مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج (نور على الدرب)، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
الشيخ: بارك الله فيكم. نعم.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من نينوى، باعثها المستمع طالب ياسين علي عبد الرحمن ، الأخ طالب عرضنا بعض أسئلته في حلقات مضت من حلقات هذا البرنامج، وبقي له في هذه الحلقة بعض الأسئلة يسأل هذا السؤال فيقول: هل صحيح أن صلاة الجمعة لا تصح إلا بعشرة مصلين، وأن الأفضل والأتم أربعين مصل؟ أفيدونا أفادكم الله ونفع بعلمكم.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في العدد الذي تصح به الجمعة، فقال جماعة: أربعون، وقال جماعة: أقل من ذلك، وقال بعضهم: أكثر من ذلك، والصواب: أنها تنعقد بثلاثة، الإمام واثنين فما زاد، هذا هو أرجح الأقوال في ذلك، فإذا وجد في القرية ثلاثة فأكثر، مستوطنون مكلفون؛ فإنها تقام فيهم الجمعة، لعموم الأدلة الشرعية، ولأن الثلاثة جمع؛ فتعمهم الأحاديث وتعمهم الآية الكريمة، هذا هو أرجح الأقوال في هذه المسألة.
الجواب: القرآن الكريم نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجماً على حسب الحاجة والأسباب، وكان أول ما نزل سورة (اقرأ) في ليلة القدر، فصدق على ذلك أنه أنزل في ليلة القدر وأنه أنزل في رمضان؛ لأن أوله نزل في ليلة القدر في رمضان، هذا هو ظاهر الأدلة الشرعية؛ لأن كثيراً من القرآن نزل في مكة في غير رمضان، وكثير منه نزل في المدينة في غير رمضان، لم يزل ينزل منجماً على الرسول صلى الله عليه وسلم بحسب الحوادث والأسباب، وسورة المائدة نزلت في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، ونزل في يوم الجمعة في يوم عرفة في حجة الوداع في السنة العاشرة من حياته صلى الله عليه وسلم ومن هجرته.. من حياته بعد الهجرة هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، هذه الآية نزلت في يوم الجمعة، وهو واقف بعرفة عليه الصلاة والسلام سنة عشر من الهجرة، وقال ابن عباس رضي الله عنه وجماعة: إنه أنزل إلى السماء الدنيا في رمضان في ليلة القدر، إلى بيت العزة بيت في السماء الدنيا يقال له: بيت العزة، وكل سماء فيها بيت للملائكة يتعبدون فيه، وبيت العزة بيت في السماء الدنيا يتعبد فيه الملائكة، وفي السماء السابعة البيت المعمور، يتعبد به الملائكة أيضاً وهو على وزان الكعبة في الأرض، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يدخله كل يوم -يعني: البيت المعمور- سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم)، وهذا يدل على كثرة الملائكة، وأن كل يوم يدخل البيت المعمور منهم سبعون ألف ملكاً للعبادة، ثم لا يعودون إليه أبدا.
فعلى هذا القول -قول ابن عباس - أنه أنزل إلى بيت العزة جملة واحدة، ثم نزل منجماً في ثلاث وعشرين سنة على حسب الحوادث والأسباب، وهذا قول قوي أخذ به جمع من أهل العلم، والأول أظهر، وأنه أنزل من عند الله جل وعلا بواسطة جبرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة، وأن أوله أنزل في ليلة القدر في رمضان، والله ولي التوفيق سبحانه وتعالى.
الجواب: لقد أحسنت -جزاك الله خيراً- في تربية الأولاد، وتعليمهم، والاجتهاد في أسباب صلاحهم، وهذا هو الواجب عليك، ولك عند الله الأجر العظيم.
كما أنك أحسنت في نصيحة زوجك، والإكثار عليه في المحافظة على صلاة الفجر وصلاة الجمعة، وهذا هو الواجب عليك وعلى أمثالك، النصيحة للزوج والنصيحة للأولاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الله عز وجل في كتابه المبين القرآن: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، هؤلاء المرحومون في الدنيا والآخرة، وأنت منهم إن شاء الله؛ لحرصك على الخير، والله جل وعلا أخبر عن المؤمنين والمؤمنات جميعاً الذكور والإناث، كلهم مأمورون، وكلهم يجب عليهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويطيعوا الله ورسوله.
ويقول سبحانه: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، فالتواصي بالحق واجب مع الأولاد ومع الزوج ومع الأقارب ومع الجيران ومع المسلمين جميعاً، يجب على الرجال والنساء جميعاً أن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وبذلك تصلح المجتمعات، وتصلح الأسر، ويستقيم أمر الله في عباد الله، ويظهر الحق.
ويقول سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فالواجب عليك الاستمرار في نصيحته، وأنت مأجورة في بغضك له وكراهتك له؛ لأنه أتى منكراً عظيماً بل كفرا؛ لأن من تعمد ترك الصلاة عمداً؛ يكفر بذلك، وهكذا من تعمد ترك الجمعة، فالواجب على زوجك أن يتقي الله، وأن يحافظ على صلاة الجمعة وعلى صلاة الفجر كبقية الصلوات، وأنا أخشى عليه -إن كان كاذباً- أن يكون كافراً إذا كان لا يصلي الفجر أو لا يصلي الجمعة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات؛ أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)، رواه مسلم في الصحيح، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من ترك ثلاث جمع بغير عذر؛ طبع الله على قلبه)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، رواه مسلم في صحيحه، ويقول أيضاً عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).
فأنت شددي عليه، ولا يقربك حتى يستقيم وإلا فاعتزليه بالكلية، واذهبي إلى أهلك أو في بيت وحدك أنت وأولادك، وأنت أحق بأولادك منه؛ لأن مثلهم يربيهم على الشر، فأنت أولى بأولادك، وعليك أن تستمري في النصيحة لهذا الزوج مع منع نفسك منه؛ حتى يتوب إلى الله، وحتى يرجع إلى الحق، وحتى يحافظ على الصلوات كلها، نسأل الله له الهداية، وأن يمن عليه بالتوبة، ونسأل الله لك المزيد من التوفيق وعظيم الأجر، وأن ينفع بجهودك ودعوتك ونصيحتك، وأن يجعلك مباركة أينما كنت، وأن يهديه لقبول نصيحتك، والهداية بما يعينه على الخير، وبما يعينه على ترك الشر.
المقدم: جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم، سماحة الشيخ! هذه المرأة تقرب من المثالية..
الشيخ: الله أكبر، جزاها الله خير.
المقدم: ولا بد لسماحتكم من كلمة إلى كل زوجة تؤمن بالله؟
الشيخ: نعم، على كل زوجة أن تتقي الله، وأن تعين زوجها على طاعة الله، وألا تساهل معه، وألا تداهنه، وعلى الزوج كذلك أن يتقي الله في زوجته، وأن يعينها على طاعة الله، وأن يلزمها بالصلاة في وقتها، كل منهما عليه أن يعين الآخر، وأن ينصح الآخر.
يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132]، ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، فالواجب على جميع الأسرة التعاون على الخير، الزوج والزوجة، والأب والأم والأخ والابن والبنت، كلهم يتعاونون، يجب على الجميع أن يتعاونوا على البر والتقوى وأن يتواصوا بالحق، فالزوج يأمر زوجته ويلزمها بالحق ولو بالتأديب، والزوجة كذلك تنصح زوجها وتعينه على الحق، وإذا لم يستجب استحق منها الهجر فيما أظهر من المعاصي، والهجر ثلاثة أيام في القول، وإذا كان كفراً؛ وجب عليها فراقه: كترك الصلاة أو سب الدين، هذا يكون كفر من سب الدين أو سب الرسول أو ترك الصلاة يكون كافر؛ يجب عليها أن تتركه، وأن تذهب إلى أهلها وتمنعه من نفسها.
وكذلك إذا كان يجحد شيئاً مما حرمه الله؛ كأن يستحل الخمر، أو الزنا ويراه حلال، أو يرى أن الصلاة ما هي بواجبة عليه، يقول: ما هي بواجبة ما علينا صلاة أو ما علينا زكاة، .. يكون هذا كفر أكبر، أو يستهزئ بالدين: يسخر بالصلاة أو يسخر بالإسلام، أو يسخر بالزكاة، أو يسخر بالرسول ويستهزئ به؛ كل هذا كفر أكبر وردة عن الإسلام نعوذ بالله.
المقصود: الواجب على الزوجين وعلى الأسرة كلها: التناصح، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر في ذلك، والله جل وعلا يعينهم إذا صدقوا وأخلصوا يعينهم ويوفقهم وينفع بجهودهم، هكذا سنته في عباده، أنه سبحانه يوفق من أخلص له، ويعينه، كما قال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، ويقول سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].
الجواب: لا حرج عليك في الزواج من بنات زوجة أبيك من غير أبيك، من الزوج الجديد، إذا كانت لم ترضعك؛ فأنت أجنبي من بناتها، إذا كانت لم ترضعك فإنك لك أن تتزوج بإحدى بناتها من الزوج الجديد، وإنما يحرمن على أبيك؛ لأنهن ربائب لأبيك يحرمن عليه إذا كان دخل بأمهن قد وطئ أمهن يحرمن على أبيك، أما أنت لا، لا يحرمن عليك، لا بأس أن تتزوج إحدى بناتها، ولا وجه للاختلاف في هذا ليس في هذا اختلاف بحمد الله.
الجواب: نعم الأحكام عامة للرجال والنساء، والواجب على الرجل هو الواجب على المرأة، والواجب على المرأة هو الواجب على الرجل، إلا ما خصه الدليل، يقول الله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، فسوى بينهم جميعاً بين المؤمنين والمؤمنات، وأخبر أن هذه الأمور لازمة لهم، وهي من صفاتهم وأخلاقهم الواجبة العظيمة المفروضة عليهم، ويقول جل وعلا: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35]، عشرة أصناف من الرجال والنساء، عشرة، كلهم داخلون في الإسلام والإيمان، كل هؤلاء الأصناف، لكن نوعها بسبب الأعمال تنوع الأعمال، (إن المسلمين والمسلمات) المسلم: الذي دخل في الإسلام وانقاد لدين الله ووحد الله، وآمن بالله ورسوله وصدق الله في أخباره وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وآمن بكل ما أخبر الله به ورسوله، يقال له: مسلم، فإذا استكمل الدين واستقام على دين الله؛ صار مؤمناً كاملاً، وإذا كان يديم الطاعات ويجتهد في الطاعات يسمى قانتاً، وإذا كان من أهل الصدقة والإحسان صار متصدقا، وإذا كان من الصبر على طاعة الله والصبر عن المعاصي يسمى صابرا، وإذا كان يؤدي الأعمال بخشوع وحضور قلب وطمأنينة يسمى خاشعا، وهكذا إذا كان يكثر الصيام يصوم رمضان يصوم؛ فهو من الصائمين والصائمات، وهكذا حفظ الفرج عن الزنا من الرجل والمرأة داخل في قوله: (والحافظون فروجهم والحافظات)، وهكذا الذكر إذا كان من أهل الذكر، يكون من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، الرجل والمرأة جميعاً، فعليك أن تجتهدي في طاعة الله ورسوله، وأن تحرصي على القيام بالواجب: كالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسارعة إلى الخيرات، والاجتهاد في الطاعات، والصدق في العمل والقول، هكذا المؤمن والمؤمنة، هذه الصفات العشر من صفات المؤمنين والمؤمنات، من عرب وعجم، وجن وإنس.
فكل واحد يجتهد أن يكون من هؤلاء، والمسلم ينبغي له أن يجتهد أن يكون من هؤلاء، وهكذا كل مسلمة عليها أن تجتهد حتى تتصف بهذه الأخلاق العظيمة، ويقول جل وعلا: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195]، فأعمالهم كلها محفوظة لا يضيع الله منها شيئا، الذكور والإناث، ثم يجازيهم عليها سبحانه وتعالى، ويقول عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، الجميع، لكن ما خصه الدليل بالرجل فهو للرجل؛ كأن ينكح أربع زوجات، والمرأة ليس لها إلا زوج واحد، ديته مائة من الإبل، وديتها خمسون من الإبل المرأة، المرأة يصيبها الحيض والنفاس، وليس الرجل كذلك، تحمل وهو لا يحمل، أشياء تخص، بينهم أشياء افترقا فيها، بينها الكتاب والسنة.
والمقصود: أن الأصل أنهما سواء، هذا هو الأصل، الأحكام واحدة على الرجال والنساء، إلا ما خصه الدليل، وفق الله الجميع.
الجواب: نعم، الجميع عليهم صلة الرحم مثلما تقدم، كلهم سواء في صلة الرحم وفي بر الوالدين، كبقية الأعمال إلا ما خصه الدليل؛ فعلى المرأة أن تصل رحمها: من أبويها وأولادها وإخوانها وأخواتها وأعمامها وعماتها وأخوالها وخالاتها، وبني عمها وبني عمتها.. إلى غير ذلك، الأقرب فالأقرب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله سائل قال: (يا رسول الله! من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب)، هكذا يبدأ بالوالدين ثم الأقرب فالأقرب، أولاده ثم إخوته وهكذا.
بالكلام الطيب، وبصلة الرحم بالمال، ومواساة الفقير.. بالشفاعة للمظلوم.. بالإعانة على ردع الظالم.. بتعليم الجاهل.. بأمره بالمعروف بنهيه عن المنكر، كل هذا من صلة الرحم، بالمال وبالفعل والقول، بالمال وبالفعل الطيب وبالقول الطيب، كله من صلة الرحم، كله من بر الوالدين.
وهكذا الزيارة النزيهة السليمة التي ليس فيها محذور، هذه من صلة الرحم، كذلك الحرص على السؤال عنه وعن أحواله، ومساعدته فيما قد يحتاج إليه، وعيادته إذا مرض، والدعاء له بظهر الغيب، كل هذا من صلة الرحم، الستر عليه إذا زلت قدمه، لا يفضحه عند الناس فيما بينه وبين الله.. إلى غير هذا مما ينفع قريبه في الدين والدنيا، كله صلة رحم.
لكن لا يصله بمعصية الله، لا يصله بالمعاصي، ولا بالمداهنة وعدم إنكار المنكر، يصله بما أباح الله وبما شرع الله لا بما حرم الله، وفق الله الجميع.
الجواب: الحجاب لا يحول بين المرأة وصلة الرحم، الحجاب ومنع الخلوة، هذا من كمال الدين، ومن باب البعد عن الشر والفساد؛ لأنه إذا وصلت أرحامها من بني عم أو بني عمة أو بني خال وهي متبرجة أو سافرة؛ فهذا من أسباب الفساد، وكذا إذا خلت بواحد من بني عمها أو بني خالها، هذا من أسباب الفساد.
فمن رحمة الله ومن إحسانه العظيم، ومن كمال الشريعة أنه حرم على المرأة وعلى الرجل الخلوة، على الرجل الخلوة بغير محرمه، وعلى المرأة الخلوة بغير محرمها، حرام على هذا وهذا، فعلى الرجل أن يتقي الله ولا يخلو بمرأة أجنبية، وعلى المرأة أن تتقي الله أيضاً ولا تخلو برجل أجنبي، لا السائق ولا غيره، لا السائق ولا خادم ولا غيرهما، لا تخلو بالرجل أبد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا يخلون رجل بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء)، وفي لفظ: (المغيبات) التي ما عندهن أحد (قيل: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت)، (الحمو) يعني: الأخ والعم وابن العم وابن الخال والخال وأشباهه؛ سماه موت لأنه خطر، يدخل ولا يستنكر، قد يخلو بزوجة أخيه أو يخلو بزوجة خاله أو بزوجة ابن أخيه؛ فتقع المصيبة وتقع الفاحشة، فالواجب الحذر من الخلوة: لا بزوجة الأخ ولا بأخت الزوجة ولا بزوجة الخال ولا بزوجة العم ولا ابن العم ولا ابن الخال، أما زوجة الأب محرم زوجة الجد محرم زوجة ابنك محرم؛ من النسب والرضاعة، ابن البنت زوجته محرم، وهكذا، المحارم بالنسب أو بالرضاع، بالنسب والمصاهرة: كأم الزوجة.. بنت الزوجة المدخول بها، جدة الزوجة محرم؛ من أجل المصاهرة سواء كانت من النسب أو من الرضاع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
أما الخلوة فخطرها عظيم، لكن إذا كان معهما ثالث في السيارة أو في البيت، مثل: جلس مع امرأة أخيه وهي مستورة متحجبة، ولكن بحضرة أمه أو بحضرة أخته أو بحضرة شخص آخر لا شبهة فيه ولا ريبة فيه؛ زالت الخلوة، وهكذا لو ركبت مع السائق ومعها شخص آخر أو امرأة أخرى بدون ريبة؛ زالت الخلوة.
المقدم: جزاكم الله خيرا.
سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل -بعد شكر الله سبحانه وتعالى- على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نسأل الله ذلك.
المقدم: اللهم آمين.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكرا لسماحته، وأنتم يا مستمعي الكرام! شكراً لحسن متابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر