مرحباً بسماحة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله.
====
السؤال: سماحة الشيخ! هذه رسالة وردتنا من المدينة المنورة إحدى الأخوات (م. م) تقول في رسالتها: كان العلم قليلاً في قديم الزمان، وكان العلماء قليلون أيضاً، وقد قال لي أهلي: إن الشاب لا يصوم من رمضان إلا العشر الأيام الأولى، وإنني لا أدري هل صمت العشر الأيام الأولى أم صمت الشهر كله؟ فهل يجب علي القضاء أم لا يجب، أفيدونا جزاكم عنا خير الجزاء؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فلا ريب أن صيام رمضان فريضة على كل مكلف من المسلمين من الذكور والإناث، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، فإذا كانت السائلة لم تصم رمضان أو العشرين الأخيرة من رمضان بعد بلوغها الحلم فإن عليها القضاء، والبلوغ يكون بأربعة أمور في حق المرأة:
1- يكون بالحيض.
2- ويكون بإكمال خمس عشرة سنة.
3- ويكون بالإنبات؛ إنبات الشعر الخشن حول الفرج أو العانة، ما يسمى بالشعرة.
4- ويكون بأمر رابع وهو الإنزال. إما في اليقظة، إنزال المني عن شهوة، أو في النوم وهو الاحتلام.
فإذا وجد واحد من هذه الأربعة صارت المرأة مكلفة، تجب عليها الصلاة والصوم والحج مع الاستطاعة، فإذا كانت السائلة قد تركت شيئاً من رمضان بعد بلوغها فعليها القضاء، ولا يلزم الترتيب بل تقضيه ولو مفرقاً.
وعليها إطعام مسكين عن كل يوم في أصح قولي العلماء، عن تأخيرها لقضاء ذلك الصيام، نصف صاع من تمر أو رز أو حنطة أو شعير أو زبيب أو غيره من قوت البلد.
وعليها التوبة والاستغفار عما جرى لها من التأخير، فإن تأخير الصوم عن رمضان معصية، فعليها التوبة والاستغفار عن ذلك، والتوبة يمحو الله بها ما قبلها، إذا كانت توبة صادقة نصوحاً محى الله بها ما قبلها.
الجواب: إذا كان الأخ السائل قد ارتضع من أم السائل خمس رضعات فأكثر، أو السائل ارتضع من أمه وهو حسن هذا، إذا ارتضع من أمه خمس رضعات فأكثر فإنه يكون أخاه، وتكون بناته بنات أخ من الرضاعة محارم، فإذا تحقق هذا بأن كانت أم السائل أرضعت حسناً المذكور فإنه يكون أخاه من الرضاعة، أو زوجة أبيه أرضعت حسناً المذكور خمس رضعات فأكثر، أو أم حسن أرضعت السائل خمس رضعات فأكثر، فإن السائل يكون أخاً لـحسن هذا، ويكون عماً لبناته وعماً لبنات بناته وهكذا، يكون عم ويكون هو عمهن من الرضاع، ويكون محرماً لهن؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
أما إن كانت الرضعات أقل من خمس أو كانت الرضعات فيها شك لا يدرى هل ارتضع أم لم يرتضع، وإنما يقال: إنه أخوه من الرضاعة من غير جزم، هذا لا يكن محرماً للسائل، ولا يكون عماً لهن إلا برضاع ثابت، بشهادة المرضعة الثقة أو شهادة غيرها من الثقات أن أم حسن أرضعته أو أن أمه أرضعت حسن ، فصار أخاً له أو زوجة أبيه، أو زوجة أبي حسن أرضعته، هذا هو الحكم في هذه المسألة.
فالواجب التثبت في الأمر، حتى إذا ثبت الرضاع فإنه يكون عماً لبنات حسن المذكور، وهكذا بناتهن وبنات أولادهن هو عمهن.
الجواب: إذا كنت أفطرت في السفر فعليك القضاء فقط ولا عليك كفارة، إذا كنت أفطرت في السفر من أجل السفر فلا حرج بل سنة، يقول الله عز وجل : وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] فالله وسع ويسر سبحانه وتعالى، ورخص للمسافر والمريض أن يفطرا، فإذا سافرت إلى أي جهة من الجهات فأفطرت يوماً أو أكثر؛ فعليك القضاء ولا كفارة عليك، إلا إذا تأخر القضاء إلى رمضان آخر فلم تقض فعليك القضاء بعد رمضان مع إطعام مسكين عن كل يوم، نصف صاع من التمر أو الرز أو غيرهما من قوت البلد عن التأخير، أفتى به جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وهو أصح قولي العلماء، يعني: تقضي يومك الذي أفطرته، وتفدي فدية تكفر بإطعام مسكين إذا كان القضاء تأخر إلى ما بعد رمضان آخر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الجواب: الجنابة لها حالات: إن كانت الجنابة وقعت في الليل، بأن جامع أهله في آخر الليل -مثلاً- ثم أصبح قبل أن يغتسل فلا حرج، والصوم صحيح، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي أهله ثم يصبح جنباً ويغتسل بعد الصباح عليه الصلاة والسلام، أما إن كانت الجنابة في النهار، يعني: جامع أهله في النهار، فهذا آثم وعاص لربه عز وجل، والصوم يبطل وعليه كفارة، إذا كان تعمد ذلك عليه كفارة عتق رقبة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكيناً، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، هذه هي الكفارة في حق من أتى أهله في رمضان في النهار، وصومه يبطل، وعليه القضاء قضاء ذلك اليوم الذي جامع فيه أهله في النهار، أما إذا كان الجماع في الليل ولكنه أصبح جنباً لم يغتسل فلا حرج في ذلك.
الجواب: رمضان شهر، عظيم شهر مبارك يفرح به المسلمون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفرحون به، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بذلك، فإذا فرح به المسلمون واستبشروا به وهنأ بعضهم بعضاً في ذلك فلا حرج في ذلك، كما فعله السلف الصالح؛ لأنه شهر عظيم ومبارك، يفرح به لما فيه من تكفير السيئات وحط الخطايا والمسابقة إلى الخيرات في أعمال صالحات أخرى.
الجواب: يلزم السائل وفقه الله أن يبادر بالصوم في هذه المدة الباقية، وأن يقضي ما عليه من الصوم، هذا هو الواجب عليه قبل رمضان، ولا يجوز له التأخير والتساهل، لكن لو غلبه أمر كمرض منعه من الصوم فإنه يصوم بعد رمضان، وعليه إطعام مسكين عن كل يوم؛ بسبب التساهل الذي ألجأه إلى التأخير، أما الآن فيلزمه أن يبادر ويصوم ما عليه ويقضي قبل رمضان، هذا هو الواجب عليه، إلا إذا منعه مانع من المرض، كالمرض ما استطاع الصوم فلا بأس أن يؤجل، إذا عجز بسبب المرض حتى جاء رمضان فإنه يؤجله ويصومه بعد رمضان إن شاء الله، وعليه إطعام مسكين عن كل يوم؛ لأنه تساهل في التأخير قبل المرض، أما لو أخره بسبب المرض في جميع السنة، يعني: من حين أفطر وهو في مرض إلى الآن في مرض حتى جاء رمضان فلا شيء عليه إلا القضاء، إذا عافاه الله يقضي بعد رمضان ولا شيء عليه، أما الذي أخر الصيام تساهلاً وعدم عناية فإن هذا عليه التوبة والاستغفار، وعليه أن يقضي ويطعم إذا أخره إلى ما بعد رمضان، أما إذا صام في رجب أو في شعبان لا بأس، ما عليه شيء، يصوم ولا حرج عليه.
الجواب: تأخير الصلاة جريمة عظيمة ومنكر عظيم، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى من أن ترك الصلاة عمداً حتى خرج وقتها أنه يكفر بذلك كفراً أكبر وردة عن الإسلام -نعوذ بالله- ويحتجون على هذا بما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه مسلم في الصحيح، هذا ظاهره أنه يكفر بذلك إذا أخرها حتى خرج وقتها، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) وقال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) فتأخيرها جريمة عظيمة ومنكر عظيم، فالذي -مثلاً- يؤخر الفجر حتى يصليها الضحى، هذا منكر عظيم يجب أن يصليها قبل طلوع الشمس، ويجب أن يهتم بذلك، وهو مع كونه أتى جريمة قد تشبه بالمنافقين، وقد كفره جماعة من أهل العلم بذلك.
فالواجب على المسلم أن يعتني بالصلاة وأن يؤديها في الوقت مع المسلمين جماعة في المساجد، وليس له تأخيرها أبداً لا مع المسلمين ولا في البيت، بل يجب أن يبادر حتى يؤديها في الوقت مع المسلمين في مساجد الله، والمرأة كذلك عليها أن تبادر بأن تصلي الصلاة في وقتها في بيتها، ولا يجوز لها التأخير، كما تفعل بعض الطالبات تؤخر الصلاة حتى تقوم بعد طلوع الشمس للمدرسة ثم تصلي، هذا لا يجوز، هذا منكر عظيم، وهكذا بعض المدرسات تؤجل صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس ثم تقوم للتدريس وللصلاة، هذا منكر عظيم يجب أن تصلي الصلاة في وقتها قبل طلوع الشمس، وإذا كان يغلبها النوم فيجب أن تتخذ ما يعينها على اليقظة مثل ساعة منبهة تؤكد على وقت الصلاة، أو تستعين بأهل البيت يوقظونها حتى تصلي الصلاة بوقتها، وهكذا العشاء لا تؤخر إلى بعد نصف الليل، لأن وقت العشاء ينتهي إلى نصف الليل، هذا وقتها الاختياري، وكذلك المغرب لا تؤخر حتى يغيب الشفق وتصلى قبل الشفق، والشفق: الحمرة التي تكون في المغرب، يجب أن تصلي المغرب قبل أن يغيب الشفق، وهكذا عند الظهر لا تؤجل حتى يصير ظل كل شيء مثله ما بعد فيء الزوال، بل تصلى في أول الوقت بعد الزوال، والعصر لا تؤجل حتى تصفر الشمس بل تؤدى في وقتها، النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤديها في الوقت، ولما سئل عن ذلك (صلى الصلاة يوماً في أول وقتها ثم صلاها في آخر وقتها -يعني: الصلوات الخمس- ثم قال: الصلاة بين هذين الوقتين)، والله سبحانه يقول: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103] يعني: مفروضاً في الأوقات، فالله يخبر أنها مفروضة في الأوقات، فلا يجوز لأهل الإسلام أن يؤخروها عن أوقاتها، بل يجب أن تؤدى في الوقت، ويروى عن عمر رضي الله عنه ما يدل على الشدة في ذلك وهو كما قال رضي الله عنه وأرضاه، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال عليه الصلاة والسلام: (من حافظ على الصلاة كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون و
قال بعض أهل العلم: إنه يحشر من ضيع الصلاة مع هؤلاء؛ لأنه إذا ضيعها من أجل الرياسة حشر مع فرعون، وإن ضيعها من أجل الوزارة ونحوها حشر مع هامان وزير فرعون، وإن ضيعها من أجل الشهوات والنعم والمال حشر مع قارون الذي أعطاه الله المال، فبطر وتبكر وعصى نبي الله موسى، فخسف الله به وبداره الأرض -نسأل الله العافية- عقوبة عاجلة مع النار، وإن ترك الصلاة وضيعها بسبب أعمال التجارة والبيع والشراء حشر يوم القيامة مع أبي بن خلف تاجر أهل مكة.
فالواجب على أهل الإسلام الحذر غاية الحذر من التساهل بالصلاة، والواجب أن تؤدى في أوقاتها، المرأة تؤديها في الوقت، والرجل يؤديها في جماعة في المساجد، ولا يجوز التشبه بالمنافقين في التساهل بالصلاة، وعرفت أن بعض أهل العلم يقول: إن من تركها تهاوناً حتى خرج الوقت كفر بذلك، وهذا القول قول صحيح، ترك الصلاة تهاوناً وتساهلاً بها كفر أكبر -نسأل الله العافية- والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤيد هذا القول، فإن الباب فيه أحاديث صحيحة كما تقدم، فيجب على المسلم أن يحذر هذا الأمر الخطير، وأن يحافظ على الصلاة في وقتها، وأن يستعين على ذلك بكل ما يستطيع من ساعة وغيرها، حتى يؤدي الصلاة في وقتها مع إخوانه المسلمين، وحتى تؤدي المرأة صلاتها في وقتها في بيتها قبل خروج الوقت، فهي عمود الإسلام، وهي أهم الفرائض بعد الشهادتين، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
المقدم: أحسنتم أثابكم الله.
أيها السادة! إلى هنا نأتي على نهاية لقائنا هذا الذي استضفنا فيه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وقد أجاب على أسئلة السادة: المرسلة (م. م) من المدينة المنورة، وتسأل عن ترك الصيام بعد البلوغ، والمستمع محمد بن علي سلمان الأحمدي المالكي من جيزان، وضبيان خضر الجرير الشمري من الحدود الشمالية، وقمر الزمان عرفان من الباكستان، ومحمد سلطان من الرياض، وأخيراً رسالة محمد بن حزام موسى الشهري .
شكراً لسماحة الشيخ، وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم إن شاء الله تعالى غداً نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر