أيها الإخوة في الله! السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
نحييكم بتحية الإسلام الخالدة التي نستهل بها لقاءنا المتجدد مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
والذي يسعدنا أن نلتقي به وأن يكون ضيف لقائنا في هذه الحلقة من البرنامج ليتولى سماحته الإجابة مشكوراً على رسائلكم التي تحمل أسئلتكم واستفساراتكم.
ونرحب بسماحة الشيخ، أهلاً ومرحباً بكم سماحة الشيخ.
الشيخ: بارك الله فيكم، حياكم الله.
====
السؤال: السؤال الأول ورد من الأخ المستمع الذي رمز إلى اسمه بـ (ف. ر. ع) من جمهورية اليمن، تحتوي رسالته على سؤالين، السؤال الأول فيها، يقول فيه: من هم أهل الكتاب؟ أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فأهل الكتاب مثل ما بينهم الله في كتابه هم اليهود والنصارى، سموا أهل الكتاب لأن الله أنزل عليهم كتابين؛ على بني إسرائيل، الأول على موسىوهو التوراة، والثاني على عيسى وهو الإنجيل، فلهذا يقال لهم: أهل الكتاب، ويقال لهم: أهل الكتابين، ولهم أحكام تخصهم غير أحكام بقية المشركين، وهم يجتمعون مع غيرهم من الكفار باسم الكفر والشرك، فهم كفار ومشركون كعباد الأوثان وعباد النجوم وعباد الكواكب وسائر الكفرة الملحدين.
ولكنهم لهم خصائص بأسباب أنهم تلقوا هذين الكتابين عن أنبيائهم الماضين عن موسى وهارون وعن عيسى عليهم الصلاة والسلام، والله جعل لهم أحكاماً خاصة، منها: حل ذبائحهم التي لم تذبح لغير الله، لم يهلوها لغير الله، ولم يذكروا عليها غير اسم الله، ولم يوجد ما يحرمها، فهذه حل لنا، كما قال الله سبحانه: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5].
وكذلك نساؤهم حل لنا، المحصنات العفيفات الحرائر، كما في قوله سبحانه: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5] الآية، فهذان حكمان يخصان أهل الكتاب: حل النساء المحصنات منهم، وحل ذبائحهم التي لم يهلوها لغير الله، ولم يذبحوها على غير شرع الله.
أما بقية المشركين فلا تحل لنا ذبائحهم ولا نساؤهم.
وهناك أمر ثالث: وهو أخذ الجزية، تؤخذ منهم الجزية أيضاً وهي مال يضرب عليهم كل عام على رجالهم الذين يستطيعون ذلك ويشاركوهم في هذا الحكم المجوس عباد النار؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذها منهم كما أخذها من أهل الكتاب.
فهذه الأحكام الثلاثة تخص أهل الكتاب، والحكم الأخير وهو الثالث وهو أخذ الجزية فيشترك معهم فيه المجوس.
وذهب بعض أهل العلم إلى أخذ الجزية أيضاً من غير هؤلاء، على خلاف معروف بين أهل العلم في أخذها من عباد الأوثان ومن عباد الكواكب ومن غيرهم من المشركين.
ولكن المشهور عند جمهور أهل العلم أن الجزية لا تؤخذ إلا من أهل الكتابين ومن المجوس.
الجواب: ترك الصلاة من الرجال والنساء كفر أكبر في أصح قولي العلماء، وعلى هذا لا يجوز للمسلم أن ينكح امرأة لا تصلي، بل يجب عليه أن يتحرى في الزوجة أن تكون ذات دين، وأن تكون من المصليات، ومن الذين يحترمون الدين ولا يأتون بشيء إلا فيه، هذا هو الواجب على المسلم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق على صحته.
فالمؤمن يتحرى في الزوجة أن تكون طيبة في دينها وأخلاقها وسيرتها، ومن أسرة طيبة، فإذا كانت لا تصلي فهذا من أعظم الكفر بالله في أصح قولي العلماء، وقد خالف في هذا من خالف من أهل العلم، وقالوا: إن ترك الصلاة ليس بكفر أكبر إذا كان لا يجحد الرجل وجوبها ولا تجحد المرأة وجوبها، ولكن ذلك عن كسل، هذا قول جماعة من أهل العلم، ويحكى قول الأكثرين.
ولكن الصواب الذي عليه الأدلة الشرعية: أن ترك الصلاة كفر أكبر وإن لم يجحد التارك وجوبها، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة) فشيء ترك عموده وذهب عموده كيف يبقى؟!
أيضاً ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وهو أصرح في هذا الباب، قوله صلى الله عليه وسلم: (إن بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه مسلم في صحيحه، والتعبير بالرجل لا يخصه على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحكام، فإنه إذا عبر بالحكم الشرعي باسم الرجل أو باسم المرأة فالحكم عام، وهكذا ما جاء في كتاب الله من الأحكام بأسماء الرجال أو بأسماء النساء، الحكم عام، إلا ما جاء الدليل بالتخصيص، كتخصيص المرأة بنصف ميراث الذكر من الأولاد والإخوة، وغير ذلك مما جاء به التخصيص، وإلا فالأصل أنهما سواء في الأحكام، وهذا منها.
فإذا كفر بترك الصلاة الرجل فالمرأة كذلك، وإن كان ذلك عن تهاون وعن كسل، هذا هو الصواب.
ومن هذا الباب ما ثبت عنه أيضاً عليه الصلاة والسلام أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد في المسند وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه، وهذا عام للرجال والنساء.
فنصيحتي للرجل السائل أن لا يتزوج إلا امرأة معروفة بالاستقامة والصلاة، والبعد عن كل ما يغضب الله عز وجل ولو بقي أعزب حتى يسهل الله له من يرضى دينها، والكتابية خير من هذه؛ لأن الكتابية أباح الله نكاحها إذا كانت محصنة، أما المشركة فهي محرمة علينا، كما قال الله جل وعلا: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221] وهذه يقال لها: مشركة، فالكتابية خير منها، وإن كان ترك نكاح الكتابية أولى وأفضل بكل حال، وأن يتزوج مسلمة حنيفية مؤمنة هذا هو الذي ينبغي له.
لكن بكل حال إذا كان ولابد فتزوج كتابية محصنة أولى من كونك تتزوج امرأة لا تصلي، كافرة.
لكن في الإمكان أن يشرط صلاتها وتوبتها قبل العقد، فإذا استقامت وهداها الله وتابت، وثبت لديه ذلك بأنها تركت عملها السيئ وأنابت إلى الله وصارت تصلي فليتزوجها والحمد لله.
ولعل رغبتها بالزواج تكون سبباً لتوبتها ورجوعها إلى الله، واستقامتها في الصلاة، فيكون قد أحسن إليها بهذا الزواج الذي جعله الله لها سبباً للتوبة والاستقامة وأداء الصلاة.
الجواب: تلاوة القرآن الكريم من العبادات التي شرعها الله لعباده وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن وأصحابه يستمعون؛ ليستفيدوا مما يقول لهم ويفسره لهم عليه الصلاة والسلام، وربما أمر بعض أصحابه أن يقرأ القرآن وهو يستمع عليه الصلاة والسلام، ولم يكن من سنته ولا من سنة أصحابه وطريقتهم أن يتلوا القرآن جميعاً بصوت واحد، ليس هذا من سنتهم، وليس هذا من فعله عليه الصلاة والسلام.
فالذين قالوا: إنه بدعة، هم مصيبون؛ لأن هذا لا أصل له.
لكن ذكر العلماء أن هذا مع الصبيان الصغار والمتعلمين على طريق التعليم حتى يستقيم لسانهم جميعاً، يعفى عنه في طريق التعليم مع الصبيان، من يتعلمون في المدارس إذا رأى الأستاذ يتكلمون جميعاً حتى يعتدل الصوت وحتى تستقيم التلاوة من الصبيان الصغار في باب التعلم فهذا نرجو أن لا حرج فيه؛ لما فيه من العناية بالتعليم والحرص على استقامة الأصوات وحسن الأداء.
أما فيما بين الناس في التلاوة في المساجد أو في غير المساجد، في الصباح أو في المساء أو في أي مكان يتلون القرآن جميعاً فهذا لا نعلم له أصلاً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فنصيحتي أن لا يفعل ذلك.
الجواب: ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (قصوا الشوارب واعفوا اللحى، خالفوا المشركين) رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) هكذا يقول صلى الله عليه وسلم، وهكذا يأمر، ولم يستثن شعيرات قليلات ولا شعيرات كثيفات بل أطلق، قال: (واعفوا اللحى) (وأرخوا اللحى) وهذا يعم قليلها وكثيرها.
فلا يجوز للمسلم أن يقصها ولا أن يحلقها ولو كانت قليلة، ولو كانت بزعمه فيها تشويه، فإنه متى اتقى الله يسر الله أمره وعدل لحيته ووفقه إلى الخير، وأزال عنه ما يخشى مما يكره.
فالواجب على المؤمن أن يتقي الله في ذلك، وأن يعتني بها من جهة إكرامها وتوفيرها وتعاطي ما يكثرها من الأسباب، قد يكون عند الأطباء أشياء تعين على تحسين هذا الشعر وتوافره، فليتعاط ما يعينه على ذلك .
أما أن يقصها أو يحلقها فلا، السنة واضحة في هذا الأمر، فليس لمؤمن أن يقص اللحية ولو كانت قليلة، وليس له أن يحلقها، بل الواجب عليه توفيرها وإكرامها وإعفاؤها وإرخاؤها طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومخالفة لأعداء الله من المشركين والمجوس.
ولو أنهم أرخوها في بعض الأحيان ولو فرضنا أنهم أرخوها جميعاً فإنا نبقى على حالنا نرخيها وإذا وافقونا فلا يضر، ليتهم يوافقونا حتى في الإسلام، ليتهم يسلمون ونحمد الله على ذلك.
فالمقصود أن بعض الجهلة قد يظن أنهم متى أرخوا نحلق وهذا غلط كبير، لا، إذا أرخوها فالحمد لله، نسأل الله لهم الهداية حتى يدخلوا في الإسلام، إذا وافقونا في أمور الإسلام لا نخالف الإسلام لأجلهم، لا؛ ولكن لا نفعل ما يوافقهم ويوافق زيهم ونخالف ديننا.
الجواب: إذا مدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم بما هو حق فنحسن الظن ونياتهم إلى الله، وإذا أكرمهم من مدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم عنده فلا بأس، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المنح للوفود وللشعراء والجوائز وهم كفار فكيف بالمسلمين.
فالمقصود أن المادح للرسول صلى الله عليه وسلم بالحق كأن يمدحه بأنه حسن الخلق بين المسلمين، متواضعاً، وأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأن صفته كذا من توفير لحيته عليه الصلاة والسلام، ومن بشاشته للمسلمين، ومن نصحه لله ولعباده، ومن زهده في الدنيا ورغبته في الآخرة، ومن صبره على الجهاد وأذى الأعداء، إلى غير هذا من أخلاقه العظيمة، هذا طيب ولا بأس أن يعطى من قال ذلك وأن يجاز إن كان وافداً ويعطى على شعره ما يرجى فيه تشجيعه على الخير وترغيبه في الثبات على الإسلام ولا حرج في ذلك؛ لأن هذا فعل الأخيار ومنهم وعلى رأسهم رسول الله عليه الصلاة والسلام.
أما النية فإلى الله، الله يعلم نياتهم.
الجواب: الإخوان المسلمون وأنصار السنة كلاهما من الدعاة إلى الله، وكلاهما نرجو لهما الخير، ولكن أنصار السنة فيما نعلم أنشط منهم في إيضاح التوحيد وبيان حقيقة الشرك، وأكثر منهم عناية بهذا الأمر، فكانوا معروفين في مصر وفي السودان بالعناية ببيان التوحيد والتحذير من الشرك والتعلق بالأموات والاستغاثة بأهل القبور.
وأما الإخوان المسلمون فليس لهم نشاط واضح في بيان التوحيد وبيان عقيدة أهل السنة والجماعة، وإنما دعوتهم عامة إلى الإسلام، وهذا لا يكفي، بل يجب على الإخوان المسلمين وعلى غيرهم من الدعاة أن يكون نشاطهم تفصيلياً، وأن يعنوا بالعقيدة الصحيحة، وأن يوضحوها للناس حتى يخرج مدعي الإسلام من عقيدة الكفر إلى العقيدة الصحيحة، فإنه قد يدعي الإسلام وقد يتكلم به ويصلي مع الناس وهو مع ذلك يعبد الأموات ويستغيث بـالبدوي أو بـالحسين أو بالشيخ عبد القادر أو بفلان وفلان، ويسأله المدد والغوث إذا مر بقبورهم، وهذا كفر أكبر نعوذ بالله من ذلك، وقد يكون عندهم طريقة من طرق الصوفية خبيثة، فالواجب البيان والإيضاح.
فأنصار السنة في هذا الباب أنشط وأكمل للدعوة وأقوى في هذا الأمر، والإخوان المسلمون يمدحون على نشاطهم في الدعوة الإسلامية العامة، ويرجى لهم المزيد من التوفيق، لكن يؤخذ عليهم فيما بلغني وفيما أعلم عدم العناية بالتفصيل فيما يتعلق بالعقيدة وفيما يتعلق بالبدع التي يتعاطاها بعض الناس.
فالواجب عليهم أن يغيروا من سيرتهم، وأن يجتهدوا في إيضاح العقيدة الصحيحة، وأن يدعوا إلى توحيد الله والإخلاص له، وينبهوا على دعوة الأموات والاستغاثة بهم وأنها شرك وكفر، وأن يوضحوا أيضاً الطرق الصوفية الخبيثة المنكرة التي في بلادهم، وأن الواجب على الناس جميعاً أن يتبعوا طريق النبي صلى الله عليه وسلم ويسيروا على سيرته، وأن يحذروا الطرق الموجهة المخالفة لسيرته عليه الصلاة والسلام، وإن فعلها من فعلها من الأكابر، فإن العبرة بالحق لا بالناس، العبرة بالحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم ودرج عليه صحابته المرضيون، وإن كانوا ضعفاء وإن كانوا فقراء، ولا عبرة بمن خالف الحق وإن كانوا من الأكابر والرؤساء والعظماء والأغنياء، لا، لا ينبغي النظر إلى هذا، بل ينبغي النظر إلى العمل والحقيقة والعقيدة فيشجع أهل العقائد الصحيحة ويدعى لهم بالتوفيق، وينشطون على الثبات على ما هم عليه، ويدعى أهل العقائد المنحرفة وإن كانوا كباراً لا يستحيى منهم ولا يداهنون، يدعون إلى الحق، ويوضح لهم ما هم فيه من الخطأ في العقيدة أو في الأخلاق أو في البدع التي يؤيدونها، هذا هو الواجب على أنصار السنة، وعلى الإخوان المسلمين وعلى جميع الدعاة إلى الله جل وعلا الواجب عليهم أن ينصحوا لله ولعباده، وأن يوضحوا العقيدة الصحيحة، وأن يبينوا حقيقة التوحيد الذي دعت إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأن ينبهوا على الشرك الذي أنكرته الرسل وحذروا منه، وأن لا يداهنوا الناس في هذا الأمر، وأن لا يكون همهم كثرة الناس، لا، المهم وجود الحقيقة ولو كانوا قليلين، المهم أن تكون الدعوة صافية نقية، وأن يكون أهلها مستقيمين على الحق ثابتين عليه ولو كانوا قليلين، فالقليل مع الصدق والإخلاص أنفع بكثير من الكثير مع الضعف والجهل وقلة البصيرة أو قلة الصدق والإخلاص ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الجواب: نصيحتي لك أيها الأخ أن تقبل نصيحة والدتك، وأن تتزوج بابنة أخيها ابنة خالك، ولعل في هذا الخير العظيم، فإن بر الوالدين ولاسيما الوالدة فإن حقها أكبر، فيه خير عظيم وله عواقب حميدة، بشرط أن تكون هذه البنت سليمة في دينها، إذا كانت طيبة ذات عقيدة طيبة وذات صلاة واستقامة، فإني أنصح لك وأؤكد عليك أن تقبل قول والدتك ومشورتها ونصحها، وسوف يجعل الله العاقبة حميدة، يقول الله جل وعلا: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49].
فبر الوالدة وطاعتها في الخير من التقوى، والعاقبة لأهل التقوى، ولا تكره شيئاً من البنت إذا كان ذلك لا يضر في خلقها ودينها، فقد قال الله سبحانه: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، وقال سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة:216].
فإذا كان هناك نقص في خلق أو في خلق لا يضر بدينها ولا يعتبر هذا النقص في الخلق معصية فاصبر عليه، ولعل الله يجعل مكان ذلك كمالاً في نفسك ومحبة في نفسك، حتى تستقيم معها على الخير والهدى وحتى ترضي والدتك.
أما إن كان هناك ما يمنع شرعاً من كونها لا تصلي، أو متهمة بالفواحش، فلا تقبل ولا تنكحها، واعتذر إلى والدتك وبين لها بينك وبينها سراً الأسباب والأعذار التي تمنعك من زواجها.
هذا هو الذي أنصح لك به وأسأل الله لك التوفيق فيما تأتي وتذر.
الجواب: النصيحة لوالدك حق، وهو من أولى الناس بنصيحتك، ومن أولى الناس بإحسانك في دينه ودنياه، ولكن ليس لك العنف والشدة حتى ولو كان كافراً، فكيف بمسلم يتعاطى بعض المعاصي؟!
والواجب عليك أن تصبر على ما تلقى من سوء خلقه، وأن تستمر في نصيحته، وأن تصله بالإحسان بالمال والمعروف، إن كنت قادراً وهو ذو حاجة، وأن تدعو الله له بالليل والنهار والسر والجهار بالهداية والتوفيق حتى يترك ما هو عليه من تعاطي الخمر، ولا تنزع يداً من طاعته ولا من الاتصال به، بل أحسن إليه واتصل به ولو هجرك، وتحبب إليه بالكلام الطيب والأسلوب الحسن؛ لعل الله يهديه بك، أما سمعت يقول سبحانه وتعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ [لقمان:15] وقبلها يقول: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14] ثم قال بعده: وَإِنْ جَاهَدَاكَ [لقمان:15] يعني: الوالدان الكافران، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان:15] الآية.
فأمر بأن يصاحبا في الدنيا معروفاً مع أنهما يجاهدان ولدهما على الشرك، ومع هذا يؤمر بالإحسان إليهما وشكرهما والصبر على ذلك، ويتبع سبيل الحق، هذا هو الواجب عليك مع الوالدين المشركين ومع العاصيين من باب أولى.
فاتق الله يا أخي، وارجع إلى الإحسان إلى والدك، وانصح له وتحمل ما قد يقول لك من الكلام السيئ، وادع الله له بالهداية صادقاً في سجودك وبغير هذا من أحوالك، لعل الله يهديه بأسبابك، وأحسن إليه بالمال إن كان فقيراً وأنت تقدر، وهذا كله فيه خير لك، ومما يرضي الله سبحانه وتعالى، والوالد ليس مثل الناس الآخرين، لا. بل له شأن آخر، فاتق الله في والدك، وأحسن إليه وارجع إلى مناصحته والاستمرار في المشورة عليه لكن بالأسلوب الحسن لا بالعنف ولا بالشدة، بل: يا والدي! هداك الله، يا والدي هذا أمر خطير، يا والدي! هذا حرمه الله، يا والدي! هذا فيه من المضار كذا وكذا في الأوقات المناسبة، في الأوقات التي تراه أكثر قبولاً لنصيحتك، ثم استعن بالله على ذلك، واسأله أن يهديه وأن يعينك عليه، وأن يشرح صدره بالحق، وهكذا تستعين بمن له قدرة على مساعدتك من أقاربك ومن أصدقاء والدك، يأتون إليه وينصحونه بالأساليب الحسنة، ويساعدونك في هذا الخير العظيم.
هذا هو الذي أنصحك به، وأسأل الله لك ولوالدك الهداية والتوفيق.
الجواب: هذا فيه تفصيل:
وفي الحقيقة أنك استعجلت، ولكن هذا فيه تفصيل: فإن كنت أردت أنها محرمة عليك ولو لم تكن عندها السلسلة، وأنها إذا لم تحضر السلسلة فهي محرمة عليك لأنك ظننت أنها عندها وأنها خانتك فيها، فلو كنت جازماً بهذا وأنها حرام عليك إلا أن تؤدي السلسلة، فهذا حكمه حكم الظهار وعليك كفارة الظهار، وهي عتق رقبة مؤمنة ذكر أو أنثى، فإن لم تجد صمت شهرين متتابعين، فإن لم تستطع أطعمت ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع تكون من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما قبل أن تمسها، قبل أن تتصل بها، هذا هو الواجب عليك؛ لأن هذا في حكم الظهار.
أما إن كنت ما أردت تحريمها وإنما أردت تشجيعها على البيان والإيضاح، وأنك تتهمها بهذا لكن تريد من هذا الكلام حثها على البيان وعلى رد السلسلة ولم ترد تحريمها، ولكن أردت تخويفها أو تحذيرها من الكتمان، وحثها على البيان فهذا حكمه حكم اليمين، وعليك كفارة اليمين وتكفي، وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، من تمر أو أرز أو حنطة أو غير ذلك، أو كسوتهم بما يجزئهم في الصلاة كقميص أو إزار ورداء، أو عتق عبد أو أمة مؤمنة، هذه هي الكفارة للظهار، فإذا عجز الحالف عن هذه الكفارة ولم يكن عنده قدرة صام ثلاثة أيام.
وأسأل الله لنا ولك الهداية.
الجواب: نعم صحيح، وقد بيناه في منسكنا التحقيق والإيضاح في كثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة، والحديث في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله سائل، فقال: (سعيت قبل أن أطوف؟ قال: طف ولا حرج) ولم يأمره بإعادة السعي، فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك ولاسيما إذا كان جاهلاً أو ناسياً، فالأمر فيه أوضح، وقال في الحديث: (ولو عامداً) ، وهذا أيضاً يعمه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما سئل يوم النحر: (قال له: يا رسول الله! حلقت قبل أن أذبح؟ قال: اذبح ولا حرج، وقال آخر: نحرت قبل أن أرمي؟ قال: لا حرج، وقال آخر: أفضت قبل أن أرمي؟ قال: لا حرج، قال الراوي: فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج).
فهذا العموم يعم من سعى قبل أن يطوف، وأنه يجزئه ذلك كما يجزئه لو نحر قبل أن يرمي أو طاف قبل أن يرمي، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، رتب هكذا، رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، ولكن هذا الترتيب بين صلى الله عليه وسلم أنه ليس بواجب، ولكنه هو الأفضل، فمن قدم بعضاً على بعض فلا حرج، سواء كان عامداً أو جاهلاً أو ناسياً، فيدخل في ذلك الطواف والسعي أيضاً، فإذا سعى قبل أن يطوف ناسياً أو جاهلاً فلا حرج بلا شك، وهكذا لو كان عامداً على الصحيح؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم للرجل لما سأله: (سعيت قبل أن أطوف؟ قال: لا حرج) ولم يسأله يقول: هل أنت ناسي؟! هل أنت جاهل؟! بل أطلق، والإطلاق يدل على التعميم.
المقدم: أحسن الله إليكم.
أيها الإخوة في الله! باسمكم جميعاً نشكر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد على هذا اللقاء في برنامج نور على الدرب الذي أجاب فيه سماحته على أسئلة الإخوة المستمعين.
أيها الإخوة الكرام! شكراً لكم على متابعتكم، وإلى لقاء آخر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر