مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت من أحد الإخوة المستمعين سمى نفسه أبو محمد من الرياض، أخونا يقول: ما هي أسباب فقدان اللذة في العبادة؟ وكيف علاجها عملياً؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فلا شك أن العبادة لله عز وجل لها لذة عظيمة في قلب المؤمن والمؤمنة، يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)، ويقول لـبلال رضي الله عنه: (أرحنا بالصلاة) يعني: أقمها حتى نستريح فيها.
فالصلاة وهي أعظم العبادات بعد الشهادتين راحة للقلوب وقرة عين ونعيم للروح لمن أقبل عليها وحضر فيها بقلبه خشع فيها لله، واستحضر أنها عمود الإسلام وأنها مناجاة للرب عز وجل ووقوف بين يديه، فبذلك يرتاح فيها وتقر عينه ويجد لذة لها في نفسه، في قيامه، وقراءته، وركوعه، وسجوده، وسائر ما شرع الله فيها.
فنصيحتي لكل مؤمن وكل مؤمنة الإقبال على العبادة من صلاة وغيرها وإحضار القلب فيها، والشعور بأنه يفعلها لله وحده يرجو ثوابه ويخشى عقابه، وأن له في ذلك الخير العظيم عند الله عز وجل إذا أخلص له وفعلها على وجه السنة لا على وجه البدعة. فالصلاة والزكاة والصدقات والصيام والحج والعمرة والأذكار الشرعية، قراءة القرآن الكريم، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها عبادات لها لذة عظيمة في القلوب وراحة في القلوب ونعيم للروح، يتذكر فيها المؤمن أنه يفعل شيئاً يرضي الله عز وجل، وأنه شيء أمر الله به، وأنه شيء يؤجر عليه فيرتاح لذلك ويستلذ ذلك وتقر عينه بذلك لما فيه من الخير العظيم، ولما فيه من امتثال أمر الله، ولما فيه من الخير العظيم من جهة الثواب الجزيل من الله وما يترتب عليه من تكفير السيئات وحط الخطايا والفوز بالجنة والنجاة من النار.
وهكذا ما يترتب على الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مصلحة العباد وتوجيههم إلى الخير وإعانتهم على ما شرع الله وعلى ترك ما حرم الله فكل هذا مما تستلذه النفوس الطيبة وترتاح له القلوب وتقر به العيون، أعني: عيون المؤمنين والمؤمنات، قال جل وعلا في كتابه العظيم وهو أصدق القائلين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4]، وقال عليه الصلاة والسلام: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل)، وإنما عدل يخاف الله ويرجوه (وشاب نشأ في عبادة الله)، إنما استلذها لما عرف فيها من الخير ولما وقر في قلبه من تعظيم الله والإخلاص له ومحبته سبحانه والرغبة فيما عنده (ورجل قلبه معلق بالمساجد)، إنما علق قلبه بالمساجد لما وجد في الصلاة من الخير والراحة والطمأنينة والنعيم (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)، لما وجدا في المحبة في الله من الخير العظيم وراحة القلوب ونعيم الأرواح والأنس العظيم؛ لأنهم يعلمون أن هذا يرضي الله وأن الله شرع لهم ذلك وأنه يحصل به من الخير العظيم ما الله به عليم من التعاون والتواصي بالحق والتناصح.
الخامس: (رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله)لماذا قال هذا؟ لما وقر في قلبه من محبة الله وتعظيمه وخوفه ومراقبته سبحانه وتعالى حتى ترك هذه المرأة التي دعته إلى الفجور وهي ذات منصب وجمال فأبى عليه خوفاً من الله ورغبة فيما عنده وأنساً بطاعته، وتلذذاً بما يرضيه سبحانه وتعالى، وهكذا المرأة إذا دعاها ذو منصب وجمال إلى الفاحشة فقالت: إني أخاف الله وابتعدت عن ذلك لما وقر في قلبها من المحبة لله والنعيم الروحي واللذة لطاعة الله واتباع شريعته.
السادس: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) لماذا؟ لما وقر في قلبه من محبة الله وتعظيمه وأنه سبحانه يعلم كل شيء ولا يخفى عليه خافية وأنه يحب الإخلاص له ويحب العمل من أجله سراً، فلهذا لا تعلم شماله ما تنفق يمينه من عظيم إخلاصه وعظيم رغبته فيما عند الله، وعدم مبالاته برياء الناس وحمد الناس وثنائهم.والسابع: (رجل ذكر الله خالياً، رجل ذكر الله خالياً -ما عنده أحد- ففاضت عيناه) خوفاً من الله وتعظيماً له ومحبة له سبحانه وأنساً به عز وجل فصار من السبعة الذين يظلهم الله في ظله.
والخلاصة: أن الإقبال على الله بالعبادة واستحضار عظمته وأنك تريد وجهه الكريم وأنك فعلت هذا ابتغاء مرضاته وطاعة لأمره ومحبة له سبحانه وحرصاً على ما يرضيه ويقرب لديه، كل هذا مما يجعلك تستلذ العبادة وتقبل عليها وترتاح لها وتتنعم بها، وفق الله الجميع. نعم.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيراً، من يشكو عكس ذلك سماحة الشيخ، جزاكم الله خيراً.
الجواب: من يشكو عكس ذلك بقسوة القلب عليه أن يعالج ذلك بالإكثار من ذكر الله، وقراءة القرآن الكريم، والحذر من الذنوب والمعاصي، والتوبة إلى الله مما سلف، مع الصدق في ذلك، فإذا صدق مع الله في التوبة من المعاصي وفي الإكثار من ذكر الله، وفي الإقبال على عبادته بقلبه واستحضار عظمة الله وأنه سبحانه وتعالى يراقبه، إن الله كان على كل شيء رقيباً سبحانه وتعالى، وأن معه ملكين أحدهما يكتب الحسنات والثاني يكتب السيئات، باستحضاره هذه الأمور يلين قلبه ويخشع قلبه ويستلذ الطاعة ويرتاح لها ويأنس بها.
الجواب: الحديث المذكور صحيح خرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، زاد مسلم : (ولا نوء ولا غول)، زاد في الحديث أيضاً: (ويعجبني الفأل، قيل: يا رسول الله ما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة)، فالعدوى التي نفاها الرسول صلى الله عليه وسلم هي ما يعتقده أهل الجاهلية من الكفرة أن الأمور تعدي بطبعها من دون قضاء الله وقدره سبحانه وأن انتقال الجرب أو الجذام من شخص إلى شخص أو من دابة إلى دابة أن هذا طبعي لا دخل لقدر الله في ذلك ولا لفعله في ذلك سبحانه وتعالى وهذا باطل، فلا انتقال من عين إلى عين في الجرب وغيره إلا بإذن الله وقدره السابق سبحانه وحكمته سبحانه وتعالى؛ ولهذا لما قال بعض البادية لما سمع (لا عدوى) قال: (يا رسول الله! الإبل الكثيرة يكون فيها البعير الأجرب فتجرب كلها، قال صلى الله عليه وسلم: فمن أعدى الأول)، يعني: من الذي أنزل الجرب بالأول الله هو الذي أنزله لحكمة بالغة، فالذي أنزله بالأول هو الذي أنزله في البقية؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا يورد ممرض على مصح) يعني: لا يورد صاحب إبل مراض إبله على صاحب إبل صحاح؛ لأن هذا وسيلة لانتقال المرض.وقال عليه الصلاة والسلام: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) لأن الجذام ينتقل، هذا معناه إقرار الانتقال لكن ليس على العدوى التي تقولها الجاهلية، بل ينتقل بإذن الله عند المخالطة قد ينتقل عند المخالطة، إذا خالط الأجرب الصحيح والمجذوم الصحيح قد ينتقل، وهكذا أمراض أخرى عند الاختلاط قد ينتقل وقد لا ينتقل وهو ليس بلازم، لكن إذا أبعد الصحيحة عن المريض يكون هذا هو الأولى كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يورد)، هذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم (لا يورد ممرض على مصح).وقال آمراً: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، فالمعنى: أبعدوا المريض عن الصحيح إذا كان يخشى منه العدوى لا يخلط هذا مع هذا، فهذا معناه تجنب الأسباب التي تسبب انتقال المرض.ولكن ينبغي أن يعلم أنه لا عدوى وأن انتقاله إذا انتقل ليس لأنه يعدي بطبعه وأنه ليس بإذن الله ولا بمشيئة الله لا، بل ينتقل لكن بمشيئة الله وبإذنه وقدره سبحانه وتعالى، لا أحد يستطيع أن ينقل شيئاً إلى شيء إلا بإذن الله وقدره، لا حيوان ولا إنسان ولا غير ذلك، كل شيء بقضاء وقدر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس)، ويقول الله في كتابه العظيم: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22]، ويقول جل وعلا: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].فالمقصود أن الله سبحانه قدر الأشياء كلها: الصحة والمرض والسفر والإقامة والولد ذكراً كان أو أنثى، والحياة والموت.. وغير ذلك كلها بأقدار ماضية من الله عز وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء)، فالأمور كلها مقدرة، فكون هذا البعير يمرض أو هذا الفرس أو هذا الإنسان.. بقدر، وكون هذا الصحيح يخالط هذا المريض فيصاب بمرضه.. هذا بقدر، وليس بلازم، قد يقع قد تكون الصحيحة مع الجرب ولا تجرب، وقد يكون الإنسان مع المجذوم ولا يصاب بالجذام، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخذ بيد مجذوم وهو يأكل فقال: (كل بسم الله ثقة بالله) ولم يجذم عليه الصلاة والسلام، فالإنسان إذا خالطهم لبيان أن الله جل وعلا هو المقدر، وليعلم الناس أن هذا ليس بمشيئة العدوى ولكن بمشيئة الله، إذا فعل ذلك حتى يعلم الناس أن هذه الأمور بقضاء الله فهو سبحانه جواد كريم الذي يصونه ويحفظه حتى يعلم الناس الحقيقة التي بينها رسوله صلى الله عليه وسلم.
والخلاصة: أنه لا عدوى على طريقة الجاهلية، يعني: لا عدوى بالطبع ولكن قد تقع العدوى وهي الانتقال قد تقع بمشيئة الله وإذنه بسبب الاختلاط بين المرضى والأصحاء في بعض الأحيان.
الجواب: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين، ثم قال: (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيها نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه)، هذا ثابت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عثمان ومن أحاديث أخرى وعددها ركعتان سنة الوضوء ركعتان، وثبت أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم رأى بلالاً أمامه في الجنة لما دخل الجنة لما عرج به إلى السماء فسأله صلى الله عليه وسلم سأل بلالاً قال: (إني سمعت صوت قدميك دف نعليك أمامي في الجنة فأي عملك أرجى؟ قال: ما أحدثت إلا توضأت ولا توضأت إلا صليت ركعتين) رضي الله عنه، فصلاة الركعتين سنة وقربة بعد الوضوء.
وإذا صلى تحية المسجد أو راتبة الظهر أو راتبة الفجر قامت مقام سنة الوضوء حصل بها المقصود، تكون عن هذا وعن هذا توضأ ثم صلى ركعتين سنة الفجر، أو تحية المسجد أو سنة الضحى حصل بها المقصود عن هذا وعن هذا والحمد لله.
الجواب: للعلماء قولان في المسألة رحمهم الله، منهم من رجح أنه ينزل بركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه لما روى أهل السنن عن وائل بن حجر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد قدم ركبتيه على يديه) ، وله شاهد من حديث أنس أيضاً عند الحاكم وغيره وقالوا: هذا هو الأرفق بالمصلي وهو الأبعد عن مشابهة الحيوان، لأن الحيوان كالبعير ينزل على يديه ثم مؤخره بعد ذلك، وقالوا: هو الموافق لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير) فإن بروك البعير يقدم يديه، فإذا قدم رجليه لم يشبه البعير.أما قوله في آخره: (وليضع يديه قبل ركبتيه) فقال بعضهم: لعله مقلوب، وأن الصواب وليضع ركبتيه قبل يديه حتى يتفق أوله مع آخره، أول الحديث مع آخر الحديث، وحتى يتفق مع حديث وائل بن حجر وأنس وما جاء في معناهما، وهذا هو الأصح والأرجح، وبذلك تتفق الأحاديث ولا يقع بينها خلاف، فالنهي عن بروك كبروك البعير يوافق حديث وائل في تقديم الركبتين ثم اليدين بعد ذلك في السجود.أما زيادة: ( وليضع يديه قبل ركبتيه ) فهي تخالف أول الحديث وتخالف حديث وائل ؛ لأنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه شابه البعير في نزوله على مقدمه، هذا هو الأرجح.وقال آخرون من أهل العلم: لفظة: ( وليضع يديه ) صريحة تدل على أنه يقدم يديه على ركبتيه، وبهذا خالفوا حديث وائل وهو حديث لا بأس به حديث حسن جيد، مع أنه موافق لأول حديث أبي هريرة ولمقدمه وصدره.والصواب عندي والأرجح عندي أنه يقدم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه على ما في حديث وائل وعلى مقتضى أول حديث أبي هريرة وصدره، وزيادة: (وليضع يديه قبل ركبتيه) هذه إما إدراج من بعض الرواة، وإما حصل فيها انقلاب والصواب: (وليضع ركبتيه قبل يديه) حتى يتفق أوله مع آخره، وحتى يتفق مع حديث وائل وما جاء في معناه، والأمر في هذا واسع والحمد لله كله سنة، لكن هذا هو الأفضل وهذا هو الأرجح، إلا من عجز ككبير السن والمريض هذا يقدم يديه؛ لأنه محتاج إلى ذلك ولا بأس بذلك.
الجواب: سب الدين سب الإسلام كفر أكبر وردة عن الإسلام عند جميع العلماء ما فيه خلاف، ذكروا هذا في باب حكم المرتد، من سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو سب بعض الرسل غير محمد صلى الله عليه وسلم، كأن يسب نوح أو هود أو آدم أو غيرهم من الرسل والأنبياء كفر بإجماع المسلمين.
وهكذا إذا سب الإسلام سب دين الإسلام، أو استهزأ به يكون كافراً عند جميع أهل العلم؛ لقول الله تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]، ولأن سب الدين مضمونه الكراهة له وإنكاره، والله يقول سبحانه وبحمده: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9].
فالواجب على المؤمن أن يحذر، الواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر، وأن يحفظ لسانه ويصون لسانه عما يجره إلى الردة عن الإسلام، فسب الدين والاستهزاء بالدين أو الاستهزاء بالقرآن أو سب القرآن أو سب الرسول أو سب الله أو سب بعض الأنبياء الآخرين كله ردة وكفر بعد الإسلام نعوذ بالله.
واختلف العلماء هل يستتاب أو لا يستتاب؟
فقال بعضهم: يستتاب فإن تاب وإلا قتل ويعزر أيضاً ولو تاب يعزر عن فعله القبيح بالجلد والسجن ونحو ذلك.
وقال آخرون: لا يستتاب بل يقتل حداً يقتل كافراً، ولا يستتاب، ولا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ لأن جريمته عظيمة وكفره عظيم.والأقرب عندي والله أعلم القول باستتابته؛ لأنه قد يقع عن جهل، قد يقع عن غضب شديد، قد يقع عن استفزاز من بعض الناس، فكونه يستتاب ويبين له خطؤه وظلمه لنفسه، وأنه أتى جريمة عظيمة وكفراً عظيماً فإذا تاب رفع عنه القتل، لكن لا مانع من كونه يؤدب، يؤدبه ولي الأمر الأمير أو القاضي يؤدبه عن هذا بجلدات أو بسجن أو نحو ذلك مع التوبيخ حتى لا يعود لمثل ذلك.
الجواب: الذي يعتقد في الأنبياء والصالحين ويلتجئ إليهم ويسألهم قضاء الحاجات وتفريج الكروب هذا مشرك شرك أكبر، هذا شرك الجاهلية شرك أبي جهل وأشباهه، قال الله تعالى: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80] سماه كفر، وقال في المشركين: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31]، يعني اليهود والنصارى عبدوهم مع الله ودعوهم واستغاثوا بهم وبنوا على قبورهم المساجد فكفروا بذلك.
وهكذا وقع في قوم نوح لما توفي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر وهم رجال صالحون في قوم نوح، لما ماتوا في زمن متقارب حزن عليهم قومهم، ودس عليهم الشيطان أن يصوروا صورهم وأن ينصبوها في مجالسهم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، ففعلوا صوروهم ونصبوا الصور في مجالسهم، فلما طال الأمد على الناس عبدوهم من دون الله واستغاثوا بهم ونذروا لهم وذبحوا لهم فوقعوا في الشرك، فبعث الله إليهم نوحاً عليه الصلاة والسلام ودعاهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عام وهو يدعوهم إلى الله، إلى توحيد الله والإخلاص له، فلما استمروا في العناد أهلكهم الله بالغرق جميعاً ولم ينج منهم إلا من كان مع نوح في السفينة، كما قال تعالى: فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [العنكبوت:15]. فالذي يدعو الأولياء أو يدعو الأنبياء أو الملائكة أو الجن يستغيث بهم، ينذر لهم، يسألهم الشفاعة، يسألهم شفاء المريض والنصر على الأعداء، كل هذا كفر بالله عز وجل ردة عن الإسلام، فلا يجوز دعاء الأموات والاستغاثة بهم ولا دعاء الملائكة ولا دعاء الجن، ولا النذر لهم، ولا الذبح لهم، يتقرب إليهم يرجو نفعهم ودفع الضر منهم، كل هذا شرك أكبر، وكل هذا عمل الجاهلية.وإذا اعتقد أنهم ينفعون ويضرون دون الله صار شركاً في الربوبية أكبر وأعظم، أعظم من شرك الجاهلية الأولى، إذا اعتقد فيهم أنهم ينفعون دون الله ويضرون، وأن الله أعطاهم هذا يتصرفون في الكون صار هذا شركاً أكبر في الربوبية، أعظم من شرك أبي جهل وعباد الأوثان من قريش وغيرهم، وهكذا إذا اعتقد في شجرة أو صنم واستغاث به أو نذر له أو اعتقد أنه ينفع ويضر كل هذا كفر أكبر نسأل الله العافية.
فالواجب على كل مسلم أن يحذر ذلك، وأن يتوب إلى الله مما قد وقع منه، هذا الواجب على جميع من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بل على جميع أهل الأرض كلهم يجب عليهم أن يعبدوا الله وحده وأن يشهدوا أنه لا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه، ويشهدوا أن محمداً عبد الله ورسوله، ويعبدوا الله وحده دون كل ما سواه، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا رمضان ويحجوا البيت، وعليهم أن يمتثلوا أوامر الله كلها وينتهوا عن نواهيه سبحانه وتعالى، هذا واجب على جميع أهل الأرض من جن وأنس من يهود أو نصارى أو شيوعيين أووثنيين أو غيرهم، يجب عليهم جميعاً أن يعبدوا الله وأن يشهدوا له بالوحدانية سبحانه ولنبيه محمد بالرسالة، وأن يصدقوا الله ورسوله في كل شيء، وأن يصدقوا الرسل الماضين وأنهم جاءوا بالحق، وأن يصدقوا بما أخبر الله به ورسوله عن الجنة والنار والآخرة وعما يكون في آخر الزمان إلى غير ذلك، يجب على كل إنسان أن يعبد الله ويدخل في الإسلام، وإذا كان مسلماً فعليه أن يستقيم على إسلامه، وأن يحفظ إسلامه، وأن يصونه عن أسباب الردة، وأن يجتهد في ترك ما نهى الله عنه وفي فعل ما أمر الله به، يرجو ثوابه ويخشى عقابه، وفق الله الجميع.
المقدم: اللهم آمين جزاكم الله خيراً.سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك.
المقدم: اللهم آمين.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لسماحته، وأنتم يا مستمعي الكرام! شكراً لحسن متابعتكم، وإلى الملتقى..
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر