أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نستضيف فيه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مرحباً بسماحة الشيخ.
سماحة الشيخ! لدينا مجموعة كبيرة من أسئلة البرنامج التي وردت إلى برنامج نور على الدرب، ونبدأها برسالة محمد عبده سعيد أحمد اليماني و نجم الدين العبيد محمد من السودان و محفوظ محمد البكري من جمهورية اليمن الديمقراطية، ونبدأ بعرض أسئلة المستمع محمد عبده .
====
السؤال: يقول المستمع محمد عبده: ما حكم الذي يقطع الجمعة ثلاثاً أو فترة كبيرة ولم يذهب، علماً بأني أشتغل حارساً في محل بعيد عن المدينة، ولم يسمح لي صاحب العمل للذهاب من هذا المكان؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فالصلوات الخمس فرض على المسلمين، وهي عمود الإسلام كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) وصلاة الجمعة إحدى الصلوات الخمس في يوم الجمعة وهي فرض عظيم، وهي فرض الوقت، وقد جاء فيها نصوص خاصة، فتركها أعظم من ترك سواها من الصلوات، فالواجب على من تركها المبادرة بالتوبة إلى الله والرجوع إليه سبحانه وتعالى، والندم على ما مضى، والعزم ألا يعود، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات) يعني: عن تركهم الجمعات (أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)، وهذا وعيد عظيم، أن ترك الجمعة من أسباب الختم على القلب والطبع عليه وأن يكون صاحبه من الغافلين نعوذ بالله، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من ترك صلاة الجمعة ثلاث مرار بغير عذر طبع على قلبه) فالحاصل أن ترك الجمعة من أعظم أسباب الطبع على القلب والختم عليه؛ فيجب على المؤمن أن يبادر بالتوبة، إذا ترك ذلك أن يبادر بالتوبة والندم والإقلاع، والجمهور على أنه يقضي بدلها ظهراً، ولكن ذهب بعض أهل العلم إلى أن تركها كفر وردة عن الإسلام، وهكذا بقية الصلوات، إذا تركها حتى خرج الوقت والعياذ بالله كفر بذلك؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام : (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) فالأمر عظيم وخطير، فالواجب عليه البدار بالتوبة والحذر من العود إلى مثل ذلك والاستكثار من العمل الصالح لعل الله سبحانه وتعالى أن يتوب عليه، قال عز وجل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] وإذا قضاها كما قال الجمهور ظهراً فلا بأس، ولكن لا يلزمه على الصحيح؛ لأن الكافر لا يقضي، وإنما الواجب عليه التوبة، وترك الصلاة عمداً كفر، فالواجب على من ترك ذلك أن يبادر بالتوبة، ولا يلزمه القضاء في أصح قولي العلماء.
الجواب: الفاتحة هي ركن الصلاة، فإذا قرأ الفاتحة وقت الصلاة أجزأت الصلاة وصحت، لكن عمله مكروه؛ لأنه خالف السنة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ معها في الأولى والثانية سورة أو آيات، الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فالذي يترك قراءة سورة مع الفاتحة في الفجر.. في الجمعة.. في الظهر والعصر والمغرب والعشاء في الأولى والثانية يكون قد خالف السنة، فأقل أحواله أنه ترك الأولى، ولا مانع أن يقال: إنه فعل مكروهاً؛ لأنه ترك سنة قد داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون فعل مكروهاً لا ينبغي له فعله.
الجواب: الاستنشاق والمضمضة في رمضان وفي غير رمضان واجبتان على الصحيح، فالواجب على المسلم أن يتمضمض ويستنشق في رمضان أو في غيره.. في الوضوء وفي الغسل، هذا الواجب في أصح أقوال أهل العلم، ولكنه في رمضان لا يبالغ، يتمضمض مضمضة غير مبالغ فيها لئلا يذهب الماء إلى جوفه، ويستنشق بغير مبالغة كما في الحديث الصحيح: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) إذا كان صائماً لا يبالغ، يستنشق مرتين أو ثلاثاً، والأفضل ثلاثاً، وهكذا المضمضة، لكن لا يبالغ، لا يشدد في استنشاق الماء لئلا يذهب إلى جوفه.
الجواب: سب الدين من أعظم الجرائم في الإسلام، وهو من الجرائم الكفرية ومن نواقض الإسلام ومن أنواع الردة عن الإسلام، فالذي يسب الدين أو يسب الله أو يسب الرسول عليه الصلاة والسلام هذا قد أتى كفراً عظيماً وردة عن الإسلام، والواجب على من سمعه أو كان يعلم ذلك منه أن ينكر عليه وأن يعلمه أن هذا ناقض من نواقض الإسلام وكفر بواح، فعليه أن يبادر بالتوبة لعل الله يتوب عليه.
وأما حكمه في الدنيا بالنسبة إلى ولاة الأمور فالواجب عليهم استتابته، فإن تاب فالحمد لله وإلا وجب أن يقتل، وقال جمع من أهل العلم: لا يستتاب بل يقتل حداً كافراً، فإن تاب فيما بينه وبين الله تاب الله عليه، ولكن يجب أن يقتل ردعاً له ولأمثاله عن سب الله ورسوله وعن سب دين الله.
والقولان معروفان لأهل العلم، وبالنظر إلى حالة الناس اليوم وكثرة الجهل واختلاطهم بالمشركين والكفار وضعفاء البصيرة يتضح له أن هذا الشيء قد يكثر في هذا الزمان؛ لكثرة مخالطة الكفرة، ولكثرة الجهل وغلبته على الناس ولضعف الدين والإيمان في قلوب الكثير من الناس، فلهذا قد يقع منه هذا الشيء كثيراً، فالواجب أن يردع عن هذا الشيء بغاية من التأديب الذي يردع الناس عن هذا ثم يستتاب لعله يندم على ما فعل، ولكن لابد من التعزير.. لابد من الأدب عما أقدم عليه ثم استتابته بعد ذلك، فيستتاب فإن تاب الحمد لله، مع التعزير والتأديب حتى لا يعود لمثل هذا، وإن لم يتب قتل كفراً وردة عن الإسلام.
والقول الثاني: لا يستتاب بل يقتل فوراً ولا يستتاب؛ لأن هذه جريمة عظيمة فلا يستتاب أهلها كما لا يستتاب الساحر على الصحيح، فهكذا من سب الله ورسوله أو سب دينه من باب أولى؛ لظهور كفره ولأنه هتك أمراً عظيماً وأتى جريمة عظمى في سب الدين وسب الله ورسوله.
وبكل حال فالواجب أن يستتاب، فإن تاب وندم وأقلع وأظهر الخير وأظهر العمل الصالح فالحمد لله وإلا قتل، ولكن التعزير لابد منه، لابد أن يعزر ويؤدب حتى لا يعود إلى مثل هذا ولو تاب، وإن قتل فوراً ولم يستتب فهو قول جيد وقول قوي ولا غبار عليه، ولكن الاستتابة لها وجهها، الله جل وعلا أمر باستتابة الكفار ودعوتهم إلى ذلك، فإذا استتيب لأن الجهل يغلب على الناس ويغلب عليهم أيضاً التساهل في هذه الأمور بسبب الجلساء الضالين وبسبب غلبة الجهل وبسبب المخالطة الخبيثة للكفرة والمجرمين فإذا استتيب وتاب توبة صادقة وأظهر الخير فالحمد لله، وإلا أمكن قتله إذا عاد إلى مثل هذا ولم يتأثر بالاستتابة ولا بالتعزير الذي فعل معه من ولاة الأمور.
والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الجواب: هذه قراءة بدعية لا أساس لها في الشرع، ولم يرد في الشرع ما يدل على استحبابها ولا جوازها، فالواجب تركها وعدم فعلها، ثم المستأجر أي ثواب له؛ لأنه لم يقرأ إلا بالأجرة، وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الاستئجار على تلاوة القرآن، فالذي يستأجر ليتلو للميت أو للحي أي ثواب له وهو لم يقرأ لله إنما قرأ للأجرة! فأي شيء يهدى!
المقصود أن هذا منكر ولا يجوز، والمستأجر ليتلو قد أتى منكراً عظيماً ومحرماً بالإجماع، وليس له ثواب حتى يهدى، فلا يجوز فعل هذا، بل المشروع الدعاء له وتعزية أهله، أما كونهم يرتبون الناس ليقرءوا ويستأجرون الناس ليقرءوا للميت ويهدى له ثواب ذلك فليس له أصل، والاستئجار على هذا منكر وباطل.
الجواب:هذا غلط ومغالطة، ولا يجوز أن يحتج على إيجاد البدع وعلى إقرار البدع بهذا الحديث الصحيح : (من سن في الإسلام سنة حسنة) لأن المراد (من سن في الإسلام) المراد بذلك إظهارها وإبرازها والدعوة إليها بعدما أميتت أو جهلها الناس، ليس المراد الابتداع والإحداث؛ لأن هذا يناقض قول النبي صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (إياكم ومحدثات الأمور)، (شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة).
فالأحاديث الصحيحة واضحة في منع البدع والتحذير منها وأنها من المنكر، فلا يجوز لأحد أن يحكم على البدع بأنها حسنة لأجل فهمه السيء من قوله صلى الله عليه وسلم : (من سن في الإسلام سنة حسنة)هذا غلط في فهم السنة وتحريف للمعاني، وإنما المراد إبراز السنن وإظهارها، (سنها) أي: أظهرها وأبرزها وبينها للناس حتى اقتدوا به فيها وحتى ساروا خلفه فيها بعدما جهلوها وبعدما غفلوا عنها.
أما إحداث البدع فلا يجوز، بل يجب على الناس أن يسيروا على ما رسمه الله لهم في كتابه وعلى ما رسمه الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة، وليس لهم أن يحدثوا في الدين ما لم يأذن به الله، قال الله جل وعلا : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) وقال: (وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: فهو مردود.
أما قول عمر: نعمت البدعة فقد أوضح أهل العلم أن مراده بذلك من حيث اللغة العربية؛ لأنه رضي الله عنه جمع الناس على إمام واحد وكانوا متفرقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصديق ، فلما كان عهده رضي الله عنه جمعهم على إمام واحد ومر عليهم ذات ليلة وهم يصلون فقال: نعمت هذه البدعة، يعني: جمعه لهم على إمام واحد مستمر منتظم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد جمعهم وصلى بهم في ليالي، ثم ترك ذلك خوفاً أن تفرض عليهم، فأصل التراويح سنة، أصلها سنة؛ فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إليها وحث عليها، لكن خاف أن تفرض على الناس، فترك بعدما صلاها ليالي عليه الصلاة والسلام بالناس جماعة، ثم استمر الترك إلى عهد عمر ، وكان يصلون في المسجد أوزاعاً، يصلي الرجل بنفسه، ويصلي معه الاثنان والثلاثة إلى أشباه ذلك.
فلما رآهم عمر ذات ليلة قال: لو جمعناهم على إمام واحد ثم جمعهم، فلما رآهم بعد ذلك يصلون جميعاً قال: نعمت هذه البدعة يعني: التي هي جمعهم على إمام واحد بصفة مستمرة، فهذا من حيث اللغة؛ لأن البدعة: ما كان على غير مثال سابق، فهذا من حيث اللغة العربية، وليس مقصوده أن هذه بدعة في الأساس والأصل، فإنه رضي الله عنه لا يمكن أن يوجد البدع ولا يقر البدع، وهو يعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن البدع.
وهذه سنة وقربة وطاعة معروفة في عهده صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك.
الجواب: ينبغي للمؤمن ألا يكون عمله هكذا بالتقليد، بل ينبغي له أن يسأل أهل العلم أو يتفقه إن كان عنده فقه، وينظر في الأدلة الشرعية حتى يأخذ بالدليل لا بالآراء المجردة، فيتابع هواه في مسألة ويتابع هواه في مسألة أخرى، فيقلد هذا تارة وهذا تارة، هذا ليس من شأن أهل العلم، وليس من شأن أهل الورع والاجتهاد في الدين، فالواجب على طالب العلم أن يعتني بالأدلة وأن يأخذ بما يقوم عليه الدليل فإن كان قاصراً عن ذلك نظر في كلام أهل العلم، وأخذ بما يراه أقرب إلى الصواب من أقوالهم، وتحرى الحق في ذلك، والصواب في هذه المسألة أن مس المرأة لا ينقض الوضوء، هذا هو الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ؛ ولأن الأصل صحة الطهارة وسلامتها، فلا يجوز أن يقال بفسادها إلا بدليل، وليس هناك دليل واضح مع من قال بأن مس المرأة ينقض الوضوء مطلقاً سواء بشهوة أو بغير شهوة، هذا هو الصواب وهذا هو الأرجح من حيث الأدلة، والعلماء لهم ثلاثة أقوال في هذا:
منهم من قال: إن مسها ينقض مطلقاً.
ومنهم من قال: لا ينقض مطلقاً.
ومنهم من قال: ينقض بشهوة، ولا ينقض إذا كان بغير شهوة.
والقول الأرجح قول من قال: إنه لا ينقض مطلقاً؛ لعدم الدليل على النقض، أما قوله جل وعلا: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] وفي قراءة (أو لمستم النساء) فقد فسر ذلك ابن عباس بأنه الجماع، وهو الصواب، المراد به الجماع، ليس المراد به الجس باليد، المراد به الجماع، فقوله: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [المائدة:6] هذا إشارة إلى الحدث الأصغر، أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ إشارة إلى الحدث الأكبر وهو الجنابة، فأشار إلى هذا بما يناسبه وهو الملامسة، وأشار إلى الحدث الأصغر: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ .
فالحاصل أن الصواب في هذه المسألة هو مع من قال: إن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً. نعم.
والنبي صلى الله عليه وسلم -مثلما تقدم- قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، اللهم صل عليه وسلم. نعم.
المقدم: إلى هنا -أيها السادة- ونأتي على نهاية لقائنا هذا الذي استضفنا فيه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
وقد عرضنا عليه أسئلة السادة: محمد عبده سعيد أحمد اليماني من اليمن، ورسالة نجم الدين العبيد محمد من السودان، وأخيراً رسالة محفوظ محمد البكري من جمهورية اليمن الديمقراطية من حضرموت.
شكراً لسماحة الشيخ عبد العزيز ، وشكرا ًلكم -أيها السادة- وإلى أن نلتقي بحضراتكم إن شاء الله تعالى نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر