مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم وقضاياكم في برنامج نور على الدرب، قضايا هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بالإجابة على ما يطرح من قضايا في هذا البرنامج، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
====
السؤال: مع مطلع هذه الحلقة سماحة الشيخ أرجو أن تتفضلوا بتكملة الحديث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما في هذا الموضوع من فائدة عظيمة، ولعل الكثير يتأسون بفعله عليه أفضل الصلاة والسلام؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد سبق في حلقة مضت أن ذكرنا صفة حجه عليه الصلاة والسلام من حين أحرم في ذي الحليفة إلى أن خرج من منى إلى عرفات صباح اليوم التاسع، ذكرنا أنه توجه من منى إلى عرفات بعد طلوع الشمس في اليوم التاسع ملبياً، والصحابة منهم من يلبي ومنهم من يهل فلا ينكر على واحد منهم، فدل ذلك على أن الحجاج إذا توجهوا من منى إلى عرفات يشرع لهم التلبية والتهليل والتكبير، والتلبية أفضل؛ لأنها عمله عليه الصلاة والسلام.
وقد سبق أنه صلى الله عليه وسلم نزل في نمرة وجد فيها قبة من شعر قد ضربت فنزل بها حتى زالت الشمس، فلما زالت الشمس أمر بناقته فرحلت له، ثم ركب عليه الصلاة والسلام حتى أتى بطن الوادي، يعني: وادي عرنة وخطب الناس خطبة طويلة عليه الصلاة والسلام وذكرهم بالله وبحقه، وبين فيها ما قدمنا من وضعه أمر الجاهلية ووضعه الربا ووضعه دماء الجاهلية ووصيته للمسلمين بالنساء خيراً وبيانه حق النساء على الأزواج وحق الأزواج على النساء، وقد تقدم أيضاً أنه أوصى عليه الصلاة والسلام بكتاب الله، أوصى بالقرآن الكريم وقال: (إنكم لن تضلوا ما اعتصمتم به)وفي الرواية الأخرى: (بكتاب الله وسنته عليه الصلاة والسلام).
وسبق أن هذا أمر معلوم، فالوصية بكتاب الله وصية بالسنة؛ لأنها الوحي الثاني؛ ولأن القرآن أمر بطاعة الله ورسوله، وطاعة الرسول هي امتثال السنة والأخذ بها والتمسك بها، ثم إنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من خطبته قال لهم: (وأنتم تسألون عني فما أنت قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكبها للناس، ويقول: اللهم اشهد اللهم اشهد).
فهذا يدل على أن الله سبحانه في السماء في العلو؛ ولهذا رفع يده إلى السماء وهذا قول أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه فوق العالم، فوق جميع الخلق، وأنه سبحانه فوق العرش، هذا هو الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة، وعلمه في كل مكان سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وقال سبحانه: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] وقال سبحانه: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر:12] وهو سبحانه فوق العرش فوق جميع الخلق، وعلمه لا يخلو منه مكان؛ ولهذا استشهد عليه الصلاة والسلام برفع إصبعيه إلى السماء عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا من الفوائد: شرعية خطبة الناس في عرفات، وأن ولي الأمر يخطب الناس تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام، أو يخطبهم نائبه حتى يبين لهم مناسك حجهم وحتى يرشدهم إلى أصل الدين وأساسه وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله مع بيان معنى ذلك، وأن هاتين الشهادتين هما أصل الدين وهما أصل الإسلام، ومعناهما: توحيد الله والإخلاص له، والإيمان برسوله محمد عليه الصلاة والسلام.
ويذكر لهم أيضاً ما يحتاجون إليه في هذه الخطبة من مناسك الحج ومن غير هذا من شئون الإسلام، ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعدما فرغ من خطبته أمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر ركعتين، ثم أقام فصلى العصر ركعتين جمع تقديم، وهذا هو السنة، للحجاج أن يصلوا الظهر والعصر قصراً وجمعاً في أول وقت الظهر كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام حتى يتسع الوقت للدعاء والذكر في عرفات.
وتكون الخطبة قبل ذلك قبل الأذان وقبل الصلاة كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، وفيه دلالة على أنه ما صلى الجمعة ولو كان يوم جمعة، فخطب الناس قبل الأذان وذكرهم ثم أذن وصلى الظهر ركعتين بعدما أقام بلال ثم صلى العصر ركعتين أيضاً بعد الإقامة هكذا السنة، ويدل ذلك على أن المسافر لا يصلي جمعة وإنما يصلي ظهراً، وهكذا الحجيج إذا صادف يوم الجمعة يوم عرفة فإنهم يصلون ظهراً كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام، لا يصلون جمعة، ولهذا صلى الظهر ركعتين وصلى العصر ركعتين بأذان واحد وإقامتين، هذا هو السنة للحجاج؛ لفعله عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد ذلك تقدم إلى عرفات ووقف عند الصخرات أو جبل الدعاء ويسمى جبل الرحمة وجعل وجهه إلى القبلة عليه الصلاة والسلام، وجعل طريق المشاة بين يديه، فلم يزل يدعو ويضرع إلى الله رافعاً يديه حتى غابت الشمس، فهذا يدل على أن هذا هو المشروع للحجاج، بعد صلاة الجمع الظهر والعصر يتوجهون إلى عرفات، إن كانوا خارج عرفات وإن كانوا في عرفات استقبلوا القبلة واجتهدوا بالدعاء والذكر اقتداء به عليه الصلاة والسلام.
وقال لهم عليه الصلاة والسلام لما وقف عند الصخرات واستقبل القبلة، قال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) فدل ذلك على أن جميع أجزاء عرفة كلها موقف، وأن الحاج يقف في أي جزء من عرفات ويكفيه ذلك.
والسنة استقبال القبلة حال الدعاء والذكر، سواء كان الجبل أمامه أو عن يمنيه أو شماله أو خلفه، يستقبل القبلة كما استقبلها النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ويضرع إلى الله ويذكره سبحانه حتى تغيب الشمس، والسنة أن يرفع يديه كما فعل المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وإن أكل أو استراح فلا بأس عليه؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن أم الفضل أرسلت إليه بقدح لبن فشرب وهو على راحلته عليه الصلاة والسلام، فعلم الناس أنه مفطر وهذا هو السنة، أن يفطر الحجيج يوم عرفة؛ لأنه أنشط لهم على العبادة؛ ولأنهم ضيوف الرحمن، فناسب أن يكونوا مفطرين ينشطون للعبادة والذكر والدعاء في هذا اليوم العظيم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الحج عرفة) هذا اليوم هو ركن الحج الأعظم الوقوف فيه، فمن فاته الوقوف في عرفة فاته الحج.
ويبتدي الوقوف بعد الزوال إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، يعني: بقية يوم عرفة على الليلة كلها ليلة النحر، غروب الشمس إلى طلوع الفجر، كل هذا موقف، فمن وقف في عرفات بعد الزوال أو بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك عرفة إلا بعد طلوع الفجر فاته الحج، واختلف العلماء رحمة الله عليهم فيما قبل الزوال من يوم عرفة هل يجزئ الوقوف فيه أم لا يجزئ؟ على قولين: الأكثرون على أن الوقوف لا يجزي إلا بعد الزوال؛ لأنه الموقف الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام.
وقال آخرون: لو وقف قبل الزوال في صباح عرفة وانصرف أجزأه ذلك، ولكن عليه الدم لأنه لم يقف إلى الغروب، واحتجوا بما ثبت من حديث عروة بن مضرس أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، فما تركت من جبل إلا وقفت عنده فهل لي من حج؟ فقال عليه الصلاة والسلام: من شهد صلاتها هذه بمزدلفة وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) فقوله صلى الله عليه وسلم: (وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً) يعم ما قبل الزوال؛ ولهذا ذهب أحمد رحمه الله وجماعة إلى أن الوقوف قبل الزوال يجزئ ويدرك به الحج.
وذهب الجمهور رحمة الله عليهم إلى أنه لا يدرك الحج إلا بالوقوف بعد الزوال، فينبغي للمؤمن أن يحتاط لدينه، وأن لا يقف إلا بعد الزوال كما وقف النبي عليه الصلاة والسلام، ثم بعدما غابت الشمس توجه عليه الصلاة والسلام إلى مزدلفة، فهذا هو المشروع للحجيج أن يمكثوا في عرفات ذاكرين ملبين داعين مخلصين لله خاشعين لله عز وجل، حتى تغيب الشمس، فإذا غابت انصرفوا إلى مزدلفة، وليس في يوم عرفة دعاء واجب ولا متعين، بل يدعو الله بما تيسر، يذكر الله ويدعوه بما تيسر، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) فينبغي أن يكثر من ذكر الله عز وجل؛ تسبيحه وتحميده .. تكبيره، والاستغفار والدعاء في هذا اليوم العظيم، فيسأل ربه الجنة ويستعيذ به من النار، ويسأله كل خير سبحانه وتعالى ويستجير به من كل شر، فهو يوم عظيم فيه يتجلى الله لعباده، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله جل وعلا يتجلى للعباد يوم عرفة ويدنو منهم كما يشاء سبحانه فيقول: ما أراد هؤلاء؟) ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة، وإنه سبحانه ليدنو فيباهي بهم الملائكة) فهو يوم عظيم يباهي الله فيه ملائكته بالحجيج ويدنو منهم كما يشاء سبحانه وتعالى دنواً يليق بجلاله، لا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى، ويعتق العتقاء الكثير من النار في هذا اليوم العظيم.
فينبغي لك -يا عبد الله- أن تجتهد في الضراعة إلى الله واستغفاره وسؤاله القبول وسؤاله العتق من النار في هذا اليوم العظيم.
ثم بعدما وصل مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء، وكان في الطريق عليه الصلاة والسلام يحث الناس على السكينة وعدم العجلة، ويقول لهم في الطريق: (السكينة السكينة، فإن البر ليس بالإيضاع) يعني: ليس بالإسراع، ويلبي في طريقه عليه الصلاة والسلام، فهكذا السنة، إذا انصرف الناس من عرفات بعد الغروب أن يلبوا، ويكثروا من التلبية ولا يعجلوا لئلا يضر بعضهم بعضاً، بل بالسكينة، ينبغي أن يكون انصرافهم بالسكينة، ومن وجد سعة في بعض الأماكن فلا مانع أن يعجل تعجيلاً لا يضر غيره.
فلما وصل صلى الله عليه وسلم مزدلفة أمر بالأذان فأذن ثم صلى المغرب بإقامة ثلاثاً وصلى العشاء بإقامة ركعتين، صلاهما بأذان واحد وإقامتين كما فعل في عرفات عليه الصلاة والسلام، وهذا هو السنة للحجيج أن يصلوا المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، يعني: قصراً للعشاء أما المغرب فإنها لا تقصر ثلاثاً دائماً في السفر والحضر، فيصليهما بأذان واحد وإقامتين، اقتداء بنبينا عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد ذلك استراح عليه الصلاة والسلام ونام كما ثبت من حديث جابر رضي الله عنه حتى طلع الفجر، فلما طلع الفجر قام فصلى الفجر بأذان واحد وإقامة، صلاها بغلس، أبكر من عادته عليه الصلاة والسلام حتى يتسع الوقت للوقوف عند المشعر الحرام، وأذن للضعفاء والنساء والشيوخ بالانصراف من مزدلفة ليلاً لئلا يحطمهم الناس، وأما الأقوياء فجلسوا معه حتى صلوا الفجر ووقفوا عند المشعر ودعوا الله كثيراً حتى أسفروا، فلما أسفر صلى الله عليه وسلم انصرف إلى منى قبل طلوع الفجر، هكذا ينبغي للناس أن يبقوا في مزدلفة حتى يبيتوا بها ويصلوا بها الفجر، أما الضعفاء من النساء والعجائز والشيوخ الكبار والصبيان ونحوهم ومن يكون معهم فلا بأس، بل الأفضل أن ينصرفوا قبل حطمة الناس من مزدلفة إلى منى في النصف الأخير من الليل، ومن انصرف معهم من محارمهم ومن هو معهم في رحلهم فلا بأس عليه، أما القوي الذي ليس معه نساء فالأفضل له أن يبقى حتى يصلي الفجر ثم يدعو الله ويذكره كثيراً حتى يسفر، وقد قال صلى الله عليه وسلم لما وقف يوم مزدلفة، قال: (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) وجمع يعني: مزدلفة، فالمعنى: أن مزدلفة كلها موقف كما أن عرفة كلها موقف، كل إنسان في مزدلفة يجلس في محله ويدعو الله ويستغفر ويضرع إليه سبحانه وتعالى ويذكر الله، وليس هناك حاجة إلى أن يتقدم إلى قزح موقف النبي عليه الصلاة والسلام الجبل المعروف، بل كل إنسان يدعو الله في مكانه والحمد لله.
وكان في عرفات وفي مزدلفة يرفع يديه في الدعاء، ويلح في الدعاء عليه الصلاة والسلام، فالسنة رفع اليدين مع الإلحاح في الدعاء والإكثار من الدعاء تأسياً به عليه الصلاة والسلام.
ومن انصرف من الأقوياء إلى منى قبل طلوع الفجر أجزأه على الصحيح لكنه فاته الفضل، فالأفضل له والكمال أن يجلس حتى يصلي الفجر وحتى يقف بعد طلوع الفجر يذكر الله ويثني عليه ويدعو إلى أن ينصرف قبل طلوع الشمس، وكان المشركون ينصرفون بعد طلوع الشمس فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم وانصرف قبل طلوع الشمس بعدما أسفر عليه الصلاة والسلام، وهذا هو المشروع لجميع الحجاج أن ينصرفوا قبل طلوع الشمس اقتداءً به عليه الصلاة والسلام.
ولعل هذا المقدار يكفي في هذه الحلقة حتى نكمل ذلك في الحلقة الأخرى إن شاء الله.
المقدم : جزاكم الله خيراً، إذاً: وصل بنا الحال إلى انصرافه صلى الله عليه وسلم من مزدلفة؟
الشيخ: نعم.
الجواب: حجها صحيح وعليها التوبة إلى الله سبحانه؛ لأن الله جل وعلا منعها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من الحج إلا بمحرم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) والله يقول: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] ويقول سبحانه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:1-2] صاحبنا هو محمد صلى الله عليه وسلم، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:2-4] .
فعلينا أن نسمع ونطيع لما وجهنا إليه عليه الصلاة والسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) ولو كان معها نساء، لكن تصح الحجة، حجها صحيح وعليها التوبة والاستغفار.
الجواب: نعم، حجه صحيح، أما سؤاله الناس ففيه التفصيل: إن كان سأل الناس عن حاجة وعن مسكنة وصدق، فلا حرج عليه والحمد لله.
أما إن كان سألهم تكثراً وعن غير صدق فهو آثم وعليه التوبة إلى الله من ذلك، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه سأله قبيصة أن يساعده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اجلس حتى تأتينا صدقة بني فلان فنأمر لك بها، ثم قال: يا
وظاهر النص ولو لم يكن عاجزاً، إذا كانت الحمالة في مصلحة المسلمين لا لحاجته هو، أما إذا كان لحاجته وأغناه الله فلا حاجة إلى أن يسأل، لكن إذا كان تحمل حمالة للمسلمين لمصلحة المسلمين، فهذا يعطى ولو؛ لأن قبيصة تحمل حمالة للإصلاح، فإذا تحمل إنسان مالاً ليصلح بين قبيلتين أو بين أهل قريتين أو نحو ذلك فهو مشكور وقد عمل عملاً طيباً، فينبغي أن يساعد من الزكاة حتى لا يكسل الكبار والرؤساء والأعيان عن الإصلاح، فيعطى من الزكاة تلك الحمالة شكراً له على عمله الطيب، وتشجيعاً له ولأمثاله على العودة إلى مثل ذلك من الزكاة أو من بيت المال.
الثاني: من أصابته جائحة اجتاحت ماله مثل سيل أو حريق أو ما أشبه ذلك مما يزول معه المال، فهذا يعطى من الزكاة أو غيرها ما يحصل به السداد، يعني: سداد حاله، قوام حاله، السداد-بالكسر-والقوام ما يسد الحاجة، يعني: يعطى من بيت المال أو من الزكاة ما يسد الحاجة حتى يلتمس له عملاً.. حتى يلتمس له سبباً يقوم بحاله.
الثالث: الذي كان في خير ثم أصابته فاقة، يعني: أصابته حاجة شديدة إما لكساد البضاعة التي يتسبب بها، أو لأسباب أخرى حصلت له فاقة غير الجائحة، أصابته فاقة بأسباب كثيرة إما رخص الأسعار، وإما مرضه وعجزه عن العمل، وإما غير ذلك، فهذا يعطى سداداً من عيش، يعطى من الزكاة وغيرها ما يقوم بحاله ويسد حاجته شهرياً أو سنوياً فيستغني بذلك عن السؤال.
المقدم:بارك الله فيكم، إذاً: الشروع في الحج والمرء ليس لديه نفقته هذا غير جائز؟
الشيخ: لا يجوز له، إلا إذا تبرع له أحد بأن قال: تحج معنا يا فلان أو نعطيك النفقة فلا بأس، لكن لا يحج بسؤال الناس، الله جل وعلا إنما أوجب الحج على المستطيع، فالذي إنما يحج بسؤال الناس لا يسأل الناس، فإذا كان عنده ما يسد حاجته فالحمد لله لا يسأل الناس، والحج ليس بلازم حتى يستطيع، لكن لو حج بمال حصل عن سؤال مذموم أو من طريق حرام كالسرقة أو الخيانة أو الربا أو ما أشبه ذلك صح الحج؛ لأن أركان الحج وواجباته كلها بدنية، وهو عليه التوبة إلى الله مما فعل، ورد الأموال إلى أهلها إن كانت عن سرقة أو نحوها.
الجواب: هذا غلط، ليس له أن يسافر حتى يكمل حجه، وليس له أن يوكل إلا لعذر شرعي، فإذا وكل لعذر شرعي وجب عليه الانتظار حتى يفرغ الوكيل من أداء ما عليه كالرمي.
فالحاصل: أن سفر الإنسان قبل انتهائه من الحج أمر ممنوع لا يجوز، بل عليه أن يصبر حتى ينتهي حجه ولو أنه يوكل في بعض الأشياء، مثلاً: يعجز عن الرمي يوكل من يرمي عنه، لكن لا يسافر حتى يتم الرمي كله ثم يطوف للوداع، ثم يسافر بعد ذلك، وليس له أن يسافر قبل ذلك، فيقول للوكيل: يكفي، لا، لابد يصبر حتى يرمي الوكيل ثم هو بعد الرمي كله يطوف للوداع.
المقدم: ومن فعل ذلك ما الحكم سماحة الشيخ؟
الشيخ: هذا فيه تفصيل: إن فعل ذلك والواجب عليه شيء من الأركان وجبت عليه العودة، مثل سافر قبل أن يطوف طواف الإفاضة فعليه أن يرجع حتى يطوف طواف الإفاضة أو يسعى إن كان عليه سعي، أما إن كان طواف الوداع فقط عليه دم يذبح في مكة ولا يلزمه العودة.
أما إن كان الرمي رمي الجمار فهذا فيه تفصيل: إن كان الوقت باقي وهو ليس له عذر وجب عليه العودة حتى يرمي بنفسه، يعني: سافر الطائف أو جدة وهو لا عذر له يرجع حتى يرمي في أوقات الرمي، فإن كان الوقت قد خرج، قد فات يعني: ما تنبه إلا بعدما فاتت أيام الرمي فعليه دم يذبح في مكة عن الرمي؛ لأن الرمي لا يقضى، ذهبت أيامه ذهب فعله، فلا يقضى إنما يرمى في وقته، فإذا ذهبت الأيام فإنه يسقط فيلزمه الدم يحل محله الدم، ذبيحة تذبح في مكة للفقراء بدل الرمي كله.
الجواب: هذا ينبغي فيه التفصيل: إن كان هناك حاجة مصلحة إسلامية، فلا بأس لكن بعد فراغه من الحج، مثل الإنسان عنده عمل مهم، خلفه عمل مهم، هذا لا بأس أن يستعجل لمقصد شرعي، أو عنده مراجعة الأطباء أو سجناء هو المسئول عنهم، أو تعليم يفوت وقته أو ما أشبه ذلك من الحاجات المعلومة التي تقتضي السرعة، فإذا فرغ من رمي الجمار وطواف الوداع فلا بأس أن يتعجل للمصلحة الإسلامية.
أما إذا ما هناك ضرورة فالأفضل له عدم العجلة حتى يستفيد من بقائه في مكة، والصلاة في المسجد الحرام، الطواف في الحرام، هذا خير عظيم، كل يوم يمر عليه إذا حصل له فرصة يصلي في المسجد الحرام هذا خير عظيم، أو يطوف هذا خير عظيم، ولكن الحمد لله الأمر واسع ما دام كمل الحج، فمن أحب أن يسافر فلا بأس لكن كونه يحرص على السفر على وجه يضره، أو يضر غيره بالمزاحمات هذا ينبغي له تركه حتى يطوف بهدوء وحتى لا يضر أحداً وحتى يتيسر له أيضاً المزيد من الطواف أو الصلوات في المسجد الحرام كل هذا خير عظيم.
المقدم: جزاكم الله خيراً.
سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله تعالى على تفضلكم بالإجابة عن قضايا هذه الحلقة، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم دائماً على خير.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجل لكم هذه الحلقة زميلنا مطر محمد الغامدي وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر