أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات عبر رسائلكم على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
فضيلة الشيخ عبد العزيز ! وردتنا رسائل من ضمنها هذه الثلاث التي وردتنا من: عبد القادر مطلك السعيدي من العراق محافظة التأميم، والمرسل (ش. ع. ش) من الطائف، ورسالة جواد عيد عبد الله من العراق محافظة صلاح الدين قرية البوطعمة.
====
السؤال: ونبدأ برسالة المستمع عبد القادر السعيدي من العراق محافظة تأميم، يقول في رسالته: أثناء وقوف المصلي على سجادة الصلاة وهو استمر بالصلاة، في هذه الحالة كيف يكون اتجاه نظره، هل يجوز النظر إلى السماء أو إلى الأمام أو إلى محل سجوده؟ هذا ولكم جزيل الشكر.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
السنة النظر إلى محل السجود، هذا السنة، مادام قائماً يصلي فالسنة ينظر موضع سجوده، ولا ينظر لا يميناً ولا شمالاً ولا أمام ولا فوق، وقد جاءت السنة الصحيحة بالنهي عن رفع البصر إلى السماء وأن هذا على خطر أن يخطف بصره، فلا يرفع بصره إلى السماء لا في دعائه ولا في صلاته في حال الصلاة، ولكن ينظر إلى موضع سجوده. وفي الحديث الصحيح: (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم) وفي لفظ قال: (أو لتخطفن أبصارهم).
الجواب: السنة مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الكعبة قبلة المسلمين أحياء وأمواتاً)، فإذا ظهرت علامات الموت في الرجل أو في المرأة يوجه إلى القبلة؛ يكون على جنبه الأيمن، ويوجه وجهه إلى جهة القبلة في أي مكان، سواء كانت القبلة في الغرب أو في الشرق أو في الجنوب على حسب البلدان، فإذا كان في بلد قبلتها المغرب يوجه وجهه إلى المغرب كنجد، وإذا كان في بلد قبلتها الجنوب كالمدينة والشمال يوجه إلى الجنوب، وهكذا على جنبه الأيمن، وإذا مات غمضت عيناه، وقبل الموت لا، لكن عندما يموت من بعد خروج روحه تغمض عيناه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك.
المقدم: ما الذي يقال عند الميت عند موته؟
الشيخ: لا يقال إلا خيراً: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم ثبته على الحق.. ونحو هذا الكلام، مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا إلا بخير، فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون) عند الميت لا يقال إلا خيراً؛ من دعاء طيب.. من ذكر الله.. من استغفار، والدعاء له بالمغفرة والرحمة.
الجواب: جاء في حديث فيه ضعف أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقراءة (يس) عند موتانا، (اقرءوا على موتاكم (يس)) يعني: عند المحتضرين، فسر العلماء الموتى هنا بالمحتضرين.. والمحتضر سمي ميتاً لأنه قرب الموت، ولكن الحديث ضعيف، فلا تسن على الصحيح لعدم صحة الحديث، وبعض أهل العلم ظن صحته فاستحبها، وإذا قرئ من باب الوعظ والتذكير إذا كان يعقل ويستفيد قرأ (يس) أو غيرها من القرآن، هذا كله طيب، لكن الحكم بأنها سنة يحتاج إلى دليل، والحديث ضعيف عند أهل التحقيق، لأنه من رواية شخص يقال له: أبو عثمان، وهو مجهول.
الجواب: إذا مات الميت وعليه صلوات لا تقضى عنه، ما شرع الله القضاء ولكن ينبغي لأهل المريض أن يلاحظوا تنبيهه على الصلاة، ويصلي على حسب حاله قاعداً أو قائماً أو على جنبه أو مستلقياًَ مثل ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين قال: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب، فإن لم تستطع فمستلقياً).
فينبغي لأهل المريض أن يلاحظوا هذا ويشجعوا المريض ويوجهوه ويعلموه حتى يصلي على حسب حاله في المرض ولو كانت ملابسه نجسة إن تيسر غسلها أو إبدالها بغيرها فالحمد لله وإلا صلى على حسب حاله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم [التغابن:16] وهكذا الفراش يصلي عليه ولو كان نجساً فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم [التغابن:16] لكن إذا تيسر تغيير الفراش والملابس بشيء طاهر فهذا واجب، وإذا ما تيسر صلى على حسب حاله ولو ما توضأ ولو كانت الثياب فيها نجاسة وهكذا الفراش، وإن قدر على الوضوء أو التيمم وجب عليه ذلك، بدل الوضوء يحضر عنده الماء ويتوضأ، وإن لم يقدر على استعمال الماء يحضر عنده بعض التراب حتى يتيمم، يتعفر بوجهه وكفيه كما هو معروف، وإذا عجز عن هذا وعن هذا ولم يتيسر صلى على حسب حاله فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم [التغابن:16].
ولكن كثيراً من الناس لا يبالون بهذه المسائل، يتركون المريض، والمريض ربما يتأول أنه قد اشتد به المرض وأنه سوف يفعل إذا خف عليه المرض، وقد يأتيه الموت ولا يفعل، فلا ينبغي هذا بل يجب على المريض أن يصلي على حسب حاله بالماء أو بالتيمم قائماً أو قاعداً أو على جنبه أو مستلقياً حسب حاله فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم [التغابن:16] هذا هو الواجب، أما إذا كان شعوره قد تغير كأن أصابه ما يغير عقله فلا صلاة عليه، إذا تغير العقل فلا صلاة عليه، لكن مادام عقله معه فعليه الصلاة، وإذا أخذ البنج وتأخر صحوه من البنج يوماً أو يومين فهذا مثل النائم إذا استيقظ يصلي ما ترك.
أما إذا كان أصابه خلل في عقله بأن اختل عقله بسبب المرض ومضى عليه مدة طويلة فهذا لا شيء عليه، لا قضاء عليه لو صح بعد ذلك، وإن قضى احتياطاً فحسن، لكن لا قضاء عليه على الصحيح إذا طالت المدة، أما إن كانت المدة يوماً يومين ثلاثاً فيقضي بعد أن يصحو من غشيته وذهاب عقله.
وعلى كل تقدير لا تقضى عنه الصلاة، سواء تعمد ذلك لجهله أو لعلة من العلل، فلا تقضى الصلاة إنما يقضى الصوم، إذا مات وعليه صيام قد فرط في قضائه يقضى عنه، أما إذا مات وعليه صيام وما تمكن من قضائه، مات في مرضه وما تمكن من قضاء الصوم فلا صوم عليه، لكن بعض الناس قد يصحو من مرضه، قد يشفى ثم يتأخر ولا يقضي ما عليه من صيام رمضان، فهذا يقضى عنه، يقضي عنه أولياؤه؛ ورثته. كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، وقد سئل عدة أسئلة عليه الصلاة والسلام، قال بعض السائلين: (يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صيام شهر؟ وآخر يقول: إن أبي مات وعليه كذا؟ فيقول: صم. فيأمرهم بالصوم، ويقول لهم: أرأيتم لو كان على أبيك أو كان على أمك.. لو كان على أختك دين أكنت قاضيه؟ فاقضوا الله، فالله أحق بالوفاء) فيشبه ما عليه من الصوم بالدين، فهو يأمر أولياءهم بالقضاء، أما الصلاة فلم يأمر أحداً بقضائها عليه الصلاة والسلام.
المقدم: لكن بالنسبة للصيام أليس مثلاً خاص برمضان أو في كل صيام؟
الشيخ: الصواب أنه عام، بعض أهل العلم يخصه بالنذر، ويقول: هذا في النذر خاصة، ولكنه قول ضعيف، والأحاديث عامة في رمضان وفي غيره؛ صوم رمضان وصوم الكفارة فهذا يقضي عنه أولياؤه.
الجواب: هذا من كلام بعض العامة الذين لا يعرفون ولا يفهمون، قول بعض الناس: إن الدنيا خلقت من أجل محمد، ولولا محمد ما خلقت الدنيا ولا خلق الناس. هذا باطل ولا أصل له بل هو كلام فاسد، والله خلق الدنيا ليعرف ويعلم سبحانه وتعالى وليعبد جل وعلا، خلق الدنيا وخلق الخلق ليعرف بأسمائه وصفاته وقدرته وعلمه، وليعبد وحده لا شريك له ويطاع سبحانه وتعالى، لا من أجل محمد ولا من أجل نوح ولا موسى ولا عيسى ولا غيرهم من الأنبياء.
بل خلق الله الخلق ليعبد وحده لا شريك له، خلق الله الدنيا وسائر الخلق ليعبد ويعرف ويعظم ويعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه هو القادر على كل شيء، وأنه بكل شيء عليم، كما قال سبحانه وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فبين أنه خلقهم ليعبدوه لا من أجل محمد عليه الصلاة والسلام، ومحمد من جملتهم خلق ليعبد ربه وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] وقال سبحانه وتعالى في سورة الطلاق: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12] وقال سبحانه : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا [ص:27] فالله جل وعلا خلق الخلق ليعبد، خلقها للحق وبالحق ليعبد ويطاع ويعظم وليعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم سبحانه وتعالى.
فأيها السائل! هذه الأشياء التي سمعتها باطلة ولا أساس لها، لم يخلق الله الخلق لا الجن ولا الإنس ولا السماء ولا الأرض ولا غير ذلك، لم يخلق ذلك من أجل محمد عليه والصلاة والسلام ولا من أجل غيره من الرسل، وإنما خلق الخلق وخلق الدنيا ليعبد وحده لا شريك له، ليعرف بأسمائه وصفاته، هذا هو الحق، وهذا الذي قضت عليه الأدلة وإن كان محمد عليه الصلاة والسلام هو أشرف الناس وهو أفضل الناس عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم، لكن الله خلقه ليعبد ربه، وخلق الناس ليعبدوا ربهم سبحانه وتعالى، ما خلقهم من أجل محمد وإن كان أفضل الناس.
فافهم هذا، وبلغه غيرك أيها السائل؛ لأن هذه مسألة مهمة، وقد وقع فيها من ينسب إلى العلم من الجهلة ومن الغلاة الذين ليس عندهم من العلم الحقيقي نصيب، أو هذه أشبه بالعامة الذين ليس عندهم علم، أما أهل العلم والبصائر فهم يعلمون أن هذا باطل، وأن الله سبحانه خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له وليعرف بأسمائه وصفاته وأنه الحكيم العليم وأنه السميع المجيب وأنه العليم القادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأنه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى.
الجواب: المراد هنا جميع الناس، كلهم واجب عليهم الحج لكن بشرط الإسلام، بشرط أن يسلموا، فلو حجوا قبل الإسلام ما يصح، فالناس كلهم عليهم الحج، لكن المسلم عليه المبادرة به مع الاستطاعة؛ لأنه قد دخل في الإسلام فوجبت عليه أعمال الإسلام المفروضة من صلاة وزكاة وصوم وحج .
أما الكفار فعليهم أن يسلموا وعليهم أن يقوموا بهذا الواجب، فهم مخاطبون بفروع الشريعة، مخاطبون بالصلاة والصوم والحج وغير ذلك، لكن لا تصح منهم حتى يأتوا بشرطها وهو الإسلام، بغير إسلام فإن أعمالهم باطلة: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] فهم كلهم مخاطبون بأعمال الشريعة، فروضها وفروعها، لكن لا تصح منهم هذه الفروع حتى يأتوا بالأصل وهو الشهادتان توحيد الله والإخلاص له والإيمان بأنه مستحق العبادة والشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة؛ محمد صلى الله عليه وسلم ولسائر النبيين والمرسلين، والإيمان بأنه خاتم النبيين وبأن كل ما أخبر الله به ورسوله حق، فلابد من هاتين الشهادتين؛ الشهادة بأنه لا إله إلا الله، أي: لا معبود حق إلا الله، فهو المعبود بالحق سبحانه وتعالى.
وما عبده الناس من أصنام أو أموات أو أشجار أو أحجار كله باطل، كما قال سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62] الآية من سورة الحج.
وكذلك لابد من الشهادة بأن محمداً رسول الله؛ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي العربي المكي ثم المدني، لابد من الشهادة بأنه رسول الله حقاً وبأنه خاتم الأنبياء، فمن لم يأت بهاتين الشهادتين عن صدق وإيمان فلا تصح صلاته ولا صومه ولا زكاته ولا حجه ولا سائر عباداته حتى يسلم وحتى يدخل في دين الله بالشهادتين وبالإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، فإذا أسلم وجب عليه أداء هذه الحقوق من صلاة وصوم وحج وغير ذلك بشرط الاستطاعة.
المقدم: شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز.
أيها السادة! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه رسائل السادة: عبد القادر السعيدي من العراق محافظة التأميم، والمستمع (ش. ع. ش) من الطائف، ورسالة جواد عيد عبد الله من العراق محافظة صلاح الدين قرية البو طعمة، عرضنا ما وردنا من رسائلهم من أسئلة واستفسارات على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز ، وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم في لقاء قادم نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر