====السؤال: فضيلة الشيخ عبد العزيز ! لدينا رسالة بعث بها كل من الطالب حامد شرف محمد ، وسلطان عيسى بدري و محمد يوسف صائغ ، والأستاذ عثمان عثمان السبيعي ، والأستاذ رشاد (ق. م).
كل هؤلاء يقولون: نرجو عرض رسالتنا هذه على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز إن تمكن ذلك.
نقول: نعم يتمكن ونحن الآن نعرضها.
يسألون عن صلاة التسبيح، يقولون: ما حكم صلاة التسبيح حيث أننا قد قرأنا في مجلة مدرسية مقالاً يقول كاتبه باختصار: أيها القارئ الكريم! ألق سمعك وأنت شاهد لما قال صلى الله عليه وسلم لعمه العباس وابن عمه جعفر رضي الله عنهما عن عكرمة رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب : (يا عماه! ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره وقديمه وحديثه وخطأه وعمده وصغيره وكبيره وسره وعلانيته، عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة فقل وأنت قائم: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم اركع وقل وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقول عشراً، ثم تهوي ساجداً فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في كل أربع ركعات، فإن استطعت أن تفعلها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة، فإن لم تستطع ففي كل شهر مرة، فإن لم تستطع ففي كل سنة مرة، فإن لم تستطع ففي عمرك مرة)، وقالوا: رواه أبو داود ، أو قال الكاتب: رواه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة وإبراهيم بن الحكم والطبراني وقال: (تغفر ذنوبك وإن كانت مثل رمل عالج وعدد زبد البحر)، ويقول الكاتب: إذا علمنا صحة هذا الحديث فعلينا عدم تركها بل علينا أن نفعل بها ولو مرة واحدة في العمر، ويقول أيضاً الكاتب: وقد فعلت أنا هذه الصلاة عدة مرات فوجدت من الفرح ولذة المناجاة وطمأنينة النفس وانشراح الصدر ما لا أقدر ولا أتمكن من التعبير عنه، فجرب يا أخي تجد إن شاء الله ما وجدت، وما عند الله خير وأبقى. نرجو توضيح هذه الصلاة وصحة حديثها، وموقف المسلمين منها وقد ضاعت علماً أنها بدأت تنتشر بين الأوساط في مجتمعنا في المملكة بفضل هذا الكاتب الذي أحياها وفقه الله، وشكراً لكم؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فهذه الصلاة المنوه عنها في هذا السؤال قد اختلف أهل العلم في صحة حديثها على قولين، والأرجح في ذلك أنه غير صحيح وأنه موضوع، وليس صحيحاً عن النبي عليه الصلاة والسلام هذا هو المعتمد في هذه الصلاة، وجميع الأحاديث الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في بيان صلاة التطوع والحث عليها والترغيب فيها كلها تخالف ما جاء في هذا الحديث وتدل على أنه منكر وليس له صحة، هذا هو المعتمد عند المحققين من أهل العلم.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه ولا مرة واحدة أنه فعلها عليه الصلاة والسلام، ولم تحفظ أيضاً عن بقية الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا لانتشرت هذه الصلاة بين الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ولعرفها الصحابة ورووها.
فالمقصود أن هذه الرواية عند المحققين من أهل العلم غير صحيحة وحديثها موضوع كما نبه على ذلك جماعة من أهل العلم، ولنا عودة إن شاء الله في هذه المسألة في ليلة آتية نشرح فيها كل شيء عما يتعلق بهذه الصلاة.
الجواب: هذه المسألة غريبة جداً، رجل بين المسلمين تخفى عليه صفة الصلاة ويصلي في كل ركعة سجدة واحدة، لا حول ولا قوة إلا بالله! لا ريب أن هذا من ثمرات التخلف عن الصلاة في الجماعة، لو كان السائل يصلي في الجماعة لعرف كيف يصلي ولرأى الناس يصلون سجدتين في كل ركعة، ولكن بسبب صلاته في البيت وعدم السؤال وقع في هذا الغلط الكبير.
والعلم يطلب ويسأل عنه ولا يستحيا في طلبه، يقول الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]، ويقول سبحانه في آية الأحزاب: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53]، فهو سبحانه وتعالى لا يستحي أن يقول الحق وأن يأمر بالحق جل وعلا، وتقول أم سليم لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا هي رأت الماء).
فالحق ليس فيه حياء أن يسأل عنه ويتفقه فيه المسلم والمسلمة، وقال مجاهد بن جبر التابعي الجليل رحمه الله: (لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر) فالمستحي لا يتعلم والمتكبر لا يتعلم، فلا يليق بالمؤمن أن يستحي في العلم، وهذا ليس بحياء في الحقيقة ولكنه ضعف وخور وتهاون وتكاسل وإلا فالحياء الصحيح الحياء المشروع يدعو إلى الخير ولا يمنع من الخير، مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء خير كله)، (الحياء لا يأتي إلا بخير)، (الحياء من الإيمان) فالحياء كله خير وهو خلق كريم يدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وينهى عن سفاسف الأخلاق وسيىء الأعمال، والذي يظهر من الشريعة أنك أيها السائل ليس عليك القضاء؛ لأنك في حكم المتعمد لعدم سؤالك مع تيسر السؤال، وعلى فرض أنك جاهل وأنك تظن أن هذا هو الصواب فإن المدة قد طالت والجهل بهذا عظيم، فعليك التوبة والإنابة إلى الله والاستغفار وعدم العود إلى مثل هذا العمل، وعليك أن تسأل أهل العلم عن كل شيء وأن تصلي مستقبلاً كما يصلي المسلمون، كل ركعة فيها ركوع وفيها سجدتان، كل ركعة في الفريضة والنافلة فيها ركوع في الهواء وفيها سجدتان في الأرض، لابد من هذا فعليك أن تستقبل حياتك بهذه الصلاة؛ كل ركعة فيها ركوع وسجدتان، وعليك أن تصلي مع المسلمين في المساجد ولا تصلي في البيت، الصلاة في المساجد مع المسلمين أمر لازم وأمر مفترض، كما في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر)، وسأله عليه الصلاة والسلام رجل أعمى فقال: (يا رسول الله! ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب)، فأمره أن يجيب النداء ولم يرخص له مع أنه أعمى بعيد الدار ليس له قائد يلائمه ومع هذا أمره أن يصلي في المسجد ولم يرخص له في أن يصلي في بيته، فكيف بحال البصير والصحيح؟ حاله أقل عذراً من ذلك بل لا عذر له مادام صحيحاً يسمع النداء بصيراً فهو أعظم من ذاك الذي ليس له قائد وهو أعمى، فالواجب عليه أعظم، فإذا كان الأعمى لا يعذر فالذي هو بصير قوي قادر لا يعذر من باب أولى، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سأله الأعرابي الذي دخل المسجد فنقر الصلاة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ارجع فصل فإنك لم تصل، صلاها ثلاث مرات ثم قال: يا رسول الله! والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) هكذا أمره عليه الصلاة والسلام بأن يصلي هكذا بالطمأنينة والاعتدال والخشوع وعدم العجلة، ولم يأمره بقضاء الماضي، ما أمره بقضاء الصلوات الماضية التي لم يكملها بل نقرها لجهله وقلة بصيرته فلهذا أمره أن يستقبل أمره ويصلي صلاة مستقيمة يطمئن فيها لربه ويخشع ولم يأمره بقضاء الماضي، فهكذا أنت؛ لأنك تركت الصلاة في الحقيقة عن جهل وقلة بصيرة وتفريط فعليك التوبة إلى الله والإنابة إليه، ولا يلزمك القضاء للمدة الماضية فيما يظهر من قواعد الشرع ومن هذا الحديث الشريف، والله يتوب عليك، وعليك بالإكثار من الأعمال الصالحات والاستغفار، والاستكثار من ذكر الله عز وجل فإن الحسنات يذهبن السيئات، والله المستعان.
الجواب: نعم يا أخي، النية محلها القلب، ولا يجوز أن يقال: نويت أن أصلي كذا إماماً أو مأموماً فريضة كذا أربع ركعات الظهر أو ثلاث ركعات كالمغرب أو ركعتين كالفجر لا، ينوي بقلبه ويكفي ولا حاجة إلى أن يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا، ولا حاجة أن يقول في الطواف: نويت أن أطوف كذا وكذا، ولا في السعي، ولا في الوضوء نويت أن أتوضأ كذا وكذا، كل هذا لا أصل له، النية محلها القلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا أئمة الإسلام المتقدمون يتلفظون بالنية، بل كان أحدهم إذا وقف يقول: الله أكبر، عند دخوله في الصلاة ولا يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا، فالتلفظ بهذا بدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وهذا ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مردوداً؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) يعني: فهو مردود، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة).
فعليك يا أخي أن تنوي بقلبك إذا قمت إلى الصلاة كفت النية في قلبك أنك قمت للصلاة، ظهر أو عصر أو مغرب أو عشاء أو فجر أو جمعة أو صلاة عيد أو نوافل صلاة الضحى أو الرواتب كلها يكفي فيها ما وقع في قلبك وما تعلمه من قيامك لهذا أو مجيئك لهذا يكفي، وليس لك أن تتلفظ بالنية في الصلاة وهكذا في الصوم، وهكذا في الوضوء، وهكذا في الغسل وهكذا في الطواف والسعي النية في القلب ولا حاجة إلى التلفظ بل ذلك من المحدثات. نعم.
المقدم: أيضاً يقول: بالنسبة للسنة إذا قلت: نويت أن أصلي سنة رسول الله لله تعالى هل هو خطأ أم مثل ما قلتم؟
الشيخ: مثلما سمعت هذا بدعة تنوي بقلبك أنك تصلي الصلاة التي شرعها الله ورسوله، تنوي بقلبك أنك تصلي الصلاة كما شرع الله وكما جاء عن رسوله عليه الصلاة والسلام وليس لك أن تقول: نويت أن أصلي كذا وكذا؛ لأن هذا بدعة لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة والخير في اتباعهم والسير على منهاجهم.
المقدم: شكراً أثابكم الله.
أيها المستمعون الكرام! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه رسائل السادة: الطالب حامد شرف محمد ، والطالب سلطان عيسى بدري ، ومحمد يوسف صائغ ، والأستاذ عثمان عثمان السبيعي ، ورشاد (ق. م)، وكلهم يسألون عن صلاة التسبيح، والمستمع (م. ي. هـ. أ. ر. ب. أ) من محافظة نينوى من قضاء الشرقاط بالعراق.
عرضنا الأسئلة والاستفسارات التي وردت في رسائلهم على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز وشكراً لكم أيها السادة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله.
مع تحيات الزميل محمد الحرشان ، والسلام عليكم ورحمة الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر