ويسعدنا أن نلتقي بسماحته، وأن يكون ضيف لقائنا في هذه الحلقة الجديدة من برنامج نور على الدرب، الذي يتولى فيها سماحته الإجابة مشكوراً على أسئلتكم واستفساراتكم.
أولاً: نرحب باسم السادة المستمعين بسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
====
السؤال: هذه رسالة وردت إلى البرنامج من الإخوة علي محمد فارع اليماني و علي حسن عبده و عبد الرحمن محمد علي صالح من الجمهورية العربية اليمنية، يقولون في سؤالهم الأول:
وقفنا يوم التاسع وجمعنا مع النهار طرفاً من الليل، حيث أفضنا من عرفات بعد عشرين دقيقة من أذان المغرب، ولسهولة المواصلات وصلنا المزدلفة قبل أن يدخل وقت أذان العشاء، بمعنى أننا وصلنا إلى المزدلفة بعد خمس وأربعين دقيقة من وقت أذان المغرب، وحصل اختلاف بيننا، فالبعض قال: إن أول شيء يفعله الحاج في المزدلفة هو الصلاة، وفعلاً أقيمت الصلاة وصلى هذا البعض المغرب والعشاء قصراً وجمعاً والبعض الآخر امتنع حتى دخول وقت العشاء، وحجة الفريق الأول: هي أن أول شيء فعله صلى الله عليه وسلم الصلاة، وحجة الفريق الآخر: هي أن الصلاة لا تكون إلا جمع تأخير، فأي الفريقين كان أصوب ووافق السنة أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، في الأحاديث الصحيحة أنه لما وصل إلى مزدلفة بدأ بالصلاة، فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء جمعاً وقصراً ولم يصل بينهما شيئاً، بل صلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين.
ولم يقل للناس: من وصل منكم قبل دخول وقت العشاء فلا يجمع بل يؤخر العشاء إلى وقتها، ومعلوم أن الناس منهم من يتقدم ومنهم من يتأخر حتى في وقت الإبل، فلما سكت النبي عن هذا عليه الصلاة والسلام وبادر بالصلاة جمعاً وقصراً دل ذلك على أن السنة لمن وصل مزدلفة أن يصلي الجمع ولو جاء في وقت المغرب، فالذين صلوا في وقت المغرب حين وصلوا هم الذين أصابوا السنة، وأولئك لهم أجرهم في اجتهادهم ولكنهم خالفوا السنة، فالسنة لمن وصل المزدلفة ليلة مزدلفة أن يبادر بصلاة المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين تأسياً برسول الله عليه الصلاة والسلام، ولو كان الحكم يتعلق بدخول وقت العشاء وأن الجمع لا بد أن يكون جمع تأخير لبينه النبي عليه الصلاة والسلام، ولقال: إن من وصل قبل دخول وقت العشاء فلا يجمع، وترك البيان في وقت الحاجة لا يجوز؛ بل يجب أن يبين الحكم في وقت الحاجة، ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة عند أهل العلم، فلما لم يقل للناس: من وصل قبل دخول وقت العشاء فليؤخر العشاء دل ذلك على أن الحكم هو أنه متى وصل صلى سواء كان في وقت المغرب أو في وقت العشاء، والناس يتفاوتون في هذا ولكن العلماء أو كثيراً منهم سموا صلاة المغرب والعشاء جمع تأخير في المزدلفة؛ لأن الغالب أن الحجاج إنما يصلونها في وقت العشاء؛ لأنهم كانوا ذلك الوقت على الإبل أما اليوم فكان الناس على السيارات وهم يصلونها في وقت المغرب أو يصلها الكثير منهم في وقت المغرب فلهذا شرع لهم أن يصلوا متى وصلوا مطلقاً هذا هو السنة.
هل يحل لمن طاف طواف الإفاضة وعليه سعي الحج أن يباشر قبل السعي إذا علق السعي لوقت آخر، وكم المدة التي يجوز تعليق السعي عليها أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب: ليس للحاج أن يباشر زوجته بالجماع ودواعيه قبل أن يتمم حجه بالطواف والسعي، فإذا طاف ولم يسع بقي عليه تحريم الزوجة حتى يسعى، ولو أخر السعي عن الطواف يوماً أو يومين أو أكثر فلا بد أن يصبر وأن يبتعد عن الاتصال بزوجته حتى يسعى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما رمى الجمار وحلق عليه الصلاة والسلام وتطيب انتقل إلى مكة فطاف طواف الإفاضة عليه الصلاة والسلام، ثم تحلل الحل كله، وروي عنه عليه السلام أنه قال: (إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شيء إلا النساء) وقد ذكر أهل العلم أن التحلل تحللان، أول وثاني:
فالتحلل الأول يكون به استحلال الطيب والملابس المخيطة للرجل ونحو ذلك، من كل ما حرم بالإحرام ما عدا النساء.
أما التحلل الثاني: فيكون به: الطواف والسعي بعد الرمي والحلق وبهذا يتم الحل للرجل والمرأة، فإذا رمى أو حلق أو قصر ورمت وقصرت وطاف كل منهما وسعى حصل الحل الكامل لكل منهما من كل ما حرم بالإحرام.
ولا يتعلق بالرمي الأخير في أيام التشريق حل و لا منع، فعلى الحاج أن يمتنع من أهله حتى يطوف ويسعى، وليس للطواف حد محدود ولا للسعي حد محدود، فلو أخرهما عن أيام الرمي أو أخرهما جميعاً أو أخر السعي إلى آخر الشهر أو بعد ذلك لأسباب فلا بأس بذلك ولا حرج.
أهل مكة والمتمتع هل يجوز لهم الطواف والسعي قبل الصعود إلى عرفات دون الخروج إلى الحل، أم أنه لا بد من الذهاب إلى الحل والإحرام منه ليتسنى لهم أداء طواف القدوم وسعي الحج قبل الحج، وما حكم من فعل ذلك دون خروج إلى الحل أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب: أهل مكة وغيرهم من المتحللين من العمرة في مكة السنة لهم إذا أحرموا أن يتوجهوا إلى منى، سواء كان إحرامهم من الحل أو من الحرم.
السنة لهم أن يتوجهوا إلى منى كما توجه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى منى يوم الثامن، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يتوجهوا إلى منى يوم الثامن وأن يحرموا بالحج، ولم يقل لهم: ادخلوا إلى مكة فطوفوا واسعوا أو طوفوا فقط بل أمرهم بأن يتوجهوا إلى منى ملبين، فدل ذلك على أن المتحلل في مكة من العمرة وهكذا أهل مكة إذا أرادوا الحج وهكذا المقيمون بها إذا جاء يوم الثامن وهم يريدون الحج يحرمون من منازلهم أو من أي مكان ويتوجهون إلى منى، ولا يشرع لهم دخول مكة للطواف والسعي، وإنما هذا للأفقي الذي يقدم من بعيد هذا يشرع له أن يبدأ بالطواف والسعي ثم يتحلل بالعمرة إن كان الوقت فيه سعة، وإن كان الوقت ضيقاً ذهب إلى منى على إحرامه، سواء كان محرماً بالحج أو بالقران، أما إن كان محرماً بالعمرة فقط وهو المتمتع فإنه بعد الطواف والسعي يقصر أو يحلق، والسنة التقصير إذا كانت العمرة قريبة من الحج حتى يتوفر الحلق للحج.
وبعدما يقصر من عمرته يلبي بالحج ثم يتوجه إلى منى ولا يطوف ويسعى بعد تلبيته بالحج، بل يلبي بالحج ويخرج حالاً إلى جهة منى من غير طواف ولا سعي وهذا الطواف والسعي الذي يفعله المحرم من مكة في الحج، لا يجزئه إذا طاف وسعى بعدما أحرم في مكة بالحج لا يجزئه؛ لأنه غير مشروع وإنما الطواف والسعي يكون بعد ذلك بعد نزوله من عرفات يوم العيد أو بعده هذا هو الطواف المشروع لمن أحرم من مكة من أهلها أو المقيمين فيها أو المتحللين والله ولي التوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجو الإجابة على أسئلتي التالية:
السؤال الأول: عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فارقت روحه جسده وهو بريء من ثلاث دخل الجنة: الغلول والدين والكبر)رواه الترمذي ، ما هو الغلول وهل هذا الحديث صحيح أم إسناده ضعيف أفيدونا جزاكم الله خير؟
الجواب: هذا الحديث لم أقف على إسناده وسأراجعه إن شاء الله ونتكلم عليه في حلقة أخرى، أما الغلول: فهو الأخذ من الغنيمة قبل قسمها من طريق الخفية والسر، وهكذا الأخذ من الأمانات كالوكيل على بيت المال أو على أمانة أيتام أو ما أشبه ذلك يأخذ منها بغير حق يسمى غلولاً، والوعيد فيه شديد، يقول الله عز وجل: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161].
فالغلول من المحرمات ومن الكبائر يجب الحذر منه.
وأما الدين فشأنه خطير، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم سأله بعض المجاهدين: (قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلت أأدخل الجنة؟ قال: نعم إن قتلت صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، ثم قال: ماذا قلت؟ قال: قلت: يا رسول الله! أريت إن قتلت في سبيل الله أأدخل الجنة؟ قال: نعم، إن قتلت صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر دخلت الجنة إلا الدين، فإن جبرائيل أخبرني بهذا آنفاً).
فهذا يدل على أن الدين لا يسقط ولو دخل صاحب العمل الجنة فالشهداء موعود بالجنة والكرامة وهكذا كل مؤمن مات على الإيمان والهدى موعود بالجنة والكرامة، كما قال الله سبحانه في سورة التوبة: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [التوبة:72] فكل مؤمن وكل تقي موعود بالجنة لكن هذا الوعد لا يسقط الدين، فالدين الذي للناس يبقى لهم ولا بد أن يعوضوا عنه، والمؤمن إذا أخذ الدين بنية الوفاء أوفى الله عنه سبحانه وتعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري في الصحيح.
فأنت يا عبد الله! متى أخذت الدين قرضاً أو ثمن مبيع أو نحوهما وأنت تقصد الوفاء وتحرص على الوفاء، فالله يوفي عنك، فإذا مت ولم توف من غير تقصير وأنت قد نويت الوفاء وحرصت عليه فالله يوفي عنك جل وعلا، وهو الحق لا يضيع بل صاحب الدين يعطى حقه والله يرضيه عنك سبحانه وتعالى، هذا إذا كنت أردت الوفاء ولكنك عجزت عنه.
أما الكبر فأمره خطير وشره عظيم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر).
فالتكبر من كبائر الذنوب، والله يقول في النار: فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:72] فالنار أعدها الله للمتكبرين عن طاعة الله وعن دينه.
فالوصية لكل مؤمن ولكل مؤمنة هو الحذر من التكبر، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل قال له رجل: (يا رسول الله! الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة أفهذا من الكبر؟ قال: لا، إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس) هذا الكبر بينه النبي صلى الله عليه وسلم: (الكبر بطر الحق) يعني: رد الحق ودفعه إذا خالف الهوى، (وغمط الناس) يعني: احتقار الناس.
فالمتكبر: هو الذي يرد الحق إذا خالف هواه ويحقر الناس ويغمطهم ولا يبالي بهم، هذا هو المتكبر، وهو موعود بالنار نعوذ بالله من ذلك.
فالواجب الحذر وعلى المؤمن أن يتواضع لله وعلى المؤمنة أن تتواضع لله وأن يحذر كل منهما من الكبر، وهو رد الحق واحتقار الناس، نسأل الله السلامة.
الجواب: اختلف العلماء رحمة الله عليهم في الصلاة خلف الإمام الفاسق للمعاصي، كالمرابي ومن عرف بشيء من المعاصي الكبيرة كالعقوق للوالدين، وقطيعة الرحم وشهادة الزور ونحو ذلك، هل تصح الصلاة خلفهم على قولين لأهل العلم، والصواب: أنها تصح الصلاة خلفهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الأمراء: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم) ولم يأمرهم بإعادة الصلاة خلفهم وفيهم الفاسق وفيهم غيره.
ولأن الصحابة كـابن عمر صلى خلف الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراق وكان من أفسق الناس وأظلم الناس.
فالصواب: أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة أما خلف الكافر فلا، خلف الكافر المعروف بالكفر كالذي يسب الدين أو يتعلق بالأموات ويدعوهم من دون الله أو ما أشبه ذلك من أنواع الكفر هذا لا يصلى خلفه، وأما الفاسق وهو المسلم العاصي فهذا الصلاة خلفه صحيحة، وحالق اللحية من هؤلاء من الفسقة، إذا أصر على ذلك ولم يتب فهو من الفسقة يعني: من العصاة فالصلاة خلفه صحيحة، ولكن ينبغي أن لا يتخذ إماماً، ينبغي للمسئولين أن يلتمسوا إماماً أصلح منه مع القدرة، حتى لا يؤم الناس إلا خيارهم، نسأل الله للمسلمين العافية والسلامة.
الجواب: الاستماع إلى الغناء منكر لا يجوز، ولكنه لا يمنع صحة الصلاة، فقد جمع بين شر وخير، فإذا استمع الغناء أو آلات الملاهي ثم صلى فقد جمع شراً وخيراً فصلاته إذا استوفت شروطها صحيحة إذا أداها كما أمر الله صحيحة وعليه التوبة من استماعه للغناء، قال الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [لقمان:6] قال أكثر المفسرين رحمة الله عليهم: إن (لهو الحديث) هو: الغناء، قال بعضهم: ويلحق به آلات اللهو وكل صوت منكر، فالله جل وعلا ذم من فعل هذا قال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6] وهذا على سبيل الذم والعيب لهم والتحذير من هذا العمل.
فلا يجوز للمسلم أن يسمع الغناء؛ لأنه يمرض القلوب ويصدها عن ذكر الله ويسبب تثاقلها عن سماع القرآن، ويسبب أيضاً الاستهزاء بآيات الله، فالخطر فيه عظيم.
فالواجب على المؤمن والمؤمنة أن يحذرا ذلك، وأن يبتعدا عن استماع الأغاني وآلات الملاهي، حذراً من مرض القلوب وحذراً من غضب الله عز وجل، ولكن الصلاة مع هذا صحيحة، فالمغني والمستمع للغناء صلاتهما صحيحة إذا أدياها كما أمر الله عز وجل.
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سؤالي هو: هنالك بعض الفقهاء عندنا في السودان نسمي الواحد منهم فقي أي فقيه، يكتبون الآيات القرآنية في شكل أوراق صغيرة أو حجاب أو على ألواح من الخشب، وتمحى وتشرب حسب المرض، كما أن الحجاب -مثلاً- ضد السلاح أو حفظاً من الشيطان والعوارض،كما تزعم فئة أخرى وغير مجربة لها بأنها أسحار، كما أن هنالك شهود عيان على هؤلاء الفقهاء قد عالجوا مئات من المجانين ومختلي العقول، وتلبس لهم آلاف الحجب يزعمون بأنها ضد السلاح ما رأيكم في هؤلاء أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب: هذا الكلام فيه تفصيل، فطالب العلم أو من يسمى فقيهاً إذا كتب آيات من القرآن في ورقة أو صحن بالزعفران أو بالعسل ونحو ذلك حتى يغسلها المريض ويشربها هذا أجازه كثير من أهل العلم وذكره العلامة ابن القيم رحمة الله في زاد المعاد في هدي خير العباد عن جماعة من أهل العلم من السلف، وذكره غيره أيضاً فالأمر فيه واسع وسهل، إذا كتب آيات من القرآن أو دعوات طيبة بالزعفران أو بالعسل ثم غسل وشربه المريض قد ينفع الله بذلك، ولكن أحسن من هذا أن يقرأ على المريض، وينفث عليه بالآيات والدعوات الطيبة، يسأل الله له الشفاء هذا أحسن، وإن قرأ في الماء وشربه المريض أو رش عليه به نفع بإذن الله أيضاً.
أما الحجب وهي ما يكتب في أوراق تعلق على المريض، كأن يكتب آيات تعلق على المريض ضد السلاح أو ضد الجن فهذا لا يجوز، وإن أجاز بعض أهل العلم تعليق القرآن وتعليق الآيات ولكنه قول ضعيف ومرجوح، والصواب: أن الحجب لا يجوز اتخاذها لا من الآيات ولا من غير الآيات، أما من غير الآيات كالعظام والودع والطلاسم والأسماء المجهولة، هذا لا تجوز بغير شك؛ لأن الرسول عليه السلام قال: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعةً فلا ودع الله له، ومن تعلق تميمةً فقد أشرك) ولأنها من أعمال الجاهلية، ولأنها تصد القلوب عن الله وتعلقها بغيره، والقلوب يجب أن تعلق بالله سبحانه وتعالى وتعتمد عليه، فتعليق هذه التمائم يجعل القلوب تميل إليها وتتعلق بها وترتاح لها وهذا خطر عظيم، فلا يجوز تعليق التمائم وهي الحجب وتسمى الجوامع ولها أسماء عند الناس.
ومن هذا ما ورد في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه رأى رجلاً في يده حلقة من صفر فقال: ما هذا؟ قال: من الواهنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً) فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الحلقة التي يعلقها بعض الناس في يده عن مرض يسمى الواهنة لا تزيده إلا وهناً، وأنها منكرة لا تجوز، فهي من جنس التمائم وقد أخذ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه الصحابي الجليل على رجل فوجد في يده خيطاً من الحمى، فسأل عنه قال: من أجل الحمى، فقطعه وتلا قوله سبحانه: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106].
فهذا يدل على أن عمل الصحابة إنكار هذا الشيء والنهي عنه، فلا يجوز لمسلم ولا لمسلمة تعليق هذه التمائم ولا هذه الخيوط والحجب على مريض أو على صبي أو على غيرهما لدفع الجن أو السلاح أو ما أشبه ذلك؛ لأن الرسول نهى عن هذا عليه الصلاة والسلام وبين أن تعليق التمائم لا يجوز، ولم يفصل بين تميمة وتميمة ولم يقل: إلا من القرآن بل عمم، فدل ذلك على أن التمائم كلها من القرآن وغير القرآن ممنوعة؛ لأن الرسول عمم في النهي عليه الصلاة والسلام وهو المشرع وهو أنصح الناس للناس، ولو كان في التمائم شيء مستثنى لاستثناه النبي عليه الصلاة والسلام، ثم أيضاً تعليق التمائم من القرآن وسيلة إلى تعليق التمائم الأخرى، فيلتبس الأمر ويخفى على الناس وتنتشر التمائم الشركية وسد الذرائع من أهم المهمات للشريعة الإسلامية. فوجب منع التمائم كلها عملاً بعموم الأحاديث وسداً لذرائع الشرك، وحماية للأمة مما يفسد عقيدتها ويسبب غضب الله عليها سبحانه وتعالى، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السؤال الأول يقول فيه: هل هذه الأحاديث الآتية صحيحة أم لا، مع توضيح معنى الحديث لو تكرمتم:
الحديث الأول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الذين يضعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) إذا كان هذا الحديث صحيحاً فما حكم الصور المتداولة بين الناس اليوم في الأسواق والمنازل والسيارات والصور المطلوبة في المدارس والجامعات وجميع الصور بأنواعها، وما هي الصور المحللة في الدين أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب: نعم هذا الحديث صحيح، رواه البخاري رحمه الله في الصحيح وغيره عن عائشة رضي الله عنها، وفي الباب أحاديث أخرى، يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم).
وكان سبب ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فرأى على بيت فيه عائشة ستراً فيه تصاوير أو ثوباً فيه تصاوير فغضب وهتك الستر وقال: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم)وقال عليه الصلاة والسلام: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل مصور في النار يجعل له في كل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم).
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: (من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ)
فهي دالة على تحريم تصوير ذوات الأرواح، من الدواب والطيور وبني الإنسان كل هذا ممنوع، إلا للضرورة فقد قال عز وجل: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119].
الضرورة التي لا بد منها فلا حرج في ذلك مثل تصوير من يعطى حفيظة النفوس حتى يتبين هل هو من هذه الدولة أو من هذه الدولة، وحتى لا يشتبه بغيره، وحتى لا تستعمل الرعوية لمن ليس من أهلها، فإذا وجدت الصورة لم يستطع غير صاحبها أن ينسبها إلى نفسه، وهكذا عند الحاجة الأخرى مثل أصحاب الجرائم المعروفين إذا صورهم ولاة الأمور ونشروا صورهم بين الحراس في أطراف البلاد حتى يعرفوهم ويمسكوهم أو ما أشبهه من الحاجات المهمة الضرورية العظيمة، فلا حرج في ذلك.
وإلا فالواجب عدم التصوير وطمس الصور، ثبت في الصحيح عن علي رضي الله عنه -أمير المؤمنين- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تدع صورة إلا طمستها) هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي رضي الله عنه (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) خرجه مسلم في الصحيح.
فهذا يدل على طمس الصور، وأنك إذا رأيت الصورة في بيتك تطمسها وتزيلها وتتلفها سواء في جدار أو مستقلة، محفوظة عند أهلك أو كذا، وهكذا القبور المشرفة تهدم، فلا يبنى على قبر مسجد ولا قبة ولا غير ذلك.
ولهذا ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وقالت عائشة رضي الله عنها: (يحذر ما صنعوا) وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور المساجد فإني أنهاكم عن ذلك) أخرجه مسلم في الصحيح عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.
وثبت في الصحيح عن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها) فلا يبنى على القبر قبة ولا مسجد ولا حجرة، بل يكون مفتوحاً أمام السماء مثل قبور الصحابة في البقيع، ومثل قبور المسلمين في البلاد السليمة من هذا البلاء، تكون مفتوحة مكشوفة يرفع القبر عن الأرض قدر شبر، ولا يبنى عليه شيء بل يكون مكشوفاً ليس عليه سقف ولا بناء.
وهكذا قبور المسلمين ترفع من الأرض قدر شبر بالتراب الذي خرج من اللحد يكون فوق القبر حتى يعرف أنه قبر، حتى لا يوطأ ولا يمتهن ولا يبنى عليه قبة ولا مسجد ولا حجرة ولا غير ذلك، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا حذرنا من التشبه بغيرنا.
وأما الصورة التي في الفراش الذي يوطأ فلا حرج فيها لو كان في فراش يطؤه الناس فلا حرج في ذلك؛ لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه رأى عند
فهذا يدل على أن الصورة التي تمتهن في الفراش والوسادة لا تمنع دخول الملائكة، لكن لا يجوز التصوير ليس لأحد أن يصورها في الفراش ولا في الوسادة ولا في الخرق، لكن لو جاءت إليك خرقه مصورة أو بساط مصور فلا بأس أن تجعله وسادة ولا بأس أن تجعل الفراش في بيتك تطؤه تجلس عليه لا حرج في ذلك والله المستعان.
المقدم: أيها الإخوة في الله! باسمكم جميعاً نشكر سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، على هذه اللقاء في برنامج نور على الدرب، الذي أجاب فيه سماحته مشكوراً على أسئلة الإخوة المستمعين: علي محمد فارع اليماني و علي حسن عبده و عبد الرحمن محمد علي صالح من الجمهورية العربية اليمنية، المستمع (ن. م) من مدينة الرمادي، المستمع محمد أحمد جاد الله سراج سوداني مقيم بالمملكة، ونعد المستمع طالب علم بالإجابة على أسئلته المتبقية في الحلقة القادمة بحول الله تعالى.
أيها الإخوة الأكارم! شكراً لكم على حسن إنصاتكم ومتابعتكم للبرنامج، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى من لقاءات الخير والبركة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر