مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ وعلى بركة الله نبدأ في استعراض بعض رسائل السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.
====
السؤال: مع مطلع هذه الحلقة نعود إلى رسالة إحدى الأخوات المستمعات من العراق تقول (خ. م. ص) أختنا عرضنا سؤالاً من رسالتها في حلقة مضت.
وفي هذه الحلقة تسأل وتقول: إذا حرمت المرأة نفسها على زوجها فما الحكم؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن التحريم لما أحل الله أمر لا يجوز، فليس للمرأة أن تحرم زوجها، وليس للرجل أن يحرم زوجته، وليس لأحد من الناس أن يحرم ما أحل الله، فلا يقول: اللحم علي حرام، أو اللبن علي حرام، أو الفاكهة علي حرام، أو الحبوب علي حرام، أو غير هذا مما أحل الله، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التحريم:1]، وقال سبحانه في الذين يظاهرون نسائهم، يعني: يحرمون نساءهم: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا [المجادلة:2].
فليس للمؤمن ولا لمؤمنة تحريم ما أحل الله، فالرجل إذا حرم زوجته وظاهر منها يكون عليه الكفارة وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً ثلاثين صاعاً لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره، وليس له أن يقربها حتى يؤدي الكفارة كما نص عليه كتاب الله في سورة المجادلة.
أما المرأة فليس لها حكم الظهار، وإنما هو للرجل؛ لأن الله قال: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [المجادلة:3].
أما المرأة إذا حرمت زوجها بأن قالت: أنت علي كظهر أبي، أو أنت علي حرام، أو أنا محرمة عليك أو ما أشبه ذلك، فإنها بهذا قد غلطت وأخطأت وعليها التوبة والاستغفار؛ لأنها حرمت ما أحل الله لها، وعليها كفارة يمين فقط؛ لقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2] فسمى تحريمه صلى الله عليه وسلم للعسل كما في الرواية المشهورة أو لـمارية الجارية سماه يميناً.
وهكذا الرجل إذا حرم طعاماً أو شراباً أو فاكهة أو امرأة ليست زوجة له، فإن عليه كفارة يمين، وهكذا المرأة إذا حرمت زوجها أو حرمت فاكهة أو كلام فلان أو زيارة فلان يكون عليه كفارة يمين، وليس عليها ظهار، الظهار للزوج خاصة، أما هي فعليها كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن عجزت، صارت فقيرة فإنها تصوم ثلاثة أيام، هكذا بين الله سبحانه في قوله جل وعلا: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] الآية.
فبين سبحانه وتعالى أن الواجب حفظ اليمين، وأن من عقد اليمين ثم حنث عليه الكفارة، والله سبحانه قال في قصة نبيه صلى الله عليه وسلم لما حرم العسل: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2] فالتحريم لما أحل الله حكمه حكم اليمين.
قال ابن عباس في هذا: هو يمين يكفرها.
الجواب: الوتر مشروع، ويشرع فيه القنوت، ومحله ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، يعني: جميع الليل من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، هذا محل الوتر، فإذا صلى واحدة ورفع من الركوع شرع له أن يدعو بالقنوت: اللهم اهدنا فيمن هديت.. إلى آخره.
وإن صلى ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك فإنه يصلي الركعة الأخيرة وحدها ويسلم من كل ثنتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) فيصلي ركعتين ركعتين ويسلم، ثم إذا أراد النهاية صلى واحدة قبل الصبح، يقرأ فيها الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ويقرأ معها: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] هذا هو الأفضل، وإن قرأ بعد الفاتحة غير: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] فلا بأس، لكن الأفضل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ثم يركع، ثم يرفع بعد ذلك ويقول: سمع الله لمن حمده- إذا كان إماماً أو منفرداً- ربنا ولك الحمد، ثم يقنت: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني .. إلى آخره.
وإن كان إمام جماعة قال: اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا.. إلى آخره.
أما الفجر فلا يشرع فيها القنوت إلا لعلة؛ نازل من النوازل-الفجر- كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت فيها وفي غيرها من الفرائض في النوازل، إذا وقع عدوان من بعض الناس على المسلمين أو حصروا بلاد المسلمين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الفرائض يدعو عليهم، والغالب أنه يقنت في الفجر في الركعة الأخيرة، بعدما يرفع رأسه من الركوع يقنت ويدعو على العدو، وقد فعل هذا كثير عليه الصلاة والسلام، وربما استمر شهراً وربما استمر أربعين يوماً وربما كان ذلك أقل، ثم يمسك فيستمر، فإذا دعا الإنسان أو المسلمون في صلاة الفجر أو غيرها في الركعة الأخيرة بعد الركوع للمسلمين مثل المجاهدين الأفغان، دعوا لهم بالنصر، وعلى عدوهم بالهزيمة فلا بأس، لكن لا يستمر تارة وتارة حتى يحصل النصر.
أما ما يفعله بعض الناس من الاستمرار في القنوت في الفجر دائماً دائماً ولو من دون نزول نازلة فهذا مكروه ولا ينبغي، بل بدعة على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله بصورة مستمرة، وإنما كان يفعله للأسباب التي ذكرنا وهي وجود نازلة تنزل بالمسلمين تضرهم.
ويدل على هذا المعنى ما ثبت في الحديث الصحيح من رواية سعد بن طارق بن أشيم الأشجعي عن أبيه أنه قال لأبيه طارق : (يا أبت! صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف
فهذا الحديث الصحيح حجة ظاهرة على عدم شرعية القنوت في الفجر بصفة مستمرة، وإنما يشرع في الفجر وغيرها إذا وجد نازلاً بالمسلمين مثل نازلة الأفغان فلا بأس أن يدعى، بل يشرع أن يدعى بين وقت وآخر، هذا هو المشروع.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تستحب في الصلاة مطلقاً، وهو قول له شبهة في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في النوازل، فظنوا أنه يستحب دائماً، وتعلقوا بأحاديث ضعيفة جاءت فيه: (أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا) ولكنها أحاديث ضعيفة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فظنها من ظنها صحيحة فعمل بها.
فالذي ينبغي ترك ذلك؛ لأن حديث سعد بن طارق عن أبيه صحيح صريح في ذلك، فينبغي للأئمة في مثل هذا أن لا يفعلوه إلا بصفة خاصة في النوازل.
الجواب: الواجب على المسلمين في الصفوف التراص والتقارب ولا يجوز ترك الفرج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تراصوا) أن يأمرهم عند الدخول في الصلاة أن يتراصوا، وأن يسدوا الفرج، فوجب على المسلمين الامتثال وأن يسدوا الفرج وأن يتراصوا، فيلزق قدمه بقدم جاره، ويتقاربون جميعاً حتى لا يكون بينهم فرج، وبعض الناس قد يؤذي جيرانه يتوسع يلصق أقدامه بأقدام إخوانه، لكن يحصل بذلك بعض الأذى.
فالسنة أن يستقيم في وقوفه وأن يجذب أخاه إليه من هنا وهنا حتى يتراصوا، وحتى لا يؤذيهم بشيء، يستقيم ويجر أخاه إليه من هنا ومن هنا حتى يسدوا الفرجة ولا يفسح ويمد رجليه من هنا ومن هنا من أجل لصق قدمه بقدمهم، بل يعلمهم السنة بأن يستقيم في وقفته ويجر هذا الذي عن يمينه وعن شماله حتى يسدوا الفرجة برفق وحكمة حتى لا يكون هناك شقاق ونزاع، وحتى تحصل السنة التي دعا إليها النبي عليه الصلاة والسلام.
الجواب: لا ريب أن كثيراً من الناس لا يتقيد بالمشروع في الزواج ولا في غيره، والواجب على المسلمين أن يتقيدوا بشرع الله في الزواج وفي غيره أينما كانوا، في المملكة العربية السعودية أو في ليبيا أو في المغرب الأقصى أو في الجزائر أو في تونس أو في أي مكان، الواجب على أهل الإسلام التقيد بالأمر الشرعي، وأن يتواصوا بذلك وأن يتعاونوا عليه، كما قال الله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] ، وقال سبحانه: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
فلابد من التواصي بالحق ولابد من التواصي بالصبر في أمر الزواج وغيره، وفي جميع الأمور التي تقع بين المسلمين، فيتعاونون في إقامة الصلاة في الجماعة، وفي أداء الزكاة، وفي صيام رمضان وحفظه عما حرم الله، وفي أداء الحج مع الاستطاعة، وفي بر الوالدين، وفي صلة الأرحام، وفي ترك الغيبة والنميمة وسائر المعاصي، وفي ترك الكذب وشهادة الزور، وفي ترك ظلم الناس في الأموال والأعراض والدماء إلى غير ذلك، الواجب على أهل الإسلام أينما كانوا ذكوراً كانوا أو إناثاً أن يتقوا الله، وأن يتعاونوا على طاعة الله ورسوله، وأن يتعاونوا أيضاً على ترك ما حرم الله ورسوله، وبذلك تحصل لهم السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
ومن هذا أمر الزواج، يجب أن يكون الزواج على الطريقة الشرعية، ليس فيه تكلف ولا إسراف ولا تبذير، بل يجب القصد في كل شيء، وعدم التكلف حتى يكثر الزواج، وحتى يحصل عفة النساء والرجال جميعاً، فالشباب بحاجة إلى الزواج، والنساء كذلك في حاجة إلى الزواج.
والتكلف هو تعاطي ما حرم الله من المنكرات، كل هذا مما يسبب تعطيل النكاح، وبقاء الشباب والفتيات من دون زواج.
فلا يجوز اختلاط الرجال بالنساء في الأعراس، ولا في غيرها، بل يجب أن يكون النساء في محل خاص على حدة، والرجال على حدة، وأن تكون الوليمة مقتصدة ليس فيها تكلف ولا شيء يشق على الزوج وآل الزوجة، بل يتحرون جميعاً الاقتصاد وما يكفي المدعوين، ويقتصدون أيضاً في الدعوة التي لا تشق عليهم.
وهكذا يشرع لهم الاقتصاد في المهور وعدم التكلف، وأن يسهلوا في المهور حتى يحصل النكاح وحتى يكثر الزواج بين الناس.
ومن ذلك أيضاً: مسألة الطرب، فلا بأس أن تتعاطى النساء الدف، يعني: الطار المعروف وهو ذو الوجه الواحد، يضربه النساء بينهن بصفة خاصة في محل خاص ليس فيه اختلاط الرجال، ولا مانع من الأغاني العادية التي ليس فيها محذور شرعاً التي بين النساء في بيت الزوج أو الزوجة أو أهل الزوج أو أهل الزوجة ونحو ذلك، كما كان يفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه، وكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يحضرن الأعراس، ويحضرن الغناء العادي والاحتفال العادي، كل هذا لا بأس به.
أما وجود المطربات والأصوات العالية بالمكبرات التي تشغل الناس وتؤذي الجيران والمارة ويعلن فيها الأغاني المحرمة هذا لا يجوز.
وهكذا السهر الذي يضيع على الناس صلاة الفجر ويسبب ترك الصلاة التي أوجب الله، فهذا كله لا يجوز.
وهكذا إيجاد آلات الملاهي من العود وأشباهها من آلات اللهو والطبول كل هذا لا يجوز.
إنما يباح الطار المعروف وهو الدف فقط للنساء بشرط أن يكون خالياً ليس فيه ما يسبب الفتنة من حلقات مزعجة أو أشياء مزعجة، بل الدف العادي وهو الطار العادي المعروف تضربه المرأة وتغني الأغاني القليلة المعتادة بينهن نصف ساعة أو ساعة ونحو ذلك ثم ينصرفن في أول الليل، ولا يسهرن إلى آخر الليل أو إلى معظم الليل؛ لأن هذا يضر الجميع، ويسبب النوم عن الصلاة من الجميع.
فالحاصل: أن الواجب على جميع المسلمين في كل مكان أن يتحروا في زواجهم ما شرع الله، وأن يبتعدوا عما حرم الله، وأن يتواصوا بعدم التكلف لا في المهور، ولا في الولائم، ولا في دعوة الناس الكثيرين الذين يسببون المشاكل، ولا في إيجاد المطربات عن طريق مكبرات الصوت، ولا إيجاد آلات الملاهي، غير مجرد الدف والأغاني العادية لوقت مناسب من الليل ينتهي من دون طول ومن دون مشقة ومن دون السهر أكثر الليل أو كل الليل، هذا الواجب على المسلمين، وهذا المشروع لهم، وبهذا يتيسر للمسلمين تزويج شبابهم وتزويج فتياتهم بالمهور المناسبة والكلف المناسبة من دون مشقة ولا حرج ولا تعاطٍ لما حرم الله.
والواجب على ولاة الأمور في كل بلد من الأمراء والحكام أن يعينوا الناس على الخير، وأن يمنعوهم من الشر، وأن يأخذوا على أيدي السفهاء، هذا هو الواجب على أمير البلد وقاضي البلد وأعيان البلد أن يتعاونوا بينهم في هذا الشيء، حتى يلزموا الناس بالخير ويمنعوهم من الشر، ومتى أصلح الله الرؤساء تبعهم الناس، متى صلح الأمير والأعيان، وتدخلت المحكمة والقضاة حصل الخير الكثير وانتهى الناس عما يضرهم.
ومتى سكت هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء زاد الشر، وكثر البلاء، وتعطل الشباب وتعطلت الفتيات، وهذا شيء لا يرضاه الله ورسوله، ولا يرضاه أهل الإيمان والعلم، فنسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
المقدم: أخونا يسأل يقول: إذا لم يكن هناك سبيل إلى التغيير الذي تفضلتم وبينتم ما يجب أن يكون عليه، هل يلزم المسلم أن يبحث عن زوجة في مكان آخر وفي بلد آخر يتوفر فيه ذلك الجو؟
الشيخ: نعم، ليس من اللازم أن يتزوج في بلده، لا مانع من أن ينتقل إلى بلد آخر في بلاده بشرط العناية بالمرأة الصالحة البعيدة عما حرم الله، وعن أسباب الفتنة، يتحرى، يسأل عنها، فإذا وجدها حرص عليها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها) ثم قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك).
فالزوج يسعى إلى ذات الدين ويحرص عليها، وإذا حصل مع ذلك جمال أو حسب أو مال، فهذا أكثر وإلى خير، لكن لا تكون أكبر همته وأعظم قصده الجمال، فربما أطغاها الجمال، وربما أفسدها عليه الجمال، ولكن يحرص على كونها ذات دين، ثم يبحث بعد ذلك عما يريد من جمال أو حسب أو غير ذلك، فإذا انضم هذا إلى هذا فهو خير إلى خير، وإلا قدم ذات الدين وإن قل جمالها وإن قل مالها وإن عدم حسبها، فالمرأة بنفسها ودينها لا بحبسها وجمالها.
الجواب: تشرع مكررة حتى يطمئن قلبه وينشرح صدره لما يريد، ويستشير إخوانه الثقات المعروفين الذين يعتقد فيهم الخير، وأنهم يحبون له الخير، يستشيرهم بعد الصلاة، يصلي ركعتين ويستخير ربه بما جاء في حديث جابر -والحديث معروف موجود في رياض الصالحين وغيره- ثم يستشير بعد الدعاء، فإن انشرح صدره وإلا أعاد الصلاة وأعاد الاستشارة، وهكذا مرتين، ثلاثاً أربعاً، أكثر حتى يحصل له الطمأنينة والانشراح في الزواج أو في شراء بيت أو في سفر إلى بلد أو في إقامة شركة أو ما أشبهها من الأمور التي تشتبه عليه، فيستخير الله فيها ويستشير إخوانه الطيبين، ثم يعمل ما يطمئن إليه قلبه وينشرح له صدره بعد الاستخارة وبعد الاستشارة.
الجواب: تقدم ما يبين الزواج الشرعي، أما الزواج العرفي لا يلتفت إليه، يجب أن تكون العناية بالزواج الشرعي الذي ليس فيه محذور مما حرمه الله، فعلى آل الزوج وعلى آل الزوجة وعلى أقاربهما أن يتعاونوا حتى يكون الزواج شرعياً بعيداً عما حرم الله حريصين جميعاً على أن يستوفي المقام ما ينبغي فيه من الحكمة والأسلوب الحسن، وتعاطي ما ينبغي من الأمور الطيبة من عدم التكلف في الولائم، وعدم إيجاد ما حرم الله فيه من أغاني أو ملاهي أوتار أو ما أشبه ذلك.
يعني: يجب أن يتعاونوا على توافر الخير وعدم الشر في هذا الزواج حتى يكون المطلوب حاصلاً من دون ما حرم الله، إذ المقصود هو عفة الرجل والمرأة وحصول الزواج لهما، فليكن ذلك على الطريقة الشرعية التي شرعها الله لعباده وأباحها لهم، وليبتعدوا جميعاً عما حرم الله في الأقوال والأعمال.
الجواب: المشروع ذكر الله على كل حال، وأينما كان الإنسان إلا في مواضع القذر كالحمام ونحوه مما فيه قذر، فيمسك الإنسان حتى يخرج من محل قضاء حاجته، يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42]، ويقول سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35] فذكر من أهل الإيمان الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، وقد وعدهم الله بالمغفرة والأجر العظيم، وقال سبحانه: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، وقال عز وجل: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10]، وقال سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:190-191] الآية.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سبق المفردون، قيل: يا رسول الله! من المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات) رواه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام لما سأله رجل، قال: (يا رسول الله! إنك شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بباب جامع أتمسك به؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) هكذا ينبغي.
فالجفاء في ترك الذكر وليس في الذكر، الجافي هو الغافل المعرض، وأما المشغول بذكر الله قائماً وقاعداً في بيته وفي المسجد وفي الطريق وفي كل مكان هذا هو الموفق، وهو المهدي، ليس هو الغافل وليس هو الجافي.
المقدم: جزاكم الله خيرا، سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا فهد العثمان، شكراً لكم جميعاً، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر