إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (203)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: أيها الإخوة المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله في لقاء جديد من لقاءات نور على الدرب، هذا اللقاء الطيب بإذن الله، والذي نستضيف فيه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    ====

    السؤال: وأولى رسائل هذه الحلقة وردتنا من المستمع (م. م) من جمهورية مصر العربية يعمل بالرياض، يقول في رسالته: حدثت مشادة كلامية بيني وبين حماتي أم زوجتي وذلك بحضور الزوجة، وازداد الكلام حدة حتى خرجت من فمي كلمة كنت أود أن لا تخرج ولا ينطق بها لساني، فقد قلت: ابنتك هذه طالقة، وكنت أقولها دون حقد أو كره لزوجتي على الإطلاق، ولم تكن هناك نية مسبقة على أن أتلفظ بهذا اللفظ الذي ندمت عليه، فهل كوني قلت لأم زوجتي وفي حضور الزوجة: (ابنتك طالقة) تصبح طلقة، مع العلم بأنه بناء على معلوماتي السطحية عن حكم الشرع أنه مجرد لغو طالما هو في لحظة انفعال، فقد قمت بمباشرة حياتي الزوجية العادية مع زوجتي، ولكن أريد أن أعرف الفتوى ليطمئن قلبي؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

    فالطلاق ينبغي للمؤمن أن لا يعجل فيه، فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) فينبغي للمؤمن أن لا يعجل في الطلاق ويتثبت، وألا يطلق إلا عن روية وعن رغبة في الطلاق؛ لأنها قد طابت نفسه من المرأة، ورأى أن الأصلح طلاقها، فيطلقها على بصيرة، وإذا طلق فليطلق واحدة فقط، لا يزيد على طلقة واحدة، هذا هو السنة، لكن إذا كان الطلاق في حال شدة الغضب الذي يمنعه من التعقل وضبط نفسه بسبب طول النزاع بينه وبينها والمسابة والمشاتمة أو المضاربة، فإذا تحقق شدة الغضب الناشئ عن أمر واضح من مسابة ومشاتمة أو مضاربة أو أشباه ذلك مما يعلم منه شدة الغضب وعدم استطاعته أن يملك نفسه في هذا المقام فإن هذا على الأصح لا يقع؛ لأنه في هذه الحالة أشبه شيء بالمعتوه والمجنون فلا يقع طلاقه، أما الغضب العادي الذي تجري العادة به بين الناس ليس بغضب شديد قد توافرت أسبابه وشدته؛ فإن هذا يقع معه الطلاق، وإذا كان طلقة واحدة راجعها وشهد اثنان، يقول: اشهد يا فلان وفلان أني راجعت زوجتي، أو رددت زوجتي، أو أمسكت زوجتي ونحو ذلك، هذه السنة؛ لأن الله قال: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2] وهذا في الطلاق والرجعة، فيشهد على ذلك اثنين أنه راجعها، وإن طابت نفسه منها أشهد اثنين على أنه طلقها، ثم هكذا إذا طلقها الثانية إن كان عن رغبة في الطلاق أو غضب عادي ليس بشديد فهذا تقع الثانية أيضاً وله مراجعتها، فيشهد اثنين أنه راجعها إذا رغب في ذلك، هذا هو السنة، فإن اشتد الغضب معه شدة واضحة لأسباب اقتضت ذلك من مضاربة أو مسابة أو مشاتمة أو نحو ذلك مما يكون معه الغضب شديداً يعجز المرء معه عن ضبط نفسه فلا يقوى بسبب ما غلب عليه من الغضب، فإنه في هذه الحال يشبه بالمعتوه والمجنون فلا يقع الطلاق، ثم تبقى الطلقة الثالثة، إذا وقعت الطلقتان الأوليان فالطلقة الأخيرة تحرمها إلا بعد زوج، إذا وقع قبلها طلقتان فإن الطلقة الأخيرة هي المحرمة لها حتى تنكح زوجاً غيره.

    فالمؤمن يحاسب نفسه في هذه الأمور ويتقي الله عز وجل، فإذا وقع منه الطلاق عن طيب نفس ورغبة في الطلاق أو في غضب عادي فإنه يحتسب عليه، وتعتبر المرأة طالقاً طلقة واحدة، ثم هكذا الثانية ثم هكذا الثالثة على حسب ما يقع من العبد، وهناك أمور أخرى قد يقع فيها الطلاق وهي: حال الحيض، حال النفاس، حال الطهر الذي جامعها فيه.

    قد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه في هذه الحالة لا يقع الطلاق، بل هو طلاق بدعي منكر لا يجوز، فليس للمسلم أن يطلق في الحيض ولا في النفاس، ولا في طهر جامعها فيه؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (أنه طلق امرأته وهي حائض، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يراجعها، وأن يمسكها حتى تحيض ثم تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلق قبل أن يمس، وإن شاء أبقاها) وفي لفظ قال له: (فإذا طهرت فليطلقها طاهراً أو حاملاً) يعني: قبل أن يمسها، وقرأ قوله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] هذا هو الطلاق للعدة: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، أو في حال حملها.

    بعض العامة يظن أن طلاق الحامل لا يقع، وهذا غلط، طلاق الحامل شرعي يقع، إنما الذي فيه الخلاف طلاق الحائض والنفساء، أو طلاق المرأة التي هي طاهر قد جامعها وليست حاملاً، هذا هو محل الخلاف، والأكثرون من أهل العلم على أنه يقع الطلاق، الأكثرون من العلماء على أنه يقع الطلاق في حال الحيض، في حال النفاس، في حال الطهر الذي جامعها فيه، مثل حال الحامل، وذهب قوم من أهل العلم إلى أنه لا يقع لكونه طلاقاً منكراً لم يوافق الشرع فلا يقع؛ لكون النبي عليه الصلاة والسلام أنكره وحذر الأمة منه، وأمر من طلق أن يمسك حتى تحيض ثم تطهر، ثم تحيض حيضة أخرى ثم تطهر، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك، وهذا القول الذي قاله بعض أهل العلم أظهر وأرجح في الدليل، ولكن يجب على المؤمن أن يحذر الطلاق في هذه الأمور، فإنه إذا طلق في حال الحيض فقد أثم، أو طلق في النفاس فقد أثم، وهكذا إذا طلقها في طهر جامعها فيه لا يجوز، فعليه التوبة من ذلك وأن لا يعود إلى ذلك، أما الوقوع فقد عرفت أن الأكثرين على أنه يقع، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يقع، منهم ابن عمر رضي الله عنه، فإنه ثبت عنه أنه استفتي في ذلك، فقال: لا يعتد بها. وهكذا جاء معنى ذلك عن طاوس التابعي الجليل، وعن خلاس بن عمرو الهجري التابعي الجليل، وذهب إليه جمع من أهل العلم، فينبغي للمؤمن أن يحذر التساهل في هذه الأمور، وأن يحفظ لسانه عن الطلاق إلا عند الحاجة إليه والرغبة فيه في حال طهر لم يجامعها فيه أو في حال الحمل، هذا هو الطلاق الشرعي، أما طلاقها في حيض أو في نفاس أو في طهر جامعها فيه فهذا لا يجوز، والواجب التوبة من ذلك والحذر من ذلك وعدم العود إليه، والله المستعان.

    المقدم: لكن صاحبنا هذا يظهر أن طلقته هذه تحتسب طلقة واحدة؛ لأنه من كلامه يقول: قال لحماته: ابنتك هذه طالقة، ثم يذكر بأنه باشرها بعد ذلك.

    الشيخ: هي المقصود أنه إذا كان الطلاق لم يستحكم عليه ولم يشتد معه الغضب بسبب نزاع جرى بينهم أو مضاربة أو مسابة فإن الطلقة تحسب عليه، ويكون جماعه رجعة لها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088553556

    عدد مرات الحفظ

    777289311