يسرنا أن نعرض ما لدينا من رسائل في هذه الحلقة على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة وردت من عبد الحميد أحمد محمد علي جمهورية مصر العربية - قنا، يقول: لم أصل إلا بعد ما بلغت الرابعة والعشرين من عمري، وصرت الآن أصلي مع كل فرض فرضاً آخر، فهل يجوز لي ذلك، وهل أداوم على هذا، أم أن علي حقوقاً أخرى؟ أفيدوني أفادكم الله!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالذي يترك الصلاة عمداً ليس عليه قضاء على الصحيح وإنما عليه التوبة إلى الله عز وجل؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وتركها من أعظم الجرائم، بل تركها نوع من الكفر، إذا تركها عمداً كفر كفراً أكبر في أصح قولي العلماء؛ لما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) خرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في أحاديث أخرى تدل على ذلك، فالواجب عليك يا أخي التوبة إلى الله، التوبة الصادقة وذلك بالندم على ما مضى منك، والإقلاع من ترك الصلاة، والعزم الصادق أن لا تعود في ذلك، وليس عليك أن تقضي لا مع كل صلاة ولا في غير ذلك، بل عليك التوبة فقط، والحمد لله من تاب تاب الله عليه، يقول الله سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) فعليك أن تصدق في التوبة وأن تحاسب نفسك، وأن تجتهد في المحافظة على الصلاة في أوقاتها في الجماعة، وأن تستغفر الله مما جرى منك، وتكثر من العمل الصالح وأبشر بالخير، يقول الله سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] ولما ذكر الشرك والقتل والزنا قال جل وعلا بعد ذلك: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70] نسأل الله لنا ولك التوفيق وصحة التوبة والاستقامة على الخير.
الجواب: المطلقات عليهن العدة ولو كان الزوج قد تركها مدة طويلة لم يجامعها في حال الحمل وبعد الحمل؛ لقول الله سبحانه وتعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] وهذا يعم جميع المطلقات المدخول بهن، فكل امرأة دخل بها الزوج ثم طلقها فإن عليها العدة ولو كان طلاقه لها بعد الولادة ولم يجامعها بعد ذلك فإنها تعتد لعموم الآية الكريمة وما جاء في معناها، ولكن اختلف العلماء هل المخلوعة تعتد ثلاثاً أم حيضة واحدة، وهذه التي سألت عنها مخلوعة، إذا كانت قدمت له مالاً وأعطته مالاً حتى خلعها فالصواب أنه يكفيها حيضة واحدة؛ لحديث الربيع بنت معوذ لما خالعت زوجها أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة، وهكذا جاء في حديث ثابت بن قيس ، فالمقصود أن المخلوعة التي طلقها زوجها على مال إن اعتدت ثلاث حيض هذا أفضل وأحوط، وفيه خروج من خلاف العلماء، وإن اعتدت بحيضة واحدة كفاها ذلك في أصح قولي أهل العلم؛ لما ثبت في هذا من السنة المشار إليها، والله ولي التوفيق.
الجواب: إذا كان الطلاق الذي وقع منك طلقة واحدة أو طلقتين فقط، وكانت الرجعة في العدة بأن تأخر عنها بعض الحيض حتى راجعتها قبل الحيضة الثالثة فإن الرجعة تصح ولا حاجة إلى عقد نكاح جديد، ولا إلى صداق، لكن بهذين الشرطين:
الشرط الأول: أن يكون الطلاق الذي وقع منك أقل من ثلاث طلقة أو طلقتين.
والشرط الثاني: أن تكون في العدة حين الرجعة، أما إن كان قد مضى عليها ثلاث حيض إذا كانت تحيض فإن الرجعة لا تصح حينئذ، وهكذا لو كانت لا تحيض فإنها لا تصح الرجعة لأنه مضى عليها أكثر من ثلاثة أشهر، وعدة التي لا تحيض كالآيسة والصغيرة التي لا تحيض عدتها ثلاثة أشهر بنص القرآن، فإذا كانت الرجعة منك بعد ثلاثة أشهر وهي لا تحيض أو بعد ثلاث حيض إذا كانت تحيض فالرجعة غير صحيحة، فعليك أن تجدد النكاح وعليك أن تمتنع منها، وعليك التوبة والاستغفار، وعليها كذلك التوبة والاستغفار والندم، وعليكما أن تجددا نكاحاً شرعياً بولي وشاهدين ورضاها، أما إن كانت لا ترضى فلا يصح النكاح لابد من رضاها ولابد من ولي وهو أقرب العصبة، وشاهدين يحضران العقد، وبهذا تحل لك إذا كان الواقع هو ما ذكرت، والخلاصة أنك إن كنت طلقتها طلقة واحدة أو طلقتين وكانت في العدة لم تحض ثلاث حيض فإن الرجعة صحيحة، أما إن كانت قد حاضت ثلاث حيض قبل رجعتك أو كان الطلاق الذي وقع منك هو الطلقة الأخيرة الثالثة فإن الرجعة لا تصح، والله ولي التوفيق.
الجواب: إذا كان الغضب شديداً وله أسباب واضحة كالمضاربة والمشاتمة فإن الطلاق لا يقع مع شدة الغضب في أصح قولي العلماء؛ لأن الغضبان الغضب الشديد لا يعقل مضرة الطلاق ولا يستحضرها فهو أشبه بالمعتوه والمجنون فلا يصح الطلاق، أما إن كان الغضب خفيفاً أو لم تتضح الأسباب الداعية إليه فإن الدعوى لا تسمع ويقع الطلاق.
الجواب: إذا كان المقصود من الطلاق على التسجيل منع نفسك من التسجيل وليس قصدك فراق أهلك إن سجلت، إنما قصدت منع نفسك حتى لا تسجل مرة أخرى فإن هذا الطلاق في حكم اليمين، أما إن كنت قصدت إيقاع الطلاق فإنه يقع الطلاق إذا سجلت، ومادمت في المملكة ففي إمكانك أن تسأل أحد القضاة أو أحد العلماء والزوجة معك ووليها إن كان حاضراً حتى يتضح الأمر لك ولها في المسألة هذه وفي التي قبلها، أو تحضر عندنا إن كنت في الرياض حتى نسألك عما يلزم، وبكل حال فالجواب هو ما سمعت.
الجواب: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم إذا طلقها بالثلاث بكلمة واحدة فقال: فلانة طالق بالثلاث، أو مطلقة بالثلاث، أو قال: يخاطبها أنت طالق بالثلاث، أو أنت مطلقة بالثلاث، فالجمهور على أن هذا الطلاق يقع لازماً وتحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره، نكاح رغبة لا نكاح تحليل ويطأها، ثم يفارقها بموت أو طلاق، هذا قول جمهور أهل العلم وأكثرهم، وهو الذي قضى به عمر رضي الله عنه وأرضاه في خلافته وأمضاه على الناس.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يحسب واحدة رجعية؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن الطلاق كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد
أما إن كانت لم يمضها حاكم فإن الصواب فيها أنها تكون واحدة، وله رجعتها ما دامت في العدة لحديث ابن عباس المشار إليه، ولما في هذا من الرأفة بالمسلمين والرحمة والعطف والإصلاح، والله جل وعلا يقول: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [البقرة:185] والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (يسروا ولا تعسروا) فما دامت الرخصة واضحة في الحديث الصحيح فالأولى أن تجعل واحدة هذا هو الأولى، وأما قضاء عمر فهو عن اجتهاد وتحرٍ للخير رضي الله عنه، والسنة إذا وضحت مقدمة على رأي كل أحد.
الجواب: إذا كان إغضابها له بغير حق تأثم ولا يجوز لها أن تنازع ولا أن تؤذيه بالكلام، أما إن كان بحق بأن أنكرت عليه منكر، يتساهل في الصلاة فأنكرت عليه، يشرب المسكر فأنكرت عليه وناصحته فغضب فهي مأجورة غير مأزورة بل مشكورة.
فالمقصود إن كان إغضابها له بحق فهي مأجورة وإن كان بغير حق فهي آثمة ولا يجوز لها إغضابه بدون حق، وعليها الكلام الطيب والسمع والطاعة في المعروف، لكن إذا كان هو يتعاطى المعاصي فأنكرت عليه ونصحته ووجهته إلى الخير فالواجب عليه أن يقبل منها وأن يشكرها وأن لا يغضب لأنها محسنة ومأجورة وناصحة فجزاؤها أن يزداد حبها وأن يشكرها على ذلك.
الجواب: هذا فيه تفصيل: إن قلت: علي الحرام من زوجتي فلانة أو قصدتها بهذا الكلام المطلق فهذا ظهار في أصح أقوال أهل العلم، وعليك كفارة الظهار، كما لو قلت: هي علي كظهر أمي، أو قلت: هي علي مثل أمي يعني: محرمة، أو قلت: هي علي حرام، أو: أنت علي حرام، أو ما أشبه ذلك عليك كفارة الظهار، وهي مرتبة أولاً: عتق رقبة مؤمنة إن استطعت ذلك، فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن عجزت عن ذلك فإطعام ستين مسكيناً قبل أن تمسها وقبل أن تقربها، لكل مسكين نصف صاع من التمر أو الرز أو نحوهما من قوت البلد، نصف صاع كيلو ونصف، لكل واحد ثلاثين صاعاً قبل أن تتصل بها، والأمر على الترتيب كما سمعت، أولاً: العتق، فإن عجزت فصيام شهرين متتابعين ستين يوماً، فإن عجزت أطعمت ستين مسكيناً كل مسكين له نصف الصاع من قوت البلد من تمر أو غيره، فإن عشيتهم أو غديتهم كفى ذلك مع التوبة والاستغفار وعدم العود إلى مثل هذا؛ لأن تحريم المرأة أو الظهار منها أمر منكر لا يجوز، فمن فعل هذا فعليه التوبة وعليه الكفارة المذكورة.
المقدم: بارك الله فيكم، وإن كان ما قصد الظهار ولا يعرف حكم الظهار؟
الشيخ: أما إن كان معلقاً بأن قال: علي الحرام ما أتكلم مع فلان، أو علي الحرام ما أزور فلاناً، قصده يمنع نفسه من هذا الشيء، فهذا حكمه حكم اليمين، فيه كفارة يمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، يكون له حكم اليمين.
الجواب: الواجب على أبيك أن يتقي الله وأن يرضى بالأجر الذي شرط له، وأن يترك الأخذ من المواد التي لديه، التي اؤتمن عليها من المستشفى، فليس له أن يأخذ منها شيئاً إلا بإذن المرجع، فلا يأخذ من اللحوم، ولا من الزيت، ولا من غير هذا إلا بإذن، وهكذا أخوك عليه أن يتقي الله ويدع الميسر وهو القمار وهو محرم عظيم من كبائر الذنوب، فعليكم أن تنصحوا الوالد والأخ، وهكذا إخوانكم الطيبون ينصحون معكم الوالد والأخ، تعاونوا على النصيحة، فالدين النصيحة، وهكذا المسلمون يتناصحون فإن قبل والدك وقبل أخوك فالحمد لله وإلا فقد أديتم ما عليكم من النصيحة، ولا مانع أن تأكلوا مما تأتي به الوالدة من كسبها الطيب، وهي مأجورة ومشكورة، وإذا أعطاكم أخوكم شيئاً لا تعلمون أنه من القمار فلا شيء، أو أعطاكم الوالد شيئاً من غير المواد الزائدة التي يأخذها فلا بأس، أما إذا علمتم أن هذا الذي أعطاكم الأخ من القمار فلا تأخذوه، أو علمتم أن الذي أعطاكم الوالد من نفس الخيانة فلا تأخذوه، ونسأل الله للجميع الهداية.
الجواب: إذا كان الواقع كما ذكرت -أيها السائلة- فلا حرج عليك عند الضرورة، أما إن تيسر وجود الطبيبة المولدة فهذا هو الواجب، لكن إذا لم يتيسر ذلك ولم تجدي إلا طبيباً وأنت مضطرة إلى ذلك فليس عليك حرج والحمد لله؛ لأن الطبيب ينظر عورة المرأة عند الحاجة والضرورة، لكن متى وجدت طبيبة صالحة لهذا الأمر لم يجز لك أن تذهبي إلى الرجل وعليك أن تذهبي للطبيبة، وليس لك قطع الرحم بل اصبري واستعيني بالله، ولعل الله يرزقك من الأولاد من ينفع الله بهم العباد، ويدعون لك في حياتك وبعد وفاتك.
فالمقصود لا تقطعي الرحم واصبري ولا تعجلي في الأمور، وإذا وجدت الحاجة إلى الطبيب الرجل فليس عليك بأس من ذلك، ومتى استغنيت بالطبيبة فالحمد لله.
الجواب: إذا كان المقصود منعك من الذهاب إلى أهلك وليس المقصود الطلاق إنما المقصود منعك من الأهل فإنه يكفر كفارة يمين، وحكم هذا حكم اليمين، إذا منعك من الخروج إلى أهلك أو من الزيارة إلى أهلك فلا تخرجي إلا بإذنه، ومتى سمح فعليه كفارة اليمين إذا كان أراد منعك ولو بإذنه، أما إذا كانت نيته أنه أنك لا تخرجين إلا بإذنه فمتى أذن فليس عليه شيء وليس عليك شيء.
وأما إن كان أراد منعك مطلقاً ثم بدا له أن يأذن فعليه كفارة اليمين، مادامت النية والقصد منعك لا فراقك، والأعمال بالنيات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق على صحته، فهو مسئول عن نيته وهو أعلم بها، والله هو الذي يسأله عنها سبحانه وتعالى مادام قصد منعك لا فراقك فإذا خرجت فعليه كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، كل واحد يعطى نصف صاع تمر أو رز أو حنطة أو غير ذلك من قوت البلد أو يكسوه قميصاً من الخام المعتاد أو إزار ورداء والحمد لله.
الجواب: الذي قال لك: إنها باطلة غلط، الصلاة صحيحة، ولكن يكره الصلاة في هذه الحجرة إذا تيسر غيرها، وإلا فالصلاة صحيحة لأنك لا تعبد الصورة إنما صليت لله فصلاتك صحيحة، ولا يجوز نصب الصور في الحجر، نصب الصور في المكاتب والحجر لا يجوز الواجب إزالتها، فعليك أن تنصح أخاك أن يزيل هذه الصور المعلقة وألا يبقيها في البيت، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب) ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) هكذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم لـعلي رضي الله عنه: (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) ولما رأى ستراً عند عائشة رضي الله عنها فيه تصاوير هتكه وغضب عليه الصلاة والسلام، وقال: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم).
فأنت تنصح أخاك حتى يزيل الصورة المعلقة، وأما الصلاة فصحيحة، ولكن يكره الصلاة في المحل الذي فيه التصاوير إلا عند الحاجة، إذا ما تيسر غيره فلا بأس.
الجواب: الزيارة تختص بالرجال، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة النساء للقبور وعن اتباعهن للجنائز، وصح عنه عليه السلام (أنه لعن زائرات القبور)، فليس للمرأة أن تزور القبور ولا أن تتبع الجنائز إلى المقبرة، نعم تصلي على الميت مع الناس في المسجد أو في المصلى أو في البيت تصلي على الميت لا بأس، أما الزيارة للمقابر أو الذهاب مع الناس إلى المقابر فلا يجوز لها ذلك، هذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم.
وأما قوله سبحانه وتعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2] فهذا المراد به الموت يعني: حتى نقلتم إلى المقابر ميتين، ليس المراد بالزيارة المعروفة، المقصود تحذير الناس من أن يشتغلوا بالتكاثر حتى يموتوا؛ فسماها زيارة لأن الإنسان ما يقيم في القبر دائماً هي زيارة ثم يخرج يوم القيامة إلى الجنة أو إلى النار.
فالمقابر ليست المحل الأخير، بل المحل الأخير الجنة أو النار، فالموتى زاروا القبور وبقوا في القبور حتى البعث والنشور، فإذا كان يوم القيامة أخرجوا من قبورهم وحاسبهم وجازاهم الله على أعمالهم، فالمتقون للجنة والكرامة، والكافرون للنار، والعصاة على خطر قد يعفى عنهم فيدخلون الجنة، وقد يعاقبون على قدر معاصيهم ثم بعد المعاقبة وبعد التعذيب الذي يستحقونه يخرجهم الله من النار إلى الجنة عند أهل السنة والجماعة.
فالحاصل أن قوله تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2] ليس المراد به الزيارة المعروفة، المراد به هنا الموت، يعني: ألهاكم تكاثركم في الدنيا وحرصكم عليها حتى متم ونقلتم إلى القبور، الله سماها زيارة؛ لأنهم لا يقيمون في القبور أبداً بل هم زائرون وسوف يخرجون من القبور يوم القيامة إلى الجنة أو النار كما دلت عليه الآيات الكريمات والأحاديث الصحيحة، كما قال جل وعلا في كتابه العظيم: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7] فالله يجمع الناس يوم القيامة ويبعثهم من قبورهم ثم يجازيهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
فالواجب على كل مسلم وكل مسلمة الاستعداد لهذا اليوم، والحرص على الأعمال الصالحات حتى يسعد ويفوز بالنجاة يوم القيامة، وهذا واجب كل إنسان كل مكلف من أهل الأرض، يجب على جميع المكلفين من العرب والعجم والجن والإنس والكفار والمسلمين، يجب عليهم أن يستعدوا لهذا اليوم، وأن يدخلوا في الإسلام وأن يستقيموا على الإسلام حتى يفوزوا بالنجاة يوم القيامة، الله المستعان.
المقدم: بارك الله فيكم، بهذا -أيها الإخوة المستمعون الكرام- نأتي إلى نهاية هذه الحلقة فنشكر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز على إجاباته، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يثيبه ويرضى عنه، ونشكر لكم حسن متابعتكم، وإلى اللقاء بكم في حلقات قادمة إن شاء الله نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر