أيها الإخوة الأعزاء! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وحياكم الله معنا في لقاء جديد مع فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد والذي يسرنا في لقائنا اليوم أن يتولى الإجابة عن جميع أسئلتكم في هذه الحلقة.
فباسمكم جميعاً نرحب به في بداية هذا اللقاء.
====
السؤال: ونعرض عليه أول سؤال ورد من المستمع عبد الواحد محمد من العراق محافظة الأنبار. سؤاله.. أو هما في الواقع سؤالان:
سؤاله الأول يقول: رجل عنده منزلان قديمان فباع أحدهما وهدم الآخر على أن يجدد بناءه، ولكن لعدم توفر المواد المطلوبة للبناء فقد تأخر فيه إلى أن حال الحول على قيمة البيت الذي باعه وبعد حولان الحول وجد المواد اللازمة لبناء البيت وقام بإنشاء البيت الجديد وأكمل بناءه وسكن فيه، فهل يلزمه دفع زكاة عن المبلغ الذي حال عليه الحول من قيمة البيت المباع والتي رصدها لبناء البيت الجديد أفيدونا أثابكم الله؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالجواب عن هذا السؤال أن النقود التي يرصدها المسلم لتعمير بيت أو لقضاء دين أو للزواج أو لأغراض أخرى متى حال عليها الحول وجب عليه زكاتها لعموم الأدلة، الأدلة دالة على أن جميع النقود التي يحول عليها الحول وهكذا جميع السلع والأمتعة التي يحول عليها الحول وهي للتجارة للبيع كلها فيها الزكاة إذا حال عليها الحول ولو كان صاحبها- أي: النقود- أرصدها ليعمر بها بيتاً لسكن، أو ليشتري بها حاجات للبيت أو ليتزوج منها أو ليقضي بها ديوناً.. أو غير ذلك، فالصواب أن فيها الزكاة لعموم الأدلة.
الجواب: ما كان ينبغي لهذا المسلم أن يتسرع في الطلاق وكان ينبغي له أن يقدر إخوانه الذين جاءوا للإصلاح وأن يعرف لهم فضلهم ونبل مقصدهم وأنهم جديرون بالتقدير والاعتراف بالفضل حيث جاءوا للإصلاح والله شرع لنا الإصلاح، قال سبحانه وتعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، وجاء في الحديث الحث على إصلاح ذات البين، والله يقول سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1]، فكان ينبغي لهما جميعاً أن يقدرا لهؤلاء الجماعة قصدهم الطيب ولاسيما الأصغر فإن حق الكبير عليه عظيم.
أما وقد وقع ما وقع فإنه ينظر في قصده، فإن كان قصده بالطلاق منع نفسه من المسامحة لأخيه وليس من قصده فراق أهله إن سامح أخاه، فهذا حكمه حكم اليمين وعليه كفارتها وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة فإن عجز صام ثلاثة أيام، هذا هو الواجب في هذه المسألة إذا كان هذا المطلق إنما قصد منع نفسه من المسامحة ولم يقصد فراق زوجته إن سامح أخاه، فهو بهذه النية يكون طلاقه هذا في حكم اليمين في أصح قولي العلماء وعليه كفارتها إذا سامح أخاه وهو الأولى به أن يسامح أخاه وأن يصل رحمه وأن يتعوذ بالله من الشيطان ولو كان أخوه قد أخطأ عليه، لو فرضنا أن أخاه الكبير قد أخطأ عليه فكونه يسامح أخاه الكبير ويتنازل عن حقه هذا خير له في الدنيا والآخرة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (ليس الواصل بالمكافي ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) فهذا هو الحكم في هذه المسألة إن كان قصده منع نفسه من مسامحة أخيه ولم يقصد فراق زوجته إن سامح أخاه.
أما إن كان قصده فراق زوجته، قصد منع نفسه وفراق زوجته إن سمح أخاه هذا قصده، يعني: يقصد منع نفسه من المسامحة ويقصد مع ذلك أنه يفارقها وأن الطلاق يقع إذا سامح أخاه، فهو في هذه الحال ينبغي له أن يسامح أخاه وتقع عليه طلقة واحدة ويراجعها؛ لأن الثلاث بلفظ واحد تعتبر واحدة على الصحيح من أقوال العلماء، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس في صحيح مسلم ما يدل على أن الثلاث إذا كانت بلفظ واحد تعتبر واحدة فيكون له الرجعة، إذا سامح أخاه وقعت طلقة واحدة فقط من هذا اللفظ وله أن يراجعها في العدة بقوله: راجعت امرأتي، أو أمسكت امرأتي، أو رددت امرأتي، وعليه أن يشهد على ذلك شخصين، هذا هو السنة، أن يشهد عدلين على هذه المراجعة.
هذا هو الذي ينبغي إذا كان لم يطلقها قبل هذا طلقتين، أما إن كان قد طلقها قبلها طلقتين تكون هذه هي الثالثة ويكون ما فيها رجعة، لكن إذا كان ما طلقها طلقتين فإنه إذا كان قصد إيقاع الطلاق فإنه يسامح أخاه وتقع طلقة ويراجع زوجته والحمد لله، فصلحه مع أخيه أسهل وخير له من مسألة الطلقة إذا وقعت فإن أمرها لا يضر ما دام له فسحة في الرجعة ولم يطلق قبل هذا طلقتين فإن أولى به أن يسامح أخاه ولو وقعت على زوجته طلقة فإن أمرها بحمد الله سهل ومصالحة أخيه مهمة كبيرة وقربة عظيمة إذا كان أخوه من أهل الخير والإيمان من المسلمين.
أما إذا كان أخوه ليس بمسلم أو ممن يظهر الفسوق والعصيان والكبائر فتركه وعدم المصالحة قد يكون خيراً لأخيه حتى يسلم من شره وما لديه من فجور أو كفر، لكن ما دام أخوه مسلماً مستوراً فمصالحته مطلوبة وصلة رحم، ولو وقع بها طلقة لا تمنعه من مراجعة الزوجة، والله المستعان. نعم.
المقدم: بارك الله فيكم. لو فرضنا أنه كان يقصد إيقاع الطلاق لو سامح أخاه وفعلاً كان الحكم كما تفضلتم بإيقاع طلقة عليه، لكن لو لم يعلم بهذا الحكم إلا بعد أن انقضت العدة فكيف العمل؟
الشيخ: يعني: سامح أخاه؟
المقدم: يقصد إيقاع الطلاق لو سامح أخاه، وتفضلتم بقولكم أنه يقع عليه طلقة واحدة في هذه الحالة إذا سامح أخاه؟
الشيخ: هي تقع منه حين المسامحة، ما هو من سابق، الطلقة تقع حين المسامحة.
المقدم: وليس حين التلفظ؟
الشيخ: لا. حين المسامحة.
المقدم: حين المسامحة؟
الشيخ: تبدأ العدة من حين المسامحة، وتقع الطلقة من حين المسامحة.
المقدم: أقصد إذا كان لم يعلم بهذا الحكم إلا بعد أن وقع الطلاق وسامح أخاه وانتهت عدتها؟
الشيخ: ما راجعها يعني؟
المقدم: ما راجعها.
الشيخ: يتزوجها من جديد إذا كان ما طلقها إلا طلقة واحدة أو ما طلقها إلا هذه الطلقة التي سامح فيها أخاه. نعم.
المقدم: يعني: إذا كانت الأولى أو الثانية فيسترجعها بعقد جديد إذا انقضت العدة ولم يراجعها؟
الشيخ: نعم.
الجواب: إن كان الواقع هو ما ذكره السائل فهذا المفتي أو هذا القاضي قد أخطأ؛ لأن للزوج النصف ولإخوتها من الأم الثلث، فيبقى واحد من ستة لأخيها الشقيق عصب، إلا أن تكون أمها موجودة، فإذا كانت أمها موجودة تعطى السدس وأخواتها من الأم لهم الثلث، وزوجها له النصف، وهذه يقال لها: المشركة، ويقال لها: اليمية، ويقال لها: الحمارية، مسألة مشهورة عند العلماء، والصحيح فيها أن الشقيق يسقط هذا السائل إذا كان فيها أم مع الأخوات لأم فإن الزوج يعطى النصف من ستة وهو ثلاثة، وتعطى الأم السدس واحد يحجبها الإخوة عن الثلث، وتعطى الأخوات لأم الثلث، ما بقي شيء تمت الستة استغرقت الفروض المسألة، فيسقط الأخ الشقيق على الصحيح من أقوال العلماء وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، ومذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو المروي عن جماعة من الصحابة، مروي عن ابن عباس و أبي موسى الأشعري وأبي بن كعب وجماعة من الصحابة وأهل العلم وهو الصواب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر) ولعل هذا هو الواقع؛ لأن السائل ما ذكر الأم ولا ذكر أنها ماتت الأم، فإذا كان الأم موجودة فالذي فعله القاضي هو الصواب وهو الحق خلافاً لمذهب الشافعي ومالك ، فالزوج له النصف من ستة.. ثلاثة، والأم لها السدس.. واحد، وأخوات الميتة من أمها لهم الثلث. هذه ستة، ما بقي شيء، فالشقيق يسقط ولو كان عاصباً قوياً لكن استغرقت الفروض ما بقي له شيء، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اقسموا الميراث بين أهل الفرائض على كتاب الله فما أبقت الفرائض فهو لأولى رجل ذكر)، وفي لفظ: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر) وأولى رجل هو الشقيق ولم يبق له شيء فيسقط.
فالمقصود أن حكم القاضي صحيح إن كانت الأم موجودة، أما إن كانت الأم مفقودة فهو مخطئ.
المقدم: القاضي لم يحسب شيئاً للأم.
الشيخ: فالقاضي إذا أراد أن يعطي الزوج النصف ويعطي الإخوة لأم الثلث يبقى واحد للشقيق إذا كان ما لها أم، لكن أخشى أن السائل نسي الأم، أخشى أن السائل نسي الأم فظلم القاضي. نعم؟
المقدم: أقصد لو كانت الأم موجودة لها السدس؟
الشيخ: لها السدس.
المقدم: والباقي للإخوة لأم؟
الشيخ: ثلث لهم ثلث، فرض ولا بقي شيء، انتهى.
المقدم: ولم يبق شيء.
الشيخ: نعم. فيسقط الأخ الشقيق على الصحيح من أقوال العلماء.
المقدم: إنما لو اتضح أنه فعلاً الأم غير موجودة؟
الشيخ: فله السدس عصباً.
المقدم: الذي هو الباقي تعصيب؟
الشيخ: تعصيب، ما هو بفرض تعصيب، يعني: واحد من ستة.
الجواب: هذا يرجع إلى المحكمة والمحكمة تنظر في الأمر، تنظر في الأدلة والواقع وأدلة الزوج وغير ذلك، تنظر في الأمر والله يوفق القاضي للخير. نعم.
المقدم: إنما من حيث الحكم الطلاق بالإكراه؟
الشيخ: ما نقول شيئاً في هذا نخشى أن القائل ليس بصادق.
المقدم: أقصد كحكم عام، يعني للمكره؟
الشيخ: المكره لا يقع طلاقه، المكره بالضرب والتهديد ممن يظن إيقاعه به لا يقع، إذا طلق تبعاً لقوله من الإكراه لا لأنه طابت نفسه منها، لكن الحكم في هذا يرجع إلى القاضي؛ لأن المدعي قد يكون ما هو مصيب قد يكون ما أكره.
الجواب: ما دام الطلاق الأول طلقتين فهذه الثالثة انتهى، ما بقي شيء. نعم.
إذا طلقها الثالثة حرمت حتى تنكح زوجاً غيره، فما دام أنه طلقها طلقتين الطلاق الأول ولو بلغها، فما دام طلقها طلقتين ما بقي له إلا واحدة فإذا تزوجها ثم طلقها انتهى. نعم.
المقدم: إذاً لا تحل له إلا بعد زوج جديد؟
الشيخ: نعم.
المقدم: أحسن الله إليكم.
أيها الإخوة الأعزاء! في نهاية لقائنا هذا نتوجه بشكرنا الجزيل إلى فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد والذي تفضل بالإجابة عن أسئلة الإخوة عبد الواحد محمد من العراق محافظة الأنبار، والأخ رمضان أبو خطوة مصري مقيم بالمملكة، والأخ رمضان حسن درويش من العراق محافظة التأميم، والأخ المستمع ( إسماعيل ع. ح) صومالي مقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة-أبو ظبي.
إخوتنا الأعزاء نشكركم جزيل الشكر وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى.
نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر