مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب. رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من الكويت خيطان الجديدة، باعثها أحد الإخوة من هناك: (ر. ع. س) أخونا يشكو من أخ له ويقول: إنه يقترف بعض المعاصي وقد نصحه كثيراً إلا أن الأمر آل به إلى المجاهرة، ويرجو من سماحة الشيخ التوجيه في هذا الموضوع لو تكرمت؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن الواجب على المسلمين فيما بينهم هو التناصح والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق كما قال الله عز وجل في كتابه المبين: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]، وقال سبحانه: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
هاتان الآيتان مع الحديث الشريف كلها تدل على وجوب التناصح والتعاون على الخير والتواصي بالحق.
فإذا رأى المسلم من أخيه تكاسلاً عما أوجب الله، أو ارتكاباً لما حرم الله وجب نصحه، وجب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر؛ حتى يصلح المجتمع وحتى يظهر الخير وحتى يختفي الشر، كما قال الله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
فأنت أيها السائل ما دمت نصحته ووجهته إلى الخير ولكنه ما زاده ذلك إلا إظهاراً للمعصية فينبغي لك هجره وعدم اتخاذه صاحباً ولا صديقاً، وينبغي لك أن تشجع غيرك من الذين قد يؤثرون عليه وقد يحترمهم أكثر على نصيحته ودعوته إلى الله لعل الله ينفعه بذلك، وإن رأيت أن الهجر يزيده شراً وأن اتصالك به أنفع له في دينه وأقل لشره فلا تهجره؛ لأن الهجر يقصد منه العلاج فهو دواء، فإذا كان لا ينفع بل يزيد الداء داءً فأنت تعمل ما هو الأصلح من الاتصال به وتكرار النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير اتخاذه صاحباً ولا صديقاً؛ لعل الله أن ينفعه بذلك، وهذا هو أحسن ما قيل في هذا من كلام أهل العلم رحمهم الله.
الجواب: على كل حال قد أسأت في هذا، وكان الواجب عليك أن تجعله في وجه من الوجوه الذي ينميه، ولكن بدلاً من ذلك صرفته في حاجاتك فهذا لاشك أنه منكر وغلط منك، فعليك التوبة إلى الله والرجوع إليه سبحانه وتعالى، وعليك أن تبذل قصارى جهدك في تحصيله ثم إخراجه من يدك إلى جهة تنميه، إما بطريق المضاربة وإما بشراء سلعة تبيعها إلى أجل ينفع هؤلاء القصر، وإما بأسباب أخرى تنمي هذا المال على وجه شرعي مأمون، وهذا هو الواجب عليك لعل الله يخلصك من هذا المال الذي بليت به، فالأيتام أمانة وحقهم أمانة، فالواجب على الولي أن يتقي الله فيهم، وأن ينمي مالهم ويحرص على الطرق التي تسبب ربحه ونموه بدلاً من إتلافه أو صرفه في حاجاته، نسأل الله أن يعينك ويسهل أمرك ويمن عليك بالتوبة النصوح.
المقدم: موقفه مع هؤلاء الأيتام سماحة الشيخ هل يصارحهم؟
الشيخ: ليس هناك حاجة إلى المصارحة؛ لأنهم قصر قد يضرهم هذا وقد يؤذيهم لكن يجتهد فيما بينه وبين الله ولو بالاقتراض، إذا تيسر يقترض، يقترض حتى يكون الدين لغيرهم، يعني: إنسان يطالب، أما هؤلاء فقصر لا يعرفون المطالبة وقد لا يبالي بهم، لكن إذا استلف واقترض من غيرهم فصاحب القرض قد يطالبه، قد يوجب له الجد والاجتهاد في طلب الرزق والحرص على أعمال يوفي منها.
المقدم: بارك الله فيكم، عندما يكون المرء ولياً على أيتام لعل هناك نصيحة شيخ عبد العزيز ؟
الشيخ: النصيحة تقوى الله في ذلك، وأن يصونهم ويحمي أموالهم ويربيهم التربية الشرعية ويعلمهم ما ينفعهم وينهاهم عما يضرهم، ويجتهد في كل ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ومن ذلك الحرص على تنمية أموالهم بالطرق الشرعية التي يستطيعها، إما بشراء عقار لهم يؤجر وينفعهم، وإما بجعل ذلك في يد ثقة ينمي هذا المال ويتجر فيه، وإما أن يساهم به في شيء مأمون من أراضي أو غير ذلك حتى يحصل لهم بذلك الفائدة، المعنى أنه يجتهد في كل ما ينفعهم في الدين والدنيا، ولا يقصر ولا يتساهل.
المقدم: إذاً لا يمد يديه على أموالهم والحالة هذه إلا لاستثمارها لهم؟
الشيخ: نعم، إلا ما ذكر الله إذا كان فقيراً يأكل بالمعروف، مثلما قال جل وعلا في ذلك: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:6]، يعني: يأكل معهم بالمعروف من غير إجحاف.
الجواب: هذا من الشيطان، فينبغي له أن يتعوذ بالله من الشيطان، وأن يستشعر أنه رجل مع الرجال، وأنه لا وجه لهذا الخوف ولا وجه لهذا الخجل، فهو رجل يجلس مع الرجال ويمشي مع الرجال، ويصلي مع الرجال، ويتكلم مع الرجال، ويعمل مع الرجال، فلا وجه لهذا الخجل ولا وجه لهذا الخوف، ولكن مما يستعان به في ذلك أن يتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. ثلاث مرات صباحاً ومساءً، وأن يقول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. ثلاث مرات صباحاً ومساءً، فإن هذا من أسباب أن الله يكفيه كل شر، ومن ذلك قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة، وكذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة كل ليلة: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [البقرة:285] إلى آخر السورة، وقراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والمعوذتين بعد الصلوات، مرة بعد الظهر والعصر والعشاء، وثلاث مرات بعد المغرب والفجر، كل هذا من أسباب السلامة وإزالة المخاوف.
الجواب: ليس الدين حراماً إذا كان على الوجه الشرعي، وليس القرض حراماً إذا كان على الوجه الشرعي ويسمى ديناً أيضاً، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، فالله سبحانه أباح لعباده المؤمنين التداين، وأن يكتب ذلك الدين إلى أجل، فلا بأس بالمداينة ولا بأس بالاقتراض، والمداينة كأن تشتري من أخيك سلعة من أرض أو بيت أو دكان أو سيارة أو غير ذلك إلى أجل معلوم لحاجتك إليها، لتسكن البيت، لتزرع الأرض، لتستعمل السيارة، أو لتستفيد منها تبيعها وتستفيد منها إلى غير ذلك من المقاصد، هذه تسمى مداينة إلى أجل مسمى، هذا شيء لا حرج فيه إذا كان المبيع مملوكاً للبائع وفي حوزة البائع، فإن هذا البيع يسمى بيعاً ويسمى ديناً.
ومن المداينة ما يسمونه بالسلم وهو: أن تأخذ من شخص دراهم معينة معجلة يشتري بها شيئاً من ذمتك كقهوة، سكر، رز، غير ذلك، تأخذ منه مثلاً عشرة آلاف ريال على أنك تعطيه بكل ريال صاعاً من الحنطة نوعها كذا أو صاعاً من الأرز بعد سنة، بعد سنتين، بعد أشهر معينة، هذا يسمى السلم ويسمى السلف، وهو ما عجل ثمنه وأخر مثمنه، إذا كان معلوماً تامة شروطه إلى أجل معلوم، أو سيارة قد علم موديلها وصفاتها الكاملة تبيعها عليه من ذمتك إلى أجل معلوم فتأخذ منه عشرة آلاف أو عشرين ألفاً على أنك تدفع له بعد سنة أو بعد سنتين سيارة صفتها كذا وصفتها كذا وموديلها كذا معروفة ليس فيها شبهة، أو آصعاً معلومة من الأرز أو من الحنطة أو من غير ذلك أو من القهوة أو من السكر إلى غير ذلك، شيء معلوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وهم يسلفون الثمار السنة والسنتين، قال عليه الصلاة والسلام: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) هذا كله يسمى مداينة.
ومنها القرض أيضاً كأن تقول لأخيك في الله أو لأخيك من النسب أو لابن عمك أو لصهرك أبي زوجتك أو أخي زوجتك أو غيرهم، تقول له: أقرضني كذا، أقرضني ألف ريال، أقرضني عشرة آلاف ريال قرضاً بدون فائدة لله، هذا يسمى ديناً ويسمى قرضاً، فإذا أعطاك أخوك في الله أو قريبك أو صهرك مطلوبك من المال فهذا يسمى قرضاً، إذا كان من دون فائدة إنما مجرد احتساب، هذا يسمى قرضاً؛ لأنه إرفاق، ويسمى ديناً؛ لأنه في الذمة، فهذا لا حرج فيه ولا بأس به.
لكن لو قال: على أن تعطيني زيادة كذا وكذا صار ربا، لو قال: نعم، أنا أعطيك قرض عشرة آلاف لكن بشرط أن تعطيني في كل ألف عشرة أو مائة أو خمسين من أجل التأخير الذي يتأخر المال عندك هذا هو الربا المعروف ولا يجوز، أو قال: أنا أعطيك عشرة آلاف قرضاً لكن على أن تعطيني سيارتك الفلانية أستعملها شهرين ثلاثة أكثر أقل في مقابل هذا القرض، هذا لا يصلح؛ لأنه قرض بشرط وهذا لا يجوز.
كذلك لو قال: نعم، أنا أعطيك عشرة آلاف أو مائة ألف قرضاً على أن تعطيني أرضك الفلانية أزرعها وأستفيد منها حتى تعطيني قرضي، حتى يستفيد من الأرض بدون أجر في مقابل هذا القرض، أما إن استأجرها بأجرة المثل من دون شرط، استأجرها بالعادة بنصف الزرع، بثلث الزرع، بآصع معلومة، بدراهم معلومة، كما يستأجرها الأجنبي من دون شرط بينكم وقد استأجرها بعد ذلك منك فلا بأس، لكن الله يعلم ما في القلوب، إذا كانت من دون شرط وبالأجرة المعتادة التي يأخذها غيره.
المقدم: الصور الموجودة في السوق وهي أن يأتي إنسان محتاج إلى تاجر يبيع ويشتري في أقمشة أو في مواد غذائية أو نحو ذلك، ويقول: تشتري هذه البضاعة بمبلغ كذا وتسدد القيمة بعد عام بمبلغ كذا وكذا، بطبيعة الحال المبلغ يكون زائداً لكن ذلك المحتاج لا يستلم تلك البضاعة.
الشيخ: هذا ما يصلح، هذا يسمونه التورق، ولكن يسيئون الاستعمال، ويسمونها العامة: الوعدة ويسيئون الاستعمال، يبيع المال وهو جالس ما يقبض، وهكذا الآخر يبيعه، وهكذا الآخر، لا. ما يصلح هذا، التجارة الشرعية والمداينة الشرعية أن يشتري مالاً موجوداً عند البائع في حوزة البائع ثم يقبضه المشتري ويحوزه المشتري ويتصرف فيه، باستعماله إن كان أرضاً، باستعمالها إن كانت سيارة، بغير ذلك من أنواع الاستعمال، يعني: يقبضه، هذا هو البيع الشرعي، أما أن يشتري منه هذا المال الموجود، ثم يتركه ويبيعه عند البائع يبيعه على زيد أو على عمرو، هذا ما يجوز، هذا فيه الحديث الصحيح: (لا تبع ما ليس عندك)، (لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك).
الجواب: هذا لابد، يعني: يفعل معه ما يعلم به عقله من إشارة إذا كان يبصر الناس وقت الصلاة حتى ينظر أعمالهم، ويكتب له إن كان يكتب، يعلم الكتابة لعله يستفيد من الكتابة حتى يعرف عقله أنه يعي أو يفهم، فإذا كان يعي ويفهم بالكتابة والإشارة فهو مكلف بحسب ما وصل إلى علمه، إذا كان لا ينطق ولا يسمع فقد يفهم بالإشارة أو بالكتابة إن تيسرت الكتابة حتى يعمل بما أوجب الله ويترك ما حرم الله من طريق الكتابة أو من طريق الإشارة، هذا إذا كان يعقل، أما إذا ظهر من حاله أنه لا يعقل فلا حرج عليه؛ لأنه غير مكلف، (رفع القلم عن ثلاثة منهم: الصغير حتى يبلغ، والمعتوه حتى يفيق)، فإذا كان معتوهاً لا عقل له فلا شيء عليه. نعم.
المقدم: إذاً: يكفي من مثل هذا التقليد، يعلمونه التقليد وهو كافي؟
الشيخ: يعلمونه حسب الإمكان، بالمكاتبة، بالإشارة، بالشيء الذي يستطيعون، وقد يعوض هذا الجنس فهماً عظيماً بالإشارات، إذا فقد حاسة السمع وحاسة الكلام قد يعوض بإذن الله، وهذا مشاهد معروف من أولئك الذين يبتلون بهذا عندهم فهم عظيم للإشارات، ونحن نعرف من هذا أناساً يعملون ويكدحون ويحصلون أموالاً بالإشارة ويصلون مع الناس ويصومون مع الناس وكانوا من خيرة الناس، وكله بالإشارة أو بالكتابة.
الجواب: هذا يختلف بحسب نيته، إن كان قال لزوجته: أنت مثل أختي أو مثل أمي من باب الاحترام، من باب الإكرام، من باب التقدير لها، فهذا ليس بحرام وليس عليه شيء، لكن ترك هذا أولى؛ لأنه يوهم، ينبغي أن لا يستعمل هذا معها.
أما إن كان أراد تحريمها، يعني: أنها محرمة مثل أخته، أو أنها محرمة كأمه، أو كبنته، هذا هو الظهار المعروف وعليه كفارة الظهار وهي مرتبة بنص القرآن.
أولاً: عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكيناً، ما فيها نقود، طعام يعشيهم أو يغديهم، أو يدفع لهم طعاماً نيئاً، نصف صاع لكل واحد ثلاثين صاعاً من الحنطة، من البر، من الشعير، من قوت البلد من التمر، ويكفي ذلك حتى يمسها بعد ذلك، يعني: لا يمسها حتى يدفع عليه الكفارة، أما النقود فلا تصلح. خلاف النص.
خلاصة الأمر: أنني في معصية ولا أعرفها، أرجو إجابتي نحو هذا الشعور: هل هو دليل خير وتقوى أم دليل على غير ذلك، وأرجو التعليق على هذا جزاكم الله خيراً؟
الجواب: هذا من الدلائل على شدة خوفك من الله عز وجل وتعظيمك لحرماته، فأنت على خير إن شاء الله، وعليك أن تبتعد عن هذا الخوف الذي لا وجه له؛ لأنه من الشيطان ليتعبك ويقلقك ويضيق عليك حياتك، فاعرف أنه من عدو الله لما رأى منك المحبة للخير ورأى منك الغيرة لله، ورأى منك المبادرة إلى الخيرات، أراد أن يتعبك، فاعصه وابتعد عما أراده منك، واطمئن إلى ربك، واعلم أن التوبة كافية وإن كان الذنب أعظم من كل عظيم، فتوبة الله فوق ذلك، وليس هناك ذنب أعظم من الشرك، والمسلم متى تاب تاب الله عليه وغفر له.
فأنت عليك بالتوبة مما قد علمت أنك فعلته وبعد التوبة ينتهي كل شيء، ولا ينبغي لك أن توسوس أو تطيع عدو الله في هذا الخجل أو في هذا الخوف الذي قد يضرك، ولكن تعلم أنك بحمد الله قد فزت فوزاً عظيماً بالتوبة الصادقة النصوح، كما قال المولى سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، وهناك آية أعظم في المعنى، وهي: أن العبد متى تاب وأتبع التوبة بالإيمان والعمل الصالح أبدل الله تلك السيئة حسنة، جعل مكان كل سيئة حسنة، كما قال سبحانه في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70]، فأخبر سبحانه أنه يبدل سيئات هؤلاء حسنات بسبب توبتهم الصادقة وإيمانهم وعملهم الصالح.
فأنت بذكرك ذنبك الذي أشرت إليه وتوبتك منه ومتابعتك ما جرى منك بالأعمال الصالحة وبالإيمان والتصديق والرغبة فيما عند الله، فإن الله سبحانه يبدلك بدل تلك السيئة حسنة، وهكذا جميع السيئات التي يتوب منها العبد ويتبعها بالإيمان والعمل الصالح الله يبدلها له حسنات سبحانه وتعالى فضلاً منه وإحساناً.
المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم والمستمعون على خير إن شاء الله.
مستمعي الكرام كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
سجلها لكم من الإذاعة الخارجية زميلنا فهد العثمان .
شكراً لكم جميعاً، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر