مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
باسمكم وباسمي نرحب بسماحة الشيخ، وعلى بركة الله نبدأ في استعراض بعضٍ من رسائل السادة المستمعين، فأهلاً وسهلا ً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة سماحة الشيخ، رسالة وصلت إلى البرنامج من الأخ أحمد شوقي حسن علي مدرس مصري بالمملكة، بمدرسة شداد بن أوس ، سراة عبيدة أبها، أخونا يسأل سؤالاً واحد تقريباً متفرع فيقول: يقول الحق تبارك وتعالى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:107-108]، ويقول سبحانه: أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:19] إلى غير ذلك من الآيات التي توضح ثواب الذين آمنوا وعملوا الصالحات والتي وردت في القرآن الكريم، وقد سمعت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (لن يدخل أحد عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته).
والسؤال: كيف نوفق بين مفهوم الحديث الشريف، وبين مفهوم الآيات الكريمة، وفقكم الله؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فليس -بحمد الله- بين الآيات وبين الأحاديث اختلاف، فالله جل وعلا بين أن أسباب دخول الجنة أعمالهم الصالحة، كما قال عز وجل: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107]والآيات في هذا المعنى كثيرة، تبين أن الأعمال الصالحة هي أسباب دخول الجنة، كما أن الأعمال الخبيثة هي أسباب دخول النار، والحديث يبين أن دخولهم الجنة ليس بمجرد العمل، بل لا بد من عفو الله ورحمته سبحانه وتعالى، فهم دخلوها بأسباب أعمالهم، ولكن الذي أوجب ذلك رحمته سبحانه، وعفوه ومغفرته، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لا يدخل الجنة أحد منكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) فالباء هنا باء العوض، يعني: ليست عوض العمل، ولكنه مجرد رحمة الله وعفوه سبحانه وتعالى، حصل بذلك قبول العمل، ودخول الجنة والنجاة من النار، فهو الذي تفضل بالقوة على العمل ويسر العمل وأعان عليه، فكل خيرٍ منه سبحانه وتعالى، ثم تفضل بإدخال العبد الجنة، وإنجائه من النار بأسباب أعماله الصالحة، فالمعول على عفوه ورحمته، لا على عمل العبد، فعمل العبد لو شاء الله جل وعلا لما كان هذا العمل، ولما وفق له، فهو الذي وفق له وهداه له، سبحانه وتعالى، فله الشكر وله الحمد جل وعلا، فدخولهم الجنة برحمته وفضله ومغفرته، لا بمجرد أعمالهم، بل أعمالهم أسباب، والذي يسرها وأوجب دخول الجنة ومن بذلك هو الله وحده سبحانه وتعالى.
الجواب: هذا الكتاب لم نقف عليه، ولا نعرف ما اشتمل عليه من الأحاديث الصحيحة أو غيرها، ولكن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وضحت ما ينبغي أن يعمله المؤمن في ليله ونهاره، فقد صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحاديث بما كان يعمل عليه الصلاة والسلام، وبما أمر الله به العباد وشرعه لهم، فمن ذلك: سنة الضحى، كان صلى الله عليه وسلم يوصي الكثير من أصحابه بسنة الضحى، فهي سنةٌ مؤكدة، وربما صلاها وربما تركها عليه الصلاة والسلام، وقد صلاها يوم الفتح ثمان ركعات، وقالت عائشة رضي الله عنها: (كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله) وأوصى أبا هريرة وأبا الدرداء بصلاة الضحى، وقال عليه الصلاة والسلام لما ذكر الصدقة عن السلاميات: (وأن على كل سلامى من الناس صدقة، وأن بكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة ..) إلى آخر الحديث، قال: (ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى) فصلاة الضحى مؤكدة وفيها خير عظيم، وأقلها ركعتان، فإذا صلى أربعاً أو ستاً أو ثمان، أو أكثر من ذلك، فكله خير.
كذلك ما بعد الظهر كله محل صلاة، ويستحب له أن يصلي قبل الظهر أربعاً، وبعدها أربعاً، وهذا عام للرجال والنساء جميعاً، والراتبة أربع قبل الظهر وثنتان بعدها، هذه راتبة، أربع قبل الظهر وثنتان بعدها، كان يحافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: (من صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها حرمه الله على النار) فإذا صلى أربعاً قبلها وأربعاً بعدها، فهذا خير، وفيه فضل، كذلك في العصر، يقول عليه الصلاة والسلام: (رحم الله امرأً صلى أربعاً قبل العصر)، فصلاة أربع قبل العصر فيها فضل أيضاً.
كذلك بين كل أذانين يصلي ركعتين: (بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، ثم قال: لمن شاء) لئلا يظن أنها واجبة، فيستحب أن يصلي بين الأذانين ما تيسر.
وكذلك بعد المغرب ركعتان، يسن أن يصلي بعد المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين راتبة، كان النبي يحافظ عليها صلى الله عليه وسلم، ثنتين بعد المغرب وثنتين بعد العشاء.
وإذا صلى زيادة على ذلك بين المغرب والعشاء، فكله خير، لو صلى مائة ركعة، كله خير، الحمد لله، وهكذا بعد العشاء كان يتهجد عليه الصلاة والسلام، ربما أوتر من أوله، وربما أوتر من وسطه، وربما أوتر من آخره، واستقر وتره صلى الله عليه وسلم في آخر حياته عليه الصلاة والسلام في السحر يعني: في آخر الليل وهو أفضل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل) فالليل كله محل تهجد ومحل عبادة، وكان عليه الصلاة والسلام يصلي في الغالب إحدى عشرة ركعة في الليل، بعد العشاء، والغالب في آخر الليل، إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ثنتين عليه الصلاة والسلام، ويوتر بواحدة، وربما أوتر بثلاث عشرة، وربما أوتر بأقل من ذلك كالسبع والخمس، فالمؤمن مخير، وهكذا المؤمنة إن صلى واحدة أجزأت في الوتر بعد العشاء، وإن صلى ثلاث فهو أفضل، وإن صلى خمساً فهو أفضل، وهكذا.
هذه الصلوات المشروعة في الليل والنهار من النافلة غير الفريضة، فأنت أيها الأخت في الله سمعت الآن ما جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، في الصلوات النوافل، فإذا كنت تصلين مثل هذه الصلوات فهذا خير عظيم غير الفريضة، أما الفريضة فمعلومة: الظهر أربع والعصر أربع والمغرب ثلاث والعشاء أربع والفجر اثنتان، سوى السنة الراتبة، هذه الصلاة في الفريضة. أما القراءة فيستحب لك أن تقرئي القرآن كثيراً، مع التدبر، مع التعقل، يقول الله جل وعلا: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] ويقول سبحانه: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29] فيستحب لك الإكثار من القراءة بالتدبر والتعقل في الآيات التي تقرئينها، فإن فيه ذكر الجنة، ذكر النار، بيان أعمال الجنة، أعمال النار، بيان صفات المتقين، صفات الكافرين، صفات المنافقين، فالمؤمن يتدبر، وهكذا المؤمنة، فيعمل بصفات الأبرار والأخيار، ويبتعد عن صفات الأشرار والمنافقين، ويتذكر الجنة ويشتاق إليها ويعمل لها، وإذا سمع النار تعوذ بالله منها وابتعد عن أعمال أهلها، وإذا ختمت كل ثلاث أو كل سبع، هذا طيب، أو كل عشر، أو كل خمسة عشر، أو كل شهر، كله طيب. وينبغي أيضاً الإكثار من ذكر الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأوقات، الإكثار من ذكر الله: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، يستحب الإكثار من هذا الذكر، كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، والله يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42] ويقول جل وعلا في كتابه العظيم:فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10] ويقول لما عدد صفات المؤمنين، قال: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35] ويقول صلى الله عليه وسلم: (سبق المفردون، قيل: يا سول الله ما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات).
فالذكر لله أمره عظيم، وفضله كبير، وهكذا الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام، الله يقول جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] ويقول عليه الصلاة والسلام: (من صلى علي واحدة، صلى الله عليه بها عشراً) وجاءه جبرائيل فبشره أن من صلى عليه واحدة، صلى الله عليه بها عشراً، ومن سلم عليه واحدة، سلم الله عليه بها عشراً. فهذا خير عظيم، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
هذا شيء مما جاء في الكتاب والسنة، من فضل الذكر، وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وما يتعلق بالصلوات النافلة في الليل والنهار، نسأل الله أن يوفقنا وإياك وسائر المسلمين لما فيه الخير والصلاح والسعادة العاجلة والآجلة.
الجواب: ليس عليك حرج في ذلك، والحمد لله إسلامك على حاله ولم يتأثر بهذه القراءة، ولكن المشروع للمؤمن أن يستغني بكتاب الله عن التوراة والإنجيل، هذان الكتابان كانا كتابين عظيمين منزلين من عند الله عز وجل، ولكن حرفهما اليهود والنصارى وغيروا وبدلوا، فهما الآن لا يؤمنان من التحريف والتبديل، وفيهما من التحريف والتبديل ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، فينبغي للمؤمن أن لا يقرأهما وأن لا يشتغل بهما، إلا من كان عنده علم وبصيرة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعنده علم بما غيره اليهود والنصارى وحرفوه، فيطالع في التوراة وفي الإنجيل للرد عليهم وبيان أباطيلهم وضلالاتهم، فهذا له ذلك عند أهل العلم، للحاجة والضرورة إلى الرد عليهم وبيان أباطيلهم، أما عامة المسلمين، وعامة طلبة العلم، فليس لهم حاجة في ذلك، فلا ينبغي لهم الاشتغال بهذين الكتابين، ولا مراجعتهما ولا قراءتهما، وأنت بحمد الله ما دمت لم تتأثري بذلك، وإنما قرأتيه ثم رددته على صاحبته، فليس عليك شيء، إنما يضرك لو فعلت شيئاً مما يأمر به الإنجيل، أو يدعو إليه الإنجيل مما يخالف شرع الله سبحانه وتعالى ، أما مجرد الاطلاع فلا يضرك، ولكن ننصحك بترك ذلك في المستقبل.
الجواب: هذا وأمثاله لا يعتمد عليه، ولا يجوز تصديقه، ولا الاعتبار به من كل الوجوه، فإنها قد ترى بعض الرؤيا، وتصدق في بعض الرؤيا، وقد ترى رؤيا غير صادقة، وقد تكذب في رؤياها، وقد يخيل إليها الشيطان أشياء لا صحة لها، ولا وجود لها.
فالحاصل أن هذه المرائي التي تدعيها، يدعيها بعض الناس، أو يدعيها بعض النساء، كل ذلك لا يجوز الاعتماد عليه، لا في قضاء الديون ولا في السرقات ولا في غير ذلك، ولكن إذا كانت امرأةً صالحة قد ترى مرائي صالحة، وتصدق فيها، فمثل ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة جزء من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة) ويقول صلى الله عليه وسلم: (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، وهي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) والرؤيا الصالحة من الرجل الصالح لها شأن ولها قيمة، لكن لا يعتمد عليها في تشريع أمور، في إيجاب أمور، أو تحريم أمور، أو تكليف أهل الميت بكذا، أو تحميلهم كذا، أو ما أشبه ذلك، لا؛ لأن هذه المرائي قد تصدق وقد تكذب، وقد يكون الرائي صالحاً، وقد يكون غير صالح، وقد يكون لبس عليه، وقد تأتيه الشياطين فتخيل إليه أشياء، يزعم أنه رآها في النوم.
فالمقصود أن هذه المرائي وأشباهها لا يعول عليها، ولا يعتمد عليها في أن فلاناً يعذب، أو فلان ينعم، أو فلان عليه دين يوفى عنه، أو فلان ليس عليه دين، أو ما أشبه ذلك، لا.
لكن أهل الميت ينبغي لهم أن يراعوا ميتهم، إن كانوا يعلمون عليه شيئاً من الديون أوفوا من تركته، أو من مالهم إذا أعانهم الله على ذلك، وهذا عمل طيب، وإذا كان قد سرق سرقة من الناس يعرفونها، أدوها عنه من ماله إن كان له مال، وإن كان ما له مال وأدوا عنه، فجزاهم الله خيراً.
المقصود أن أهل الميت يلاحظون ميتهم، فإن كان عليه ديون أو حقوق للناس أدوها من تركته، أو أدوها من مالهم إن كان ما عنده تركة، واحتسبوا الأجر في ذلك، أو عنده مال ولم يسمح الورثة، فإذا أدى عنه بعض أحبابه، وبعض أصحابه احتياطاً، فهذا حسن، وأما الاعتماد على هذه المرائي فلا يعتمد عليها.
الجواب: ليس هناك نص يدل على أنها تكون لفلان أو فلان، ولكن يروى في بعض الأحاديث التي فيها بعض الضعف أنه إذا كانت تزوجت رجالاً عدة، فإنها تخير يوم القيامة، فتختار أحسنهم خلقاً. لكن هذا الحديث ليس بصحيح، لا يعتمد عليه، بل سنده ضعيف، والعلم عند الله عز وجل، هل تكون للأول، أو للآخر، أو للأوسط، الله أعلم بهذا سبحانه وتعالى، أما هذا الحديث فإن فيه أنها تخير هي، فتختار أحسنهم خلقاً، لكن ليس هذا الإسناد بمعتمد، وليس بصحيح حتى يقال به، ولكن الحقيقة أنها إلى الله سبحانه وتعالى، هو الذي يعلم من تكون له. ولا شك أنها إذا كانت تعلم أن فلان كان أحسن في عشرته لها، وكان أقوم بحقها، وكان أنفع لها، وكان أحسن خلقاً، فهو حري بأن يختارها وتختاره في الآخرة في الجنة، هو حريٌ بذلك وهي حرية بذلك.
فينبغي لكل زوج أن يتقي الله في زوجته، وأن يحسن عشرته، وأن يحسن خلقه، وأن يؤدي حق الأهل حتى لا يكون عليه تبعة يوم القيامة، وحتى يبرأ من عهدتها، وربما كان ذلك من أسباب اختيارها له يوم القيامة، إذا كانت ذات أزواج، والله المستعان. نعم.
الجواب: الاحتفال بالمولد قد كتب فيه العلماء وأوضحوا حكمه، وبينوا أن الاحتفال بالموالد بدعة لا أساس لها في الشرع، وقد كتبنا في هذا كتابات منذ سنوات كثيرة، وبينا أن الاحتفال بالمولد من البدع التي أحدثها الناس، وأول من أحدثها فيما ذكر بعض المؤرخين هم الفاطميون الشيعة الرافضة المعروفون، حكام مصر والمغرب في المائة الرابعة والخامسة، هم أول من أحدثها في المائة الرابعة، أحدثوا احتفالاً بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وبمولد فاطمة والحسين والحسن ، وبمولد حاكمهم ،ثم تتابع الناس في ذلك، وأحدثها جماعة من المسلمين في كثير من الدول الإسلامية تقليداً لمن قبلهم، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، ولم يأمر به، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، الخلفاء الراشدون لم يفعلوه، وهكذا بقية أصحابه رضي الله عنهم لم يفعلوه، وهكذا أصحاب القرون المفضلة.. القرن الثاني والثالث لم يفعلوه، وإنما حدث في القرن الرابع كما تقدم، والذين أحدثوه هم الشيعة، هم الرافضة، ليسوا بالقدوة في هذا ولا في غيره، فالذي ينبغي للمؤمن أن يتأسى بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأن يسير على نهجهم في عدم إحداث البدع، ومن ذلك المولد، فإنه ليس له أصل في الشرع، وحب النبي صلى الله عليه وسلم وتذكر سنته أمر مطلوب دائماً، فينبغي للمسلمين دائماً أن يذكروه صلى الله عليه وسلم، وأن يتبعوا سنته ويعظموها، ويشجعوا عليها ويدعوا إليها في كل وقت.. في دروسهم، وفي خطبهم، وفي مدارسهم، وفي معاهدهم، وفي غير ذلك، هكذا شرع الله له سبحانه وتعالى.
وقد رفع الله ذكره، وشرع للعباد اتباع سنته، وتعظيم أمره ونهيه عليه الصلاة والسلام، فهو ينادى بذكره كل يوم خمس مرات، في الأذان وفي الإقامة: أشهد أن محمداً رسول الله، والمسلمون يصلون عليه، ويشهدون له بالرسالة في كل صلاة مرتين، في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، مرتين في التشهد الأول والتشهد الأخير، وفي الفجر، وفي الجمعة كذلك، وفي صلواتهم النافلة، يشهدون أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فهو صلى الله عليه وسلم مذكور بين المسلمين، في صلواتهم، وفي أذانهم، وفي إقامتهم، وفي غير ذلك، فليس بمنسي حتى يهيأ له مولد، هو مذكور دائماً عليه الصلاة والسلام.
فالواجب على المسلمين أن يتبعوا سنته، وأن يعظموا أمره ونهيه، وأن يكتفوا بما شرع، وأن يحذروا البدع، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)يعني: مردود، وكان يقول في خطبته يوم الجمعة عليه الصلاة والسلام: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلاله) ويقول في حديث العرباض بن سارية : (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
فالاحتفال بالموالد كلها من البدع، ومن جملة ذلك مولده عليه الصلاة والسلام، فينبغي للأمة أن يتركوا هذه البدع، وأن يجتهدوا في اتباع سنته، وتعظيم أمره ونهيه، وأن يسارعوا إلى ما جاء به عليه الصلاة والسلام من الهدى، وأن يبتعدوا عما نهى عنه من الباطل، هكذا يكون حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا يكون تعظيمه، وهكذا يكون ذكره الذي ينفع العبد في الدنيا والآخرة، لا بالبدع والخرافات.
وقد نبه جماعة من أهل العلم على هذه البدعة كـالشاطبي وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وجماعة آخرين، نبهوا على هذه البدعة، وبينوا أنها خطأ، وأنها محدثة، فينبغي للمسلمين دائماً ترك البدع والحذر منها، والتواصي بإحياء السنة، والاستقامة عليها، واتباعها والحذر مما خالفها، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
المقدم: سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد الله سبحانه وتعالى؛ على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم والمستمعون على خير.
الشيخ: اللهم آمين، اللهم آمين ..
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا مطر محمد الغامدي ، شكراً لكم جميعاً وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر