إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (187)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب. رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: نعود في بداية هذه الحلقة إلى رسالة الأخت أم مجاهد سودانية مقيمة في الإمارات العربية المتحدة، أختنا عرضنا جزءاً من أسئلتها في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة تسأل وتقول: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل بيتك إلا مؤمن ولا يأكل طعامك إلا تقي) هل هذا حديث صحيح، وإن كان صحيحاً فكيف أعرف المؤمن والتقي، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (التقوى ها هنا) يشير إلى قلبه، والتقوى والإيمان مكانهما القلب، والله المطلع على القلوب، وإذا دخل بيتي جاحد كافر جائع ماذا أفعل معه، أفيدوني جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فلفظ الحديث الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) ومعناه: لا تتخذ الفساق أصحاباً، وإنما تتخذ الأخيار أهل الصفات الحميدة.. أهل المحافظة على الصلوات، الذين يحفظون ألسنتهم وجوارحهم عن محارم الله، هذا معنى ذلك: (لا تصاحب إلا مؤمناً) والمؤمن من أظهر عمل الخير، القلوب لا يعلم ما فيها إلا الله سبحانه وتعالى، وليس للناس إلا الظاهر، فمن أظهر الاستقامة على دين الله بالمحافظة على الصلوات وأداء حق الله وترك محارم الله، فهذا يقال له: مؤمن، ويقال له: مسلم، ويقال له: متقي أيضاً حسب ما ظهر من أعمال، أما القلوب فإلى الله عز وجل، لا يعلم ما فيها إلا الله، وإنما يؤخذ الناس بما أظهروا من الأعمال، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (التقوى ها هنا) يعني: أن أصل التقوى في القلب، متى صلح القلب صلحت الجوارح، ومتى فسد القلب فسدت الجوارح، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه ينبغي للمؤمن أن يعتني بقلبه، وأن يجتهد في صلاح قلبه وطهارته حتى تصلح أعماله وأقواله.

    كما في الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وفي اللفظ الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) متفق على صحته، فالقلب هو الأساس، فمتى عمر بتقوى الله ومحبته وخشيته سبحانه وخوفه منه، والنصح له ولعباده استقامت الجوارح على دين الله وعلى فعل ما أوجب الله وعلى ترك ما حرم الله.

    وقوله: (ولا يأكل طعامك إلا تقي) أي: لا تدع إلى طعامك إلا الأخيار، لا تدع الفساق والكفار، قال العلماء: هذا فيما يختار، يختاره الإنسان ويتخذه عادة له، أما الضيوف فلهم شأن آخر، الضيوف لا مانع من أن يقدم لهم الطعام وإن كانوا ليسوا أتقياء، وإن كانوا فجاراً وإن كانوا كفاراً، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم عليه الضيوف من الكفرة وغير الكفرة فيطعمهم ويكرمهم عليه الصلاة والسلام، تأليفاً لهم على الإسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) فإكرام الضيف مأمور به شرعاً ولو كان غير المسلم، وفي إكرامه دعوة إلى الإسلام، وتوجيه له إلى الخير؛ ليعرف محاسن الإسلام ومكارم الأخلاق.

    أما أن تتخذ أصحاباً ليسوا مسلمين يأكلون طعامك ويصحبونك فلا، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر الصحيح: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك -يعني: يعطيك - وإما أن تبتاع منه - تشتري منه- وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، أما نافخ الكير فإما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) ويقول صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله -يعني: صاحبه- فلينظر أحدكم من يخالل) فالمؤمن ينظر في أصحابه وأخلائه ويختار الأخيار الطيبين أهل الصلاة .. أهل الاستقامة .. أهل السمعة الحسنة؛ حتى يعينوه على طاعة الله وحتى يستشيرهم فيما يشكل عليه، وحتى يتعاون معهم في الخير، ولا يتخذ أهل الفسق والكفر أصحاباً وأولياء؛ لأنهم يضرونه ويجرونه إلى أباطيلهم؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي) يعني: حسب الاستطاعة وفي الاختيار.

    أما إذا هجم الضيف فإن الإنسان يكرم الضيف بما يليق بمقامه، وإذا كان فاجراً أو كافراً يدعوه إلى الخير وينصح له، يدعوه إلى طاعة الله والاستقامة على دينه إن كان فاسقاً، يدعوه إلى الإسلام إن كان كافراً، وقد جاء وفد ثقيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وهم كفار فأكرمهم ودعاهم إلى الله عز وجل حتى أسلموا، فالضيف له شأن آخر.

    وكذلك قد يدعى الإنسان إلى وليمة فيجتمع بأناس لا خير فيهم فلا يضره ذلك؛ لكونه لم يقصد صحبتهم، وإنما جمعه معهم الطعام كما يجمعه معهم السوق والمساجد ونحو ذلك، وهم فساق.

    فالحاصل أن الشيء الذي ينهى عنه هو أن يتخذ الفاجر أو الكافر صاحباً وصديقاً يأكل طعامه ويزوره ويتزاور معه ونحو ذلك، أما ما قد يعرض للإنسان من مجيء الضيف إليه، أو اتصاله بغير مسلم لدعوته إلى الله، أو لشراء حاجة منه، فقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من الكفرة واشترى من اليهود حاجات عليه الصلاة والسلام، وقد دعاه اليهود فأكل طعامهم، وأحل الله لنا طعامهم، فهذه أمور ينبغي أن يعلمها المؤمن، وأن تكون منه على بينة حتى لا ينهى عما أذن الله فيه، وحتى لا يحرم ما أحل الله سبحانه وتعالى، والله المستعان.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088484866

    عدد مرات الحفظ

    776951463