أيها الإخوة الأحباب! أيها الإخوة المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا لقاء طيب مبارك من برنامج نور على الدرب.
ضيف اللقاء هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء.
مع مطلع هذا اللقاء أرحب بسماحة الشيخ عبد العزيز ، أهلاً ومرحباً سماحة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
====السؤال: هذا السائل أبو مازن من الإمارات العربية المتحدة له سؤالان:
السؤال الأول يقول: بأنه شاب مقتدر وله عقارات كثيرة وغيرها، هل يجوز أن يعطي من زكاة ماله لوالده ووالدته؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فليس للرجل ولا للمرأة دفع الزكاة إلى والديهم وإلى أولادهم وإنما تدفع للأقارب الآخرين إذا كانوا فقراء وليسوا في حوزته، وليسوا في نفقته تكون صدقة وصلة، أما دفعها لوالديه أو أولاده أو أولاد بناته فليس له ذلك، بل يجب عليه أن ينفق عليهم من ماله إذا احتاجوا له، وأما إعطاؤهم من الزكاة فلا، لكن إذا كان له أخ فقير أو عم فقير أو خال فقير وليس في بيته من ينفق عليهم فلا بأس أن يعطيهم من زكاته.
الجواب: الطريق للتوبة الندم على الماضي، والعزم أن لا تعود فيه، والإقلاع من ذلك، والمبادرة بإخراج الزكاة عما مضى، تتحرى الماضي وتخرج الزكاة عما مضى، تتحرى وتجتهد إذا كنت تظن أنها خمس تزكي خمس، تظنها ست تزكي ست وهكذا، تتحرى السنوات الماضية التي لم تزك فتخرج زكاتها عن المال الذي عندك مع التوبة والندم والإقلاع والعزم أن لا تعود في ذلك والإكثار من العمل الصالح، والله سبحانه يقول: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، ويقول سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وإذا تاب الإنسان غفر الله له ما سلف وحفظ له ما تقدم من الخير، الخير السابق يحفظ له والسيئات تغفر بتوبته الصادقة وأعماله الصالحة.
الجواب: الإنسان مسير ومخير، مسير لا يخرج عن قدر الله مهما فعل فهو تحت قدر الله، ومخير لأن له عقلاً وفعلاً واختياراً، أعطاه الله عقلاً وأعطاه الله فعلاً واختياراً فهو يفعل باختياره ويدع باختياره، ولهذا تعلقت به التكاليف واستحق الجزاء على أعماله، الطيب بالجزاء الحسن، والرديء بالجزاء السوء هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]، ويقول جل وعلا: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]، ويقول جل وعلا: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [يونس:22]، والنبي سئل لما قال عليه الصلاة والسلام للصحابة: (ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار - وفي اللفظ الآخر: قد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار- قالوا: يا رسول الله! ففيم العمل؟ -مادامت مقاعدنا معلومة، ومادمنا مكتوبين فلم العمل؟- قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له؛ أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10])، وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3]، وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] وقال تعالى: (إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، فدل على أن الأسباب يترتب عليها مسبباتها، فمن اتقى الله يسر الله أموره وفرج كرباته ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن عصى الله وخالف أوامره فقد تعرض لغضب الله وسخطه وتعسير أموره، نسأل الله العافية.
الجواب: هذا يختلف: إذا كان الذهاب ضرورياً فلابد من ذلك وإلا فالهاتف والمكاتبة تكفي والحمد لله، السؤال عنهم من طريق الهاتف -التلفون- أو من طريق المكاتبة أو من طريق الزيارة كل هذا طيب، لكن إذا دعت الحاجة إلى الذهاب إليهم لمواساتهم أو لمرضهم أو نحو ذلك فمن صلة الرحم الذهاب إليهم، إذا كان مقعداً ولا يتيسر صلته إلا بزيارته تزوره، أو مريضاً تزوره، فإذا تيسر صلته من دون زيارة، بالمكاتبة مع صلته إذا كان فقيراً ومواساته وإعطائه حاجته مع المكاتبة فلا بأس، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وإذا ما تيسرت المكاتبة ولا تيسرت المكالمة الهاتفية وتيسرت الزيارة بالنفس تزوره بنفسك، وإلا فبوكيلك ترسل له الحاجة والصلة بواسطة الوكيل.
المقصود أن الإنسان يتقي الله ما استطاع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (ليس الواصل بالمكافي ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)، (ولما خلق الله الرحم قالت: يا رب! هذا مقام العائذ بك من القطيعة) ، هكذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، تقول الرحم لما خلقها الله: (هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال لها جل وعلا: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب. قال: فذلك لك) ، فالله جل وعلا يصل من وصل رحمه ويقطع من قطع رحمه، والخطر عظيم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)، فالواجب الحذر، والقطيعة تكون بالإعراض وعدم المبالاة، وعدم الصلة بالمال ولا بالكلام الطيب ولا بالبدن، هذه القطيعة، والصلة بالمال أو بالكلام الطيب أو بالمكاتبة أو بالهاتف هذا كله صلة، والمؤمن يتحرى كمال الصلة، فالفقير يحتاج إلى زيادة مع الكلام، أي مع الزيارة البدنية يحتاج إلى زيادة بالمواساة المالية لفقره سواء من الزكاة أو من غيرها، وهكذا الإنسان الذي يقع في كربة من صلة الرحم السعي في فك كربته، أي كربة كانت، كربة دين فتسعى في قضاء دينه إذا كنت قادراً، أو كربة السجن بحق فتسعى في إطلاقه بالطريقة التي شرعها الله وأباحها، أو كان خائفاً فتسعى في تأمينه بالطريقة التي تستطيعها.. إلى غير ذلك من وجوه الصلة.
الجواب: العمرة ليس لها طواف وداع، الحمد لله، إن طاف للوداع فهو مستحب وإلا فليس بلازم، طواف الوداع واجب للحج، أما العمرة فلا يجب لها طواف وداع، ولكن إذا طاف للوداع حسن إن شاء الله.
الجواب: نوصي الإخوان جميعاً بالحلم والصبر والتحمل والرفق في سوق السيارة وتحري أسباب السلامة، وإذا تعدى عليه أحد فنوصيه بالرفق والحلم والصبر والتفاهم مع المتعدي، فقد يكون مغلوباً على أمره وليس باختياره، فنوصي الجميع بالحلم والكلام الطيب وحل المشاكل بالأسلوب الحسن، هذا هو الوصية للجميع؛ لأن الله سبحانه وتعالى أحب من عباده ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق)، ويقول جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128] ويقول جل وعلا: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، ويقول سبحانه وتعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126]، ويقول: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127]، فالمؤمن يتحرى الخير، ويتحرى الصبر، ويتعلم الجزاء بالمعروف، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، يتحرى الخير ويتحرى الصبر، ويقول صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافي، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)، فالمحسن والمجازي على السيئة بالحسنة هذا له درجة عظيمة وفضل كبير، فالله جل وعلا يحب من عباده أن يتناصحوا وأن يتواصوا بالحق وأن يصبروا، وأن يتعاملوا بالرفق والعفو والإحسان والجود والكرم والصلح، كما قال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128]، وقال: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].
المقدم: شيخ عبد العزيز !تساهل الكثير من الناس باللعان والشتائم هل لكم توجيه؟
الشيخ: لا يجوز اللعن والشتم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن المؤمن كقتله)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذي)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (المستبان ما قالا فعلى البادي)، أي: ما قالا فإثمه على البادي.
فالواجب على المؤمن حفظ لسانه والحذر من شر لسانه، ويقول صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق) سباب: يعني مسابته، فسوق: يعني معصية خروج عن الطاعة، فالواجب الحذر من السب والشتم واللعن والكلام السيئ، والواجب أن يعود المؤمن لسانه الكلام الطيب، ويعود نفسه الحلم والصبر، نسأل الله للجميع الهداية.
الجواب: لا يضرها ذلك إذا كانت لا تعلم، فطوافها صحيح والحمد لله، إذا وجدت في ثوبها أو في سراويلها أثراً من الدم لم تغسله ولكن لم تعلم إلا بعد الطواف لا يضرها، كمن صلى وفي ثوبه نجاسة لم يعلم إلا بعد الصلاة صلاته صحيحة والصلاة أعظم من الطواف، فإذا صلى في ثوب ثم بان بعد الصلاة أن به نجاسة، أو صلى في سراويل وبان فيه نجاسة، أو طاف في ثوب أو بشت أو غير ذلك ثم تبين بعد الطواف أن به نجاسة ولم يعلم، أو كان عالماً ثم نسيها فلا يضره ذلك والحمد لله، يقول الله جل وعلا: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، والحمد لله، والنبي صلى الله عليه وسلم (صلى في نعليه ذات يوم ثم جاءه جبرائيل فأخبره أن بهما أذى فخلعهما ولم يعد أول الصلاة) عليه الصلاة والسلام.
الجواب: ينبغي للمؤمن الحذر من الوساوس، فإذا أيقن أنه دخل في الصلاة المعينة من الفريضة كالظهر أو العصر ثم وسوس يلغي هذه الوساوس ويستمر في صلاته ويكملها؛ لأنه إذا تساهل مع الوساوس لعب عليه الشيطان وأشغله، فالواجب في مثل هذا الحذر من إعطاء النفس هواها بالوساوس، وإذا أحس بشيء يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويستمر، مادام يعلم أنه دخل في الصلاة على بصيرة فإنه يتممها ولا يلتفت إلى الوساوس بالكلية بل يلغيها ويحذرها لئلا يفتح باباً للشيطان عليه فيؤذيه.
الجواب: هذا من الشيطان، الواجب الحذر، إذا فكرت في بناء مسجد أو في صدقة على فقير أو صلة رحم بادر ولا تلتفت لوساوس الشيطان فإذا فكرت في خير من بناء مسجد أو صلاة نافلة أو صوم نافلة أو صدقة أو سلام أو رد سلام فبادر ولا تلتفت إلى وساوس الشيطان، احذر تثبيط الشيطان وتعوذ بالله منه وأرغم أنف الشيطان، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وبادر بالخير.
الجواب: هذا سؤال جدير بالعناية وفيه تفصيل: فالحي الحاضر لا بأس أن يسأل أن يشفع للسائل، كما كان الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لهم إذا أجدبوا أن يستغيث لهم، وكما سأله الأعمى فأمره أن يسأل ربه أن يقبل شفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم وأمره أن يتوضأ ويسأل ربه، فهذا لا بأس به، سؤال الأحياء أن يشفعوا لك، تقول: يا أخي ادع الله لي، اسأل الله لي، اشفع لي أن الله يشفيني، اشفع لي أن الله يرزقني، أن الله يمنحني زوجة صالحة، وذرية طيبة.. لا بأس، تقول لأخيك وهو يدعو ربه، يرفع يديه ويدعو ربه، اللهم اشف فلاناً، اللهم يسر أمره، اللهم ارزقه الزوجة الصالحة، اللهم ارزقه الذرية الطيبة.. لا بأس، كما كان الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، وكما كان الصحابة أيضاً فيما بينهم، كل هذا لا بأس به، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: (إنه يقدم عليكم رجل بر بأمه يقال له
فالمقصود أن الواجب على المؤمن أن يحذر دعاء الأموات أو الغائبين كالملائكة أو الجن يدعوهم، يسأل جبرائيل أو إسرافيل أو جن البلاد الفلانية، أو جن الجبل الفلاني، هذا شرك أكبر، قال جل وعلا: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ:40-41]، وقال جل وعلا في سورة الجن: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6]، فالواجب الحذر، فلا يسأل الأموات ولا الغائبين من الملائكة ولا غيرهم ولا يسأل الأصنام ولا الجمادات من الأشجار والأحجار والنجوم لا، يسأل الله وحده، يسأل الله يستعين بالله يستغيث بالله، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وقال سبحانه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وقال جل وعلا: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، وقال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، وقال سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي [الأنعام:162] يعني: ذبحي. وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] وقال سبحانه: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:1-2]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله)، فهذه أمور عظيمة وخطيرة، والجلوس يدعو ربه عند القبور هذه وسيلة للشرك، كونه يجلس عندها يقرأ أو يدعو هذه وسيلة ما يجوز من وسائل الشرك، أما إذا دعا المقبور واستغاث به هذا الشرك الأكبر، هذا الذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة، أما الحي الحاضر تقول له: ادع الله لي، أو يسأل منه أن يعينه على شيء معين لا بأس، إذا كان حياً حاضراً قادراً، مثلما كان الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم وهو حاضر أن يعينهم وأن يواسيهم مما أعطاه الله من المال وأن يدعو لهم لا بأس، ومثلما قال الله عن موسى في قصة موسى مع القبطي: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15] فأغاثه موسى وقتل القبطي، لأن موسى حي حاضر يسمع الكلام، وهكذا في الحرب الإنسان مع إخوانه في الحرب في الجهاد يتعاونون في قتال الأعداء، هذا يعين بالسلاح وهذا يعين بالسوط، وهذا يعين بالفرس، وهذا يعين بالدرق.. إلى غير ذلك، وهكذا في الدنيا يتعاونون في المزرعة، يعينه في مزرعته، يعينه في بيعه وشرائه، في بناء البيت لا بأس، فإذا كان حياً قادراً حاضراً لا بأس، أما ميت أو غائب فلا يستعان به، بل هو شرك أكبر، والمشركون ما كانوا يعتقدون كأن أوثانهم يخلقون أو يرزقون، إنما كان المشركون يعبدونهم؛ لأنهم -بزعمهم- يشفعون لهم ويقربونهم إلى الله زلفى، فما كانوا يعتقدون فيهم أنهم يخلقون أو يرزقون، قال الله جل وعلا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وقال سبحانه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ [يونس:31] يعني قل لهم يا محمد . مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31] يعترفون بهذا، وقال جل وعلا: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، ما قال ليقولون: هذا خالقونا أو رازقونا لا، وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، هم يعلمون أن الخلاق الرزاق هو الله سبحانه، وإنما يعبدون الأصنام لأنها تشفع لهم بزعمهم، وقد أبطلوا في هذا، وقال جل وعلا: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، يعني يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، قال الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3] سماهم كذبة وسماهم كفرة، كذبة لأن من يدعون من دون الله لا يقربونهم إلى الله زلفى، وهم كفرة بدعائهم إياهم وذبحهم لهم ونذرهم لهم، سواء كان المعبودون أنبياء أو صالحين أو ملائكة، من عبدهم كفر، باستغاثته بهم، بنذره لهم، بذبحه لهم، يقول: إنهم يقربونه إلى الله زلفى، إنهم يشفعون له هذا دين المشركين، هذا دين عباد الأصنام يزعمون أنها تقربهم إلى الله وتشفع لهم لا أنها تخلق وترزق، فالذي يأتي البدوي، أو الحسين السيد الحسين، أو غيره أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو يأتي غيرهم يسألهم ويستغيث بهم هذا قد جعلهم آلهة مع الله، وهذا هو الشرك الأكبر، وهكذا إذا أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه يستغيث به هذا الشرك الأكبر.
فالواجب الحذر، الواجب على السائل وعلى غير السائل الحذر من هذه الشركيات وعدم الالتفات إلى دعاة الشرك من علماء السوء وقادة السوء نسأل الله العافية والسلامة.
المقدم: اللهم آمين.
شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم ونفع بكم المسلمين.
أيها الإخوة الأحباب! أيها الإخوة المستمعون الكرام! أجاب عن أسئلتكم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء.
شكر الله لسماحته على ما بين لنا في هذا اللقاء الطيب المبارك من برنامج نور على الدرب.
في الختام تقبلوا تحيات الزملاء معي في الإذاعة الخارجية: زميلي المهندس فهد العثمان ، من هندسة الصوت الزميل سعد عبد العزيز خميس. إلى الملتقى إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر