مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ، وعلى بركة الله نبدأ في استعراض بعض رسائل السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله.
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من إحدى الأخوات المستمعات تقول: صفية محمد من لحج في اليمن، أختنا لها مجموعة من الأسئلة من بينها هذا السؤال: هل يجوز الاستنشاق والمضمضة في نهار رمضان لمن كان صائماً؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه أمر بإسباغ الوضوء ثم قال: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) دل ذلك على أن الصائم يتمضمض ويستنشق، لكن لا يبالغ مبالغة يخشى منها نزول الماء إلى جوفه، أما الاستنشاق فلابد منه، وهكذا المضمضة لأنهما فرضان في الوضوء في حق الصائم وغيره.
الجواب: نعم، يجوز للمرأة أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال وإن كانت في حال الحيض والنفاس، كما تذكر الله سبحانه وتعالى، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) يعني: في حال الجنابة وغيرها، فإذا قالت الحائض: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فهذا طيب، وهكذا النفساء، وهكذا إذا صلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر الله.
فالحائض والنفساء يشرع لهما ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال إلا في حال الجنابة فإنه لا يقرأ القرآن خاصة، وهكذا الرجل لا يقرأ القرآن في حال الجنابة، أما ما سوى القرآن من الذكر فإن الجنب والحائض والنفساء مشروع لهم الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، لكن يستثنى من ذلك الجنب فإنه لا يقرأ القرآن حتى يغتسل ولا يمس المصحف حتى يغتسل، وهكذا الحائض والنفساء لا تمسان المصحف إلا بعد الغسل، لكن لا بأس أن تقرأا عن ظهر قلب؛ لأن مدتهما تطول ليستا مثل الجنب مدته قصيرة، فالحائض والنفساء مدتهما تطول فلا مانع من قراءتهما القرآن عن ظهر قلب في أصح قولي العلماء.
الجواب: عليك القضاء وعليك مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، أما القضاء فلقوله سبحانه: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، فإذا كان المريض يقضي والمسافر يقضي فالذي تساهل وترك الصيام من أجل بعض الشدة من باب أولى أن يقضي مع التوبة إلى الله، مع التوبة والاستغفار عما حصل من التساهل.
وعليك مع ذلك إطعام مسكين عن كل يوم؛ لأنك أخرت القضاء إلى بعد رمضانات أخرى، فعليك إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد؛ كيلو ونصف من قوت البلد من تمر أو أرز أو حنطة أو غير ذلك، وإن عشيت المسكين أو غديته كفى ذلك، وإن جمعت الجميع وأعطيتها بعض الفقراء كفى ذلك؛ لأن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أفتوا بهذا رضي الله عنهم وأرضاهم.
المقدم: بارك الله فيكم. أخونا يسأل أيضاً فيما إذا تكرر الحال كيف يتصرف سماحة الشيخ؟
الجواب: هذا يختلف، إن كان تكرر عن مرض فالمريض يفطر، أو في حال السفر فالمسافر يفطر، أما إذا كان في حال الإقامة وعدم المرض بل هو صحيح معافى ليس بمسافر فإن الواجب عليه أن يصوم وأن يستعين بالله عز وجل، وليس له التساهل في هذا لأجل مشقة الحر أو نحوه إلا أن يخشى موتاً فهذا شيء آخر.
المقصود: أنه عليه أن يصبر كما يصبر إخوانه المسلمون في حال الحر في بعض البلاد الحارة يصوم ويستعين بالله كما يصوم إخوانه إلا إذا كان مريضاً أو مسافراً.
المقدم: بارك الله فيكم. أخونا يذكر أنه عامل سماحة الشيخ؟
الشيخ: ولو كان عاملاً يصوم ويتفق مع أهل العمل على تخفيف العمل أو تخفيف المدة على قدر حاله، فإن لم يستطع ذلك ترك العمل في رمضان وعمل فيما سوى رمضان واستعان بالأعمال الأخرى في خارج رمضان على بقائه وفراغه في رمضان؛ لأن دينه أهم وأحق بأن يعتني به فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فالمؤمن يعتني بدينه أكثر ويهتم به أكثر، فإذا كان في رمضان عنده عمل كثير اتفق مع أهل العمل على تخفيفه حتى يتمكن من الصيام.
المقدم: بارك الله فيكم، رأي سماحتكم في تحويل العمل إلى الفترات المسائية بدلاً من النهار؟
الشيخ: على كل حال يعمل ما يستطيع، إن استطاع أن يعمل في أول النهار أو في آخر النهار أو في الليل، يتفق مع أهل العمل على الشيء الذي لا يمنعه من الصوم.
المقدم: أستخلص من هذا أن سماحة الشيخ لا يرى أنه يجوز للعامل عملاً شاقاً أن يتعذر بالعمل ويفطر؟
الشيخ: نعم، ليس له ذلك، بل عليه أن يعمل عملاً يستطيعه.
الجواب: أسباب ذلك أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة)، وفي الرواية الأخرى: (تعدل حجة معي) يعني: معه عليه الصلاة والسلام، فلهذا ينافس المسلمون في ذلك ويحرصون على أداء العمرة في رمضان رغبة في هذا الأجر العظيم، وإذا كررها في رمضان مرتين أو ثلاثاً فلا بأس من أجل هذا الخير العظيم، لكن ينبغي له أن يلاحظ أن لا يشق على الناس، فإذا كان في زحمة كبعض الليالي العشر الأخيرة، فالأقرب عندي والأظهر عندي ترك ذلك حتى يوسع للناس مادام اعتمر في أول الشهر فالحمد لله؛ حتى لا تحصل في عمرته وأمثاله المضايقة للناس الذين لم يعتمروا في أول الشهر.
فالحاصل أن المؤمن يراعي حال إخوانه الذين يعتمرون في العشر الأخيرة، فإذا كان في وقت تحصل فيه شدة فينبغي له أن يوسع لهم وأن يكتفي بالعمرة السابقة التي حصلت له في أول الشهر أو في أثنائه والحمد لله.
الجواب: هذا الوصل يسلم لأهله؛ لبنات أخيهم كما أوصى والدهم بذلك، وليس لهم تأخير ذلك ولا حبسه، وقد أخطئوا في تأخيره وهو في مثابة الوصية، هذا في مثابة الوصية لكن يراعى في ذلك أن أولاد الابن في هذا ليسوا وارثين، فلابد من كون هذا المبلغ يخرج من الثلث، إن كان بقدر الثلث أو أقل من الثلث فإنه يدفع لهم؛ لأنه لا يرث لبنات ابنه مع أعمامهم والإرث للأعمام، والوصية لغير الوارث مشروعة ولاسيما للأقارب، فالواجب أن يدفع إليهم هذا الأمر إذا كان قدر الثلث فأقل، أما إن كان فيه زيادة فالزيادة لابد من سماح الورثة بها ولا يجوز تأخير ذلك، وعلى من أخره التوبة إلى الله ولا يلزمه الزيادة، بل المبلغ الذي وصى به يكفيه ولا تلزمه الزيادة من أجل التأخير، والله المستعان.
الجواب: الآية عظيمة ومعناها واضح، يقول سبحانه: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41]، قبلها قوله سبحانه: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ [النازعات:37-40] يعني: خاف مقامه بين يدي الله، فلهذا نهى نفسه عن هواها، يعني: هواها المحرم، (ونهى النفس عن الهوى) (أل) بدل المضاف إليه، يعني: عن هواها الذي حرم الله عليها، فهذا هو الذي له الجنة والكرامة، فإن النفس قد تميل إلى الزنا، قد تميل إلى الخمر، قد تميل إلى الربا، قد تميل إلى ظلم الناس، قد تميل إلى أشياء أخرى مما حرمها الله وتهوى ذلك لأسباب، فإذا وفق الله المؤمن أو المؤمنة لمحاربة هذا الهوى ومخالفته وعدم الانصياع إليه صار هذا من أسباب دخول الجنة، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40] يعني: خاف وقوفه بين يدي الله؛ فلهذا نهى نفسه عن هواها، يعني: زجرها عن هواها، وخالفها وألزمها بالحق وكبح جماحها حتى لا تقع فيما حرم الله من الزنا أو شرب المسكر أو تعاطي الربا، أو الغيبة أو النميمة أو العقوق للوالدين، أو قطيعة الرحم، أو ظلم الناس في أموالهم ودمائهم وأعراضهم.. إلى غير هذا، هذا الذي نهى نفسه عن هواها وألزمها بالحق خوفاً من الله وطلباً لمرضاته له الجنة والكرامة، الله المستعان.
المقدم: تسأل أختنا تقول: عمل المرأة إذا لم تكن محتاجة للمادة هل يعد من الهوى أو لا؟
الشيخ: عملها لا يعد من الهوى إذا كان عملاً شريفاً سليماً بين النساء الذي ليس فيه خلطة بالرجال، وليس فيه إسفار لها عن محاسنها وإنما تعمل عملاً مباحاً بين أخواتها النساء ليس فيه ظلم ولا عدوان ولا ارتكاب محرم، وزوجها راض إن كان لها زوج فلا بأس ليس فيه شيء، ليس هذا من الهوى، فالعمل يختلف؛ فإن كان في معاصي الله وجب تركه، وإن كان عملاً يفضي بها إلى الاختلاط مع الرجال وإظهار محاسنها للرجال كان أيضاً منكراً يجب منع النفس عن هواها في هذا، أما إذا كان عملاً مباحاً أو شرعياً بين أخواتها فلا بأس، مثل مدرسة للبنات، مثل ممرضة للنساء، مثل طبيبة للنساء، لا بأس في هذا ولا حرج والحمد لله.
المقدم: بارك الله فيكم، وإن لم تكن محتاجة للمادة كما تعلمون؟
الشيخ: ولو كانت غير محتاجة تأخذ المال لزيادة ثروتها أو للصدقة به أو لغير هذا من الأسباب الحسنة.
الجواب: الحمد لله الذي من عليك بالتوبة ورزقك الإنابة إليه ومخافته سبحانه، هذه من نعم الله عليك، والله سبحانه يقول: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، فالتوبة فلاح وسعادة، وعليك أن توصل الأموال التي دخلت عليك بغير حق إلى أهلها بالطرق الموثوقة التي توصلها إليهم وإن لم يعلموا أنك أنت المرسل حتى تسلم من عهدتها، فالمهم وصولها إليهم ولو لم يعلموا أنها منك بل من طريق آخر على أن يعلموا أنها لهم وأنها حق لهم، توصلهم إياها أنها لهم، وأن هذا مال لكم، فإذا وصلتهم على أنها مالهم برئت من عهدتها وإن لم يعلموا أنك المرسل.
أما إذا لم تقدر على ذلك أو لم تعرفهم فإنك تصرفها في وجوه البر، بإعطائها الفقراء والمساكين بالنية عن أصحابها، أو تدفع للمجاهدين الأفغان، أو في غير ذلك من وجوه البر وأعمال الخير بالنية عن أهلها، وبهذا تبرأ ذمتك ويحصل لأهلها الأجر عند عدم العلم بهم أو القدرة على إيصالها إليهم، أما مع القدرة على إيصالها إليهم فالواجب إيصالها إليهم ولا تبرأ الذمة إلا بذلك، يسر الله أمرك.
المقدم: اللهم آمين، يخبرهم سماحة الشيخ أو لا داعي؟
الشيخ: لا يخبرهم لا، لا حاجة إلى إخبارهم.
الجواب: نعم، لا بأس أن يلتحف بعباءة أو شبه ذلك، أو لحاف ثخين بطانية أو غيرها حتى تقيه البرد والمطر لا بأس، لكن لا يغطي رأسه، أما إذا كان يحتاج إلى غطاء الرأس لأنه يرى أن عليه خطراً في ذلك فإنه لا مانع أن يغطي الرأس وعليه الفدية وهي إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من التمر أو غيره، أو صوم ثلاثة أيام، أو ذبح شاة أحد الثلاثة، هذا إذا خاف على نفسه من المضرة العظيمة إن لم يغط رأسه، أما كونه يلتحف على بدنه ببطانية أو مطرحة أو عباءة يطرحها عليه، لا يلبسها اللبس العادي بل يطرحها عليه لتوقي البرد والمطر فلا بأس بهذا ولا شيء فيه.
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)، فالمشروع له إذا جاء وهم في الجلوس في التشهد الأخير أن يدخل معهم ويجلس معهم مكبراً، يكبر وهو واقف تكبيرة الإحرام ثم يجلس ويقرأ التحيات معهم، فإذا سلم إمامه قام وقضى صلاته كملها، أما هل يحصل له فضل الجماعة، فهذا فيه التفصيل:
إن كان معذوراً بأن تأخر لعذر شرعي كقضاء الحاجة التي نزلت به فذهب يتوضأ، أو شغله شاغل لا حيلة فيه فله أجر الجماعة؛ لأن المشغول والمعذور بالعذر الشرعي حكمه حكم من حضر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله ما كان يعمل وهو صحيح مقيم)، ولقوله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: (إن في المدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم)، وفي اللفظ الآخر: (إلا شركوكم في الأجر، قالوا: يا رسول الله! وهم في المدينة؟ قال: وهم في المدينة، حبسهم العذر)، وفي لفظ: (حبسهم المرض)، فدل ذلك على أن من حبسه عذر شرعي يكون له أجر من عمل العمل على الوجه الشرعي.
أما إن كان تأخر عن تساهل فإنه لا يحصل له فضل الجماعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)، من أدرك ركعة أدرك فضل الجماعة، وإن لم يدرك الركعة لم يدرك فضل الجماعة، إذا كان عن تساهل وعدم عذر شرعي، والله المستعان.
المقدم: سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم والمستمعون على خير.
مستمعي الكرام! كان لقاؤكم في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا: مطر محمد الغامدي .
شكراً لكم جميعاً، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر