إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (479)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من الجمهورية اليمنية حضرموت، وباعثها المستمع عبد الحافظ عبد الرحمن باعباد ، أخونا باعباد له سؤال يقول فيه: يوجد عندنا قبور يقال: إنها قبور بعض الصالحين، ويقوم بعض الناس بزيارتها لكي تبعد عنهم الشر وتجلب لهم الخير وتشفي مرضهم بزعمهم، وهذا يقولون: إن هذا الصالح له شأن في هذا الشيء وعند نهاية زيارتهم يضعون بعض النقود على هذا القبر ما حكم عملهم هذا؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فإن الله عز وجل شرع لعباده زيارة القبور للذكرى والاستغفار للميتين والدعاء لهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة) ويقول لأصحابه عليه الصلاة والسلام ويعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين)، ويقول عليه الصلاة والسلام إذا زار البقيع: (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) ويقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ثم يقول: (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) هذه هي السنة أن يدعى لهم عند الزيارة ويترحم عليهم لأنهم في حاجة إلى الدعاء.

    أما زيارتهم لطلب الشفاء للمرضى أو لطلب المدد والنصر على الأعداء أو ما أشبه ذلك، فهذا من الشرك الأكبر وهذا كفر بالله ولا يجوز، هذه حال عباد الأوثان يرجون الموتى والأصنام والأشجار والأحجار والكواكب ويسألونهم قضاء الحاجات وتفريج الكروب وشفاء المرضى ويسألونهم المدد لكل ما يعينهم، هذا كله من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر من هذا العمل السيئ، قبور الصالحين تزار للدعاء لهم والترحم عليهم لا لدعائهم من دون الله، ولا فرق بين العيدروس أو ابن علوان أو غيرهما، جميع القبور حتى قبور الأنبياء حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر الصديق وعمر وأهل البقيع كلهم لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم ولا ينذر لهم، حتى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمتك أفضل الجزاء وأحسنه)، ولا يدعى من دون الله، ولا يقال له: المدد ولا اشف مرضانا ولا انصرنا، هذا شرك أكبر.

    وهكذا عند الصديق وهكذا عند عمر وهكذا عند عثمان وهكذا عند علي وهكذا عند قبور أهل البيت جميعاً، لا يدعون مع الله، لا يقال: انصرونا أو اشفوا مرضانا أو أنتم تعلمون حاجاتنا، هذا كله من الكفر الأكبر، والغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] فهو الذي يعلم الغيب جل وعلا.

    ولما سقط عقد لـعائشة في بعض الأسفار أناخ النبي عليه الصلاة والسلام الناس وطلب العقد وأرسل من يطلبه ويلتمسه ولم يعرف أين مكانه عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وأفضلهم. طلب أن يلتمسوه فلم يجدوه، فلما أقاموا البعير الذي عليه عائشة وجدوه تحته.

    فلو كان يعلم الغيب لقال: انظروه تحت البعير ولم يحتج إلى أن يرسل من يطلبه.

    ولما قذف المنافقون عائشة وبعض الناس قلدهم وقذفها ولم يعلم الحقيقة وتوقف حتى جاءه الوحي بسلامتها وبراءتها رضي الله عنها وأرضاها.

    فالغيب لا يعلمه إلا الله، لا يعلمه نبي ولا ملك ولا غيرهما إلا ما علم الله عباده، إلا ما أوحى الله به إلى أنبيائه وعلمهم إياه.

    هكذا لا يدعوا مع الله ولا يستغاث بهم وهم أنبياء، قال الله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] (أحداً) هذا عام، نكرة في سياق النهي يعم الأنبياء وغيرهم، قال سبحانه: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117].

    فسمى دعاة غير الله كفره، يعني: دعاة الأموات والأنبياء ودعاء الأشجار والأصنام ونحو ذلك، وقال الله لنبيه: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] يعني: المشركين.

    والمقصود: تحذيره صلى الله عليه وسلم وتحذير الأمة، فهو صلى الله عليه وسلم لا يشرك، قد عصمه الله من هذا، لكن المقصود تحذير الأمة وبيان أن هذا الأمر خطير وأنه لا يجوز لأحد أن يفعله، وهكذا قوله سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] أوحى الله إليه هذا الأمر ليعلم الناس أن الشرك محرم وأنه أعظم الذنوب وأنه محرم على الأنبياء وعلى غيرهم.

    وقال سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13-14] سبحانه وتعالى، فجعل دعاء غير الله كائناً من كان من الشرك، وقد أخبر أن المدعوين لا يسمعون دعاء الداعين، وأنهم لو سمعوا ما استجابوا.

    فالواجب الحذر من هذا الشرك الوخيم، وتحذير الناس من ذلك، والواجب على العلماء في كل مكان أن يبينوا للناس هذا الأمر العظيم، وأن يحذروهم من التعلق على القبور والتعلق على الأموات والاستغاثة بهم والنذر لهم وطلب منهم المدد والعون، كل هذا من المحرمات الشنيعة بل من الشرك الأكبر، وإذا كان هذا لا يجوز مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا مع الخلفاء الراشدين فكيف يجوز مع العيدروس أو مع ابن علوان أو مع الشيخ عبد القادر أو مع علي أو مع الحسن أو فاطمة أو غيرهم، لا يجوز أبداً مع أحد، العبادة حق الله وحده، قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وقال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فهو المعبود بالحق، وهو المستعان جل وعلا، فلا يدعى معه أحد، لا ملك ولا نبي ولا صنم ولا شجر ولا حجر ولا ميت، العبادة حق الله وحده سبحانه وتعالى، قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، وقال جل وعلا: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14].

    أما الحي فلا بأس يقال له: يا عبد الله! أعني على كذا، أعني على إصلاح سيارتي، أقرضني كذا وكذا، وهو حي يسمعك ويقدر، تقول له: أعني على كذا، أعني على تعمير بيتي، على إمساك دابتي، على إصلاح سيارتي، هذا لا بأس، كما قال الله في قصة موسى عليه السلام: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15] لأنه حي قادر، أما الأموات فلا يدعوا مع الله، وهكذا الأصنام والأشجار والأحجار والنجوم، كل ذلك من الشرك الأكبر نسأل الله العافية.

    فنصيحتي لكل مسلم أن يحذر هذا، وعلى العلماء أن يحذروا الناس من هذا الشرك الوخيم، على العلماء في كل مكان أن يتقوا الله وأن يعنوا بهذا الأمر، بالكتابة وفي خطب الجمعة وفي غير ذلك، وهكذا زيارة القبور حتى ينبه الناس القبر الذي يدعى من دون الله، يزوره العالم ويقول: يا ناس هذا لا يجوز، سلموا وادعوا له بالمغفرة والرحمة، أما أن تدعوه من دون الله المدد المدد يا سيدي فلان اشفع لنا انصرنا هذا الشرك الأكبر نعوذ بالله، فيجب الحذر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088538179

    عدد مرات الحفظ

    777200917