المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات عبر رسائلكم على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في لقائنا هذا لعلنا نتمكن من عرض رسائل فتحي محمد مؤمن من جمهورية مصر العربية، والمستمع طارق يوسف أحمد من العراق من محافظة ديالى، والمستمع نبيل ناظم مزاحم من بغداد من محافظة ديالى أيضاً، والذي يسأل عن حالة الطلاق.
====
السؤال: شيخ عبد العزيز! هذه رسالة وردتنا من فتحي محمد مؤمن من جمهورية مصر العربية، يقول في رسالته: سمعت من بعض العلماء بأن الميت إذا أتي به إلى القبر ليدفن فإنه يسمع كل ما يقول الناس الذين أتوا لدفنه، فهل هذا صحيح أم لا؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فأمور البرزخ وأمور الأموات من الأمور العظيمة الغيبية التي لا يطلع عليها إلا الله سبحانه وتعالى، وما يقوله الناس في هذا الباب لا يعتمد عليه وإنما الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إنه ليسمع قرع نعالهم) يعني: بعد انصرافهم وبعد الدفن، هذا هو المحفوظ، أما سماع ما يقول الناس وما يتحدثون به فلم يرد فيه شيء فيما نعلم، ولا يجوز الجزم بذلك إلا بدليل، هو عليه الصلاة والسلام ذكر أنه يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا من دفنه فلا يجوز للمؤمن ولا لغيره أن يجزم بشيء عن الأموات إلا بدليل.
السؤال: سؤاله الثاني يقول: بعض الناس ينذرون النذور من الذبائح وغيرها للأمة والصحابة، فهل هذا جائز، وهل من الصحيح أن يأخذوا من النذور لأنفسهم، أفيدونا وفقكم الله وجزاكم الله عنا خيراً؟
الشيخ: لعل قصده للأئمة؟
المقدم: نعم.
الجواب: النذور والذبائح التي تنذر للأموات أو للأنبياء أو غيرهم، هذه النذور والذبائح من المحرمات الشركية كونه ينذر لغير الله ذبيحة أو شمعاً أو صدقات أو ما أشبه ذلك سواء كان المنذور له نبياً أو ولياً إماماً أو غير إمام لا يجوز، النذر يكون لله والذبيحة تكون لله، قال الله تعالى:
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي
[الأنعام:162] يعني: ذبحي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
[الأنعام:162-163] ويقول سبحانه:
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
[الكوثر:1-2] وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لعن الله من ذبح لغير الله) خرجه مسلم في الصحيح، وقال سبحانه:
وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ
[البقرة:270] يعني: فيجازيكم عليه، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه).
فالنذور عبادات فيها تعظيم الله وفيها تعظيم المخلوق إذا نذر له، كما أن الذبح عبادة يعظم بها الرب ويعظم بها المخلوق، فلا تليق إلا بالله سبحانه وتعالى، فليس له أن يذبح للجن ولا للأنبياء ولا للأولياء يتقرب إليهم بذلك يريد شفاعتهم أو شفاء مريضه، أو رد غائبه، أو قضاء دينه، أوما أشبه ذلك، لا للأنبياء، ولا للملائكة، ولا للجن، ولا للأولياء ولا لغيرهم، ما يكون الذبح إلا لله وحد يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى.
وهكذا النذر كالذي يقول بعض الجهلة: إن شفى الله مريضي فللشيخ كذا وكذا، وللولي الفلاني كذا وكذا، ويقول: إن شفي مريضي فلك يا شيخ فلان كذا وكذا، يتقرب إليه؛ لأنه واسطة بزعمه في الشفاء، هذا من الشرك الأكبر لا يجوز، بل يجب على من فعل هذا أن يتوب إلى الله، وأن يقلع من هذا العمل السيئ، وأن يندم على ما مضى منه ومن تاب تاب الله عليه سبحانه وتعالى.
وهذا غير الذبيحة التي يذبحها الإنسان كرامة للضيف أو أهله .. يأكلون هذا لا بأس، إذا ذبح ذبيحة للضيف الذي نزل به لإكرامه، فإكرام الضيف حق، كالذي ذبح ذبيحة ليأكلها وأولاده أو ليجعلوها موزعة على أيام، كل هذا لا بأس به، وهذا غير الضحية التي تذبح أيام النحر، هذه ذبيحة لله .. ضحية يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا ذبحها عنه أو عن أبيه أو عن أمه، ما يقال: إنه ذبحها لغير الله، هذه ذبحها لله يتقرب بها إلى الله ويريد ثوابها له أو لأهل بيته أو له ولأهل بيته، هذا لا حرج فيه، وإنما المنكر أن يتقرب بالذبيحة لغير الله، يذبح للنبي أو الولي أو للجن أو للملائكة يقصد أنه بهذه الذبيحة يتوسط بهم في قضاء حاجاته .. في شفاعته .. الله ليشفى مريضه، ليرد غائبه ليشفى هو من مرضه، يرى أن هذه العبادة تكون سبباً لوساطتهم له وتقريبهم له إلى الله سبحانه وتعالى.
السؤال: هذه رسالة وردتنا من بغداد من محافظة ديالا أيضاً من ناحية السعدية بعث بها المرسل
نبيل ناظم مزاحم يشكو فيها حالة اجتماعية بينه وبين زوجته، يقول: أنا في الرابعة والعشرين من العمر متزوج ولي طفلان من زوجتي التي هي بنت خالي، وحالتي الاجتماعية جيدة والحمد لله، حدثت مشاجرة بيني وبين زوجتي في بداية زواجنا حيث فقدت أعصابي، علماً أنني مصاب بمرض الكآبة المزمنة، وعلى إثر ذلك بالطريقة غير اعتيادية طلقت زوجتي بالثلاث، كنت في حالة غير طبيعية فعلاً، وكنت لا أصلي ولا أعرف من الشريعة الإسلامية وأحكامها شيئاً، ولو بقدر حبة رز والله أعلم، وكنت أتصور الطلاق نوعاً من التهديد للمرأة لا أكثر ولا أقل، وأما اليوم فأنا ملتزم بالفرائض الخمسة المفروضة على المسلمين والحمد لله أصبحت اليوم أعلم كثيراً من أمور الشريعة الإسلامية، رغم كل هذا أرجو من فضيلتكم أن تنظروا بقضيتي هذه، آملاً من الله أن يوفقكم في أعمالكم الخيرة، والله يحفظكم ويرعاكم؟
الجواب: الطلاق بالثلاث بكلمة واحدة فيه خلاف بين أهل العلم، الكثير منهم يراها نافذة، وأنها تحرم بها الزوجة حتى تنكح زوجاً آخر ويطأها؛ لما ثبت عن عمر أنه أمضى هذا الطلاق على الناس لما رأى منهم التلاعب والمسارعة إلى إيقاعه.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنها واحدة لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن الطلاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عهد الصديق وفي أول خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة) يعني إذا طلقها بالثلاث بكلمة واحدة جعلت واحدة، وقد أفتى ابن عباس وجماعة من أصحابه وغيرهم بأنها واحدة، وهذا القول أصح وأرجح القولين عملاً بما كان عليه الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصديق وأول خلافة عمر رضي الله عنه، فأنت أيها الأخ الذي هداه الله، تحتسب عليك طلقة واحدة، هذا الطلاق الذي صدر منك بالثلاث يحتسب طلقة واحدة، وزوجتك معك إذا كنت راجعتها بعد صدور هذا الطلاق، أو جامعتها بنية الرجعة حال كونها في العدة، فهي زوجتك والحمد لله.
أما إن كنت تركتها بعد الطلاق حتى اعتدت ولم تقربها ولم تتصل بها بل تركتها بسبب الطلاق حتى اعتدت، يعني: حتى حاضت ثلاث مرات بعد الطلاق فإنك تتزوجها من جديد، إذا رضيت بذلك تتزوجها من جديد بعقد جديد ومهر جديد وشاهدين، يعني: كسائر الخطاب، تخطبها لنفسها، فإذا وافقت يجدد النكاح بولي وشاهدين كسائر الأنكحة الإسلامية.
هذا هو جواب سؤالك ونوصيك بتقوى الله، والاستقامة على دينه، والتفقه في الدين، وأبشر بالخير فمن تاب تاب الله عليه.
المقدم: شكراً أثابكم الله.
أيها السادة! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه رسائل السادة فتحي محمد مؤمن من جمهورية مصر العربية، والمستمع طارق يوسف أحمد من العراق محافظة ديالا، والمستمع نبيل ناظم مزاحم من بغداد من محافظة ديالى أيضاً، عرضنا ما وردنا من أسئلة واستفسارات في رسائلهم على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز ، وشكراً لكم -أيها الإخوة- على متابعتكم، وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.