إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (858)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المملكة الأردنية الهاشمية - عمان وباعثها أخونا علي يونس عبد الله صالح من دائرة التربية والتعليم، أخونا رسالته مطولة بعض الشيء يبدؤها فيقول: نعرف جميعاً أن الأرض قد حرمها الله على أجساد الأنبياء والشهداء، فهل حرمت أيضاً على الصالحين؟ ومن هم الصالحون في التقييم الإسلامي وعند الله سبحانه وتعالى؟ وهل يعتبر سيف الله المسلول خالد بن الوليد من الصالحين؟ وهل حرمت الأرض على جسمه رغم أنه لم يمت شهيداً، ولكن قيمته بأكثر من قيمة الشهيد.

    وأيضاً ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130] وفي موضع آخر من القرآن الكريم قال الله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:120-123] صدق الله العظيم.

    هنا ذكر الله سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين أن إبراهيم عليه السلام كان من الصالحين، فهل كان سيدنا إبراهيم عليه السلام نبياً كما نعلم جميعاً أم صالحاً كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز؟ أرجو التوضيح تجاه هذه القضايا؟ جزاكم الله عنا خيراً وعن المسلمين، والسلام عليكم.

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فقد صح الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) أما الشهداء والصالحون فلم يرد فيما نعلم ما يدل على تحريم أجسادهم على الأرض، وإنما ذاك في الأنبياء خاصة كما جاء به الحديث، ولا ريب أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من الصالحين، وهكذا خالد بن الوليد هو من أصلح الصالحين رضي الله عنه وأرضاه.

    وهكذا جميع الأنبياء والمرسلين كلهم من الصالحين وإن كانوا أنبياء فوصف الصلاح يعم الجميع، إذا أطلق الصالحون فهو يعم الأنبياء والمرسلين وجميع عباد الله المؤمنين، الذين استقاموا على دينه وأدوا حقه وحق عباده يقال لهم: صالحون كلهم، وهكذا قال الله جل وعلا في شأن إبراهيم أدخله في الصالحين لكونه ممن قام بحق الله وحق عباده.

    ولهذا قال جل وعلا: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130] فهو مصطفى مختار وهو خليل الرحمن وهو أفضل الأنبياء وأكملهم بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ونبينا هو سيد ولد آدم وهو خليل الله الثاني، فـإبراهيم ومحمد هما الخليلان، وإبراهيم هو جده ومحمد حفيد إبراهيم، وهو أفضل الأنبياء ويليه في الفضل جده إبراهيم عليهم الصلاة والسلام جميعاً، وعلى سائر أنبياء الله ورسله.

    والصالحون إذا أطلقوا عموا الأنبياء والصالحين والشهداء وجميع من اتقى الله وأدى حقه وحق عباده يقال له: صالح، وإذا أضيفوا إلى الأنبياء والصديقين والشهداء صاروا غيرهم كما في قوله جل وعلا: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] فجعل الصالحين في المرتبة الرابعة، وهم غير الأنبياء وغير الصديقين وغير الشهداء، فالمرتبة الأولى: مرتبة الأنبياء والرسل، ثم يليهم مرتبة الصديقية، ثم يلي ذلك مرتبة الشهداء، ثم عموم الصالحين.

    والصالح من عباد الله هو الذي أدى حق الله وحق عباده يقال له: صالح؛ أدى حق الله يعني: أدى أوامره واجتنب نواهيه وأدى حق العباد فلم يظلمهم، بل أدى حقوقهم من حق الجوار وحق المؤمن على أخيه وحق الوالدين وحق الرحم.. إلى غير ذلك.

    فالصالح من عباد الله هو الذي أدى حق ربه رغبة فيما عنده وإخلاصاً له سبحانه، وأدى حق العباد ولم يظلمهم ولم ينقصهم حقوقهم، فهذا يقال له: صالح، ويقال له: مؤمن، ويقال له: مسلم، ويقال له: تقي، ويقال له: بر.

    فالصالحون هم الأبرار وهم الأتقياء وهم المتقون وهم المؤمنون وهم المسلمون، وهذه الأوصاف تشمل الأنبياء والصالحين، الأنبياء يقال لهم: مسلمون، ويقال: صالحون، ويقال: مؤمنون، ويقال: متقون، ويقال: أبرار، لكنهم يمتازون بالنبوة والرسالة فهم في المرتبة العليا، أعلى المراتب وأفضلها مرتبة الأنبياء والرسل.

    والرسل أعلى مرتبة ثم يليهم النبيون، ثم يلي ذلك مرتبة الصديقين الذين كمل تصديقهم وكمل إيمانهم حتى صارت منزلتهم فوق منزلة الشهداء والصالحين بسبب كمال صدقهم وكمال تصديقهم، وكمال إيمانهم وكمال تقواهم لله سبحانه وتعالى، ثم يليهم الشهداء الذين باعوا نفوسهم على الله وقدموها طاعة لله واستشهدوا في سبيله، ثم يليهم عموم المؤمنين وهم الصالحون.

    وبذلك يتضح لك أيها السائل أن الصالح يوصف به جميع المؤمنين من أنبياء وغيرهم عند الإطلاق وعند ضمه إلى الرسل والأنبياء والصديقين والشهداء يكون الصالح في المرتبة الرابعة، يعني الذي أدى حق الله وأدى حق عباده ولكنه ليس نبياً ولا صديقاً ولا شهيداً، ومنهم خالد بن الوليد رضي الله عنه ورحمه وبقية الصحابة الذين لم يستشهدوا ولم يكونوا من الصديقين هم من هذه المرتبة.

    المقدم: إذاً كون نبي الله إبراهيم عليه السلام يوصف بأنه من الصالحين لا يخرجه عن كونه نبي؟

    الشيخ: لا يخرج، لا، الأنبياء صالحون وهم أنبياء، وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم الخليل إبراهيم هما أفضل الناس، وهما أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

    المقدم: موضوع شهادة خالد بن الوليد رضي الله عنه؟

    الشيخ: هو مات على فراشه.

    المقدم: نعم، لكن يقول أخونا: إنه أفضل من الشهداء، هل يقال هذا؟

    الشيخ: قد يقال: أفضل من كثير من الشهداء، قد يقال: أفضل من كثير من الشهداء، أما أفضل من الشهداء على العموم فلا، لكن يقال أفضل من كثير من الشهداء؛ لما أعطاه الله من الفضل العظيم والبسالة في الجهاد والصبر على الجهاد، والقوة في دين الله، وما حصل على يديه من النفع العظيم في قتال أهل الردة وغيرهم من قتال الروم وقتال الفرس، الله جل وعلا جعل له مراتب كبيرة، ومزايا عظيمة، فهو لا شك من الصالحين، وهو لا شك أفضل من كثير من الشهداء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088536117

    عدد مرات الحفظ

    777190193