إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (631)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    فضل الحب في الله ووصية المربين والمربيات وطرق الوقاية من وساوس الشيطان

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.

    رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ: عبد العزيز.

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلينا من ليبيا -المرز- وهي بتوقيع أحد المستمعين أو المستمعات من هناك تقول (ع. م) بدأت الرسالة كالتالي:

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    إلى سماحة الشيخ الفاضل: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، لك جل احترامي وتقديري وإعزازي وإكباري لشخصك، وإني أخبرك بأني أحبك في الله وأتمنى أن ألقاك وأتعرف عليك إن وفقني الله في زيارة البيت الحرام، وباختصار، فإني أعتبرك في ضميري وأتمنى لك دوام الصحة والعافية، وأدعو الله أن يكثر من أمثالك: إني فتاه أبلغ من العمر إحدى وعشرين سنة، معلمة لمادة التربية الإسلامية وسأكون لك شاكرة لو تفضلت بإسداء النصح لي لتعينني على مصاعب هذه الحياة، وكما أخبرتك في البداية بأنك تحل في نفسي محل الضمير، فإني لن أنسى نصيحتك لي مدى الحياة , ولدي بعض الأسئلة أرجو أن تنال منك التوضيح:

    أولاً: كيف يكون باستطاعة المسلم إبعاد وساوس الشيطان عنه، وبأي شيء يقاوم هذه الوساوس هل بالدعاء أم بقراءة القرآن؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فجواب لك أيها الأخت في الله، في محبتك لي في الله ، أقول: أحبك الله الذي أحببتيني له، وأسأل الله أن يجعلنا وسائر إخواننا من المتحابين في جلاله، والمتواصين بالحق والصبر عليه، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل , وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)، هذا الحديث متفق على صحته، وذكر فيه: (رجلين تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه)، وأنهم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهذا تمثيل وهو يشمل الرجلين والمرأتين، والرجل والمرأة، إذا كان الحب في الله جل وعلا، وفي طاعته سبحانه وتعالى، كذلك ذكر: (رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)، كذلك المرأة إذا دعاها ذو منصب وجمال فقالت: إني أخاف الله، تكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: (من تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، وهذا فيه الحث على إخفاء الصدقة وأن تكون سراً بين العبد وبين ربه يرجو ثوابه ويخشى عقابه، ولا شك أن ذلك أكمل في الإخلاص، وأبعد عن الرياء. ولأن بعض الفقراء يستحي أن يعطى والناس ينظرون، فإذا أعطاه أخوه في الله صدقة سرية كان أكمل في الإخلاص وكان أرفق بالمعطى.

    كما أنه ذكر في السبعة: (رجل قلبه معلق بالمساجد)، وهذا يدل على أن العناية بالمساجد والمحافظة على الصلاة فيها من أهم المهمات وأن من اعتنى بالمساجد وحافظ على الصلاة فيها مع إخوانه في الله هو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وصح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال أيضاً: (يقول الله يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي , اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي).

    أما وصيتي لك: فإني أوصيك بتقوى الله؛ لأن التربية أمرها عظيم، فهي تربية الأجيال من الفتيات، وهكذا التربية للرجال هي من أهم المهمات وهي أساس عظيم , إن كانت التربية صالحة نفعت المربى ، وإن كانت سيئة ضرت المربى ، فنوصيك بتقوى الله في ذلك، وأن تربي من لديك على طاعة الله ورسوله، على الحب في الله، والإخلاص لله، والاستقامة على دين الله والمحبة في الله والكراهة في الله، تربينهم على حب القرآن، والإكثار من تلاوة القرآن وتدبر معانيه ، تربينهم على حب السنة، سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحرص على التأسي بها، وأن اتباعه صلى الله عليه وسلم من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، ومن أسباب محبة الله للعبد كما قال الله سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].فمن أهم المهمات: تربية البنات وتربية البنين على حب الله ورسوله، والإخلاص لله في العمل وتعظيم القرآن والإكثار من تلاوته، تعظيم السنة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتشجيع على حفظ ما تيسر منها؛ لأن هذا الدين مبني على الكتاب والسنة، فالإسلام هو ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، من توحيد الله والإخلاص له، والشهادة بأنه لا إله إلا الله , أي : لا معبود حق إلا الله، والشهادة بأن محمداً رسول الله, أرسله الله إلى الناس عامة للجن والإنس، وختم به المرسلين فمن اتبعه واستقام على دينه فله الجنة والكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة.

    ومن أعظم التربية، التربية على حب الصلاة وتعظيم الصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها من الرجال والنساء، فيربى الفتيات على حب الصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها والعناية بما شرع الله فيها، وهكذا المربي، الأستاذ يربي أطفاله وتلاميذه على تعظيم الصلاة وحبها وأدائها في الجماعة والمحافظة عليها، والخشوع فيها لله عز وجل، وهكذا يربى الصبي والفتاة كل منهما يربى على كثرة الذكر لله، والإكثار من تسبيح الله وتحميده، وتكبيره ودعاءه والاستغفار, يربى الطفل والطفلة على كثرة الذكر، كما قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سبق المفردون، قيل: يا رسول الله! ما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)، فيربى الطفل والطفلة على كثرة ذكر الله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.

    ويربى على الضراعة إلى الله وسؤال الله العافية، والتوفيق لما يحب ويرضى .. مغفرة الذنوب، يربى الطفل والطفلة على الضراعة إلى الله في الدعاء، والحرص على دعائه جل وعلا، وطلب العافية منه، والسلامة وصلاح القلب والعمل، والتوفيق لكل ما يحبه ويرضاه سبحانه وتعالى.

    ومن التربية حث الطالب والطالبة على حفظ الوقت، هذا من أعظم التربية أن يحفظ الوقت وأن لا يضيع فيما لا ينفع، والطالب يحفظه في حفظ دروسه , في مراجعتها، في طاعة والديه وبر والديه، في التعاون مع أهل بيته في الخير، في ترك ما لا ينبغي من السب والشتم والكذب، أو صحبة الأشرار أو التخلف عن الصلاة أو ما أشبه ذلك، فالتربية على حفظ الوقت بطاعة الله والإكثار من ذكره، وصحبة الطيبين، وبر الوالدين والتعاون مع أهل البيت في الخير والصلاح، هذا من المهمات.

    أما الوساوس فهي لا شك من الشيطان كما قال جل وعلا في كتابه العظيم: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:1-4]، وهو الشيطان.

    فهي من عدو الله، ودواؤها الاستعاذة بالله من الشيطان، هذا دواؤها ، الاستعاذة صدقاً بالله، تقول: اللهم أعذني من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، صادقاً مخلصاً لله، تعلم أنه هو الذي يعينك سبحانه وتعالى، وهو القادر على أن يقيك شره، وهو القائل سبحانه: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200].

    فأوصيك بالاستعاذة بالله من الشيطان عند كل وسوسة مع ذكر الله سبحانه وتعالى، ومع استحضار أن هذا العدو لا يريد إلا إهلاكك وإهلاك جميع المسلمين، فلا بد من الحذر منه غاية الحذر، وذلك بالتعوذ بالله منه، هو القادر سبحانه وتعالى أن يعيذك و يعيذ غيرك منه، فأكثري من التعوذ بالله من الشيطان مع الإكثار من ذكر الله سبحانه، وبذلك تسلمين من عدو الله ومكائده، وإذا عرض في الصلاة فلا مانع من أن تنفثي عن يسارك قائلة: أعوذ بالله من الشيطان -ثلاث مرات- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كما (أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص لما أخبره أن الشيطان لبس عليه صلاته فأمره أن ينفث عن يساره ثلاث مرات وأن يستعيذ بالله من الشيطان، قال عثمان : ففعلت , فسلمني الله من شره), فإذا كان يعرض في الصلاة فانفثي عن يسارك التفت يسيراً وانفثي عن يسارك قائلةً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثلاث مرات و يزول إن شاء الله.

    وبكل حال فعلاج هذا العدو هو اللجأ إلى الله الذي يملك كف شره، لا يملك كف شره سواه سبحانه وتعالى، فاللجأ إلى الله في كف شر هذا العدو بالتعوذ بالله من الشيطان وبالإكثار من ذكر الله عز وجل، وبطلبه سبحانه السلامة من مكائد هذا العدو، هذا هو الطريق وهذا هو العلاج، والله المسئول أن يوفقك لما في رضاه وأن يعيذك من مكائد الشيطان وأن يمنحك العلم النافع والعمل الصالح وأن يثبتنا وإياك وسائر إخواننا وأخواتنا في الله على الحق والهدى حتى نلقاه سبحانه.

    1.   

    أصل الأحرف الموضوعة فوق الآيات والمقصود منها

    السؤال: لها سؤال آخر تقول: هناك بعض الأحرف موضوعة فوق الآيات، فماذا تعني هذه الأحرف (م) و (ج) و (ق) و (ل) و (ي) متصلة مع بعضها و(ص) و (ل) و (ي) متصلة مع بعضها، هل هذه الأحرف نزلت مع الآيات، أم وضعها العلماء لتعليم قارئ القرآن الوقف في القراءة؟

    الجواب: هذه وضعها بعض القراء لتعليم القارئ ليست من القرآن، بل هذه وضعها بعض القراء للتعليم، لتعليم القاري كيف يقف (م) : للوقف اللازم، (لا) : لعدم الوقف، (ج) : للوقف الجائز، فهم أرادوا بها اصطلاحاً ووضحوها في كتبه، القراءات في كتب التجويد فراجعي ما لديك من الكتب في هذا الباب تعرفين اصطلاحاتهم، فهي موضوعة لتوجيه القاري وتعليمه المواقف المناسبة واللازمة فإذا راجعت اصطلاحاتهم عرفت إن شاء الله هذا المطلوب.

    1.   

    الصفات الواجب توافرها في الداعية

    السؤال: ما هي الصفات الواجب توفرها في الداعي المسلم، لدعوة ملحد أو يهودي، أو نصراني , أي: هل باستطاعة أي مسلم أن يكون داعياً إلى الله؟

    الجواب: ليس في استطاعة كل مسلم إلا بعد التعلم، الدعوة إلى الله تحتاج إلى علم، وتحتاج إلى لغة المخاطب أيضاً، والله يقول سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108], يعني: على علم، فمن أراد أن يدعو الناس إلى الله فليتعلم وليتفقه في الدين، وليعتني بالقرآن الكريم وتفسيره ومعرفة معانيه، وليحضر عند أهل العلم، يحضر حلقات العلم، يسأل أهل العلم عما أشكل عليه، حتى يصلح للدعوة، فإذا وجد من نفسه قوة على ذلك واستشار من يطمئن إليه من أساتذته حتى يصلح للدعوة وحتى يوجهه إلى ما ينبغي، وحتى يشير عليه بما ينبغي أن يستعمل، فإذا وجد من نفسه القدرة ؛ لأن عنده حصيلة من الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة في أي موضوع من المواضيع التي يريد أن يدعو إليها أو يناقش فيها فيتكلم، وإذا كانت لغة المدعو غير العربية فلا بد أن يستعين بمن يفهم اللغة من الثقات حتى يكون واسطة بينه وبينه في توجيه الخير، وإرشاده إلى الحق باللغة التي يفهمها، بواسطة من يعرف اللغة المذكورة من الثقات المعروفين بالعلم والفضل، وإذا كان الداعي يعرف اللغة فهذا نعمة كبيرة، يدعو إلى الله باللغة التي يفهمها ويعرفها المخاطب.

    وبكل حال فالصفات التي يجب توافرها في الداعي هي أن يكون عنده علم وعنده حلم وبصيرة حتى يدعو إلى الله على بينة وبرفق ولين، وبأسلوب يؤثر على المدعو وأن يكون في نفسه صالحاً حتى لا يحتج عليه المدعو يقول: أنت تدعوني إلى كذا وأنت فاسد تخالف أقوالك أعمالك، وأعمالك أقوالك، ينبغي له أن يكون حريصاً على أن يعمل بما يدعو إليه وأن يحذر ما ينهى عنه، فالداعي يمثل دعوته بأفعاله وأخلاقه وسيرته مع الناس.

    وينبغي أيضاً أن تكون عنده حصيلة محفوظة من الأحاديث الصحيحة ومن آثار السلف الصالح الذين قاموا بالدعوة حتى يتأسى بهم مع كتاب الله عز وجل والعناية بحفظه وتدبر معانيه والاستعانة بكلام أئمة التفسير المعروفين، بالعلم والفضل والعقيدة الصالحة، كالحافظ.. كالإمام ابن جرير والبغوي وابن كثير وغيرهم من أئمة التفسير الذين يستفاد من كلامهم في تفسير كلام الله عز وجل.

    فالحاصل أنه لا بد من بصيرة ولا بد من أخلاق فاضلة , أن يكون ذا خلق كريم في حلمه وقوله وعمله وأساليبه حتى لا يجد المدعو ثغرة يدخل منها عليه، لينتقصه أو ليهجن دعوته ويقول: إنك لست كما تقول.

    1.   

    التفريق في دعوة المدعوين بين الملحدين والكتابيين

    السؤال: سماحة الشيخ! كأنها تفرق بين دعوة الملحد ودعوة اليهودي ودعوة النصراني هل هناك صفات معينة؟

    الجواب: نعم، لا شك، اليهودي والنصراني عندهم إيمان بالآخرة، عندهم إيمان بالرسل، وإن كان إيمانهم مدخولاً وإن كان لا ينفعهم؛ لأنهم خلطوا كفراً وإيمانا، لكن دعوتهم أسهل؛ لأنهم يخاطبون بالكتب التي نزلت على الأنبياء, يخاطبون بالإيمان باليوم الآخر وأن الواجب الإعداد لليوم الآخر، وأن الواجب طاعة الرسل, هم يعرفون طاعة الرسل لازمة وأن محمداً من الرسل عليه الصلاة والسلام، وتقام الحجج على رسالته عليه الصلاة والسلام، ويدعون إلى الإيمان به و اتباع شريعته وأنه ليس هناك نجاة إلا باتباع محمد عليه الصلاة والسلام، فالحجة قائمة على اليهود والنصارى لما عندهم من العلم السابق من عهد الأنبياء، وإنما حملهم على الترك الهوى والحسد والبغي، ولا سيما اليهود فإنهم أمة الحسد وأمة البغي، وأمة الغضب، وأمة العناد، وهكذا أئمة النصارى الذين عرفوا الحق، ولكن آثروا الدنيا على الآخرة، فصاروا مشابهين لليهود في عنادهم وفي جحدهم الحق وهم يعلمون، نسأل الله العافية، لكن الغالب على النصارى الضلال والجهل، هم يحتاجوا إلى التعليم والتوجيه، بالأدلة الشرعية حتى يدخل في الحق، وعنده أصل الإيمان بالآخرة، أصل الإيمان بوجود الله، وإن كان إيماناً فاسداً مشوشاً لا ينفعه في الآخرة؛ لأن اليهود اعتقدوا العزير ابن الله , والنصارى اعتقدوا المسيح ابن الله وهو ثالث ثلاثة، وعندهم أيضاً غلو في أحبارهم ورهبانهم، كلهم عندهم غلو في أحبارهم ورهبانهم، وعندهم أنواع من التحريف والشر، لكنهم أسهل، دعوتهم أسهل من دعوة الملحد الشيوعي، أما الملحد يحتاج إلى إقامة الأدلة على وجود الله، وعلى صحة ما جاءت به الرسل من العقل، الذي يفهمه هو، فدعوته تحتاج إلى مزيد من البصيرة والحكمة والتجارب، والتأمل في سنن الله في عباده وما فطر عليه العباد، حتى يخاطبه بمقتضى الفطرة والعقل، والله المستعان.

    1.   

    حكم من يتعامل مع الجن بحجة المساعدة في معالجة الناس

    السؤال: أخيراً من أسئلة أختنا نعرض هذا السؤال تقول: سمعت خبراً بأن هناك امرأة تتعامل مع الجن، وأخبرها الجن بأنها ستكون وسيطة خير بين الجن والإنس لتعالج الأمراض المستعصية في الإنس، والتي عجز عنها طب الإنس، والمرأة هي الوسيط, والجن يعطون الأدوية ويعملون العمليات لبني الإنسان، ولكن الإنسان لا يراهم، ما رأي سماحتكم في مثل هذا؟

    الجواب: ليس لهذا أصل ولا يعتمد عليه، فإن أخبار الجن وأخبار العجائز وأخبار من يخدم الجن لا يوثق بها ولا يعتمد عليها، ولا يجوز أن يعتمد على قول عجوز أو شيخ أو شاب أو غير ذلك ينقل عن الجن أشياء، بل يجب أن يحذر منهم، وأن لا يستخدمهم في شيء؛ لأنهم إذا استخدموه قد يجرونه إلى الشرك بالله عز وجل، إذا كانوا غير مؤمنين، وليس المؤمن منهم معروفاً معرفة يقينية فقد يكون منافقاً، وقد يكون يدس السم في الدسم؛ لأنك لا تعرفهم ولا تخالطهم مخالطة جهرية ، وتعرف أحوالهم وأحوال قرنائهم من الأخيار، حتى تعرف الثقة من غير الثقة.

    فالحاصل أن بيننا وبينهم جهلاً كبيراً، وأخلاقاً متباينة وصفات متباينة، لا نستطيع معها أن نتحقق ما هم عليه , ومن عرفنا منهم بما يظهره من الإيمان ندعو له بالتوفيق، وندعو له بالصلاح، ولكن لا نثق به ولا نطمئن إليه في أن نأخذ منه طباً أو غير ذلك، أو نستشيره في شيء أو ما أشبه ذلك، فإن هذا قد يفضي إلى دعوى علم الغيب، قد يبتلى الإنسان بذلك فيظن أن عنده شيئاً من علم الغيب بواسطة الجن، وقد يدعو إلى ذلك، فيكون ممن قال الله فيهم جل وعلا: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6].

    فهو مع الجن على خطر، قد يستخدمونه في الشرك، قد يستخدمونه في البدع، قد يستخدمونه في المعاصي، فيضر نفسه وهو لا يدري، ويضر غيره وهو لا يدري.

    فلا تجوز المعاملة لهم في الطب ولا في غيره، بل من عرف منهم أحداً أو اتصل به أحد يدعوه إلى الله يعلمه الخير، يدعوه إلى توحيد الله وإلى طاعة الله وينصحه أن يعلم من عنده خير طاعة الله عز وجل، ولا يطمئن إليه في شيء، ولا يطلب منه شيئاً للناس؛ لأنه قد ينقل شيئاً يضر الناس، وقد يعطيه شيئاً طيباً ثم يغشه بعد ذلك.

    فالحاصل أنه على خطر؛ لأنك لا تعلم أحوالهم على اليقين، وهم يرونك ولا تراهم وقد يخفون عنك أشياء كثيرة، وقد يدعون الإيمان وهم منافقون، وقد يتصلون بك لأغراض أخرى، حتى يأخذوها منك ثم يفعلوا بك ما يريدون، فأنت على خطر، فالواجب الحذر منهم إلا من الدعوة إلى الله عز وجل وتبصيرهم بالحق ودعوتهم إليه وإرشادهم إليه.

    1.   

    شرح ألفاظ التشهد: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات ...)

    السؤال: هنا رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع سليمان بن علي نزال أبو هديب ، من الأردن - المفرق، له جمع من الأسئلة من بين أسئلته سؤال يقول:

    نقرأ في كل جلوس في الصلاة: (التحيات، المباركات، الصلوات، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين..) لكنا نجهل كثيراً من معاني هذه الكلمات، نرجو أن تتفضلوا بإيضاحها لنا؟

    الجواب: هذه الكلمات معناها واضح: (فالتحيات) هي التعظيمات التي يعظم بها الرب جل وعلا، من أنواع الثناء من وصفه بأنه الخلاق الرزاق، ووصفه بأنه مستحق العبادة، ووصفه بأنه الذي يعلم الغيب، ووصفه بكل ما هو من صفاته العظيمة سبحانه .. فهي لله خاصة، ما كان من خصائص الله فهو لله، ووصف الله بأنه الإله الحق، وبأنه المعبود بالحق، وبأنه عالم الغيب، وبأنه الخلاق، وبأنه الرزاق.. وما أشبه ذلك كل هذا من التحيات، وهكذا الثناء عليه بالحمد لله، وسبحان.. كل ذلك من التحيات.

    وسماها: (المباركات) لما فيها من الخير العظيم، كما في رواية ابن عباس: التحيات (المباركات)، وليست موجودة في حديث ابن مسعود ، ولكنها في حديث ابن عباس، وهي رواية ثابتة (المباركات) فإن جميع الثناء على الله بما هو أهل كله مبارك، كله طيب، ولهذا قال: (والطيبات)، كل ما يتقرب به إلى الله و يثاب به عليه من صفاته العظيمة ومن الأقوال المشروعة والأعمال المشروعة كله طيب، فكل قول مشروع وكل عمل مشروع تقدمه لله، من صلاة وصوم وصدقات كله طيب، لما فيه من التقرب إلى الله والثناء عليه والحرص على طلب مغفرته ورحمته وإحسانه سبحانه وتعالى، فأقوالنا المشروعة، وأعمالنا المشروعة التي نتقرب بها إلى الله تسمى طيب، وتسمى طيبات، وهكذا الصلوات التي هي الخمس والنوافل والدعوات كلها طيبة داخلة في الصلوات، والصلوات تشمل الصلوات الخمس، تشمل النوافل، تشمل أنواع الدعاء، يجب أن يكون لله وحده سبحانه وتعالى، لا يجوز أن يتقرب بشيء من الصلوات ولا بالدعاء إلى غير الله سبحانه وتعالى، فأقوالنا وأعمالنا المشروعة طيبات، وتحياتنا لله مباركات لأنها مشروعة؛ لأنها ثناء على الله واعتراف بأنه مستحق العبادة ، وبأنه أهل لكل ثناء ولكل حمد، فلهذا قيل لها: (المباركات)، وقيل لها: (التحيات).

    و(الصلوات) تشمل جميع ما شرع الله من الصلوات من نافلة وفرض، يدخل فيها الدعاء فإنه يسمى صلاة، فطلبنا من الله أن يغفر لنا وأن يرحمنا وأن يجيرنا من النار كله صلاة، كل أنواع الدعاء التي نتوجه بها إلى الله، كلها صلاة، داخلة في الصلوات.

    أما (السلام عليك أيها النبي) فمعناه: أنت تطلب للنبي السلامة. السلام، يعني: السلامة لك أيها النبي، السلامة تنزل عليك من الله، وتحصل لك من الله، وهو بركة السلام؛ لأن السلام اسم من أسماء الله، بركة السلام عليك أيها النبي وما يحصل من الخير العظيم من رحمة وإحسان عليك أيها النبي.

    ومن معنى السلام: السلامة، سلم سلاماً وسلامة السلامة لك أيها النبي من كل سوء، والسلامة لك من النار، ومن كل وصف لا يليق، فهو مسلم عليه الصلاة والسلام من كل أخلاق ذميمة ومن كل شر، فالله وعده الخير كله فندعو له بالسلامة التي وعده الله بها، ليعلم الناس أنه عبد من عباد الله ليس إلهاً يعبد مع الله، فالإله ما هو في حاجة إلى طلب الناس السلامة، والنبي عبد من عباد الله يحتاج إلى طلب السلامة؛ فلهذا شرع الله لنا أن نسلم عليه وأن نسأل الله له السلامة.

    (اللهم صل على محمد وعلى آله محمد)، نطلب له الصلاة، نطلب من الله أن يثني عليه، وأن يبين فضله ويعلي قدره، هذه دعوات منا لنبينا عليه الصلاة والسلام، تدل على أنه عبد من عباد الله وأنه بشر، وأنه محتاج إلى الدعاء، وليس بإله يعبد مع الله، وليس ممن يطلب منه حاجات العباد، بل ذلك إلى الله سبحانه وتعالى.

    (ورحمة الله وبركاته) كذلك تطلب الرحمة والبركة من الله عز وجل، وهكذا (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) نطلب السلامة لنا ولعباد الله الصالحين من كل سوء، هذا معناه.

    المقدم: جزاكم الله خيراً.

    سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: نرجو ذلك.

    المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لمتابعتكم وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768239617