إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (137)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: نعود في بداية لقائنا إلى رسالة الأخ المعلم السوداني من اليمن (ق. ع. س.) عرضنا معظم أسئلته في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة له سؤال يقول: سمعت في البرنامج أن تارك الصلاة تهاوناً كافراً كفراً مخرجاً من الملة، ولكن الشافعية يقولون في كتاب النفحات الصمدية: إنه -أي: تارك الصلاة- يستتاب ويقتل ويصلى عليه ويغسل ويدفن في مقابر المسلمين، فما رأي سماحتكم وجزاكم الله خير الجزاء؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فقد علم أن ترك الصلاة تهاوناً من أكبر الكبائر ومن أعظم الجرائم؛ لأن الصلاة عمود الإسلام والركن الأعظم بعد الشهادتين فلهذا صار تركها من أقبح القبائح ومن أكبر الكبائر.

    واختلف العلماء رحمة الله عليهم في حكم تاركها هل يكون كافراً كفراً أكبر، أو يكون حكمه حكم أهل الكبائر؟ على قولين لأهل العلم، فمنهم من قال: إنه يكون كافراً كفراً أصغر كما ذكره السائل عن الشافعية وهكذا عن المالكية والحنفية وبعض الحنابلة، وقالوا: إن ما ورد في تكفيره يحمل على أنه كفر دون كفر، وتعلقوا بالأحاديث الدالة على أن من مات على التوحيد وترك الشرك فله الجنة، وهذا موحد مات على توحيد الله فلا يكون كافراً كفراً أكبر.

    أما إذا جحد وجوبها قال: إنها غير واجبة، فهذا قد أجمع العلماء على كفره إذا اعتقد أنها غير واجبة وقال: أنها لا تجب من شاء صلى ومن شاء ترك، فهذا قد أجمع علماء المسلمين على أنه كافر كفراً أكبر عند الشافعية والحنبلية والمالكية والحنفية وغيرهم من أهل العلم وإنما الخلاف فيما إذا تركها تهاوناً فقط وهو يؤمن بوجوبها.

    وقال بعض أهل العلم: إنه يكون كافراً كفراً أكبر وهو المنقول عن الصحابة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ثبت من حديث عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل قال: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة. ومعلوم أنهم يرون أن الطعن في الأنساب والنياحة على الميت نوع من الكفر، والبراءة من الأنساب نوع من الكفر لكنه كفر أصغر، فعلم أن مراده بذلك أن ترك الصلاة كفر أكبر ليس من جنس ما ورد في النصوص تسميته كفراً وهو كفر أصغر.

    واحتجوا أيضاً بما ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، واحتجوا أيضاً بما رواه الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، وبقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأئمة الذين يتركون بعض ما أوجب الله ويتعاطون بعض ما حرم الله سأله السائل عن قتالهم قال: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، وفي اللفظ الآخر: (إلا أن تروا كفراً بواح).

    فدل ذلك على أن ترك الصلاة كفر بواح فيه أدلة أخرى، وهذا هو القول الصواب وإن كان القائلون به أقل من القائلين بأنه كفر أصغر، لكن العبرة بالأدلة لا بكثرة الناس، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].

    فالأدلة الشرعية قائمة على أن تركها كفر أكبر ولو كان ذلك تهاوناً من غير جحد للوجوب.

    وأما ما يتعلق بالموت على التوحيد فيقال: إن من ترك الصلاة ما يكون مات على التوحيد بل يكون مات على الكفر، قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) والصلاة من حقها.

    ويدل على هذا قوله في الحديث الآخر في الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)، ويقول جل وعلا عن أهل النار: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:42-46].

    فذكر من موجبات دخولهم النار تركهم الصلاة، نسأل الله العافية، فالواجب على أهل الإسلام من الرجال والنساء الحذر من ترك الصلاة تهاوناً أو جحداً لوجوبها، ومن جحد وجوبها كفر إجماعاً ومن تركها تهاوناً وتساهلاً بها كفر في أصح قولي العلماء، فالواجب الحذر، نسأل الله للمسلمين العافية والسلامة.

    المقدم: إذاً ما قيل في البرنامج هو الصحيح وهو الراجح؟

    الشيخ: نعم، هو الصواب.

    المقدم: بارك الله فيكم. سماحة الشيخ بالنسبة للمتأولين عن علم أو عن غير علم كقولهم مثلاً: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، بعضهم مثلاً نوقش في موضوع الصلاة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما)، أرجو من سماحة الشيخ توجيه الناس في فهم النصوص وكيف يجب عليهم تجاه النصوص التي فيها مثل هذه القواعد.

    الشيخ: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينهما إذا اجتنب الكبائر)، هكذا جاء الحديث: (إذا اجتنب الكبائر)وترك الصلاة من أكبر الكبائر حتى على القول بأنها ليس تركها كفراً أكبر فتركها من أكبر الكبائر.

    وفي لفظ آخر قال: (ما لم تغش الكبائر) فمن أتى الكبائر لم تكفر عنه الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الجمعة ولا غير ذلك، ولهذا قال جمهور أهل العلم: إن أداء الفرائض وترك الكبائر يكفر السيئات الصغائر، أما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال جل وعلا: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] يعني: الصغائر وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31]، فإذا سمعت النصوص التي فيها ذكر تكفير السيئات ببعض الأعمال الصالحة فاعرف أن هذا بشرط اجتناب الكبائر مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، وقوله: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)، يعني: إذا ترك المعاصي ترك الكبائر، ولهذا قال: (لم يرفث ولم يفسق)، وهكذا قوله: (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، المبرور ليس معه إصرار على الكبائر، وهكذا بقية الأعمال التي يعلق فيها الرسول صلى الله عليه وسلم تكفير السيئات بالعمل الصالح يعني: عند اجتناب الكبائر، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إن صوم يوم عرفة يكفر السنة التي قبله والتي بعده)، يعني: عند اجتناب الكبائر، هكذا قوله صلى الله عليه وسلم في صوم يوم عاشوراء (إنه يكفر السنة التي قبله) يعني: عند اجتناب الكبائر؛ لقوله سبحانه وتعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر)، (إذا اجتنب الكبائر)، (ما اجتنبت الكبائر) ألفاظ جاءت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما ذكر الوضوء عليه الصلاة والسلام وأن من توضأ نحو وضوئه صلى الله عليه وسلم غفر له قال: (ما لم تصب المقتلة) قال العلماء: والمقتلة هي الكبيرة يعني عند اجتناب الكبائر، نسأل الله السلامة والعافية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088578228

    عدد مرات الحفظ

    777434001