أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة الإرشاد.
مرحباً بسماحة الشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
====
السؤال: سماحة الشيخ عبد العزيز ! هذه رسالة يقول مرسلها من الدمام من المنطقة الشرقية راشد محمد الراشد :
إذا شفي المعذور بعد أن تلبس نائبه بالحج، فهل يقع الحج عن فريضة الإسلام أم يكون نفلاً في حقه؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فإذا شفي المعذور مما سوغ النيابة عنه في الحج فقد اختلف العلماء رحمة الله عليهم: هل يجزئ ذلك المعذور الحج، أم عليه أن يأتي به لزوال العذر، على قولين مشهورين لأهل العلم، والأحوط للمؤمن في مثل هذا أنه يأتي بالحج؛ لأن الأكثر من أهل العلم على أن عليه أن يأتي بالحج؛ لأنه اتضح أن عذره غير ميئوس من زواله، وكان الأصل في إباحة النيابة أن العذر يظهر أنه ميئوس منه وأنه كالشيخ الكبير الذي لا حيلة في عود الشباب إليه؛ فلهذا جازت النيابة عنه، فهذا المعذور الذي زال عذره واتضح أن مرضه ليس بميئوس من زواله، فينبغي له أن يأتي بالحج كسائر المسلمين الذين لا عذر لهم، وهذا هو الأحوط له، وفيه خروج من خلاف العلماء، وفيه العمل بقول الأكثرين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فقد حجينا ونحن مجموعة كبيرة من الحجاج، ومعنا سيارة فيها ست نساء وطفلان ورجل، أما البقية فإنهم شباب -في بقية السيارات- وبعد أن انتصف الليل في ليلة مزدلفة أحب صاحب العائلة أن ينزل إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة وأصر الشباب أن ينزلوا معه، هل يجوز لهم النزول أم لا؟
الجواب: إذا كان الحاج معه نساء فلهم الرخصة أن ينصرفوا من مزدلفة في النصف الأخير من الليل ليلة النحر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفة من أهله أن ينصرفوا منها بليل، وهذا ثابت عنه عليه الصلاة والسلام، والذي يظهر: أن أصحابهم مثلهم، فالذين مع النساء من الرجال القوامين عليهن والرفاق الذين معهم، الذي يظهر أنهم شيء واحد، فإذا سمح للضعفاء أن ينصرفوا فالذين معهم كذلك مسموح لهم الانصراف، أما الأقوياء الذين ليس معهم نساء فالسنة لهم البقاء حتى يصلوا الفجر وحتى يقفوا بعد الصلاة ذاكرين مهللين مكبرين حتى يسفروا كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وأما أولئك الضعفاء فأصحابهم حكمهم حكمهم، هذا هو الأرجح والأقرب.
المقدم: هذا إذا كان ما يمكن الانفصال منهم؟
الشيخ: ماداموا رفقة في سيارة واحدة.
المقدم: لا، هم في أكثر من سيارة.
الشيخ: أما إذا كان كل جماعة في سيارة مستقلة فالأقوياء سنتهم البقاء حتى يكملوا الليل، وحتى يصلوا الفجر، وحتى يقفوا مع الناس بعد صلاة الفجر ذاكرين مكبرين مهللين وداعين حتى يسفروا، هذا هو السنة، بخلاف ما إذا كانوا في سيارة واحدة تجمع رجالاً ونساء وشباباً وشيباً فهؤلاء دربهم واحد، ولا حرج -إن شاء الله- في انصرافهم جميعاً وذهابهم إلى منى آخر الليل ورميهم الجمرة، وذهابهم إلى مكة، كل هذا لا حرج فيه إن شاء الله؛ لأن الضعيف يتبعه القوي الذي هو في رفقته أو في القيام على شئونه.
الجواب: هذه السورة شرع الله فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم السجود والمسلمون كذلك، وهذه من سجدات التلاوة، فالمسلمون يشرع لهم كما شرع لنبيهم صلى الله عليه وسلم السجود عند قراءة هذه الآية، فإذا قرأ هذه الآية يسجد، إن كان مفرداً خارج الصلاة، وهكذا إن كان في الصلاة، وإن كان إماماً سجد وسجد معه الناس، وهذه من السجدات التي سجد فيها النبي عليه الصلاة والسلام.
وقد قال بعض أهل العلم: إن السجدات في المفصل قد نسخت، ولكنه قول ضعيف، والصواب: أنها باقية، وأنها سنة، السجدة في النجم، والسجدة في: إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ [الانشقاق:1] والسجدة في: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1] كلها سجدات مشروعة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام يسجدها الإمام بالمأمومين في الصلاة ويسجدها الإنسان في صلاته في تهجده ونحو ذلك، ويسجدها خارج الصلاة، هذه هي السنة.
الجواب: هذا سؤال مهم وله شأنه العظيم، وهو تعظيم القبور بالزيارة البدعية والبناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، هذه مسائل ذات أهمية، ينبغي أن يعلم أن زيارة القبور سنة؛ لأن النبي عليه السلام قال: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة).
ولكن ليس المقصود من الزيارة أن يدعى الميت أو يستغاث به أو يطلب منه المدد أو يتمسح بالقبر أو ما أشبه ذلك، لا، المقصود من الزيارة: ذكر الآخرة .. ذكر الموت، والدعاء للميت والترحم عليه إذا كان مسلماً، هذا المقصود؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) وفي اللفظ الآخر: (تذكركم الموت) فالسنة للزائر إذا زار أن يسلم على المقبورين وأن يدعو لهم بالمغفرة والرحمة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) وفي لفظ: (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين) وكان يقول إذا زار البقيع: (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) فالسنة إذا زار القبور هكذا أن يدعو لهم بالمغفرة والرحمة .. يسلم عليهم ويدعو لهم، هذا هو المشروع، أما أن يزورهم ليدعوهم من دون الله، ليطلب منهم المدد.. ليستغيث بهم .. لينذر لهم، هذا من الشرك الأكبر والعياذ بالله، وهذا من عمل الجاهلية أبي جهل وأصحابه عند القبور، فهذا لا يجوز بل هو من الشرك الأكبر.
وهكذا الصلاة عند القبور لا تجوز، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) وقال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
فلا يجوز الصلاة في القبور، ولا العكوف عندها، ولا سؤال أهلها، ولا الاستغاثة بهم، ولا النذر لهم كما تقدم، ولما رأت أم حبيبة وأم سلمة كنيسة في الحبشة وما فيها من الصور أخبرتا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا بتلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله)، فأخبر أنهم شرار الخلق بسبب تعظيمهم للقبور بالبناء عليها واتخاذ المساجد عليها ونحو ذلك، فالذي يفعله بعض الناس من اتخاذ المساجد قبور أو اتخاذ القباب على القبور المزينة بالذهب والفضة وغير ذلك، كل هذا منكر، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تجصيص القبور، وعن القعود عليها، وعن البناء عليها، فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على القبور المساجد، ولا القباب ولا غيرها من الأبنية، بل تبقى ضاحية مكشوفة في الجبانة في المقابر، يأتي إليها الزائر ويسلم عليهم وهو واقف ثم ينصرف، ولا يجوز الصلاة عندها، ولا بين القبور، ولا التمسح بالتراب، ولا الجلوس عندها للقراءة أو الدعاء، كل هذا منكر، وإنما يسلم عليهم ويدعو لهم وينصرف كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وكما فعله أصحابه، وكما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه الصلاة والسلام.
والصلاة عند القبور من البدع ومن وسائل الشرك أيضاً، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً)، دل ذلك على أن القبور لا يصلى فيها، ولا يصلى عندها، إنما الصلاة في المساجد .. في البيوت، أما القبور فلا؛ لأن الصلاة عندها من وسائل الشرك ومن وسائل العبادة من دون الله.
وهكذا البناء عليها، وهكذا اتخاذ المساجد عليها، وهكذا اتخاذ القباب عليها، وفرشها تطييبها، كل هذا من وسائل الشرك، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بما يفعله الناس الجهلة من هذا الشيء كما في بلاد كثيرة، يعظمون القبور ويبنون عليها المساجد والقباب، وهذا من المنكرات العظيمة، ومن وسائل الشرك كما لا يخفى عند أهل العلم.
فوصيتي ونصيحتي للسائل أن يحذر هذا، فإذا زار القبور يزورها زيارة شرعية، يسلم عليهم ويدعو لهم إذا كانوا مسلمين وينصرف، أما الصلاة في المسجد الذي على القبر أو عند القبور فهذا منكر.
كذلك الجلوس عندها للدعاء أو القراءة كذلك لا يجوز، وهكذا أعظم وأكبر دعاؤها، والاستغاثة بها، والنذر لها، وطلبها المدد، هذا يفعله بعض الجهلة وهو من الشرك الأكبر.
فالواجب الحذر من ذلك غاية الحذر، وكثير من المسلمين عندهم جهل كثير في هذه المسائل، يفعلون ما يرون العامة يفعلونه عند القبور ولا يعلمون أحكام الشرع في ذلك.
والواجب على العلماء في كل بلاد أن يعلموا الناس وأن يرشدوا الناس إلى سنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وأن يحذروهم من الشرك والبدع، هذا هو الواجب على أهل العلم في كل مكان، ولكن بسبب قلة العلماء وقلة أهل التحقيق كثر هذا الشر في بلدان كثيرة، وظنوه ديناً وظنوه شيئاً مشروعاً، فصاروا يسارعون إليه يحسبون أنهم على هدى وعلى حق في ذلك، وهذه مصيبة يجب التنبيه عليها، ويجب على كل مسلم أن يسأل عما أشكل عليه، وألا يتساهل بالأمور العادية التي جرى عليها آباؤه وأسلافه، لا، بل يسأل، فإن الكفار كان من عادتهم اتباع أسلافهم على غير بصيرة كما حكى الله عنهم أنهم يقولون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23]، فلا ينبغي التأسي بالكفرة في ذلك، بل تسأل أهل العلم إن كانوا عندك أو تكتب إليهم في أي بلاد، تسألهم عما أشكل عليك من أمور دينك حتى تكون على بصيرة؛ لأن الله قال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
فالواجب على أهل الإسلام إذا كان ما عندهم علم أن يسألوا، يعني: كل إنسان ما عنده علم يسأل عما أشكل عليه في أمور القبور .. في أمور صلاته .. في زكاته .. في صيامه .. في معاملاته، في كل شيء.
المقدم: شكراً لفضيلة الشيخ.
أيها السادة! إلى هنا نأتي على نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وقد تمكنا من عرض رسائل السادة: راشد محمد الراشد الدمام المنطقة الشرقية، والمستمعة (ش. م. ش) وتسأل عن النزول بعد منتصف الليل في الحج، وعوض علي عبيد سوداني من حي النسيج بقالة الصحراء، والمرسلة (ع. ي. م) الجمهورية العراقية محافظة التأميم.
شكراً لفضيلة الشيخ، وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى أن نلتقي بحضرتكم نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر