حضر العالم بعض الاجتماعات المنكرة أو بعض الاحتفالات المنكرة، لا يكون هذا حجة على جوازها، فقد يكون له عذر وقد يكون جهل هذا الأمر وقت حضوره وإن كان عنده علوم وعنده فضل، فلا ينبغي أن يغتر بأغلاط العلماء وزلات العلماء لا قولاً ولا فعلاً، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
الجواب: قد جرى اجتماعات كثيرة، وبحث هذا الموضوع في اجتماعات كثيرة، ولكن لا تزال العقول تختلف في فهمها، ولا يزال من ينظر في المسائل العلمية يحصل بينهم خلاف في وجهة النظر، بعضهم يستحسنها لأن فيها دراسة لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول: لأن فيها فرصة لتوعية الناس وتعليمهم بعض أمور الدين، وبعضهم يحتج بأشياء أخرى ولكن من نظر في الأدلة الشرعية عرف أن هذه الأمور التي يحتج بها لا وجه لها وأن الواجب منع هذه الاحتفالات، وفي الإمكان أن يعلم الناس أحكام الشرع في المجالس العلمية والحلقات العلمية وفي دراسة السيرة النبوية من دون حاجة إلى هذه الاحتفالات، فليست هذه الاحتفالات هي الوسيلة للتعليم، بل هناك وسائل أخرى من الإذاعة والصحافة والحلقات العلمية التي يوضح فيها أحكام الشرع وتوضح فيها سيرة النبي عليه الصلاة والسلام من دون حاجة إلى هذه البدع.
المقدم: أيها الإخوة! إلى هنا ونأتي على نهاية لقائنا هذا الذي استضفنا فيه سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وقد عرضنا عليه أسئلة السادة عبد الله محمد العلي العذري اليماني اليماني من جدة من الهنداوية والمستمع عباس عبد الفتاح مصر العربية الإسلامية و سليمان محمد التميمي من الرياض.
شكراً لسماحة الشيخ، وشكراً لكم أيها الإخوة! وتحية لكم من المهندس الإذاعي عبد الله الهمش وإلى أن نلتقي نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر