إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (543)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها الإخوة المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله إلى لقاء طيب مبارك يجمعنا بسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء.

    مع مطلع هذا اللقاء نرحب بسماحة الشيخ عبد العزيز فأهلاً ومرحباً سماحة الشيخ.

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: وفيكم.

    ====

    السؤال: سماحة الشيخ! هذا سائل من الجزائر رمز لاسمه بـ (أ. أ. أ) يقول: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في الرجاء والخوف جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فمذهب أهل السنة والجماعة في الرجاء والخوف الإيمان بذلك والاستقامة عليه، فإن المؤمن يعبد الله وحده ويخلص له العبادة، وهو مع ذلك يرجوه ويخافه، يرجو رحمته فيسارع إلى مراضيه، ويخاف عقابه فيبتعد عن مساخطه ومناهيه سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه في عباده الصالحين من الرسل وأتباعهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] فقوله: (رغباً): هذا رجاء، و(رهباً) يعني: خوفاً، هذه صفة أهل الإيمان من الرسل وأتباعهم أنهم يعبدون الله ويدعونه عن إخلاص له، وعن محبة وتعظيم، وعن رغبة ورهبة يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57].

    فالواجب على كل مؤمن أن يكون مخلصاً لله، مؤمناً به، موحداً له سبحانه، يرجو رحمته ويخشى عقابه جل وعلا، وقال في الآية الأخرى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء:57] فهذه صفة المؤمنين، التقرب إلى الله بطاعته؛ من الإخلاص وأداء الفرائض وترك المناهي، مع الخوف منه جل وعلا، ورجاء رحمته وإحسانه سبحانه وتعالى.

    أما المرجئة فغلبوا جانب الرجاء وتساهلوا بجانب الخوف، والمعتزلة والجهمية وأشباههم غلبوا جانب الخوف وفرطوا في جانب الرجاء، وأهل السنة والجماعة ضد ذلك، يؤمنون بهذا وهذا؛ يرجون رحمته ويوحدونه ويسارعون إلى مراضيه مع الخوف منه سبحانه والحذر منه، ويقولون: من مات على معصية وهو موحد مخلص لله مؤمن لكنه مات على معصية من المعاصي لا يستحلها، مات على الزنا وهو زاني ما تاب، مات وهو يشرب الخمر، مات وهو عاق لوالديه، مات وهو يأكل الربا، أو نحو هذا من المعاصي لكن لا يستحل ذلك، يعلم أنه عاصي، فهذا تحت مشيئة الله عند أهل السنة، إن شاء غفر له وأدخله الجنة برحمته وإحسانه، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار إلى الجنة برحمته وإحسانه جل وعلا، ولا يخلد في النار إلا الكفار الذين بطلت أعمالهم لكفرهم وضلالهم، هؤلاء هم المخلدون في النار، كما قال الله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ما دون الشرك من المعاصي تحت المشيئة، يغفره لمن يشاء من عباده لأعمال صالحة وتقواه لله أو بشفاعة الشفعاء كالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والملائكة والأفراط، أو بمجرد رحمته وعفوه وفضله سبحانه وتعالى من غير شفاعة أحد.

    هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، الإيمان بالله والإخلاص له والاستقامة على دينه مع المحبة العظيمة مع الرجاء والخوف، خلافاً للمرجئة وخلافاً للوعيدية المعتزلة وغيرهم.

    والواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يسير على منهج السلف الصالح، وأن يعبد الله وحده عن إيمان وعن صدق وعن إخلاص وعن رجاء وخوف، يؤدي فرائض الله ويحذر محارم الله، وهو لا يأمن من مكره بل يخافه ويرجوه، قال تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له) عليه الصلاة والسلام، فهو مع كونه مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع كونه سيد ولد آدم ومع كونه أفضل الناس وأكمل الناس إيماناً مع هذا يخاف الله ويرجوه، بل يقول: (إنه أخشى الناس لله) ويقول: (والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له) عليه الصلاة والسلام، ولهذا يقول السلف: من كان بالله أعرف كان منه أخوف، كل ما زاد علم العبد بالله وبأسمائه وصفاته زاد خوفه من الله، وزاد تعظيمه له، وزاد رجاؤه له، وزاد ثباته على الحق واستقامته عليه وحذره من خلافه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530286

    عدد مرات الحفظ

    777156204