مستمعي الكرام! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات نور على الدرب، يسرنا أن نعرض ما وردنا فيها من أسئلة ورسائل على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة وردت من السائلة (ن. س) من الخرج تقول في رسالتها: أنا مريضة منذ ثلاث سنوات ولم أصم وهذه السنة التي مضت هي الرابعة، فهل علي الصيام أو الكفارة، وهل يجوز لي إن استطعت أن أؤخر القضاء إلى أيام الشتاء وأقضي منها ما قدرت عليه أفيدوني أفادكم الله؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالمريض قد عفا الله عنه في تأخير الصوم؛ لقول الله عز وجل: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] فهذا فضل من الله سبحانه وتعالى أن سامح المريض في الإفطار وأن يؤجل القضاء إلى الشفاء، ولهذا قال بعده: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، فإذا شفاك الله تقضين ما تركت من الصيام والحمد لله.
أما إن قرر الأطباء أن هذا المرض لا يرجى برؤه وأنه يستمر فعليك أن تطعمي عن كل يوم مسكين ويكفي، كالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة اللذين لا يستطيعان الصوم فإنهما يطعمان عن كل يوم مسكيناً، نصف صاع من التمر أو الأرز أو غيرهما من قوت البلد، وهو كيلو ونصف تقريباً، ويكفي عن كل يوم يعطاه بعض الفقراء، أما إنسان ينتظر الشفاء ويرجو الشفاء فهذا لا إطعام عليه ولكن يصبر حتى يشفيه الله، فإذا شفاه الله قضى ما مضى من الصيام ولو سنوات، لأنه معذور شرعاً. نعم.
المقدم: ولا كفارة؟
الشيخ: ولا كفارة.
الجواب: هذه المسألة فيها نزاع وخصومة ومرجعها المحكمة، إن سمح عنك فلا بأس، وإن لم يسمح عنك فالمحكمة تنظر في الأمر، وإن توسط بينكما من يصلح بينكما ويزيل ما بينكما من الإشكال فالصلح خير، أما إن لم يتيسر الصلح ولم يسمح فالمرجع المحكمة.
الجواب: إذا منع الزوج زوجته من الخروج لعماتها أو خالاتها أو للسوق أو نحو ذلك فعليها أن تمتثل وعليها السمع والطاعة في ذلك، إلا إذا قصر بأن لم يشتر لها حاجتها اللازمة في البيت، أو لم ينفق عليها فلها الخروج؛ لأنه قصر في حقها، أما ما دام أنه يقضي حاجتها ويعطيها مطالب البيت فليس لها الخروج إلا بإذنه، وإذا منعها من الخروج لعمة أو خالة أو لجيران أو غير ذلك فعليها أن تمتنع، وعليها أن تحل المشكل بالكلام الطيب معه، والمذاكرة معه فيما يضرها في هذا الشيء، والأسلوب الحسن الذي يلين قلبه حتى يأذن لها، أما المكابرة والعصيان فلا تجوز، الواجب عليك أيها السائلة! أن تسمعي وتطيعي وأن تخاطبيه بالتي هي أحسن، حتى يرضى ويأذن.
الجواب: إذا عجز المريض عن القيام في الصلاة جاز له أن يصلي قاعداً، وإذا عجز عن القعود جاز له أن يصلي على جنبه، وإذا عجز على الجنب صلى مستلقياً فالأمر بحمد لله واسع، والله يقول سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعمران بن حصين لما كان مريضاً: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب، فإن لم تستطع فمستلقياً) .
فأنت أيها الأخت في الله! تعملي ما تستطيعين، إن استطعت القيام فقومي، وإن عجزت بسبب الدوخة أو بسبب الضعف الذي بك صلي قاعدة، وهكذا لو عجزت عن القعود صلي على جنبك والأفضل الأيمن، فإن عجزت عن الجنب صلي مستلقية، ورجلاك إلى القبلة، هذا هو المشروع.
الجواب: هذا الطلاق بالوصف المذكور فيه خلاف بين أهل العلم، الجمهور من أهل العلم، والأئمة الأربعة يقولون: إن الطلاق بالثلاث ولو بكلمة واحدة يقع، فإذا قال لزوجته: أنت طالق بالثلاث أو مطلقة بالثلاث، أو قال: هي طالق بالثلاث، يعني: زوجته طالق عند الأكثرين من أهل العلم، وحرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره.
وذهب جماعة من العلماء: إلى أنه لا يقع بذلك إلا واحدة، إذا كان الطلاق بلفظ واحد، بأن قال: هي مطلقة بالثلاث، أو أنت طالقة بالثلاث، أو مطلقة بالثلاث، ذهب جمع من أهل العلم: إلى أن هذا الطلاق لا يقع إلا واحدة رجعية، وله مراجعتها ما دامت في العدة، روي هذا عن ابن عباس في رواية صحيحة عنه، وجاء عنه خلاف ذلك، وروي هذا عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وقال به جماعة من التابعين، واختاره محمد بن إسحاق صاحب السيرة وآخرون وأفتى به أبو العباس ابن تيمية الإمام المشهور -رحمه الله-، وأفتى به أيضاً تلميذه العلامة المحقق ابن القيم رحمه الله، وهذا هو الذي أفتي به لما فيه من التيسير على المسلمين والتسهيل، والأصل في هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان الطلاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنهما طلاق الثلاث واحدة، فلما كان عمر رضي الله عنه قال: إن الناس قد استعجلوا في شيء كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم، خرجه مسلم في الصحيح.
وروى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الثلاث ولو متفرقة لا يقع منها إلا واحدة، واختاره أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، فإذا قال: طالق وطالق وطالق، أو طالق ثم طالق ثم طالق لا يقع إلا واحدة، ولكن الذي ظهر لي من كلام أهل العلم ومن كلام ابن عباس في الرواية التي أفتى فيها بأنها واحدة، أن جعلها واحدة إنما يختص بما إذا تلفظ بالثلاث بلفظ واحد.
أما إذا كرر الطلاق فإنه يقع، إذا كرره على وجه يغاير فيه الثاني الأول، والثالث الثاني، كأن يقول: طالق، ثم طالق، ثم طالق، أو طالق وطالق وطالق، هذا تقع الثلاث على المعتمد وهو الذي عليه جمهور أهل العلم، ومثله لو قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فإنها جمل ثلاث تامة فيقع بها الطلاق، إلا إذا أراد بالثانية والثالثة التأكيد، أو إفهام المرأة فله نيته، أما إذا قال: أنت طالق طالق طالق بغير واو ولا ثم ولا إعادة المبتدأ بل قال: أنت طالق طالق طالق، أو أنت مطلقة مطلقة مطلقة، فهذا ذكر فيه أهل العلم: أنه لا يقع به إلا واحدة؛ لأن الكلمة الثانية المعادة والثالثة بدون إعادة الجملة وبدون إعادة المبتدأ لا تقع إلا مؤكدة، أنت طالق طالق طالق، أنت مطلقة مطلقة مطلقة، أو هي مطلقة مطلقة مطلقة، وليس له نية الثلاث، فهذا الصواب فيه أنه يعتبر واحدة، حتى عند من أوقع الثلاث بكلمة واحدة؛ لأن هذا لم يقصد الثلاث وإنما كرر اللفظ لغضبه أو لأسباب أخرى لم يقصد به إيقاع الطلاق، فهذا يعتبر واحدة، كما لو قال: زيد زيد زيد في الكلام، مثل ما جاء في حديث عائشة : (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل)، مثل هذا يستعمل للتأكيد، فالصواب في هذا أنه يحكم بأنه واحدة، ويكون اللفظ الثاني والثالث مؤكداً للفظ الأول، ولا يقع بهما شيء كما نص على هذا جمع من أهل العلم في باب ما يختلف به عدد الطلاق.
أعيد الجملة هذه حتى تفهم هي أن يقال: طالق طالق طالق، أو يقول: مطلقة مطلقة مطلقة، هذا هو محل جعلها واحدة، ويكون اللفظ الثاني والثالث مؤكدين للفظ الأول، وهذا هو الصواب كما نص عليه جمع من أهل العلم، وأما إذا كرر بالجمل أو بحروف العطف هذا يقع، طالق ثم طالق ثم طالق، تقع الثلاث عند الجمهور وهو الأظهر من الأدلة، أو طالقة وطالقة وطالقة تقع بها الثلاث، وهكذا لو قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، أو أنت مطلقة أنت مطلقة أو أنت مطلقة، فهكذا تكرار الجمل، أو تراك طالق تراك طالق تراك طلاق، هذا يقع به الثلاث إلا إذا نوى التأكيد بالثانية والثلاثة في قوله: أنت طلاق أنت طالق أنت طالق، أو تراك طالق تراك طالق تراك طالق؛ لأنها جمل فإن نوى بها التأكيد والإفهام وإلا وقعت الثلاث، والله ولي التوفيق.
الجواب: هذا على كل حال يجب أن ينصح ويسأل أهل العلم، والمذاهب غير ملزمة لأهلها، التقليد غير جائز بل يجب على المؤمن وعلى طالب العلم أن يأخذ بالحق، ولا يحتج بمذهب مالك أو الحنبلي أو الشافعي أو الحنفي فهذا غلط كبير في حق طالب العلم، بل يجب على طالب العلم أن يتحرى الأدلة، وأن يتحرى الصواب حتى يأخذ به، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبض، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم تسليمتين، فكيف يجوز لمسلم أن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم لقول مالك، هذا لا يجوز أن يقوله عاقل مسلم.
مالك واحد من العلماء لا يجوز أن يؤخذ قوله إذا خالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا قول الشافعي أو أبي حنيفة أو أحمد أو الثوري أو الأوزاعي أو غيرهم، هؤلاء أئمة علماء رضي الله عنهم ورحمهم، لكن أقوالهم تعرض على الكتاب والسنة، فإن وافقت أخذت لأنها وافقت الحق، وإن خالفت فالواجب أخذ الحق والعمل به مع من قاله، فإذا كان مذهب الشافعي وافق الحق وأنت مالكي فعليك أن تأخذ بقول الشافعي لأنه وافق الحق، وهكذا مذهب أحمد وهكذا أبي حنيفة، إذا وافق الحق تأخذ به، وتخالف قول مالك؛ لأن مالكاً رحمه الله يدعو إلى هذا فيقول: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر.
وهكذا بقية الأئمة كلهم يقولون: يجب على المسلم أن يقبل الحق وأن يأخذ به، وأن لا يقلدهم فيما خالف الحق، هذا الإمام قد غلط وجهل فعليه أن يراجع الحق ويراجع كلام أهل العلم، وعليه أن ينصاع للنصاحين، فيسلم تسليمتين، وهذا لازم وكذلك يشرع له القبض، فيضع اليمنى على كفه اليسرى على صدره، أما ما نقله ابن القاسم عن مالك من الإرسال فهذا حمله بعض أهل العلم على أنه بسبب ما أصاب يديه، وعجز عن ضمهما، أو كان قد بدا له شيء فغلط، وكل إمام له غلطات وله أخطاء، والسنة هي المعصومة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فالواجب الأخذ بها متى ثبتت، لقول الله سبحانه وتعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، ولقوله سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].
فنصيحتي لهذا الإمام أن يتقي الله وأن يرجع إلى الصواب، وصلاتك معه صحيحة؛ لأنه متأول وهو مقلد وجاهل في هذه المسألة، لكن إن استقام ورجع إلى الصواب وإلا فاسعوا في عزله وإبعاده لخطئه الكبير، فلا يصلح للإمامة وهو بهذا الرأي، وبهذا التقليد الأعمى، والله المستعان.
الجواب: التوسل بالجاه والبركة والحرمة والحق، ليس بجائز عند جمهور أهل العلم؛ لأن التوسلات توقيفية، لا يجوز منها إلا ما أجازه الشرع، ولم يرد في الشرع ما يدل على هذه التوسلات، فلا يقول الإنسان: اللهم اغفر لي بحق فلان، بحق محمد أو بحق الصالحين، أو بحق الأنبياء أو بجاه الأنبياء أو بحرمة الأنبياء، أو بركة الأنبياء أو بحق الصالحين أو بركة الصالحين أو بركة علي أو بركة الصديق ، أو بركة عمر ، أو حق الصحابة أو حق فلان وفلان كل هذا لا يحوز، هذا خلاف المشروع وهو بدعة وليس بشرك، لم يرد في الأسئلة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم ودعا بها أصحابه رضي الله عنهم، وإنما يتوسل بما شرعه الله من أسماء الله سبحانه وصفاته، ومن توحيده، والإخلاص له والأعمال الصالحات، هذه الوسائل قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، فتقول: اللهم اغفر لي برحمتك إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم ارحمني يا أرحم الراحمين، اللهم أحسن إلي، اللهم أدخلنا الجنة برحمتك وفضلك وإحسانك، اللهم أنجني من النار، واعف عني يا رحمان يا رحيم يا عفو يا كريم وما أشبه ذلك، أو بالتوحيد والإخلاص لله، تقول: اللهم اغفر لي، لأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، لأنك الواحد الأحد مستحق العبادة، أو تقول: اللهم أني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت كما جاء في الحديث الشريف بهذا السؤال فلا بأس بهذا، هذا وسيلة شرعية، أو بأعمالك الطيبة، تقول: اللهم اغفر لي بإيماني بك ومحبتي لك، أو بإيماني بنبيك ومحبتي له عليه الصلاة والسلام، اللهم ارحمني بطاعتي لك واتباعي لشريعتك، اللهم ارحمني ببر والدي، اللهم ارحمني بعفتي عن الفواحش، اللهم ارحمني بأداء الأمانة، ونصحي لله ولعباده وما أشبه ذلك، ومن هذا الباب ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن ثلاثة آواهم المبيت إلى غار -وفي رواية: آواهم المطر إلى غار- في الجبل فدخلوا فيه، فانحدرت عليهم صخرة من أعلى الجبل فسدت الغار عليهم، وكانت صخرة عظيمة لم يستطيعوا دفعها، فقالوا فيما بينهم: إنه لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فدعوا الله سبحانه وتعالى فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، والغبوق اللبن الذي يسقاه يشربه الناس بعد العشاء، وكان هذا من عادات العرب، سقي الضيوف والأهل اللبن في الليل، يقول: كنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، وإنه نأى بي طلب الشجر ذات ليلة فلم أرح عليهما إلا في آخر الليل يعني إلا متأخراً، فوجدهما نائمين، فوقف والقدح على يديه ينتظر استيقاظهما، فلم يستيقظا حتى برق الفجر، قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، لكنهم لا يستيطعون أن يخرجوا، وقال الثاني: اللهم إني كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني راودتها على نفسها فأبت علي، ثم إنها ألمت بها سنة -يعني: حاجة- فجاءت إلي تطلب الرفد، فقلت لها: إلا أن تمكني من نفسك، فاتفق معها على مائة وعشرين ديناراً -جنيهاً- فمكنته من نفسها فلما جلس بين رجليها قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام خائفاً من الله وترك الذهب وترك الفاحشة، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة زيادة لكنهم لا يستيطعون الخروج، ثم قال الثالث: اللهم إنه كان لي أجراء فأعطيت كل أجير حقه إلا واحداً ترك أجره فنميته له حتى صار منه إبل وبقر وغنم ورقيق، ثم جاء يطلب أجره فقلت له: كل ما ترى من أجرك، فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي، قلت: إني لا أستهزئ بك، كله من أجرك فاستاقه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا) بأسباب هذه الدعوات وهذه الأعمال الصالحات.
فالدعاء بهذا وأشباهه دعاء طيب لا بأس، ووسيلة صالحة، أما الدعاء بحق فلان، أو جاه فلان، أو بركة فلان، أو حرمة فلان، فهذا لا أصل له، ولم تأت به السنة، فالواجب تركه وليس من الشرك لكنه من البدع، فالواجب تركه، هذا هو الصواب الذي عليه جمهور أهل العلم، والله المستعان.
الجواب: هذا تراجع فيه المحكمة التي حكمت ويبين لها الواقع، والمحكمة تنظر في حكمها، هذه المسألة تتعلق بالمحكمة، فالمحكمة يبين لها الواقع وأن الرجل موجود، وأن الشهود قد كذبوا إذا كانوا قالوا إنه غير موجود وأنه لا يدرى عنه، على كل حال هذا تراجع فيه المحكمة التي حكمت حتى تنظر في حكمها.
المقدم: والإثم فضيلة الشيخ؟
الشيخ: على الشهود إذا كانوا كاذبين، إذا كذبوا عليهم الإثم وعلى المرأة معهم.
المقدم: والزوج الثاني الذي يعلم؟
الشيخ: كذلك شريك في الإثم، ولا يجوز له أن ينكحها وهو يعلم أن زوجها حاضر وأنه شهد بغير حق.
الجواب: أولاً: لا ينبغي لكم هذا، لا ينبغي للمؤمن أن يتخذ الطلاق لهجة له وديدناً له في أكثر كلامه وأحاديثه، ينبغي له أن يحترم الطلاق، وهو أمر شرعي وأمر يتعلق به أحكام، فينبغي له أن يصون لسانه عن ذلك إلا عن قصد وعن نية وعن رغبة، وإلا فليصن لسانه عن ذلك حتى لا تقع الطلقة عليه وهو لا يشعر، أو يقع الطلاق الكثير عليه وهو لا يشعر، يعني: على زوجته، ينبغي له أن يصون لسانه عن ذلك، وأن يبتعد عن إيقاع الطلاق، والكلام فيه إلا عن قصد واضح، يقصد به طلاق زوجته إذا طابت نفسه منها، أما إذا تلاعب بالطلاق ويكثر من الطلاق فهذا لا ينبغي له ويخشى عليه من الإثم، لكن الحكم في هذا يختلف، إذا كان قال عليه الطلاق ما يفعل كذا، عليه الطلاق ما يكلم فلان، عليه الطلاق ما يعمل العمل الفلاني، وهو قصده من ذلك منع نفسه من هذا الشيء أن يمنع نفسه، وليس قصده إيقاع الطلاق على زوجته، إنما أراد منع نفسه عليه الطلاق ما يكلم فلان، علي الطلاق أن تأكل هذه الذبيحة، على الطلاق أن تسافر معي، أن تذهب معي إلى فلان، هذا كله في حكم اليمين على الصحيح، وعليه كفارتها إذا لم ينفذ مطلوبه.
يكون حكمه حكم اليمين فيما ذكره جماعة من أهل العلم وروي عن جماعة من السلف، وعن بعض الصحابة ما يدل على ذلك، وهذا هو الذي قرره أبو العباس ابن تيمية وابن القيم وجماعة وذكروا أنه في حكم اليمين، واحتجوا على هذا بآثار سلفية، وبعض الأحاديث الواردة في هذا الباب.
والخلاصة: أن الواجب على هؤلاء عدم التلاعب بالطلاق والحذر من ذلك، فإذا وقع الطلاق بهذه الصيغة: عليه الطلاق ما يفعل كذا، عليه الطلاق أن يكلم فلاناً، عليه الطلاق أن يسافر، عليه الطلاق أنه ما يأكل عند فلان، وما أشبه هذه الأشياء، فإن نفذ فلا شيء عليه، وإن لم ينفذ بل أخل بما قال فعليه كفارة اليمين إذا كان المقصود هو تنفيذ هذا الشيء أو عدم تنفيذه، ليس المقصود فراق الزوجة، فهو بمثابة لو قال: والله لا أفعل كذا، والله لا أكلم فلاناً، والله لا أسافر، عليه كفارة اليمين.
المقدم: وإذا كان لا يقصد لا يميناً ولا طلاقاً لكن ألفاظ جرت على اللسان؟
الشيخ: لابد أن يقصد منع نفسه من شيء، مثل هذا أو حمله على شيء، الناس يستعملونه إما لحملها على شيء، وإلا لمنعها من شيء، هذا هو القاعدة المعروفة، كما يفعلون مع الضيوف: علي الطلاق أن تأكل الذبيحة، علي الطلاق أن تجلس تأكل كرامتك، علي الطلاق أني ما أكلم فلاناً لأنه فعل وفعل، عليه الطلاق أنه يما يزور فلان لأنه غضبان عليه وهكذا.
الجواب: نكاح البدل لا يجوز، ويسمى نكاح الشغار، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، عن جابر وعن أبي هريرة وعن ابن عمر وغيرهم، فالواجب على المؤمن أن يحذر هذا النكاح، وأن لا يفعله، فإن فعله فليتب إلى الله وليستغفر الله وليجدد النكاح، فإنه نكاح فاسد فيجتنبها حتى يجدد النكاح، إذا كان يرغب فيها وهي ترغب فيه عليه أن يجدد النكاح بدون شرط المرأة الأخرى، يعيد النكاح مع وليها عليها بمهر جديد ولو في الحال ما يحتاج عدة؛ لأن الماء ماؤه إذا كانت تريده ويريدها، فيجدد النكاح بدون شرط المرأة الأخرى، أما إن كانت لا تريده فإنه يطلقها طلقة ويفارقها؛ لأنه نكحها بغير حق.
وهكذا الآخر صاحبه يعيدها بنكاح جديد إذا كانت تريده، ولو في الحال، ما يحتاج عدة، يعيدها له وليها بمهر جديد، ولا بأس مع التوبة والاستغفار فإن كانت لا تريده فارقها بطلقة واحدة، هذا الواجب وهذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة.
المقدم: جزاكم الله خيراً، بهذا أيها الإخوة المستمعون! نأتي إلى ختام هذه الحلقة والتي عرضنا فيها رسائل السائلة (ن. س) من الخرج، وآدم عبد الله أبكر من تشاد و (ع. ز. م) مصري يعمل بالمملكة، ورسالة عبد المنعم أحمد عبد العزيز من الدمام وأخيراً رسالة يحيى بن علي محمد جاد الله مقيم في الأفلاج الهدار.
نشكر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز على أجاباته ونشكر لكم حسن متابعتكم وإلى الملتقى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر