مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ، وعلى بركة الله نبدأ في استعراض بعض رسائل السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
====
السؤال: رسالة مطولة بعض الشيء وصلت إلى البرنامج من إحدى الأخوات، وتقول الأخت (حياة ع): السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إن بعض الناس يقولون: إن ذبح خروف - كبش- يوم عيد الأضحى المبارك -عرفة- إن الذبيحة تعتبر فريضة، والدليل على ذلك: أن النبي عليه الصلاة والسلام عندما جاء العيد ولم يكن لديه ذبيحة أراد ذبح ابنه، فأنزل الله سبحانه وتعالى له كبشاً ليعيد به، السؤال: هل هذا صحيح؟ وهل يجب أن يكون مربى سنة كاملة ويسمن ليكون مسمى أو مسنى - كما هو تعبيرها- للعيد، ويفرق منه على سبعة بيوت، هل هذا صحيح؟ وهل هناك دليل على ذلك ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو من تبعه من الصحابة؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فهذه الذبيحة التي أشارت السائلة إليها غير صحيحة بهذا المعنى التي ذكرت، وإنما أصل ذلك: أن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام امتحنه الله فأمره بذبح ابنه بكره إسماعيل عليه الصلاة والسلام ليخلص قلبه لمحبته سبحانه دون محبة غيره جل وعلا، وكان إبراهيم هو خليل الله عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل الناس في زمانه، وهو أفضل الخلق بعد محمد عليه الصلاة والسلام، فلما أراد ذبحه وتله للجبين ولم يبق إلا أن يوهي بالسكين إلى حلقه رحمه الله ورحم ابنه ورفع عنهما هذا الأمر وفداه بذبح عظيم وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:104-105]، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:111]، فنسخ الله هذا الأمر وحصل المقصود بصفاء القلب وكمال المحبة لله سبحانه وتعالى؛ لأنه قد طابت نفسه بذبح ابنه تقرباً إلى الله عز وجل وإكمالاً لمحبته له سبحانه وتعالى، فلما تم المقصود وحصل المطلوب نسخ الله هذا الأمر، وفدى الذبيح بذبح عظيم وهو كبش عظيم، أرسله الله إليه، ويقال: إنه جاء من الجنة، وأنه أهبط من الجنة فذبحه إبراهيم وفدى به ابنه إسماعيل، وبقيت هذه سنة في المسلمين من ذاك الوقت وهو الضحايا في أيام عيد النحر.
وكان النبي محمد عليه الصلاة والسلام يذبح في عيد النحر كبشين أملحين أقرنين، أحدهما عن محمد وآل محمد أهل بيته، والثاني عمن وحد الله من أمته عليه الصلاة والسلام، وصارت الضحية سنة في الأمة من عهد إبراهيم إلى عهد محمد نبينا عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا، يستحب للمؤمن أن يضحي إذا كان عنده قدرة يوم النحر شاة واحدة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون وإن ضحى بأكثر فلا بأس.
وليس هناك حاجة إلى أن يربيه في البيت ويسمنه، يشتريه من السوق أو يكون عنده في مزرعته لا بأس، لكن ليس من السنة أن يربيه، متى اشتراه من السوق كفى والحمد لله، ثم ليس من السنة أن يقسمه على سبعة أبيات لا، يأكل ويطعم كما قال الله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28] فيأكل منها ويطعم جيرانه وأقاربه والفقراء ما تيسر، وإن قسمها أثلاثاً فأكل ثلثاً وقسم بين أقاربه وجيرانه ثلثاً، وأعطى للفقراء ثلثاً، فكل ذلك حسن.
والمقصود من هذا: أنه يأكل ويطعم، وأنه يشتريه من السوق أو يربيه في البيت، كل ذلك لا بأس به، وليس من شرط ذلك أن يقسمه بين سبعة أبيات، هذا لا أصل له، بل يعطي من يشاء بيتين أو ثلاثة أو أقل أو أكثر من الفقراء أو من أقاربه ومن جيرانه، الأمر في هذا واسع والحمد لله.
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عنه وعن أهل بيته ولم يفرق بين الحي والميت، فدل ذلك على أنه إذا ضحى تكون الضحية عنه وعن أهل بيته، يدخل فيهم أبوه الميت أو أمه الميتة أو زوجته أو أولاده، يدخلون في ذلك؛ لأنه ذبحها عنه وعن أهل بيته، وجاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله أبو بردة بن نيار وقال: (إني ذبحت عن ولدي) فأقره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسأله: هل ولده حي أو ميت، فدل ذلك على أنه إذا ذبح عن بعض أمواته وضحى عن بعض أمواته فذلك لا بأس به، بل هو أمر مشروع لما فيه من الصدقة والإحسان والتقرب إلى الله بالنحر، والإحسان إلى الميت بالصدقة، والإحسان إلى الناس باللحوم للفقراء والمحاويج والهدية إلى أصدقائه وأقاربه وجيرانه، لكن الضحية عن الحي آكد، فالسنة ألا يدع الضحية عنه وإن ضحى عن أهل بيته فهو أفضل، وإن ضحى عن أمواته فحسن ولا بأس كله طيب، أما إنكار من أنكر الضحية للميت فلا وجه لذلك، هذا الإنكار الذي يفعله بعض الناس عن الميت لا وجه له، إذا ضحى عن الميت فهي قربة وطاعة وخير عظيم.
أولاً: يقول: هل يجوز لشخص الإفطار في رمضان من أجل الدراسة لتقديم الفحص إن وجد في الصيام مشقة؟
الجواب: ليس للطلبة أن يفطروا في رمضان من أجل الاختبار، بل عليهم أن يجتهدوا ويستعدوا في الليل لاختبارهم ويصوموا في النهار، وهكذا العمال ليس لهم أن يفطروا، بل الواجب على العامل أن يعمل بقدر طاقته في نهار الصيام، وهكذا التلاميذ يعملون فيما يتعلق بالاختبار بقدر طاقتهم في النهار، وعليهم أن يجعلوا معظم العمل ومعظم العناية والمذاكرة في الليل؛ لأن ذلك أقوى لهم، وعلى المسئولين أن يخففوا عنهم في النهار وألا يضغطوا عليهم في هذا حتى لا يحرجوهم من جهة الصيام، وإذا تيسر أن يكون ذلك قبل رمضان أو بعد رمضان فهو خير وأولى، حتى لا يشقوا على التلاميذ في ذلك، ولكن ليس الاختبار وليس العمل عذراً في الإفطار، بل الواجب أن يهيئ الإنسان نفسه مع الصوم فيعمل ما يستطيع مع الصوم ويعمل في الاختبار ما يستطيع، ويكون معظم المذاكرة والعناية تكون في الليل، يكون في الليل وقت الفطر، ويكون وقت النهار لمجرد أداء الاختبار، وعلى المسئولين أن يلاحظوا هذا حتى لا يشقوا على التلاميذ، بل عليهم أن يجعلوا الاختبار بقدر الطاقة، وإذا أمكن أن يقدم على رمضان أو يؤخر فذلك أرفق بالتلاميذ وأولى.
الجواب: هذا مكذوب موضوع، كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس لهذا أصلاً، كذلك من قال: (إن من تسمى محمد فله ذمة من محمد أن يدخله الجنة!) هذا كله باطل، كل ما يقال في هذه المسائل وأن من كان اسمه محمد فإن بيته يكون فيه كذا وكذا، كل هذه أشياء لا أساس لها، الاعتبار باتباع محمد لا باسم محمد، فكم لله من محمد وهو خبيث لا خير فيه، لأنه لم يتبع محمداً عليه الصلاة والسلام، ولم ينقد لشريعته، فالأسماء لا تطهر الناس وإنما يطهرهم أعمالهم الصالحة وتقواهم لله عز وجل، فإذا تسمى بمحمد أو بأحمد أو بالقاسم أو بأبي القاسم وهو فاجر لم ينفعه هذا الاسم، بل الواجب على العبد أن يتقي الله وأن يعمل بطاعة الله، وأن يلتزم بشريعة الله التي بعث بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، هذا هو طريق النجاة وطريق السلامة، أما مجرد الأسماء فلا يتعلق بها نجاة ولا عقاب.
الجواب: كذلك هذا باطل لا أصل له، لا يجوز تعلم السحر ولا العمل به، بل ذلك منكر والله بين إنكاره في كتابه العظيم، قال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102]، فجعل تعليم السحر من عمل الشياطين الذي ذمهم الله عليه وعابهم به وهم أعداؤنا، قال: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ [البقرة:102]، ثم قال بعده: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102] فبين أن تعلم السحر كفر وليس بخير.
فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك؛ لأن تعلم السحر يكون بعبادة الجن والخضوع لهم، ودعوتهم من دون الله، وتعاطي أشياء تخالف شرع الله، فتعلمه وتعليمه والعمل به كله منكر وكله ضلال وكله كفر، فالواجب الحذر منه؛ ولهذا أخبر الله عن الملكين أنهما ما يعلمان من أحد حتى يقولا، يعني: حتى يشعراه أنه كفر حتى يكون على بصيرة: حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102] ثم قال: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102]، ثم قال: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ [البقرة:102]، فكيف يجوز تعلم ما يضر ولا ينفع؟! الله المستعان. نسأل الله السلامة.
الجواب: وهو كما قرأت، لا يتعين أن يلتقط الحصى من مزدلفة، بل يأخذه من منى ويكفي، والنبي عليه الصلاة والسلام لقطه من منى، ومن أخذه من مزدلفة أو أخذ سبعاً من مزدلفة ليرمي بها جمرة العقبة يوم العيد فلا بأس، ولكن ليس بمتعين بل من مزدلفة أو من منى، كله بحمد الله واسع.
الجواب: ليس هذا من عمل السلف الصالح، والأفضل ترك ذلك لما فيه من المشقة ولما فيه من المزاحمة للناس، ولا سيما وقت الحج وقت الزحمة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) فمراده صلى الله عليه وسلم يقول: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) والله أعلم يعني: على وجه لا يكون فيه مشقة ولا مضرة على الناس؛ ولهذا كان السلف لا يفعلون ذلك، ما كان السلف يعتمرون عمرتين في اليوم أو في الليلة، بل كان بينهما بعض الوقت.
فالأحسن والأفضل أنه يترك العمرة وقت الزحمة، فإذا كان سعة اعتمر حسب التيسير من دون أن يفعل ذلك مكرراً في كل يوم، بل يكون بينهما فسحة كما كان السلف يفعلون، ويحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) على الشيء المعتاد المعروف الذي يكون بينهما بعض الفصل، بعض الوقت ككل أسبوع عمرة، أو كل شهر عمرة أو كل نصف شهر عمرة أو نحو ذلك من دون متابعة في اليوم الواحد، ولا سيما عند كثرة الحجيج فإن هذا يشق على الناس كثيراً، والصحابة رضي الله عنهم ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمروا بعدما فرغوا من الحج، بل لما فرغ من الحج ودع عليه الصلاة والسلام ليلة أربعة عشر ثم غادر مكة وسافر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام ولم يكرر العمرة، وهكذا الصحابة لما حلوا من العمرة في أربعة ذي الحجة لم يبلغنا أن أحداً منهم توجه إلى العمرة في تلك الأيام الأربعة يعتمر ثانياً، لم يبلغنا ذلك ولو فعلوه لنقل إلينا إلى المسلمين.
فالحاصل أنه لا مانع من تكرار العمرة في الشهر مرات، أو في الأسبوع، لكن على وجه لا يضر الحجيج ولا يشق على الناس ولا يشق على المعتمر نفسه، بل يراعي في ذلك الآداب الشرعية التي سار عليها سلف الأمة.
الجواب: ليس لك ذلك، ما دام والداك قويين فهما يحجان بأنفسهما ويعتمران بأنفسهما، وأنت تحج عن نفسك وتعتمر عن نفسك، أما لو كانا ميتين أو عاجزين لا يستطيعان الحج ولا العمرة فلا بأس.
الجواب: هذا العمل بدعة لا أصل له في الشرع، فتح القبر ووضع الحبوب عليه أو الطيب أو ملابس أو غير ذلك كله منكر لا أصل له، بل هو من البدع، والقبر لا يفتح بعد ذلك إلا لحاجة كأن ينسى العملة أدواتهم كالمسحاة ونحوها فيفتح لأجل ذلك، أو يسقط من أحدهم شيء له أهمية فيفتح لأجل ذلك، أما يفتح لرؤية الميت أو لإدخال ملابس عليه أو أطياب أو حبوب، كل هذا بدعة لا أصل له.
وليس للنساء زيارة القبور أيضاً لقول أبي هريرة وابن عباس وغيرهما: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور)، فالرسول صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، روى ذلك أبو هريرة وابن عباس وحسان بن ثابت رضي الله عنهم، وكان أولاً أذن للجميع في الزيارة، ثم نهى النساء وأقر الرجال، وقال لهم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، فأقر الرجال ونهى النساء عن الزيارة، والحكمة في ذلك والله أعلم لأنهن فتنة، ولقلة صبرهن، فكان من حكمة الله أن نهاهن عن الزيارة حتى لا يفتتن ولا يفتن غيرهن.
الجواب: ليس لك أن تعطيه المصحف، ولكن تقرأ عليه القرآن، وتسمعه القرآن وتدعوه إلى الله، وتدعو له بالهداية، كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو لئلا تناله أيديهم) فدل ذلك على أنه لا يعطى الكافر القرآن، لا يسلم له المصحف خشية أن يهينه أو يعبث به، ولكن يعلم، يقرأ عليه القرآن، يوجه إلى الخير، يدعى له، فإذا أسلم سلم له المصحف.
الجواب: أولاً: ننصحك بالصبر والكلام الطيب وحسن الأسلوب معه، والدعاء له بالهداية والتوفيق، ونقول لك: قد أحسنت وقد ذكرت له الحق، فإن عليه أن ينصف زوجته، وأن يعطيها حقها بالمؤانسة والجلوس معها والتحدث معها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكما أوصى أمته عليه الصلاة والسلام، وقال: (استوصوا بالنساء خيراً)، وقال لـعبد الله بن عمرو لما أعرض عن زوجته: (إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه)، و(لما زار
فالواجب على زوجك أن يتقي الله، وأن ينصفك وأن يعتني بك، وأن يحسن عشرتك، فيعمل في الوقت الذي حدد فيه العمل ثم يأتي إلى البيت ويعاشر أهله ويتحدث إليهم، هكذا حتى تطمئن زوجته إليه، وحتى يحصل بينهما المؤانسة والراحة، فإن الزوجة سكن الزوج، الله جعل الزوجة سكناً للزوج وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21] فعليك -أيها الزوج- أن تتقي الله، وأن تحسن في أهلك، وأن تفرغ لهم بعض الوقت، وأن تؤانسهم بالكلام الطيب والمداعبة وحسن المقابلة وطلاقة الوجه؛ لأن لها عليك حقاً، وهكذا ضيفك، وهكذا بدنك، فأعط ربك حقه، وأعط العمل حقه، وأعط نفسك حقها، وأعط الزوجة حقها، واجتهد في ذلك واستسمحها وقل لها الكلام الطيب عما تقصر فيه حتى تسمح عنك، وعليك بالرفق والحكمة وطيب الكلام، ولا تكن عنيفاً ولا شديداً، هذا هو الذي ينبغي لك أيها الأخ، وعليك -أيها الأخت في الله- أن تصبري وتحتسبي، وأن تخاطبيه بالتي هي أحسن، وسوف يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً وحسن عاقبة.
ثانياً: أليس من حق الزوجة أن يجلس معها يؤنسها في غربتها بعد انتهاء عمله، ويذكرها بالله أيضاً؟ ماذا تنصحونني، وماذا أفعل وقد ساءت نفسيتي؟ هل يحق لي هنا طلب الطلاق لأنه مصمم ومصر على هذه الحياة بتلكم الصورة؟
الجواب: قد سبق ما نصحتك به أيتها الأخت الكريمة، ووصيتي كما تقدم الصبر وحسن النصيحة بالكلام الطيب، ولا تيأسي، والواجب عليه أن يؤدي الحق الذي عليه، فإن أداء الدين أمر لازم، ولكن يقول الله عز وجل: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] فإذا كان معسراً فارفقي به وسامحيه حتى يجعل الله فرجاً ومخرجاً، والسيارة اليوم لا يخفى على أحد أنها ضرورية، ولا سيما صاحب العمل يذهب عليها ويرجع عليها، فهو في أشد الحاجة إليها على أن تكون من السيارات التي تناسب أمثاله، فعليه أن يجتهد في حفظ ما تيسر من المال لحاجة البيت وتأثيث البيت، وعليه أن يتقي الله في إنصافك ومؤانستك والتحدث إليك وإعطائك ما تيسر من الوقت، هذا أمر لازم له، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، وقال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً) فعليه أن يتقي الله وأن يقوم بواجب الأهل حسب طاقته وإمكانه.
وأنت لا تعجلي في طلب الطلاق، واصبري وأحسني العشرة إليه وأبشري بالأجر العظيم والخير الكثير والعاقبة الحميدة، وقد تبتلين بمن هو شر منه فلا تعجلي، فالوقت الآن خطير وهذا آخر الزمان، والشر أكثر والخير أقل، فعليك أن تصبري وتحتسبي، وأن تسألي الله له الهداية والتوفيق، وأن يغير حاله إلى حال خير منها، والله سبحانه هو الفعال لما يريد وهو القادر على كل شيء، وهو القائل سبحانه وتعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155]، وهو القائل سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، ويقول نبيه عليه الصلاة والسلام: (ما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر).
الجواب: نعم، الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، ليطيعوا أوامره وينتهوا عن نواهيه، ويكثروا من ذكره سبحانه، كما قال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وعبادته هي توحيده بدعائه وخوفه ورجائه، وبالصلاة والصوم وغير ذلك، وهي طاعة أوامره وترك نواهيه، ووعدهم على ذلك في الدنيا الخير الكثير والعاقبة الحميدة، ووعدهم في الآخرة بالجنة والكرامة، فقال سبحانه وتعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49]، وقال: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]، وقال سبحانه وتعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)، فالصابر له العاقبة الحميدة في الدنيا وله العاقبة الحميدة في الآخرة إذا صبر على تقوى الله وطاعته، وصبر على ما ابتلي به من شظف العيش، من الفقر، من المرض، من تسليط بعض الأعداء.. إلى غير ذلك.
فالصبر عاقبته حميدة، قال تعالى في حق المؤمنين وعدوهم: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120]، فالصبر له عواقب حميدة على طاعة الله وعلى المصائب، مع الإيمان والتقوى، فصاحبه في الدنيا على خير، مرتاح الضمير مرتاح القلب مأجور مثاب، وفي الآخرة في دار الكرامة في دار النعيم في الجنة إذا استقام على أمر الله، والتزم بتقواه سبحانه وتعالى، وجاهد نفسه لله، وصبر على ما ابتلي به من الحاجة والفقر والأعمال الشاقة إلى غير ذلك فكل هذا في سبيل الله، والله المستعان.
المقدم: سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم دائماً على خير.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجل لكم هذه الحلقة زميلنا: مطر محمد الغامدي. شكراً لكم جميعاً وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر