إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (524)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها الإخوة الأحباب، أيها الإخوة المستمعون الكرام! هذا لقاء طيب مبارك من برنامج نور على الدرب، ضيف اللقاء هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء، مع مطلع هذا اللقاء نرحب بسماحة الشيخ عبد العزيز أهلاً ومرحباً سماحة الشيخ.

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم. نعم.

    ====السؤال: سماحة الشيخ! هذا السائل يقول: ما هي شروط لا إله إلا الله؛ كلمة التوحيد؟ وهل من قال: لا إله إلا الله فقط دون أن يعمل يدخل الجنة؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على أن من أتى بالتوحيد ومات عليه دخل الجنة، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها)، ومنها حديث عبادة بن الصامت : (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، .. أحاديث في هذا كثيرة تدل على أن من قال: لا إله إلا الله صادقاً موحداً يتضمن كلامه براءته من الشرك وإيمانه بأن الله هو مستحق العبادة فإنه يدخل الجنة، ويكون من المسلمين مع الإيمان بشهادة الأنبياء أن محمداً رسول الله، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما بلغه ذاك الوقت، ثم يطالب بعد ذلك بشرائع الإسلام فإذا أدرك الصلاة وجب أن يصلي، وهكذا الزكاة، وهكذا الصيام, وهكذا الحج، ولو أسلم ومات في الحال دخل الجنة؛ لأنه ما أدرك العمل ولا فعل سيئة والإسلام يجب ما قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها، فإن عاش حتى أدرك الصلاة لزمته الصلاة، فإن أبى وجحدها كفر وإن لم يصل كفر، وهكذا إذا أدرك الزكاة يجب عليه الزكاة فإن أبى صار عاصياً يستحق دخول النار، وهكذا إذا أدرك الصيام ولم يصم صار عاصياً يستحق دخول النار إلا أن يعفو الله عنه، وهكذا إذا زنى أو سرق أو ما أشبه ذلك صار عاصياً يستحق دخول النار إلا أن يعفو الله عنه وصار تحت مشيئة الله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، المقصود أنه متى دخل في الإسلام ووحد الله وتبرأ من الشرك كله وآمن بكل ما أخبر الله به ورسوله يكون مسلماً ثم يطالب بحقوق الإسلام من صلاة وغيرها وترك المعاصي، فإن ترك المعاصي وأدى الحقوق تم إسلامه وإيمانه، وإن مات في الحال قبل أن يدرك شيئاً من الأعمال فله الجنة؛ لأن إسلامه جب ما قبله من الشرور، فإن عاش فباشر بعض المعاصي أو ترك بعض الواجبات فهو تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة بتوحيده، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها كما تقدم في قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وهذا بإجماع أهل السنة والجماعة. والعاصي تحت المشيئة لا يكفر خلافاً للخوارج، ولا يخلد في النار كما تقول الخوارج والمعتزلة لا بل هو تحت مشيئة الله، إذا مات على الزنا أو السرقة أو عقوق الوالدين أو شرب المسكر أو أكل الربا ولكن لم يستحلها وهو مقر أنها معاصي غلبه عليها الهوى والشيطان وإلا هو يعرف أنها معاصي فهو تحت مشيئة الله إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عذبه في النار على قدر المعاصي التي مات عليها، وبعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار بإجماع أهل السنة والجماعة، فلا يخلد في النار إلا الكفرة خلافاً للخوارج والمعتزلة الذين يقولون: إن العاصي إذا مات على المعصية يخلد في النار، وتقول الخوارج: إنه يكفر، وقولهم عند أهل السنة والجماعة من أبطل الباطل، والآية الكريمة ترد عليهم وهي قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الزاني: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب الخمر وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)، فالمعنى الوعيد والتحذير، يعني ليس مؤمناً الإيمان الكامل، وأن عنده نقصاً في إيمانه وليس معناه أنه كافر؛ لأن الآيات يصدق بعضها بعضاً، والأحاديث يصدق بعضها بعضاً، وكتاب الله لا يكذب بعضه بعضاً، والسنة لا تخالف القرآن فوجب أن تفسر النصوص بالنصوص، فقوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، يعني الإيمان الواجب الكامل، فلو كان عنده إيمان كامل لما زنى لكنه وقع في الزنا ووقع في الخمر لنقص إيمانه وليس معناه أنه كافر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر في حق الزاني أن يقام عليه الحد ويكون الحد كفارة له، وصاحب الخمر كذلك يقام عليه الحد والحد كفارة له، وإذا مات الزاني على الزنا بعد الحد دخل الجنة؛ لأن الحد صار كفارة له، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة في الصحيحين لما ذكر المعاصي قال: (فمن أدركه الله في الدنيا -يعني بالحدود الشرعية- كان كفارة له، ومن أجله الله إلى الآخرة فأمره إلى الله، كما قال تعالى: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48])، فأهل السنة والجماعة يقولون: إن صاحب المعاصي تحت المشيئة، فإذا ارتكب معصية دون الشرك ولم يستحلها فهو تحت المشيئة كالزاني وشارب الخمر وآكل الربا والعاق لوالديه ونحو ذلك، أما من استحل المعاصي كأن استحل الزنا فقال: الزنا حلال. تقام عليه الحجة، فإذا بين له الدليل وأصر على أن الزنا حلال صار كافراً الكفر الأكبر، وهكذا من يقول: الخمر حلال، ويبين له الدليل ويصر يكون كافراً، وهكذا من يقول: السرقة حلال أو الربا حلال تبين له الأدلة، فإذا أصر على أن الربا كله حلال كفر، وهكذا من قال: عقوق الوالدين حلال يبين له الأمر فإذا أصر بعد الأدلة كفر، وهكذا من يقول: إن اللواط حلال، وهكذا من استحل المعاصي المعروفة من الدين بالضرورة وبين له الدليل وأصر كفر، أما من مات على المعصية وهو يعرف أنها معصية ولم يستحلها ويعرف أنه عاصي كأن مات وهو زاني أو مات وهو شارب للخمر أو يرابي وهو يعرف أنه عاصي فهذا تحت مشيئة الله إن شاء ربنا غفر له بأعماله الصالحة وتوحيده، وإن شاء عذبه على قدر الجريمة التي مات عليها، ثم بعد التطهير والتمحيص في النار يخرجه الله من النار، وقد تواترت الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن كثيراً من العصاة يدخلون النار ويعذبون فيها ثم يخرجهم الله من النار وقد امتحشوا أي احترقوا، فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة، وقد تواترت بهذا الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمع على هذا أهل السنة والجماعة، ولا يبقى في النار مخلداً إلا الكفرة نسأل الله العافية، أما العصاة فلا، قد يبقى فيها وتطول إقامته ويسمى خلوداً لكنه خلود مؤقت وينتهي، فإذا تمت المدة التي قدرها الله عليه يخرج من النار وصار إلى الجنة لتوحيده وإسلامه، والتوحيد له شروط ذكرها بعض أهل العلم وهي سبعة، قال بعضهم: ثمانية، جمعها بعضهم في بيتين:

    علم يقين وإخلاص وصـدقك مع محبة وانقياد والقبول لهـا

    وزيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأشياء قد ألها

    فإذا كان فهمها طالب العلم وأتقنها وأداها كان هذا كمالاً لتوحيده وإيمانه، وإن كان العامي لا يعرف هذه الشروط ولكنه تبرأ من الشرك وآمن بالله ووحده كفى وإن لم يعرف الشروط، متى تبرأ من الشرك وتبرأ من الكفر واعتقد بطلانه وآمن بالله ووحده كفى.

    فقوله: (علم) يعني: يعلم أن الله جل وعلا هو المستحق للعبادة، وأن معنى لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله، يقولها عن يقين لا يخالطه شك، يعني يوحد الله عن يقين وإخلاص، يعني ما أشرك بالله غيره بل أخلص لله مع الصدق بخلاف المنافقين يقولونها وهم كاذبون، فهذا كافر إذا قالها ظاهراً وهو يكذبها في الباطن.

    مع المحبة: مع محبة الله ومحبة توحيده، فالذي لا يحب الله أو يكره التوحيد ويكره الإيمان كافر: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9].

    وهكذا القبول، كونه يقبل الدين والحق وينقاد له، أما إذا رد الحق ولم يقبله ولم ينقد للحق بل أباه ولم يوحد الله يدخل في الشرك ويكون كافراً.

    ولابد من الكفران بما يعبد من دون الله كما قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256]، يعني: يكفر بعبادة غير الله وينكرها ويعتقد بطلانها ويتبرأ منها، هذا معنى قول الشاعر:

    وزيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأشياء قد ألها

    فالمقصود أن المؤمن يعلم الحق ويعتقده ويصدق في ذلك ويتبرأ من الشرك وأهله وينقاد إلى الحق ويطمئن إليه ويحب الله ورسوله، هكذا المؤمن ولو ما عرف الشروط، متى قبل الحق، وانقاد لتوحيد الله، وأخلص لله، وأحب الله وانقاد لشرعه، ولم يكن كاذباً كالمنافقين صار إيمانه صحيحاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088518473

    عدد مرات الحفظ

    777079958