مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من الجمهورية العربية السورية، وباعثها مستمع من هناك رمز إلى اسمه بالحروف (ع. ب. س) يقول: أنا شاب أبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً طالب في المدرسة ثالث ثانوي، ولي والدة تبلغ من العمر حوالي ثمانية وخمسين عاماً، والدي متوفى منذ خمسة عشر عاماً، وتريد والدتي أن تذهب إلى الحج ولكنها تقول: إن ذلك لا يجوز وهو حرام حتى تتزوج، أرجو من سماحتكم إفادتي، إذ والدتي تفضل تزويجي قبل أدائها للحج، وجهونا حول هذا الموضوع، جزاكم الله خيراً.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فلا شك أن الحج فرض على كل إنسان استطاع السبيل إليه؛ لقول الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، فإذا كنت تستطيع الحج من جهة المال وجب عليك الحج، وإذا كانت تستطيع الحج هي من جهة المال وجب الحج، وإن بدأت بالزواج؛ لأنك بحاجة إلى الزواج فلا حرج؛ لأن الزواج أيضاً فرض مع الشهوة والرغبة فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
وبكل حال لا بأس أن تقدم الحج على الزواج وقول أمك: إنه حرام غلط منها، عفا الله عنا وعنها، لا بأس بالحج بل عليك أن تحج إذا استطعت الحج، ولك أن تقدم الزواج إذا كنت ترغب في الزواج، وتخشى على نفسك من مضرة التأخير وخطر التأخير، وهي كذلك إذا كان المراد حجها هي فإنها تحج أيضاً ولو قبل زواجه، إذا كانت تستطيع الحج أو أنت تستطيع الحج حتى تحججها من مالك، فإنه لا حرج عليها أن تحج قبل أن تتزوج هي وقبل أن تتزوج أنت، حتى ولو حجت وهي أيم ما تزوجت كذلك، أو أنت إذا كان قصدها أنت لا بأس أن تحج هي قبل أن تتزوج أنت.
فالمقصود أن هذا الكلام ليس في محله غلط، فلك أن تتزوج أنت ولها أن تتزوج هي ولا حرج في ذلك، أما تأجيل الحج حتى تتزوج أنت أو حتى تتزوج هي فهذا لا أصل له، بل هذا جائز وهذا جائز، وإذا كانت تستطيع الحج ولم تحج هي فعليها أن تحج بعد خروجها من العدة إذا كانت قريبة، مع أن أباك قد مات من مدة طويلة، عليها أن تحج إذا كانت تستطيع الحج، وأنت عليك أن تحج إذا استطعت الحج ولو قبل الزواج، وإذا أردت أن تقدم الزواج فلا حرج في ذلك، الأمر في هذا واسع؛ لأن هذا واجب وهذا واجب، مع الشهوة إذا كنت تشتهي النكاح وتخشى على نفسك، فإن قدمت النكاح فلا بأس وإن قدمت الحج فلا بأس، وعليك أن تقنعها وتوجهها إلى الخير وتعلمها بما سمعت الآن، ولعلها تسمع أيضاً هذا البرنامج وتستفيد في هذا الباب وترجع عن قولها.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيراً، مفهوم الرسالة كما فهمت سماحة الشيخ! أن الوالدة هي التي تمتنع عن الحج حتى يتزوج ابنها؟
الشيخ: كله لا وجه له، سواءً كان المراد هي أو المراد الولد، على كل حال لها أن تحج هي وإن لم يتزوج ولدها، وله أن يحج قبل الزواج، وليس شرطاً أن يقدم الزواج، لكن إذا احتاج إلى الزواج وخاف على نفسه وقدم الزواج فلا حرج.
المقدم: جزاكم الله خيراً، لعلها تريد توفير النفقة لزواج ابنها؟
الشيخ: قد يكون هذا لكن لا يجوز أن تقول: حرام، لا تقل: حرام، لو قالت: نحب أن نزوجك وينبغي أن نبدأ بك من باب تقديم الزواج على الحج هذا لا بأس إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
المقدم: لكن لا تقل: حرام.
الشيخ: نعم.
الجواب: أصل الوساوس من الشيطان، هو الذي يملي على الإنسان ما يضره ويشوش عليه دينه وقلبه، كما قال الله جل وعلا: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:1-4] فهو وسواس عند الغفلة، وخناس عند الذكر، يتصاغر ويخنس عند ذكر الله عز وجل، فعليك يا أخي أن تكثر من ذكر الله وقراءة القرآن والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له بعض الصحابة: (يا رسول الله! إن أحدنا ليجد ما لأن يخر من السماء أحب إليه من أن ينطق به -يعني: يجد من الوسوسة أشياء يفضل أن يخر من السماء ولا ينطق بها لشدتها- فقال: ذاك صريح الإيمان) المعنى: أن الشيطان لما يئس منهم أتاهم بوساوس شديدة خطيرة في دينهم وعقيدتهم، لأن يخروا من السماء أهون عليهم من أن ينطقوا بها.
فهذا من كيده الخبيث، فهو صريح الإيمان من جهة ما في قلب المؤمن من كراهتها وإنكارها والحذر منها، هذا صريح الإيمان، ليست الوسوسة من صريح الإيمان، بل كراهتها والخوف منها والحذر منها، كون المؤمن لأن يخر من السماء أسهل عليه من أن ينطق بها هذا صريح الإيمان في قلوبهم، يعني: أن قلوبهم أنكرت تلك الوساوس، ورأت أن السقوط من السماء أهون من النطق بها، كأن يقول له: إن الله غير موجود، أو إن الله لا يجوز أن يدعى، أو لا بأس أن يشرك معه غيره في الدعاء والعبادة، أو يقول كما جاء في الحديث: (الله خلق كل شيء فمن خلق الله) وأشباه هذه الوساوس المتعلقة بوجود الله واستحقاقه العبادة وأنه الخلاق العليم، أو متعلقة بالجنة والنار، كأن يوسوس أنه لا جنة وليس هناك نار ولا بعث ولا نشور كل هذا من وساوس عدو الله، وإنكار هذه الوساوس من صريح الإيمان، إنكارها واعتقاد بطلانها هذا هو صريح الإيمان.
فالمؤمن أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مثل هذا أن يقول: (آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) هكذا أمر الصحابة رضي الله عنهم قال لهم: (إذا وجدتم ذلك فليقل أحدكم: آمنت بالله ورسله، وليتعوذ بالله ولينته)، هذا هو الدواء لهذه الوساوس الخبيثة إذا رآها المؤمن يقول: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ويمضي في حاجته، يستمر في حاجته ولا يركن إليها ولا يلتفت إليها.
أما الوساوس الأخرى في صلاته وفي وضوئه فهي أيضاً من الشيطان، يجب أن لا يلتفت إليها، يجب أن يحذرها، فإذا توضأ لا يعيد الوضوء وإذا صلى لا يعيد الصلاة؛ بسبب الوساوس، بل يعتقد أن صلاته صحيحة ووضوءه صحيح، ولا يلتفت إلى وساوس عدو الله، فإنه حريص على إفساد أعمال بني آدم وتشويش قلوبهم وإحراجهم، فالواجب الحذر منه بالتعوذ بالله من شره، تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولو في الصلاة إذا وسوس لك في الصلاة وكثر عليك الوساوس تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وتنفث، تنفث عن يسارك ثلاث مرات، وتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وقد اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه، وقال: (يا رسول الله! إن الشيطان لبس عليّ صلاتي، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ بالله من الشيطان ثلاث مرات في الصلاة) أن يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، ففعل عثمان ذلك وزال عنه ذلك الوسواس، فأنت يا أخي إذا كان كثر عليك في صلاتك أو في وضوئك تتفل عن يسارك وتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، والله يعيذك منه سبحانه وتعالى.
وهكذا في جميع الأمور تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتكثر من ذكر الله وتقول: (آمنت بالله ورسله) إذا كان في العقيدة (آمنت بالله ورسله) وبهذا تسلم من عدو الله ويبطل كيده، كما فعله الصحابة بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبطل الله كيده عنهم، وعافاهم من هذه الوساوس.
الجواب: الداعي إلى الله جل وعلا والمعلم لعباد الله ليس بمعصوم، فإذا كان يدعو إلى الله جل وعلا ويرشد الناس إلى الخير فهو مشكور وله أجره العظيم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، والله سبحانه يقول: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].
فالدعوة إلى الله وإلى توحيده وإلى طاعة أوامره وترك نواهيه هذه هي سبيل الرسل، قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108] والداعي إلى الله قد يقع منه بعض المعاصي ليس بمعصوم، فلا تزهد فيه من أجل هذه المعصية، اسمع ما يقوله من الحق، قال الله وقال رسوله، واستفد من ذلك وانتفع بذلك وادع الله له أن يوفقه لتوفير لحيته وإكرامها وإعفائها، فلا شك أن حلق اللحية محرم ومنكر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين)، وقال في اللفظ الآخر: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس)، كلها أحاديث صحيحة بعضها في الصحيحين وبعضها في صحيح مسلم .
فالواجب على كل مسلم وإن كان من غير أهل العلم أن يعفيها وأن يوفرها وأهل العلم أولى بهذا؛ لأنهم الدعاة ولأنهم القدوة، فالواجب عليهم أن يوفروها وأن يحترموها طاعة لله ولرسوله، وعملاً بشرع الله، وحتى تقبل دعوتهم، وحتى لا يساء بهم الظن، لكن لو قصر في ذلك فإنك لا تترك الاستجابة لدعوته في الحق، وعليك أن تقبل الدعوة في الحق، وإن كان صاحبها مقصراً في بعض الأمور، فليس الداعي إلى الله كاملاً ولا معصوماً، فقد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله وعنده بعض النقص، فاقبل منه فيما دعا إليه من الخير والهدى، وانصحه فيما قصر فيه، نصيحة المؤمن لأخيه، باللطف والأسلوب الحسن، وأنت مأجور وهو مأجور، هو مأجور على دعوته وعلى ما قام به من الخير، وأنت مأجور على النصيحة والتوجيه إلى الخير، ولا يمنعك تقصيره من أن تقبل دعوته في الخير، وأن تعينه على الخير، وفق الله الجميع.
الجواب: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم:
من أهل العلم من يقول: إن قراءة القرآن تصل إلى الميت، إذا قرأ وثوبها للميت تصل إليه، كما يصل إليه الصدقة والدعاء والحج عنه والعمرة وأداء الدين ينتفع بهذا كله، فقالوا: إن هذا مثل هذا، إن قراءة القرآن أو كونه يصلي له، أنه يلحقه كما تلحقه الصدقة وتنفعه الصدقة والحج عنه والعمرة والدعاء.
وقال آخرون: لا؛ لعدم الدليل؛ لأن العبادات توقيفية لا يفعل منها شيء إلا بالدليل، لا مجال للرأي فيها، فالعبادات توقيفية بمعنى أنها تتلقى عن الله وعن الرسول صلى الله عليه وسلم لا بالرأي والهوى والقياسات، العبادات توقيفية قال الله قال رسوله، ما شرعه الله في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة فهذا هو الذي يؤخذ به ويعمل به، وما لا فلا، وهذا هو الصواب، أن القراءة لا تهدى، هذا هو الصواب، لا يشرع أن تهدى وهكذا الصلاة لا يصلي أحد عن أحد؛ لعدم الدليل، لأنه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا عن أقاربه، وما فعله الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عن أقاربهم.
فالمشروع لنا أن نتبع طريقهم وسبيلهم، فلا نقرأ عن الميت ولا لغير الميت، يعني: نثوب القراءة له ولا نصلي له ولا نصوم له؛ لأنه لم يرد إلا إذا كان عليه صوم رمضان ولم يقضه يصام عنه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، لكن لا يقاس عليه الصلاة ولا تقاس عليه القراءة، العبادات ما هي بمحل قياس، القياس في أمور أخرى غير العبادات.
فالمؤمن حق عليه أن يلتزم بما شرعه الله ويؤدي العبادة كما شرعه الله، ولا يحدث شيئاً لم يشرعه الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم في الصحيح؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: (إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم أيضاً.
فالمؤمن يتبع ولا يبتدع، فيقرأ لنفسه ويصلي لنفسه يرجو ثواب الله، أما أنه يهدي صلاته أو قراءته إلى حي أو ميت فهذا ليس بمشروع على الصواب فينبغي تركه، وإن قال آخرون من أهل العلم: إنه يفعل، فالاعتبار بالأدلة الشرعية لا بأقوال الناس، يقول الله عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] فهذه المسألة إذا رددناها إلى الله وإلى رسوله لم نجد في الكتاب العزيز ولا في السنة المطهرة ما يدل على أننا نصلي عن فلان أو نقرأ عن فلان، ونهدي له ثواب قراءتنا وصلاتنا وصومنا، لكن جاء في السنة الصدقة عن الميت نافعة، والدعاء له بالمغفرة والرحمة نافع بإجماع المسلمين، هكذا الحج عنه والعمرة عنه، إذا كان ميتاً أو عائشاً لا يستطيع الحج لهرمه أو لمرض لا يرجى برؤه لا بأس أن يحج عنه ويعتمر، وهكذا إذا كان عليه دين قضاه أخوه المسلم ينفعه، أما أن يصام عنه تطوعاً أو يصلى عنه أو يقرأ عنه، هذا ليس عليه دليل، فلا ينبغي أن يفعل ولا يشرع، عملاً بالأدلة الشرعية ووقوفاً عندها، والله ولي التوفيق.
الجواب: من قبل زوجته في الصيام فصومه صحيح، وهكذا لو لمسها أو نام معها، كل ذلك لا يضر صومه؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم) وسأله عمر عن ذلك قال: إنه قبل امرأته قال: (هششت يوماً فقبلت امرأتي، قال: أرأيت لو تمضمضت؟ قال: هكذا)، فكما أن المضمضة لا تضر الصوم فهكذا القبلة إذا كان ما خرج منه شيء، أما إذا خرج منه مني يبطل الصوم، أما إذا كان ما خرج شيء قبلها ولمسها ولكن لم يخرج شيء فصومه صحيح، ولو أمذى لم يضره أيضاً على الصحيح، المذي لا يبطل الصوم، وهو الماء اللزج الذي يخرج على أثر الشهوة، على طرف الذكر هذا لا يبطل الصوم، وإنما يبطل بالمني وهو الماء الغليظ الذي يخرج دفقاً بلذة بسبب الشهوة، وإذا كان يخشى لسرعة شهوته فينبغي له ترك التقبيل، إذا كان يخشى خروج المني لشهوته السريعة فينبغي له ترك ذلك.
وقد روى أبو داود رضي الله عنه ورحمه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استأذنه إنسان في التقبيل فأذن له، واستأذنه آخر فلم يأذن له، فإذا الذي أذن له شيخ كبير، والذي لم يؤذن له شاب) قال بعض أهل العلم: معنى ذلك: أن الشاب قد لا يملك نفسه وقد تسبقه شهوته بخلاف الشيخ الكبير وفي إسناده نظر.
والحاصل والخلاصة: أنه إذا كان يخشى فعليه أن يترك التقبيل، أما إذا كان لا يخشى ويعرف نفسه وأنه لا خطر في التقبيل فلا بأس بذلك ولا حرج.
الجواب: ما داموا معسرين فليس عليك زكاة، إذا كان المقترض معسراً فليس عليك زكاة، أو كان موسراً لكنه يماطل ما أعطاك تطلبه ولا يعطيك، فلا زكاة عليك حتى تقبضه، ثم تستقبله حولاً جديداً، فتزكيه بعد ذلك، أما إذا كان الذي عليه القرض مليئاً باذلاً فعليك الزكاة، ولو مكث عنده سنوات عليك أن تزكي عن كل سنة ما دام مليئاً لو طلبته أعطاك ليس بمماطل، فإنك تزكيه كأنه أمانة، أما إذا كان معسراً فإن الدين الذي عليه ما تجب زكاته؛ لأنه ليس في يدك والزكاة مواساة، وأنت لا تملك الآن قبضه فلا زكاة عليك، وهكذا إذا كان يستطيع لكنه يماطل ولم يعطك ولم يقم بالواجب الذي عليه من دفع حقك، فإنه لا زكاة عليك؛ لأن المماطل كالمعسر فلا زكاة عليك حتى تقبضه ثم تستقبل به حولاً كاملاً وتزكيه بعد ذلك.
الجواب: نعم الصواب فيه الزكاة، حلي المرأة من الذهب والفضة فيه الزكاة وهي ربع العشر، ولو أنها تستعمله، هذا هو الصواب، فيه خلاف بين العلماء، بعض أهل العلم يرى أنه لا تجب الزكاة في الحلي، ولكن الصواب أنها تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب، والنصاب: اثنان وتسعون غراماً تقريباً، عشرون مثقالاً، وبالجنيه السعودي إحدى عشرة جنيه ونصف، وبالريال الفضة العربي ستة وخمسون ريالاً من الفضة وما يعادلها، فإذا كانت الحلي تبلغ نصاب الزكاة وجبت فيها الزكاة على الصحيح.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (دخلت عليه امرأة وعلى ابنتها مسكتان من ذهب -يعني: سوارين من ذهب- فقال صلى الله عليه وسلم: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فألقتهما وقالت: هما لله ورسوله) وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فيكوى به جنبه وجبينه وظهره) الحديث، وهذا يعم الحلي التي من الذهب والفضة.
والمقصود: أن الراجح والصواب أن الحلي ولو أنها مستعملة فإن الواجب أن تزكى، إذا بلغت النصاب كل حول، في الألف خمسة وعشرون، وفي الألفين خمسون وهكذا، تعرف قيمة الذهب وقت الحول ويزكى، حسب قيمته.
الجواب: أوضح العلماء رحمهم الله أن الكفر كفران: كفر أكبر، وكفر أصغر.
فالكفر الأكبر مثل: عبادة غير الله كدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، وطلب المدد من الأموات أو من الأصنام، أو من الأشجار والأحجار، أو النجوم أو الجن، هذا شرك أكبر وكفر أكبر، ومثل: سب الدين سب الله سب الرسول صلى الله عليه وسلم، كل هذا كفر أكبر، مثل: الحكم بغير ما أنزل الله عن استحلال، يستحل الحكم بغير ما أنزل الله ويرى أنه جائز، هذا كفر أكبر، وما أشبه ذلك من نواقض الإسلام، كجحد وجوب الصلاة أو جحد وجوب الزكاة أو استحلال الزنا، كل هذا كفر أكبر، فإذا استحل ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة كالزنا والسرقة والخمر كان كافراً كفراً أكبر، أو جحد ما أوجب الله كالزكاة والصلاة وصوم رمضان صار كفراً أكبر، أو سب الله وسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو سب الدين أو ترك الصلاة عمداً كفر أكبر نسأل الله العافية.
أما الكفر الأصغر مثل ما في الحديث هذا: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت) هذا كفر أصغر؛ لأنه كفر منكر في سياق الإثبات فهو كفر أصغر، والطعن في النسب معناه: عيب أنساب الناس، فلان نسبك كذا نسبه فلان بخيل أهله حدادون يعيبهم بذلك، نجارون يعيبهم بذلك، إلى غير هذا مما يطعن في أنساب الناس، هذا نوع من الكفر وهو معصية وكبيرة، وهكذا النياحة على الميت إذا مات الميت ينوح عليه، يعني: يرفع صوته بالبكاء هذا نوع كفر، لكنه أصغر مثل الحديث الصحيح: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، يعني: كفر أصغر لو قتله بغير حق يكون كفراً أصغر إذا لم يستحل ذلك، مثل: (إن كفراً بكم براءة من أنسابكم أو براءة من آبائكم) هذا كفر أصغر، إلا إذا استحل سب المسلمين يكون كفراً أكبر نعوذ بالله، أو استحل البراءة من نسبه أو من أبيه يكون كفراً أكبر إن استحل ما حرم الله بإجماع المسلمين، كما لو استحل الزنا قال: إنه حلال، أو قال: اللواط حلال، أو الخمر حلال، يكون كفراً أكبر نسأل الله العافية.
هذا هو الفرق بينهما، ما كان فيه دعوة لغير الله وعبادة لغيره كفر أكبر، وما كان فيه استحلال لما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو إنكار لما أوجب الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وبالأدلة الشرعية مما أجمع عليه المسلمون هذا كفر أكبر.
المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى، على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
اللهم آمين مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ،الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لمتابعتكم وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر