مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز !
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع (م. ح. أ) من أبها، أخونا رسالته مطولة بعض الشيء، سأقرأها كما وردت يقول: تحية طيبة.
وبعد:
أبعث إليكم بمشكلتي طالباً الإفتاء فيها وجزاكم الله خيراً، أنا مصري أعمل في المملكة العربية السعودية منذ عام تقريباً، وكنت قبل أن أحضر عقدت قراني على زوجتي بمصر، وبعد وصولي أرسلت إليها لتحضر إلى هنا، لنعيش هنا ونبدأ حياتنا الزوجية هنا، فوافقت هي وأسرتها، وأرسلت إليها مهرها كاملاً كما هو في العقد، وقمت بإعداد شقتي الزوجية وحضرت إلى هنا وتزوجنا، وبعد شهر ونصف من الزواج بدأت أعراض الحمل، فأصرت على أن ترجع إلى أهلها لتقضي فترة الحمل فرفضت ذلك، وقلت لها: إنني مستعد بخدمتك بكافة ما أملك، وعرضتها بالفعل على طبيبة مختصة كانت تعالجها وتتابع حالتها، ولكنها رفضت إلا العودة إلى أهلها وليكن ما يكن، كانت تقول: إذا أردت تطلقني طلقني، وإن أردت أن ألا ترسل لي فلوساً فلا ترسل، وثمن تذكرة العودة سأرسله من مهري، ولكن لازم أسافر، واستعملت معها أسلوب الترغيب والترهيب ولكنها أصرت على ذلك، حتى انقلب البيت جحيماً، وفي النهاية حجزت لها تذكرة وسافرت إلى أهلها، والآن أريد أن أسأل عدة أسئلة -عرض عشرة أسئلة سماحة الشيخ- يقول في سؤاله الأول: هل تعتبر هذه الزوجة ناشزاً؟
وهل يحق لها النفقة -نظراً لأنها حامل-؛ لأنني غير راض عن سفرها وحاولت منعها ولم أستطع؟
هذا سؤاله الأول.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه المرأة إذا كان الواقع كما ذكره السائل تعتبر ناشزاً وليس لها نفقة؛ لكونها إنما سافرت عن غير رضاك وعن غير اختيارك بل بأسباب إلحاحها وإيذائها لك كما ذكرت في السؤال، وليس لها نفقة، بعض أهل العلم يرى أن لها نفقة من جهة الحمل، ولكن الصواب أنها ما دامت بهذه الحال فلا نفقة لها أيضاً، حتى ولو كانت حاملاً.
المقدم: هل إذا طلقتها أكون قد ظلمتها؟
الشيخ: ليس في طلاقها بأس، ولكن نوصيك بعدم الطلاق ولا تعجل في الطلاق إذا كانت طيبة في دينها؛ لأنها قد تكون ساءت أخلاقها بسبب الحمل والتوحم الذي يصيب الحامل، فلا تعجل في الطلاق إذا كانت طيبة في دينها في صلاتها في أخلاقها في سرها لا تعجل بالطلاق، ولعل الله أن يهديها ويصلح حالها بعد ذلك، فإن طلقتها طلقة واحدة فلا بأس، أما الطلاق بالثلاث فلا يجوز، إنما إذا أردت الطلاق تكون طلقة واحدة فقط، ونوصيك بعدم العجلة وعدم الطلاق مطلقاً.
المقدم: إذا طلقتها ما هي حقوقها المالية التي تجب لها علي علي؟
الشيخ: إذا طلقتها فعليك نفقة العدة إذا وافقت على المجيء ولكن أنت لا تريدها، أما إذا كانت على إصرارها وعدم رضاها بالعودة واستمرارها في النشوز فليس عليك نفقة حتى ولو بعد الطلقة، لكن إذا طلقتها وأرادت العودة إليك ورجعت عن رأيها الأول فعليك نفقة العدة إلى أن تضع حملها، ثم عليك نفقة الحمل بعد الوضع.
المقدم: هل يحق لي أن أعتبر ثمن تذكرة العودة نفقة لها لعدة أشهر، وتكاليف السفر تصل إلى ألف ريال تقريباً؟
الشيخ: مادمت تبرعت لها بالتذكرة فليس لك العودة في ذلك.
المقدم: إذا أرسلت لها خطاب أبلغتها فيه طلاقها يكون الطلاق صحيحاً؟
الشيخ: ينبغي لك أن تثبته عند المحكمة، أو كاتب بالعدل، أو مأذون شرعي يصدق عليه من جهة المحكمة حتى يعتبر، حتى يعتمد عليه هناك.
الجواب: طلاق الحامل مشروع لا بأس به، لكن يكون طلقة واحدة؛ لأن النبي عليه السلام قال لـابن عمر : (طلقها طاهراً أو حاملاً) بعض العامة يرى أن طلاق الحامل لا يصلح وهذا غلط، إنما هو من رأي العامة، أما طلاق الحامل عند أهل العلم فلا بأس به، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (طلقها طاهراً أو حاملاً) .
الجواب: يستحب لك تمتيعها لقول الله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241] يستحب لك تمتيعها بما تيسر من المال: كسوة أو نقود، وليس لها حد محدود بما يسر الله.
الجواب: في ثلاث أحوال: يحرم الطلاق في الحيض، وفي النفاس، وفي طهر جامع الزوج امرأته فيه وهي ليست حاملة ولا آيسة، في هذه الأحوال الثلاث يحرم الطلاق، كما ثبت هذا في حديث ابن عمر النبي عليه السلام أمره أن يطلقها قبل أن يمسها بعد طهرها من الحيض، فدل ذلك على أنها لا تطلق إلا في طهر لم يمسها فيه، ولا تطلق في حال الحيض ولا في حال النفاس، هذه الأقوال الثلاثة يحرم فيها الطلاق، الأول: كونها حائضاً، الثاني: كونها نفساء، الثالث: كونها في طهر قد جامعها فيه -قد مسها فيه- وليست حاملاً ولا آيسة، أما إن كانت حاملاً فلا بأس بطلاقها وإن كان قد جامعها، أو كانت آيسة كبيرة السن لا تحمل فإنه لا بأس بطلاقه لها ولو كانت في طهر جامعها فيه.
المقدم: بارك الله فيكم إذا طلق الرجل في أحد هذه الأحوال الثلاثة هل يقع الطلاق سماحة الشيخ؟!
الشيخ: فيه خلاف بين أهل العلم: الجمهور يرونه يقع الطلاق في هذه الثلاث الأحوال، يحرم ويقع، والقول الثاني: يحرم ولا يقع، وهو الأرجح، أرجح القولين لأهل العلم أنه يحرم ولا يقع؛ لكونه خلاف الشرع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما طلق ابن عمر امرأته وهي حائض أمره الرسول أن يراجعها، ولم يعتبرها شيئاً عليه الصلاة والسلام، فردها عليه ولم يرها شيئاً وقال: (إذا طهرت فليطلق أو ليمسك) ، ولم يحسبها عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الأصح من قولي العلماء فهذا هو المختار، لكن لو حكم حاكم بإمضاء الطلاق مضى حكمه واعتبر، ولم يجز نقضه لأحد من الناس.
فلو عرض الموضوع على حاكم شرعي فحكم بإمضاء الطلاق في الحيض أو في النفاس أو في طهر جامع فيه مضى واعتمد؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف؛ ولأنه قول الجمهور فإذا حكم به حاكم وجب تنفيذه.
الجواب: الطلاق الرجعي هو الذي يقع في حق المرأة بعد الدخول بها، وهي قد دخل بها قد اتصل بها فإذا طلقها طلقة واحدة أو طلقتين وهي حامل أو في طهر لم يمسها فيه يقال له: الطلاق الرجعي، أما إن طلقها الطلقة الثالثة فإنه يكون طلاقاً ليس برجعي، تبين بينونة كبرى لا تصلح له إلا بعد زوج ودخول، فهذا تفصيل الطلاق الرجعي والطلاق البائن، إذا طلقها طلقة واحدة حال كونها حاملاً أو طلقتين حال كونها حاملاً فهذا طلاق رجعي له الرجوع إليها مادامت في العدة.
وهكذا لو طلقها في طهر لم يجامعها فيه طلقة واحدة أو طلقتين أو طلقها وهي آيسة طلقة واحدة أو طلقتين فإنه له المراجعة، مادام في العدة، وعدة المرأة التي تحيض ثلاث حيض، وعدة الآيسة ثلاثة أشهر، أما إن طلقها في الحيض أو في النفاس أو في طهر جامعها فيه فتقدم أن هذا لا يقع في أصح قولي العلماء.
وأما الطلاق البائن فهو الذي يطلقها بالثلاث عند الجمهور بكلمة واحدة، والصحيح أنه ليس ببائن، الصحيح أنه يعتبر واحدة، إذا كان بلفظ واحد قال: طالق بالثلاث فالصحيح أنه يعتبر طلقة واحدة، كما ثبت ذلك من حديث ابن عباس : (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الطلاق الثلاث طلقة واحدة) يعني إذا كان بلفظ الثلاث ليس بمكرر بكلمة واحدة، يقول ابن عباس : كان الطلاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عهد الصديق أبي بكر وعلى عهد عمر الطلاق الثلاث بواحدة. ثم إن عمر رضي الله عنه لما رأى الناس استعجلوا في هذا أمضاه عليهم، فالصواب أنه يعتبر واحدة إذا كان طلقها بالثلاث بكلمة واحدة، وهكذا لو قال: طالق طالق طالق، ولم ينو الثلاث فإنه يعتبر واحدة، ويكون اللفظ الثاني والثالث تأكيد للفظ الأول، كما قاله أهل العلم.
أما إذا طلقها بالثلاث بألفاظ متعددة، قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، ولم ينو إفهاماً ولا تأكيداً، أو قال: تراك طالق تراك طالق تراك طالق ولم ينو إفهاماً ولا تأكيداً، وهي في طهر لم يجامعها فيه، أو في حال الحمل فإنه تقع الثلاث، وهكذا لو قال: طالق ثم طالق ثم طالق، تقع الثلاث إذا كانت حاملاً أو في طهر لم يجامعها فيه ويكون الطلاق هذا بائناً، وهكذا لو كان قد طلقها طلقتين ثم طلقها الثالثة وهي حامل أو في طهر لم يجامعها فيه بانت بذلك بينونة كبرى، لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ويطأها الزوج الثاني ثم يفارقها بموت أو طلاق.
أما البينونة الصغرى فهي إذا كانت في المخالعة على المال، إذا طلقها طلقة واحدة أو طلقتين على مال هذه تسمى بينونة صغرى، ليس له الرجوع إليها إلا بإذنها وبنكاح جديد، لأنها ملكت نفسها بالعوض، فإذا طلقها على مال طلقة واحدة أو طلقتين تسمى مخالعة يسمى طلاق على مال، هذا ليس له مراجعتها إلا بإذنها بعقد جديد، يعني بنكاح جديد، وولي وشاهدين كأنه أجنبي، بسبب المال، ومثل ذلك التي طلقها طلقة واحدة أو طلقتين وخرجت من العدة يقال: قد بانت بينونة صغرى لخروجها من العدة بعد طلقة أو طلقتين وهي امرأة رجعية قد دخل بها وهو لم يطلقها في طهر جامعها فيه ولا في حيض أو نفاس، فإنه في هذه الحالة إذا خرجت من العدة يقال لها: طلقت طلاقاً بائناً بسبب خروجها من العدة بعد الطلقة أو الطلقتين، فله العود إليها بنكاح جديد كالمخلوعة، والله أعلم.
الجواب: الغضبان له ثلاثة أحوال، كما ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين وفي غيره، له ثلاثة أحوال: الحال الأولى: أن يشتد معه الغضب حتى لا يشعر ما يقع منه بسبب شدة الغضب فهذا كالمجنون لا يقع طلاقه عند الجميع، إذا كان لا يشعر بالطلاق بسبب شدة الغضب.
الحال الثاني: يغضب غضباً شديداً لكنه لم يزل شعوره، معه الشعور لكنه اشتد غضبه بسبب المضاربة أو المسابة أو المشاتمة أو ما أشبه ذلك مما يسبب شدة الغضب، فإذا وجدت أسبابه وعلاماته واعترف به الزوجان أو قامت به البينة فإن هذا يعتبر طلاقاً غير واقع؛ لأنه في شدة الغضب قد فقد صوابه وفقد السيطرة على نفسه، وفقد القدرة على منع نفسه من الطلاق بسبب شدة الغضب، فهذا الراجح من قولي العلماء أنه لا يقع، وهو الذي نفتي به، كما رجح ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله وشيخه أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال به جمع من أهل العلم.
إذا اشتد غضبه لأسباب واضحة من مضاربة أو مسابة أو غير هذا من الأسباب الواضحة، ولكن لم يزل شعوره معه الشعور، معه بقية من الشعور، يعلم ما صدر منه، لكنه قد اشتد غضبه حتى عجز عن السيطرة على نفسه، فهذا الصواب أنه لا يقع طلاقه في هذه الحال كالذي فقد شعوره.
الحال الثالث: غضب غضباً عادياً لا يمنعه من التعقل ويملك نفسه هذا يقع بالإجماع، هذا الأخير الذي غضب غضباً لكن لا يسمى غضباً شديداً غضباً عادياً، تكلمت عليه كلاماً أغضبها، أو وجد منها ما يغضبه لكنه معه شعوره ومعه.. يضبط نفسه وليس عنده شدة تجعل الغضب غالباً عليه بحيث يكون قد فقد صوابه (60%) .. (50%) يعني النصف فأكثر، يعني زال شعوره النصف فأكثر اشتد معه الغضب فهذا لا يقع طلاقه، أما الذي غضب لكن شعوره الغالب معه فهذا يقع طلاقه عند جميع أهل العلم.
الجواب: هذا فيه تفصيل، إن كان السكر قد غلب عليه وغير عقله ولم يشعر بما وقع منه شعوراً يضبط معه كيف يتكلم هذا لا يقع طلاقه، وقد أفتى به عثمان بن عفان الخليفة الراشد، وقال به جمع من أهل العلم، واختاره أبو العباس ابن تيمية رحمه الله وتلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله، وهو الأرجح عندي وعليه الفتوى.
أما إذا كان السكر قد زال وهو يعقل ما يقول يفهم ما يقول فهذا يقع طلاقه، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقع طلاقه مطلقاً إذا كان آثماً، إذا كان سكره ليس له فيه عذر، بل تعاطى المسكرات آثماً يقولون: لا تكون معصيته سبباً للتخفيف عنه، ويرون أن إيقاع الطلاق من العقوبة أيضاً له، هذا قول الأكثر أنه يقع عليه الطلاق إذا كان آثماً ولو زال عقله، وهذا قول عند من تأمله ليس بجيد، كيف يؤاخذ بشيء لا يعقله؟ والحد يكفي، حده الذي فرضه الله عليه يكفي في زجره عن المسكر الحد الشرعي ثمانين جلدة، أما أنه يعاقب بشيء آخر جديد وهو إيقاع الطلاق عليه وتفريق بينه وبين أهله وأولاده فهذه عقوبة لا دليل عليها.
فالصواب أنه إذا كان قد فقد عقله ولو كان آثماً فإنه لا يقع طلاقه، كما أفتى به عثمان رضي الله عنه كما تقدم، أما الذي معذور يعني جعل له شيء يسكره من غير اختياره، أو شرب شيئاً ظنه شراباً سليماً فبان مسكراً ولم يتعمده وعرف من حاله ومن الأدلة الواقعة أنه لم يتعمد ذلك فهذا لا يقع طلاقه كالمجنون، لأنه ليس بآثم، بأن أسقي شيئاً ظنه ليس بخمر ظنه شاهي أو أنه شراب فصار خمراً خدعوه، فهذا لا يقع طلاقه لأنه معذور، كالمجنون، وإنما الخلاف الآثم الذي تعمد شرب المسكر وزال عقله بسبب المسكر هذا هو محل الخلاف، والأرجح أيضاً أنه لا يقع طلاقه، كالذي فقد عقله بغير عمل منه، هذا هو الصواب وهذا هو الأرجح.
الجواب: عليك أن تسلم لأهله الأجور التي عندك، إذا كان له أجور عندك بقايا أجور أو تركة عندك، عليك أن تسلم جميع أمواله التي عندك من أجور أو تركة له من نقود أو متاع عليك أن تسلم ذلك، أما ما أنفقته في تجهيزه فأنت أعلم بنيتك، إن كنت أنفقت ذلك تبرعاً منك فجزاك الله خيراً، وليس لك الرجوع بذلك، وإن كنت أنفقت بنية الرجوع فلك أن ترجع بما أنفقت في كفنه وحفر قبره ونحو ذلك.
أما تجهيزه إلى أهله فليس لك الرجوع، لأنه ليس واجباً أن يرجع إلى أهله، لو دفنته مع المسلمين في بلدك كفى، إلا إذا كان أهله طلبوا منك ذلك، ووافقوا على أن تأخذ قيمة تجهيز السفر من ماله فلا بأس، وإلا فليس عليك أن تجهزه إلى بلده، بل الواجب أن يدفن مع المسلمين في عمان كما لو مات في مكة أو المدينة أو غير ذلك، يدفن مع المسلمين ولا يرسل إلى بلاده، لكن لو طلب أهله إرساله إلى بلاده والتزموا بالنفقة أو سمحوا بأخذ النفقة من التركة فلا بأس، مع أن ترك ذلك أفضل، كونه يدفن مع المسلمين، ولا يسفر أولى من التكلف، إنما يتكلف في ذلك إذا كان في بلاد الكفار في بلاد لا يدفن فيها المسلم، هذا لا بأس في نقله إلى بلد مسلم أو إلى أهله، أو سمح أهله بنقله إليهم لمصلحة رأوها يكون على حسابهم، على حساب من طلب نقله، والتزم بقيمة التذاكر، أما أنت فلا يلزمك ذلك لكن إذا تبرعت بذلك فليس لك الرجوع.
المقدم: بارك الله فيكم.
إذا كان ذلك العامل غير مسلم؟
الشيخ: إذا كان العامل غير مسلم لا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يجهز إلى بلاد قومه يدفن مع الكفار إن كان في بلدك فيها كفار، أو يحفر له في محل بعيد عن المسلمين في الصحراء ويساوي قبره وانتهى الأمر، ولا يصلى عليه ولا يغسل ولا يكفن، بل يدفن فيما تيسر من الثياب الساترة.
الجواب: إذا كنت حين طلقت تعتقد أنك لم تقل ذلك فليس عليك شيء، والطلاق ليس بواقع لأنك مسئول عن نيتك وعن قصدك وعن حالك حين الطلاق، فمادمت حين الطلاق تعتقد أنك صادق فليس عليك شيء، أما لو كنت قلت ذلك لتصدق وخوفاً من معرة الاعتراف وقلت ذلك لتصدق وأنت تعلم أنك كاذب، فعليك كفارة يمين عن ذلك، لأنك ما قصدت إيقاع الطلاق وإنما قصدت أن تصدق، أما إن كنت قصدت إيقاع الطلاق فإنه يقع الطلاق، وأما يمينك المسئول عنها طلاقك المسئول عنه فإنه لا يقع؛ لأنك حين طلقت تعتقد أنك صادق، فلا حرج عليك ولا طلاق عليك.
الجواب: لا شك أن والدك -جزاه الله خيراً- إنما فعل ما فعل وقال ما قال قصده الخير لك ونفعك بحفظ كتاب الله العظيم، فهو مشكور على قصده وعلى نيته وعلى تشجيعه لك، ولكن ليس هذا بشرط من جهة النكاح، فنصيحتي للوالد أن يتسامح وأن يتنازل عن هذا الشرط وأن يزوجك؛ لما في الزواج من المصالح العظيمة والخير الكثير لك وله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).
فنصيحتي للوالد مرة أخرى أن يزوجك وأن يتسامح عما حصل منك، وأن تستسمحه أيضاً وتستحله عما كتبت إليه من العقوق، قد أسأت فيما كتبت إليه، وما كان ينبغي لك ذلك؛ لأن والدك إنما قصده النصح، وما جرى بينه وبين زوجته ليس مما يعنيك أنت، بل عليك أن توسط بالخير والكلام الطيب.
فالحاصل أن عليك أن تستسمح والدك وأن تسأله أن يعفو عنك وأن تتوب إلى الله مما كتبت إليه من العقوق والكلام الرديء، وعلى والدك أن يقبل عليه جزاه الله خيراً أن يسمح وأن يصفح عما جرى منك بسبب شدة الغضب والرغبة في الزواج، وأنت عليك أن تستسمحه وتطلب منه الرضا والعفو عما جرى منك، وأسأل الله أن يهديه حتى يزوجك، وأن يهديك أيضاً ويعينك على حفظ القرآن الكريم وعلى تحصيل العلم النافع، والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].
فأوصيك بتقوى الله في جميع الأحوال، وأوصيك أيضاً بالحرص على رضا والدك وبره والسمع والطاعة له في المعروف والحرص على حفظ كتاب الله، وهو إن شاء الله سوف يبادر وسوف يفعل وسوف يزوجك وإن كنت لم تكمل حفظ القرآن.
وعليك أن تجيب الوالدة وتسافر، وتكفر عن يمينك؛ لأن حق الوالدة عظيم أيضاً وحقها أكبر من حق الأب، فنوصيك بالسفر إليها والتكفير عن يمينك، بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم واستسماح والدك والأخذ بخاطره، ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يصلح حالك وقلبك، وأن يوفق والدك لتزويجك، وأن يعينك على حفظ كتابه وعلى القيام بحقه، وعلى الدعوة إليه على بصيرة.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيراً.
إذاًَ: كونه يترك الزواج من أجل التفرغ للدعوة إلى الله لا تنصحونه؟
الشيخ: لا، لا.. ننصحه ألا يدع الزواج بل يبادر، والزواج لا يمنعه، لا يمنعه من العلم والعلم لا يمنعه من الزواج، فعليه أن يتزوج وأن يواصل الدراسة وسوف يعينه الله إن شاء الله.
المقدم: إن شاء الله، جزاكم الله خيراً.
سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك..الله المستعان.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لمتابعتكم وإلى الملتقى..
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر