أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات، على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مرحباً بسماحة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
====
السؤال: هذه الرسالة وردتنا من شريفة طالع من قرية الخلفة بتهامة بني شهر، تقول فيها: لي جارة حملت وسقط حملها بعد شهرين، ولا يعرف هل هو ذكر أو أنثى، وقد دفن في جانب من الحارة ولم يدفن في مقبرة المسلمين، فما حكم هذا الدفن؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالمرأة إذا أسقطت جنيناً فيه تفصيل: إن كان الجنين دماً محضاً هذا ما يسمى جنيناً، ولا يسمى نفاس الدم الخارج بسببه ولا يكون لها حكم النفساء، بل عليها أن تصلي وأن تصوم وتحل لزوجها؛ لأن هذا لا يسمى نفاساً مادام ابن شهرين أو ابن ثلاثة أشهر، هذا في الغالب ما يتخلق، هذا الدم يكون دماً فاسداً، وتصلي وتصوم، والدم المجتمع الذي سقط يدفن في أي مكان، في البيت أو في الحوش ما يذهب إلى المقابر ما في حاجة، لأن هذا ليس بإنسان، وعليها أن تصلي وأن تصوم، وتعتبر هذا الدم دماً فاسداً مثل الدم الذي يخرج من الجراحات الأخرى، دماً فاسداً لا يمنعها من الصلاة والصوم، ولا يمنع زوجها من غشيانها؛ لأنه دم فاسد لا يسمى نفاساً، ولا يسمى حيضاً.
أما إن كان الدم قد تجمع منه لحمة وفيها خلق إنسان -ولو خفي- مثل رأس.. رجل.. يد، إذا علمت ذلك المرأة أو القابلة لها التي عندها الثقة أن هذا اللحم فيه خلق الإنسان هذا يسمى ولداً ويعتبر نفاس، فليس لها حينئذٍ أن تصلي ولا أن تصوم وليس لزوجها أن يقربها، يعني: أن يطأها؛ لأنها نفساء مادامت اللحمة التي خرجت فيها خلق الإنسان، ولو ما مضى عليها أربعة أشهر في اعتقادها؛ لأن الجنين قد يخلق فيه قبل ذلك، والغالب أنه لا يخلق إلا في الطور الثالث بعد المضغة، لكن جاء ما يدل في بعض الأحاديث على أنه قد يقع قبل ذلك، فالحاصل أنه إذا كان فيه خلق الإنسان يعتبر نفاساً، وعليها أن تمتنع من الصلاة والصوم وعلى زوجها أن يمتنع من قربانها.. من غشيانها حتى تطهر، فإذا طهرت -ولو لعشرة أيام أو عشرين يوماً- تباح لزوجها، ليس من شرط الطهارة أن تكمل أربعين، فلو طهرت وهي بنت عشرين أو بنت ثلاثين فالطهارة صحيحة، تصلي وتصوم وتحل لزوجها، وليس للنفاس حد محدود -قبل الأربعين يعني-؛ لأن النساء يختلفن، فقد تطهر المرأة لشهر وتطهر لخمسة وعشرين يوماً وقد تطهر لأقل من ذلك، أو لأكثر من ذلك، كل هذا واقع، والحكم مناط بالطهارة بانقطاع الدم ورؤية الطهارة، فإذا رأت الطهارة بانقطاع الدم ورؤية ما يدل على الطهارة بأن ترى الماء الأبيض أو بأن تحتشي بقطنة في فرجها ونحوها من البياض؛ فلا يتأثر، تخرجها، ما تأثرت بشيء، هذه علامة الطهارة، فتغتسل وتصلي وتصوم وتحل لزوجها، ولو أنها ما مضى عليها من النفاس إلا عشرون يوماً أو ثلاثون يوماً.
فإن استمر الدم حتى كملت الأربعين والدم معها فإن هذا الدم الزائد يعتبر دماً فاسداً من الأربعين، وتصلي وتصوم وتحل لزوجها، وتحفظ في هذا الدم بالقطن ونحوه، وتوضأ لكل صلاة؛ كما تفعل المستحاضات، المستحاضات غير الحيض، المستحاضات اللاتي يستمر معهن الدم بعد الحيض، والحيض شيء والمستحضات شيء آخر، فالحيض هن اللاتي يجلسن وقت الحيض المعتاد يقال لها: حائض، التي يأتيها الدم في وقتها المعتاد ويعتبر دمها حيضاً هذه تسمى حائض لا تصلي ولا تصوم ولا تحل لزوجها والمستحاضة هي التي تصاب بدم زائد على الحيض يستمر معها، هذا الدم الزائد يسمى استحاضة، إذا جاء تغتسل وتصلي وتصوم، وإذا جاء وقت الحيض المعتاد وقفت عن الصلاة والصوم وحرمت على زوجها حتى تنتهي أيام الحيض.
فهذه النفساء كذلك مثل الحائض في وقت الدم بالنفاس لا تصلي ولا تصوم ولا تحل لزوجها، فإذا ذهب هذا الدم لشهر أو عشرين يوماً طهرت واغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها، ولو ما كملت الأربعين، وهذا الدم الذي ليس فيه خلق الإنسان ليس له حكم الولد؛ لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، أما إذا كان فيه خلق الإنسان فإنه يعتبر جنيناً ويكون لها حكم النفاس، لكن إذا كان ما نفخت فيه الروح -ما تحرك من بطن أمه- لا بأس أن يدفن في عرض البيت، يحفر له في الحوش ويدفن ولا حرج؛ لأنه ما صار له حكم الأموات حينئذٍ، ما نفخت فيه الروح، ما بعد تحرك ببطن أمه، ليس له حكم الأموات، لكن له حكم الإنسان في حكم النفاس فقط.
أما إذا نفخت فيه الروح وتحرك ثم ولدته ميتاً أو حياً ثم مات هذا يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، هذا الذي ينبغي وهذا هو تفصيل هذه المسألة.
الجواب: نعم، إذا طهرت المرأة في الأربعين -كما تقدم- تصلي وتصوم وتحل لزوجها ولو ما كملت الأربعين؛ لأن الحكم مناط بالطهارة، فإذا رأت الطهارة وهي بنت عشرين يوماً في النفاس أو ثلاثين يوماً في النفاس فطهارتها صحيحة، وعليها أن تغتسل غسل النفاس وتوضأ وضوء الصلاة، تصلي وتصوم وتحل لزوجها ولو أنها ما كملت الأربعين؛ بسبب وجود الطهارة، فلو عاد الدم في الأربعين رجع الدم عليها، وطهرت مثلاً لشهر وبقيت ثلاثة أيام، أربعة أيام طاهرة، ثم عاد عليها الدم في الخامس والثلاثين أو في السادس والثلاثين فالصحيح أن هذا الدم يعتبر نفاساً، لا تصلي فيه ولا تصوم ولا تحل لزوجها، لكن صومها الذي في أيام الطهارة وصلاتها صحيحة ما تعيد صومها الذي هو في أوقات الطهارة، صوم صحيح، ليس عليها أن تعيده بعد ذلك -أن تقضيه- لا، صوم وقع في محله، صلاة وقعت في محلها، فالصوم صحيح والصلاة صحيحة، وكون زوجها باشرها في ذلك كذلك؛ لا حرج عليه لأنه باشرها في وقت الحل وهو الطهارة.
أما بعد رجوع الدم في الأربعين فإن هذا الدم الذي رجع قال بعض أهل العلم: إنه مشكوك فيه. والصواب أنه ليس مشكوكاً فيه، بل هو دم نفاس يعتبر دم نفاس، مثل الدم الذي يعود في وقت الحيض؛ فلا تصلي ولا تصوم، فإذا مضت الأربعون ولم ينقطع فقد تقدم أن هذا الدم الزائد يعتبر دماً فاسداً بعد الأربعين تصلي وتصوم فيه وتعتبره دم استحاضة عليها أن تتحفظ فيه من قطن ونحوه، وتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي الصلوات في أوقاتها، أو تجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء لا بأس وتحل لزوجها كما تقدم.
وقد يجمع بين الصلاتين -الظهر والعصر والمغرب والعشاء- أفضل للمستحاضات ومن في حكمهن، وهو أفضل لهن مع ذلك أن يغتسلن للطهر والعصر غسلاً واحداً والعشاء والمغرب غسلاً واحداً، والفجر غسلاً واحداً إذا تيسر ذلك، كما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض المستحاضات.
المقدم: لكن إذا صامت مثلاً عشرة أيام خلال الأربعين في رمضان ثم عاد عليها الدم خلال الأربعين هل يعتد بصومها الذي انقطع؟
الشيخ: نعم. بينا أن صومها صحيح تعتد بصومها وهو صحيح ولا تقضيه؛ لأنه وقع في وقت الطهارة، هو صوم صحيح.
الجواب: هذه المشكلة ليست لك وحدك بل معك فيها ناس كثير وشباب كثير وغير الشباب أيضاً، وهو التأخر عن صلاة الفجر، ولهذا أسباب من أهمها ومن أخطرها السهر وعدم النوم المبكر، هذا هو السبب الوحيد، الغالب على الناس يسهرون لمشاهدة التلفاز أو لأسباب أخرى، فإذا سقط في آخر الليل نائماً عجز أن يقوم في آخر الليل حتى ولو كان عنده ساعة تنبيه ما يسمعها، حتى ولو جاءه منبهون يعجزون عنه بسبب ثقل النوم وغلبته عليه؛ فالعلاج الوحيد لهذا الأمر مع سؤال الله التوفيق والإعانة العلاج الوحيد هو عدم السهر، أن ينام المؤمن مبكراً، وألا يضر نفسه بمشاهدة التلفاز حتى يمضي عليه الليل الكثير أو يشتغل بأشياء أخرى من سماع أغاني أو سماع القيل والقال من أصحابه وزملائه، أو موانع أخرى تمنعه من النوم المبكر، وإذا عالج الأمر بهذه الطريقة إن شاء الله يفلح.
وأنت يا أيها السائل! الواجب عليك ألا تسهر وأن تنظر في الأسباب التي منعتك من القيام، فإن كانت الأسباب أنك تتأخر في النوم تسهر فاتق الله وبادر بالنوم في أول الليل بعد صلاة العشاء، بادر بالنوم حتى تستطيع القيام لصلاة الفجر وتصلي مع المسلمين في جماعة المسلمين، وهذا واجب عليك، والتساهل بهذا محرم ومن التشبه بالمنافقين؛ لأن المنافقين لا يأتون الصلاة إلا دباراً ولا يشهدون العشاء والفجر، هذه من أعمالهم الخبيثة، فالواجب على المسلم أن يحذر مشابهة المنافقين، وأن يجتهد في أداء فريضة الله في أوقاتها مع إخوانه المسلمين هذا إذا كان رجلاً، والمرأة كذلك عليها أن تتقي الله وأن تجتهد في أداء الصلاة في وقتها بعد طلوع الفجر قبل الشمس، ولا يجوز أبداً لأحد من الناس أن يؤخرها بعد طلوع الشمس كما يفعل بعض الناس، يؤخرها فإذا قام لعمله بعد طلوع الشمس صلى، هذا غلط عظيم ومنكر كبير لا يجوز لا للرجل ولا للمرأة، ليس للرجل أن يؤخر ذلك حتى يقوم للدراسة أو للعمل ثم يصلي بعد طلوع الشمس؛ هذا لا يجوز، هذا محرم، بل ذهب جمع من أهل العلم إلى أن من فعله كفر؛ لأن تأخير الصلاة عن وقتها كفر إذا تعمد ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) هكذا بعض الطالبات تؤخر الصلاة حتى تقوم للدراسة بعد طلوع الشمس، وهذا أيضاً منكر ولا يجوز، والواجب على الجميع تقوى الله -وعلى أهلهن التنبيه على آبائهن وأمهاتهن وعلى إخوانهن التنبيه على ذلك وعلى آباء الشباب كذلك وأمهات الشباب، كل هذه أمور عظيمة يشترك فيها أهل البيت في إثمها إذا لم يتعاونوا على زوالها والمسلمون شيء واحد وأهل البيت شيء واحد يجب أن يتعاونوا في نصيحة المتخلف والأخذ على يديه حتى يستقيم على طاعة الله وأداء فرائضه، هذا هو الواجب على الجميع، فإن كان هناك أسباب أخرى غير السهر، فالواجب عليك أن تعالجها، وأن تنظر ما هي الأسباب إن كان النوم يطير عنك من أول الليل ما تنام فاسأل الأطباء لعل عندهم دواء يزيل عنك هذا القلق وهذا السهر ويحصل لك الراحة والطمأنينة حتى تنام، وإن كان هناك علل أخرى فعالجها وإن كنت ليس عندك من يوقظك فاجعل عندك الساعة المعروفة المنبهة وأكدها على الوقت المناسب الذي هو وقت الأذان أو قرب الأذان حتى تسمعها وتقوم.
على كل حال الواجب العلاج، والعلاج لا يخفى على العاقل، العلاج واضح، تارة بالساعة وتارة بالمنبهين وتارة بعدم السهر، الواجب العلاج على الرجل والمرأة على جميع الناس، على الشباب والشيب.. على البنات والعجائز على الجميع، ليس هذا خاصاً بأحد دون أحد، الواجب على الجميع أن يعالجوا ما يقع لهم من هذا التأخر وأن ينظروا في الأسباب حتى تزال هذه الأسباب التي تقتضي التأخر حتى لا يصلي إلا بعد الشمس، هذا منكر عظيم يجب أن يعالج من ابتلي به الوضع حتى يصلي الصلاة في وقتها مع الجماعة إن كان رجلاً وحتى تصليها المرأة في بيتها في الوقت قبل طلوع الشمس ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
المقدم: أحسنتم وأثابكم الله.
أيها السادة! إلى هنا نأتي على نهاية لقائنا هذا الذي قدمنا فيه رسائل: علي حسن الزهراني من الرياض وزارة الداخلية و شريفة طالع قرية الخلفة من تهامة بني شهر ورقية علي الشمري وفاطمة من الرياض و سعاد محمد البشري ورفيقاتها استعرضنا هذه الأسئلة والاستفسارات التي وردت في رسائلهم على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد شكراً لسماحة الشيخ وشكراً لكم أيها الإخوة وإلى أن نلتقي نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر