المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
باسمكم وباسمي نرحب بسماحة الشيخ، وعلى بركة الله نبدأ في استعراض بعض من رسائل السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة شيخ عبد العزيز رسالة وصلت إلى البرنامج من الرياض، باعثها أحد الإخوة يقول (م. ص. ج) أخونا: سؤالي: ما حكم من يرد على السائل بإيماءة برأسه بنعم أو لا وهو في الصلاة، مثال ذلك: أنه في حالة استعجال السائل بأخذ الجواب مني وأنا داخل في الصلاة بأن يسأل مثلاً: هل أنتظرك وذلك بأن أرد عليه برأسي نعم، هل تبطل الصلاة؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالإشارة في الصلاة لا بأس بها، ولا حرج فيها، ولا تبطل بها الصلاة؛ قد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق ومعلمهم؛ وقد فعلها أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، فلا حرج في ذلك، فإذا سألك سائل: هل أنتظر وأنت في الصلاة؟ فأشرت برأسك أن نعم فلا بأس، أو سألك سائل عن حكم من الأحكام فأشرت بما يدل على نعم أو لا، كل ذلك لا بأس به، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرد بالإشارة عليه الصلاة والسلام. نعم.
السؤال: ما حكم من أتى بركعتين بعد صلاة الفجر؟ وهل تجب على من فاتته تحية دخول المسجد قبل الصلاة؟ ومتى وقتها؟
الجواب: التحية لا تقضى، تحية المسجد إذا جاء وهم يصلون كفته الفريضة، ولا حاجة إلى أن يقضي تحية المسجد، فالصلاة تقوم مقامها الفريضة، وإذا لم يصل الراتبة (سنة الفجر) بأن جاء والإمام قد دخل في الصلاة فإنه مخير إن شاء صلاها بعد الصلاة، وإن شاء صلاها بعد ارتفاع الشمس، كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، أعني السنة الراتبة التي تشرع قبل صلاة الفجر وهما ركعتان، إذا فاتت بأن جاء من بيته إلى المسجد وقد دخل الناس في الصلاة ولم يصلها في البيت، فإنه يصليها بعد الصلاة إذا شاء؛ فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم من فعلها بعد الصلاة، وإن شاء أخرها حتى يصليها بعد ارتفاع الشمس، الأمر في هذا واسع والحمد لله، أما تحية المسجد لا تقضى. نعم.
الجواب: فيه تفصيل: إن كان أتى بهما لأنهما سنة الفجر فلا بأس وهذا مشروع، أما أن يتطوع بركعتين بعد الفجر لا، غير مشروع، منهي عن ذلك.
السؤال: هل يجوز فسخ الشراب بعد أداء الفروض الخمسة للماسح عليها يوم وليلة؟ وعند اتساخها، هل يصح لي تغييرها قبل إكمال الفروض ومتابعة المسح عليها؟ والقصد من سؤالي: هو إراحة الأرجل عند النوم وذلك بعد أداء الفروض جميعها، ابتداءً من صلاة الفجر حتى العشاء، والفترة ما بين العشاء والفجر راحة، راجين إفادتي بذلك، والله يوفقكم؟
الجواب: المشروع للمؤمن أن يمسح يوماً وليلة إذا كان مقيماً، وثلاثة أيام بلياليها إذا كان مسافراً، كما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من حديث علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمسح المقيم يوم وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليها)، وهكذا جاء في أحاديث أخرى عن النبي عليه الصلاة والسلام، والبدء يكون بعد الحدث، إذا مسح بعد الحدث هذا البدء، فإذا أحدث الضحى مثلاً ثم توضأ للظهر ولبسها ثم مسح للعصر فإنه يستمر إلى العصر الآتي، فإذا جاء العصر الآتي خلعها وغسل رجليه قبل العصر، ثم لبسهما بعد ذلك، ثم يمسح يوم وليلة بعد ذلك.
أما إذا خلعهما للراحة، مثلاً لبسهما بعد الظهر على الطهارة، ثم مسح عليهما بعد العصر، ثم مسح بعد المغرب والعشاء، ثم خلعهما بعد العشاء للنوم، فإنه يغسل قدميه إذا قام للفجر، ولا يلبسهما إلا على طهارة، يغسل قدميه يتوضأ وضوء الصلاة ويغسل قدميه، ثم يلبسهما على طهارة، فيمسح عليهما بعد ذلك الضحى إذا صلى الضحى، أو يمسح عليهما الظهر أو العصر هكذا، يوم وليلة مرة أخرى وهكذا.
وإذا خلعهما بعدما أحدث، فإنه يبطل حكم المسح، فليس له أن يعيدهما إلا على طهارة جديدة، يتوضأ ثم يلبسهما على طهارة جديدة، ولا يلبسهما على طهارة سبقت قبل الخلع، لا، متى خلعهما بطل حكم المسح، حتى يتوضأ وضوءاً جديداً ثم يلبسهما بعد الوضوء الجديد، ولهذا لما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خفان، فأراد أن يمسح عليهما، وأراد المغيرة أن ينزعهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ المؤمن ثم لبسهما يمسح)، وهكذا جاء في حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)، فالمؤمن يمسح ثلاثة أيام بلياليها في السفر، ويمسح في الإقامة يوم وليلة لكن في غير جنابة، أما الجنابة فلا، لابد من الخلع، حتى يغسل قدميه في الجنابة. نعم.
السؤال: أنا مواطن مصري مقيم في الرياض، وحصل أن أصيبت زوجتي بمرض ولزمت السرير، فنذرت نذراً لوجه الله إذا صحت زوجتي من هذا المرض أن أذبح خروف، وأعمل به احتفال للأهل والجيران، على أن يكون بمثابة صدقة لوجه الله، وعندما عدت إلى مصر وجدت زوجتي قد صحت من مرضها، فقررت أن أفي بنذري، لكن صادف أن توفي أحد الجيران مما تعذر علي عمل النذر، فعدت إلى السعودية، والآن أسأل: هل يمكن أن أبعث بقيمة الخروف لأخي؛ لكي ينوب عني ويفي بالنذر، أم أنه لا يجوز أن ينوب عني؟ أفيدوني أفادكم الله، وصاحب الرسالة هو أخونا عطية جابر محمد.
الجواب: نعم لك أن ترسل القيمة لأخيك، أو تعمده بأن يشتري خروف نيابة عنك تبرعاً منه، أو قرضاً عليك، ثم يذبح ويتصدق، أو يدعو من أردتم من أقاربكم وجيرانكم لهذا الخير.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، والله سبحانه مدح الموفي بالنذر فقال عز وجل في سورة الإنسان: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7]، مدح المتقين الأبرار بهذا العمل.
فالواجب عليك أن توفي بالنذر، وإذا ذبحته هناك بواسطة أخيك أو غير أخيك من الوكلاء عنك فلا بأس. نعم.
الجواب: الحمد لله الذي منَّ عليكما بالتوبة، فتبت أنت وتابت هي كذلك، وكنتما تصليان جميعاً حتى توفيت، الحمد لله، التوبة يمحو الله بها ما قبلها، كما قال الله عز وجل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وجعل الفلاح ناتج عن التوبة؛ فمن تاب أفلح، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ.. [التحريم:8] الآية، فالتوبة من أسباب محو الذنوب، ومن أسباب دخول الجنة، وقال عز وجل: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70].
فمن تاب توبة صادقة، واستقام على الإيمان والعمل الصالح محا الله سيئاته وأبدلها حسنات فضل منه سبحانه وتعالى، فاحمد الله يا أخي! أنك تبت وهي تابت والحمد لله، واجتهد في الدعاء لها بالمغفرة والرحمة وأنت على خير، وزواجكما صحيح؛ لأنك وإياها كنتما لا تصليان، فصلاتكما صحيحة، مثل صلاة الكفار الذين أسلموا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم نكاحهم على حاله، أسلم الناس في عهده صلى الله عليه وسلم وأقر نكاحهم على ما كان في حال كفرهم، ولم يغير نكاحهم، فأنت وهي كنتما لا تصليان، فنكاحكما صحيح؛ لأنكما على حال واحدة، فنكاحكما صحيح والحمد لله كسائر أنكحة الذين تناكحوا في الكفر ثم أسلموا، وترك الصلاة لا شك أنه كفر، ولكن الحمد لله قد تبتما والحمد لله، وهي كافرة ذاك الوقت، وأنت كذلك بترك الصلاة، في أصح قولي العلماء الذين يقولون: إن تركها كفر أكبر، وقال آخرون من أهل العلم: إن تركها كفر دون كفر، وأن تركها لا يخرج من الإسلام إذا كان تاركها مؤمناً بها وأنها حق وأنها واجبة، ولكن حمله الكسل والتهاون، فعند جمع من أهل العلم أنه لا يكون كافراً بذلك كفراً أكبر، ولكنه يكون كافراً كفراً أصغر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه مسلم في صحيحه؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، لكن الصواب والأرجح أنه كفر أكبر، كما بينا في غير حلقة، ولكنك تزوجتها وأنت لا تصلي وهي لا تصلي فأنتما سواء، فنكاحكما صحيح والحمد لله، والتوبة صحيحة إن شاء الله ما دامت صادقة، وقد تبتما إلى الله، والله يمحو عنكما ما سبق، فنسأل الله لك ولها المغفرة والرحمة، وعليك يا أخي أن تستقيم وأن تسأل ربك الثبات على الحق حتى تموت على ذلك إن شاء الله.
وعليك أيضاً أن تجتهد في أدائها في الجماعة، أداء الصلاة في الجماعة، مع العناية بالخشوع والإقبال عليها والاجتهاد فيها، حتى تؤديها كاملة، رزقنا الله وإياك التوفيق والهداية والثبات على الحق.
الجواب: قد كتبنا في هذا أجوبة كثيرة، وقد نبهنا في هذا البرنامج مرات كثيرة، على أنه لا يجوز الاحتفال عند الموت بأحد من الناس، ليس لأهل الميت أن يقيموا احتفالاً بذلك، ولا أن يذبحوا ذبائح، ولا أن يصنعوا طعاماً للناس، كل هذا من البدع والجهالات التي كان يفعلها بعض الناس، وهي من أمر الجاهلية.
ثبت عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة. فكان من عمل الجاهلية ومن النياحة التي كانوا يفعلونها في الجاهلية.
فالواجب على المسلمين إذا مات الميت أن يسألوا الله له المغفرة والرحمة، وأن يتركوا هذه الاحتفالات، وهذه الأطعمة التي تقام من أهل الميت، وقد يكون الميت فقيراً، وقد يكون عنده أيتام فيضرونهم، المقصود أنها لا أصل لها حتى ولو كان غنياً، لا أصل لها، ولا ينبغي فعلها، ولا يجوز فعلها، لكن يشرع لجيرانهم وأقاربهم أن يصنعوا لهم طعاماً؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة، ولهذا ثبت من حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر لما قتل في مؤتة، وجاء نعيه إلى المدينة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهله أن يصنعوا لآل جعفر طعاماً، قال: (لأنه أتاهم ما يشغلهم)، فإذا صنع لهم طعام من جيرانهم أو أقاربهم وأرسل إليهم؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة فهذا مستحب، وهذا سنة، أما أهل الميت فليس لهم صنع الطعام، ولا ينبغي لهم أن يصنعوا للناس الطعام، أما إذا صنعوه لأنفسهم ولأكلهم أو لضيوف نزلوا بهم فلا بأس، أما أن يصنعوا من أجل الميت مأتماً للميت لينوحوا عليه، أو يقيموا عليه الأشعار والمراثي، أو ليدعوا الناس إلى ذلك، كل هذا من البدع، كل هذا من الجهالات ومن أمر الجاهلية لا يجوز، أما كونهم يصنعوا لأنفسهم طعاماً هم ليأكلوا عادتهم فلا بأس، أو نزل بهم ضيف، فصنعوا من أجل الضيف لا من أجل الموت، ولا من أجل النياحة، ولا من أجل جمع الناس، ولكن من أجل الضيف الذي نزل، إذا صنعوا طعاماً ليطعموا الضيف فلا بأس بذلك؛ لأنه جاء من بعيد.
فالمقصود من هذا كله أن المنكر هو أن يصنعوه للناس، أهل الميت يصنعوا طعاماً ليجمعوا الجيران أو الأقارب ولينوحوا أو ليقرءوا أو غير ذلك هذا هو المنكر، هذا هو الجاهلية.
أما صنعهم طعاماً لحاجتهم أنفسهم؛ لأكلهم المعتاد؛ أو نزل بهم ضيف فاضطروا إلى أن يصنعوا طعاماً لأجله حتى يكرموه لما جاء من بعيد، فهذا لا حرج في ذلك، ولا ينبغي لأهل الإيمان وأهل الإسلام أن يعتادوا أمر الجاهلية وأن يفعلوا أمر الجاهلية، لا، بل يتواصوا، بل ينبغي التواصي بترك أمر الجاهلية، هكذا ينبغي للمسلمين.
وأما جيرانهم وأقاربهم فيستحب لهم أن يصنعوا لهم طعاماً ويرسلونه إليهم؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة، هذا إذا تيسر فهذا أفضل، وهذا سنة.
السؤال: رسالة مطولة باعثها أحد الإخوة من العراق يقول علي حسين محسن العامري ، محافظة واسط مدينة الكرامة العراق، أخونا مشكلته كالتالي: يقول: أنا شاب في الثالثة والعشرين من عمري متزوج ولي طفل، قمت خلال عملي في إحدى الدوائر من خلال المخالطة اليومية مع الناس، تعلقت بإحدى الفتيات، وهي كذلك، المهم تقدمت إلى أهلها للزواج منها فرفضوا بحجة أنني متزوج وكذلك أسكن المنطقة الريفية، وكررت الحالة أكثر من مرة فلم تتم موافقتهم على الزواج، فلما يئست منهم قررت ترك تلك الفتاة، وفعلاً قلت لها: إننا سوف نفترق؛ لأن الأمور تأزمت إلى حيث الأصعب، ومن المستحيل أن أطلق زوجتي الأولى وأترك ولدي إنني أخاف من الله، إخوتي في الدين! لما عرفت هي بذلك قررت الانتحار، والله يعلم بذلك، وفعلاً تناولت السم، ونقلت إلى المستشفى على إثرها، ثم فرجت بعد أسبوع، فكررت الخطبة للمرة الثالثة فلم يوافقوا، فحاولت الانتحار ثانية، ونقلت إلى المستشفى ثانية. ويستمر على هذا المنوال سماحة الشيخ إلى أن يقول في نهاية الرسالة: ماذا أفعل للمشكلة؟ أريد حلاً يرضي الله ورسوله والناس، هل يجوز لي أن أتزوج وأهرب بها معي؟ أم ماذا أفعل أرشدوني للطريق الشرعي وفقكم الله؟ ويبدو أن للموضوع صلة بالاختلاط سماحة الشيخ.
الجواب: لا ريب أن الانتحار جريمة عظيمة، ومن كبائر الذنوب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة)، والله يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29].
فهذه الفتاة حرام عليها الانتحار، والواجب عليها الصبر والاقتناع بما قسم الله لها، والتماس زوج آخر.
وأما الأهل فالواجب عليهم أن ينظروا في الأمر، أهل الفتاة الواجب عليهم أن ينظروا في الأمر، فإذا كان الرجل صالحاً للزواج فينبغي أن يزوجوه، ولو كان معه زوجة، والحمد لله قد أباح الله للمسلم أربعاً من النساء، فالواجب على أهل الفتاة أن يخافوا الله، وأن يراقبوا الله، وأن يزوجوها إذا خطبها الكفء، وإن كان عنده زوجة أو زوجتان أو ثلاث وهي رابعة لا يضر؛ فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه - في لفظ: وأمانته- إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالمشروع لهم أن يزوجوا من خطب منهم إذا كان أهلاً لذلك، ولو كانت عنده زوجة، إذا كان ديناً مسلماً، الله يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
والنبي صلى الله عليه وسلم زوج فاطمة بنت قيس القرشية ، زوجها من أسامة بن زيد وهو مولى عتيق أعتقه النبي عليه الصلاة والسلام، وزوج عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري بلال بن رباح الحبشي أخته أخت عبد الرحمن وهي زهرية قرشية، فالأمر في هذا واسع بحمد الله، وزيد بن حارثة تزوج زينب بنت جحش بنت عمة النبي عليه الصلاة والسلام.
فالأمر في هذا بحمد الله واسع المهم الدين، فإذا كانت المرأة ترغبه فهي ترغب هذا وهو دين وهو معروف بالدين فالحمد لله، الواجب أن لا يلجئوها إلى الانتحار وإلى هذا الشر العظيم.
والواجب عليها هي أن تحذر الانتحار، وأن تتقي الله، وأن تبتعد عن هذا الشر العظيم.
وعليك أيها الخاطب أن تقنعها، وأن تخوفها من الله، وأن ترغبها في الخير، وأن تقول لها: لا، إذا تيسر الزواج بالطريقة الشرعية فالحمد لله، وإلا فالواجب علي وعليك طاعة الله ورسوله، والحذر مما نهى الله عنه ورسوله من الانتحار وغيره، هذا هو نصيحتي لجميع أهلها نصيحتي لهم أن يزوجوها، ونصيحتي لك أيضاً أن تقنعها أنت، وأن تنصحها وتوصيها بالخير والصبر حتى يقنع أهلها بالزواج، وعليك أن تنصحها أيضاً من جهة الانتحار وأنه محرم، كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أسباب دخول النار، فالواجب عليها الحذر من ذلك، نسأل الله للجميع الهداية.
أما أخذها بالقوة والهروب فهذا منكر لا يجوز، هذا لا يجوز لك ولا لها أيضاً، بل عليكما مراعاة الأمور الشرعية والحذر مما حرم الله عليكما جميعاً، والله المستعان.
والاختلاط شره عظيم، الواجب على المرأة أن تبتعد عن الاختلاط بالرجال، والواجب على الرجل أن يبتعد عن الاختلاط بالنساء، والواجب على المرأة أن تتستر، وأن تبتعد عن أسباب الفتنة، يكون عليها الستر والحجاب وعدم التبرج هذا هو الواجب، الله ما شرع لنا هذا إلا لمصلحة الجميع، ولهذا قال سبحانه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، فلولا أن التبرج يضر الجميع لما نهى عنه سبحانه وتعالى، والتبرج هو إظهار المحاسن، هو إظهار الزينة، فالواجب على النساء التستر، والحجاب، والبعد عن مخالطة الرجال إلا بالحشمة، والحجاب، والكلام الطيب، والأسلوب الحسن البعيد عن الفتنة، وهكذا الرجل يجب عليه أن يبتعد عن الاختلاط بالنساء الكاشفات العاريات أو شبه العاريات، يجب عليه أن يبتعد عن ذلك، وأن يبتعد عن كل أسباب الفتنة، يخاف الله ويراقبه سبحانه وتعالى، نسأل الله للجميع الهداية.
السؤال: أيضاً من العراق بغداد (م. م. ن) يسأل سؤالين: في سؤاله الأول: يصور نفسه سماحة الشيخ بأنه سيئ الظن بكثير من الناس، بم تنصحونه؟
الجواب: يقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) متفق على صحته.
فالواجب عليك أيها السائل! أن تتقي الله، وأن لا تسيء الظن بالناس إلا بشروط بأسباب، أما سوء الظن مطلقاً فهذا غلط، وليس لك ذلك: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)، لكن من ثبت لديك بالبينة العادلة أو بالمشاهدة أنه يقف موقف التهم، ويجلس مجالس التهم فهذا هو محل سوء الظن، وإلا فاتق الله واحذر سوء الظن في الناس، وعليك بحملهم على أحسن المحامل ما لم تجد خلاف ذلك، ما لم تعلم خلاف ذلك، وعليك أيضاً أن تبتعد عن مخالطة من تتهمهم وتسيء بهم الظن، لفسادهم وإعراضهم عن دين الله، ابتعد عنهم واختلط بأهل الخير والاستقامة، والتمس لك الجلساء الصالحين، فإذا لم تجد فالزم بيتك، إلا وقت الصلاة تخرج وتصلي مع المسلمين، وابتعد عن مخالطة الأشرار، واتق الله حتى تجد الصاحب الطيب والجليس الصالح، أما سوء الظن بالناس من غير علة ومن غير سبب هذا لا يجوز؛ بل هو مخالف لقوله سبحانه: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12]؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث). نعم.
السؤال: يسأل: هل هناك كفارة لمن أساء به الظن وأصبح مخطئاً؟
الجواب: الكفارة التوبة إلى الله والاستغفار والندم على ما مضى منك، وإحسان الظن به على حسب ما ظهر من الخير. نعم.
السؤال: رسالة من السودان الخرطوم باعثها أخونا كمال علي محمد الكروق فيما يبدو، أخونا يقول: منذ أن توفيت والدته وهو يصلي لها ركعتين؛ كأنه يريد أنه يصلي عنها نيابة سماحة الشيخ، ويسأل: هل عمله هذا صحيح أم لا؟
الجواب: لا، ليس بصحيح، المشروع الدعاء لها، والترحم عليها، والصدقة عنها، أو الحج عنها، أو العمرة لا بأس، أما الصلاة لها لا، لم يشرع لنا أن نصلي عن الأموات، ولكن الحج لا بأس، العمرة لا بأس، الصدقة كل هذا مشروع، والدعاء والترحم عليهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ما قال: يصلي له، قال: يدعو له، فتدعو لوالدتك، تستغفر لها، وتسأل الله لها الرحمة والمنزلة العالية في الجنة، وغفران الذنوب، تتصدق عنها مما تيسر من الطعام من النقود من الملابس على الفقراء والمحاويج كل هذا طيب.
السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من إحدى الأخوات المستمعات تقول: لقد تزوجت وأنا عمري ثلاث عشرة سنة، وكنت أجهل أمور الزواج وحقوق الزوج، وكثيراً ما كنت أطلب منه الطلاق، تكرر ذلك مني كثيراً حتى اضطر أن يقول في مرة من المرات: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وبعد أربعة أشهر وفي ذلك اليوم الذي كتب به ورقة الطلاق، وشهدا على طلاقي شاهدان كانت عليها العادة، وتسأل عن حكم الطلاق والحالة هذه شيخ عبد العزيز ؟
الجواب: أولاً: الواجب على المرأة تقوى الله، والمعاشرة الطيبة لزوجها، وعدم إيذائه بطلب الطلاق ولا بغيره من الأذى كالسب، والشتم، وعدم السمع والطاعة، كل هذا لا يجوز، ما دام الزوج قائماً بحقها، فالواجب عليها أن تقوم بحقه أيضاً، الله يقول سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، ويقول عز وجل: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، فعليها المعاشرة بالمعروف وعليه المعاشرة بالمعروف، بالكلام الطيب والفعل الجميل، في الفراش، وفي البيت، وفي جميع الأحوال، تقول له الكلام الطيب وهو يقول لها الكلام الطيب، وتؤدي له ما يجب من الطاعة في بيته، في خدمته، في طاعته في الفراش، في غير هذا مما أباح الله عز وجل.
وهو كذلك يعاملها بالمثل، بالكلام الطيب، والسيرة الحميدة، والإنفاق عليها كما أمر الله، إلى غير هذا من وجوه المعاشرة الطيبة، وليس لها طلب الطلاق مع الاستقامة، بل هذا لا يجوز، أما إذا كانت الحالة غير ذلك بأن كان أساء العشرة، أو ما كتب الله لها في قلبه المحبة مثلاً: تبغضه ولا تستطيع القيام بحقه للبغضاء، فلا مانع أن تخبره بذلك، وأن تطلب منه الطلاق، حتى لا تخل بالواجب، فإن سمح بذلك فالحمد لله وإلا فعليها الصبر حتى يجعل الله فرجاً ومخرجاً.
أما ما وقع من الطلاق في حال الحيض، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، جمهور أهل العلم يرون أنه يقع الطلاق وهذا قول الأكثرين من أهل العلم، والقول الثاني: أنه لا يقع في الحيض، ولا في النفاس، ولا في طهر جامعها فيه الرجل؛ لما ثبت من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين أنه طلق امرأته وهي حائض فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وأنكر عليه ذلك، وأمره أن يراجعها، وأن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك، وإن شاء طلق قبل أن يمسها، فهذا يدل على أن الطلاق في حال الحيض والنفاس منكر، وهكذا في الطهر الذي جامعها فيه، وإنما السنة أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، أو في حال حملها، ولهذا في اللفظ الآخر: (فليطلقها طاهراً أو حاملاً).
فالصواب أنه لا يقع في هذه الحالة، وإن كان قول الأقل والأكثرون على وقوعه، لكن قول الأقل في هذا أصح؛ لهذا الحديث الصحيح، والله المستعان. نعم.
المقدم: بارك الله فيكم، كأن أختنا تحمل كونها زوجت وعمرها ثلاث عشرة سنة تحمل هذا الموضوع كل هذه الأخطاء؟
الشيخ: لا حرج، النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهي بنت سبع سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين، فالأمر في هذا واسع، لكن على أهلها أن يعلموها إذا أرادوا تزويجها في هذا السن، عليهم أن يعلموها ويوجهوها ويشرحوا لها حقوق الزوج، وأن عليها كذا وكذا وكذا حتى تكون على بصيرة، وإلا فلا يعجلوا حتى تأخذ العلم بنت خمس عشرة بنت ست عشرة سبع عشرة، يعني: ينبغي لهم أن يزوجوها في الأوقات المناسبة، التي يرون أنها أهل لذلك، فإذا أرادوا التبكير بأن خطبها الكفء وخافوا فوت الكفء، خافوا فوق الرجل الطيب، فينبغي أن يغتنموا الرجل الطيب، ولو كانت بنت ثلاث عشرة لكن عليهم أن يعلموها ويوجهوها حتى تعرف ماذا تعمل مع الزوج، رزق الله الجميع الهداية. نعم.
المقدم: سماحة الشيخ! في ختام لقائنا هذا أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد الله سبحانه وتعالى؛ على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم والمستمعون على خير إن شاء الله تعالى.
الشيخ: نرجو ذلك، نسأل الله التوفيق.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ،الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا مطر محمد الغامدي . شكراً لكم جميعاً، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر