إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (887)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    الوعظ والإرشاد في المساجد.. أهميته وأسباب تراجعه

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين, فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة مطولة جداً وباعثها أخ لنا يقول: مقبل بن حسن بن عدي الصلاحي بعدن، أخونا يسأل عن مجموعة من القضايا, فيقول في قضيته الأولى: لقد اختفى الوعظ والإرشاد عن بعض المساجد في المملكة وقد آلمنا ذلكم كثيراً، فهل من تعليل لهذا, وجهونا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله, وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فلا ريب أن الوعظ والإرشاد من أهم المهمات، والمسلمون في أشد الحاجة إلى ذلك، بل وغير المسلمين في أشد الحاجة إلى ذلك، ولكن بسبب قلة الدعاة واشتغال الناس في أمور أخرى من التدريس والشئون الإدارية وغير ذلك قد يتأخر الداعية عن المسجد وقتاً طويلاً لكثرة المساجد وقلة الدعاة، فهذا هو السبب، وإني أنصح جميع المدرسين المتأهلين من أهل العلم ومن خريجي كلية الشريعة وكلية أصول الدين أنصحهم جميعاً أن يتقوا الله وأن يشاركوا في الدعوة، وأن يشاركوا في الوعظ والتذكير في المساجد، حتى يسدوا الخلل والنقص الذي يحصل من الدعاة، فالدعاة بالنسبة إلى كثرة المساجد قليلون, وإن كنا نتطلب دعاة حتى يتعينوا عندنا ونريد ذلك ونحرص على ذلك، لكن ليس كل ما يريده الإنسان يحصل له؛ لأن إخواننا المتخرجين كثير منهم يرغب أن يكون مدرساً أو في عمل إداري؛ لأنه أسهل عليه من الدعوة.

    فالمساجد كثيرة والدعاة قليلون، فلهذا قد يتأخر مجيء الداعية إلى المسجد كما ذكر السائل، وإن كانوا بحمد الله يمرون على المساجد ويقومون بالدعوة في غالب المساجد، لكن قد يتأخر بعضهم عن بعض المساجد، وقد تكون بعض المساجد في أطراف البلد، فلا يأتيها الداعية إلا في أوقات متفاوتة، ولكن لمثل ما تقدم أنصح إخواني المدرسين وأهل العلم من القضاة وغيرهم أنصحهم جميعاً أن يتقوا الله وأن يشاركوا في الدعوة إلى الله، ووعظ الناس وتذكيرهم، والإجابة عن أسئلتهم؛ لأن هذا واجب الجميع، وحق على الجميع، نسأل الله أن يوفق الجميع.

    المقدم: اللهم آمين المتطوع للدعوة إلى الله سماحة الشيخ هل من شروط تشترط؟

    الشيخ: نعم، إذا كان متخرجاً من كلية الشريعة أو كلية أصول الدين أو كلية الحديث في الجامعة الإسلامية، أو كلية القرآن، هذا يعطى البطاقة، أو شهد له بعض أهل العلم بأنه صالح لذلك، ممن درس على المشايخ وصارت له دربة في الوعظ والتذكير، ويصلح للفتوى يعطى أيضاً بطاقة بذلك، ومن لا يشهد له بهذا لا يعطى البطاقة، مثل خريجي كلية اللغة، أو كلية العلوم الاجتماعية، أو كليات الطب أو ما أشبه ذلك، لا يعطون؛ لأنهم ليسوا أهلاً لهذا المقام في الغالب.

    المقدم: إذاً: لا بد من هذه البطاقة سماحة الشيخ؟

    الشيخ: لا بد من هذه البطاقة بالنسبة إلينا، أما بالنسبة إلى ما يقوم به هو من الدعوة في جماعته، أو فيمن يسمح له بذلك من إخوانه، فهذا مسموح له فيه وجزاه الله خيراً، لكن من حيث الرياسة العامة التي أنا عليها لا نستطيع أن نعطي إنساناً بطاقة على أن يقوم بالدعوة إلا إذا كان قد تأهل لها، فيما نعتقد من جهة تخرجه من كلية الشريعة، أو كلية أصول الدين أو ما في حكمهما، أو وجود شهادة بيده من أهل العلم تشهد له بأنه أهل للدعوة، وأهل للفتوى، نعم، لكن المدرسون في الغالب، المدرسون والقضاة في الغالب هؤلاء عندهم ما يعينهم على ذلك، ويمكنهم من ذلك؛ لأنهم مدرسون من خريجي كلية الشريعة، وكلية أصول الدين، ومن العلماء المعروفين، يستطيعون أن يقوموا بالدعوة، وإن كان ما معهم بطاقة، وإذا أرادوا بطاقة أعطيناهم بطاقة، لكن العالم المشهور ما يحتاج بطاقة في المملكة، لكن لو أراد بطاقة أعطيناه، بالنسبة إلى بعض المساجد التي قد تجهله.

    المقدم: نعم من لم يكن من هذا البلد سماحة الشيخ ويريد أن يدعو إلى الله يستغل وجوده في هذه البلاد فيدعو إلى الله كيف يكون التصرف؟

    الشيخ: التعليمات تمنع من ذلك، التعليمات التي من جهة الدولة تمنع أن يعطى بطاقة إلا إذا كان يحمل الجنسية السعودية.

    1.   

    توجيهات للصحوة المباركة

    السؤال: السؤال لأخينا مقبل بن حسن يقول: لقد ظهرت الصحوة الإسلامية المحمدية بحمد الله تعالى في هذه الآونة الأخيرة رغم كثرة الملحدين والمنافقين وأعداء السنة من الدجالين والخرافيين والصوفية والحزبيين، والسؤال: ما هي الوقاية من هذه الفرق الضالة وخطرها؟ ثانياً: ماذا يجب على الآباء نحو أبنائهم وزوجاتهم؟

    الجواب: أولاً: الواجب على الدعاة في هذه الصحوة المباركة، واليقظة المباركة، الواجب عليهم دائماً دائماً الأخذ بالحكمة والرفق، وأن لا يجابهوا الناس بالعنف، حتى لا يكثر أعداؤهم وخصومهم، الواجب أن تكون الدعوة بالرفق والحكمة والأسلوب الحسن، والحرص على تجنب الاصطدام بالناس مهما أمكن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالرفق، والله يقول في كتابه الكريم: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ [النحل:125]، قال سبحانه: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه)، والله يقول سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، فعلى الدعاة أن يلزموا الحلم والصبر والتحمل، ولو آذاهم من آذاهم، وأن يحرصوا على بذل العلم، وتوجيه الناس إلى الخير، وعلى من هداه الله أن يتحمل ولا يكون عنيفاً مع والده، ولا مع إخوته، ولا مع أخواته، بل يكون بالحلم والرفق في توجيههم إلى الخير وتعليمهم، وإرشادهم ونصيحتهم حتى يقبل منه، وحتى لا ينفروا منه، وحتى لا يتسلط عليه أقاربه، عليه بالحلم والرفق في دعوته، وفي نصيحته، وفي جهاده للمنكر، حتى يكون ذلك أقرب إلى الامتثال والاستفادة منه في حق أهله وجيرانه وأصحابه.

    والواجب على أبيه وعلى أمه وعلى إخوته أن يعينوه على الخير، وأن يرفقوا به، وإذا رأوا منه شدة وصلفاً نصحوه، ووجهوه بالتي هي أحسن، حتى يهدأ وحتى يكون على الطريق السوي في دعوته ونصيحته، وتوجيهه غيره.

    فالمقصود التعاون بين الجميع، التعاون على البر والتقوى، فإذا اشتد هو نصحوه بالرفق والحكمة، ولا يزيدونه في شدته عنفاً بل ينصحونه ويوجهونه ويرفقون به، ولا يقاطعونه، وهو كذلك عليه أن يرفق ويعتني بإخوانه حتى لا يكون منه ما ينفرهم منه، يأتي بالأساليب الطيبة، واللينة، والعبارات الحسنة، ويدعو لهم بالتوفيق والخير، هكذا يكون لطيفاً في دعوته، حسن الكلام.. طيب الأسلوب، وعلى والديه أن يعينوه وألا ينفروا منه، وألا يثبطوه وهكذا إخوته، وهكذا أعمامه، هكذا جيرانه، إذا رأوا منه شدة لينوه، وحثوه على الرفق لكن لا يمنعوه من الدعوة، ولا يشددوا عليه ولا ينفروه، بل يساعدونه على الخير.

    هكذا يجب التعاون؛ لأن الله سبحانه يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2], ويقول سبحانه: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

    والقاعدة: أن الإنسان إذا أسلم بعد كفره قد يكون عنده شدة، وهكذا إذا اهتدى بعد فسقه أو بعد جهله، قد يكون عنده شدة يريد أن يطبق، لكن عليه أن يرفق وعليه أن يحلم، وعليه أن يتصبر، الرسول صلى الله عليه وسلم صبر، مكث في مكة ثلاثة عشر سنة مع الكفار، صبر حتى أعانه الله، وحتى يسر الله له الهجرة، وعنده المنافقون في المدينة، وصبر عليهم، فينبغي لك التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله فيه في حقه، وهو في المدينة في موضع سلطانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159]، والآية مدنية، وله السلطان في المدينة، ومع هذا رفق بهم، ولم يشدد عليهم، بل دعا بالرفق والحكمة، وعنده اليهود قبل أن ينفوا، وعنده المنافقون.

    فالواجب الصبر كما صبر النبي صلى الله عليه وسلم، والحلم كما حلم عليه الصلاة والسلام، والرفق كما رفق، واللين كما لان، ففي سيرته الخير والبركة، في سيرته صلى الله عليه وسلم الخير والبركة، وقد قال الله لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون، وفرعون ألعن الناس وأخبث الناس، قال لهما: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44]، وقال الله: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46]، وأهل الكتاب من هم؟ اليهود والنصارى، كفار، ومع هذا قال الله: لا تجادلوهم إلا بالتي هي أحسن، يعني: بالرفق والحكمة حتى يقبلوا، حتى لا ينفروا من الحق، فهكذا إخوانك المسلمون، عليك بالرفق بهم، هم خير من الكفار، وأولى بالرفق من الكفار، فعليك بالرفق والحكمة، لعلهم يقبلون، ولعلهم يستجيبوا لدعوتك، ولعلهم يساعدونك في الخير، ولا ينفروا منك، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.

    1.   

    نظام الشهادات في طلب العلم وما فيه من المصالح والمفاسد

    السؤال: أخونا أيضاً يقول: إن نظام وقوانين الشهادات تسبب في تعطيل كثير من العلم النافع، فلم يوجد المدرس الكفء الصالح الذي يربي النشء تربية حقيقية، وأصبح الطالب لا يهمه إلا حمل الشهادة بغض النظر عن دينه وعقيدته، وفقهه وخلقه, إلى درجة أن بعض الطلبة، بل أيضاً بعض المدرسين لا يعرف كيف يصلي على الجنازة، وأكثرهم لا يصلون الصلوات الخمس، وإذا صلى بعضهم صلى بعض الصلوات وترك البعض الآخر، والسؤال: ما هو الواجب على المدرسين نحو أنفسهم وطلبتهم؛ لأن أغلب الطلبة يتمثلون في مدرسيهم، ويأخذون عنهم الكثير مما هم عليه من الجهل بشرع الله، والإهمال في عبادة الله، والعادات والتقاليد المخالفة لدين الله، والسؤال أيضاً: ما هو الواجب على الطلبة نحو أنفسهم، وما هو الواجب على ولاة الأمور تجاه الطلبة, جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: التنظيم الذي وقع في الناس منذ دهر طويل حصل به مصالح جمة، من تنشيط الطلبة وترغيبهم في طلب العلم، وأخذ الشهادات التي تشجعهم على طلب العلم، والاستعانة بها على الوظائف وعلى مصالحهم الدنيوية، فيه مصالح، وفيه مضار؛ لأن كثيراً من الطلبة لا يطلب العلم للآخرة، وإنما يطلبه للدنيا، ومصالحها وفوائدها، ووظائفها، ففيه خير وشر، فمن طلب العلم لله من طريق النظم المتبعة, فأخذ الشهادات واستعان بها على طاعة الله، وتفقه في الدين نفع الله به الأمة، وصارت هذه الشهادات عوناً له وزاداً له على أداء المهمة، وعلى دعوة الناس إلى الخير، وعلى أن يقدر ويعرف له فضله، ومن استعان بها على الدنيا ونسي الآخرة، صارت حظه من الدنيا ولم يكن له من الآخرة.. ولم يكن له في الآخرة نصيب إذا لم يعمل للآخرة ولم يكدح لها.

    فالحاصل أن هذه الشهادات التي يأخذها الطالب وهذه التنظيمات التي يسير عليها الطالب تنفع المجد الصالح الطيب الذي يريد الآخرة، تنفعه وتعينه, والآخر الذي لا يريد الآخرة ما تزيده إلا خبالاً، ولا تزيده قرباً من الله عز وجل؛ لأنه ما أراد بها الآخرة، وإنما أراد بها الدنيا، وحظها العاجل، وقد يوفق بعض الناس فيتعلم للدنيا ثم يهديه الله ويتعلم للآخرة، ويستفيد كما قال بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله.

    فالواجب على المدرسين أن يتقوا الله، وأن يلتزموا بالإسلام، وبأخلاق الإسلام، وأعمال الإسلام، حتى يكونوا قدوة للطلبة، ولاسيما من يدرس العلوم الشرعية، فإن الواجب عليه أن يكون أقرب الناس إلى الخير، وأكملهم في الخير، وأسبق الناس إلى طاعة الله ورسوله، وأبعد الناس عن معصية الله ورسوله، حتى يتأسى به تلاميذه، وحتى يقتدوا به في الخير.

    والواجب على الأستاذ أيضاً أن يكون حريصاً على تفقيه الطلبة وتشجيعهم على الخير، وترغيبهم فيه، وأن يحثهم على طاعة الله ورسوله، ويحذرهم من معصية الله ورسوله، وأن يحثهم على التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام، وبأهل الخير، وأن يحذرهم من التأسي بأهل الشر، فهو يحثهم باللسان ويحثهم بالعمل، يكون قدوة صالحة في عمله، ومع ذلك هو يرغبهم ويحثهم بلسانه, فيجمع بين الأمرين، بين التشجيع القولي، والتشجيع العملي، فيرون من أعماله وسيرته ما يسرهم وما يعينهم على طاعة الله ورسوله، ويسمعون منه الدرس وفي غير الدرس من الكلام الطيب والتوجيه الصالح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يسرهم ويعينهم على طاعة الله ورسوله، هذا هو الواجب على الجميع.

    وعلى الطالب أن يتقي الله،عليه أن يتقي الله وألا تكون همه.. وألا يكون همه الشهادة، بل عليه أن يتقي الله حتى يستعين بالشهادة على طاعة الله ورسوله، وحتى يستعين بالشهادة على نفع العباد في توجيههم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليم جاهلهم، وإرشاد ضالهم إلى غير ذلك، لا تكن الشهادة وسيلة فقط للدنيا، لا، بل عليه أن يستعملها في أمر الدين والدنيا، يستعين بها على طاعة الله، وينتفع بها في الوظيفة التي يوظف بسببها حتى ينتفع في دنياه وأخراه، فهذه الدور العلمية من معاهد ومدارس وجامعات، أنشئت للعلم في بلاد المسلمين، ولتعليم الناس ولتوجيه الناس إلى الخير، فعلى القائمين عليها أن ينصحوا لله ولعباده، وأن يجتهدوا في توجيه الناس إلى الخير، وإرشادهم إليه، وعلى الطالب أن يتقي الله وأن يجتهد في طلب العلم النافع، وأن يجتهد أيضاً في سؤال أهل العلم، والاستفادة من آرائهم، وأن يكون متواضعاً، يريد العلم، يريد الفقه في الدين، وعليه أن يعمل بعلمه في أقواله وأفعاله، عليه أن يعمل، تعرف عليه آثار العلم في خشيته لله، وفي قيامه بأمر الله، وفي محافظته على طاعة الله، وفي بره لوالديه، وفي صلته لأرحامه، وفي إكرامه لجاره، وفي غير هذا من أعمال الخير، ولاسيما الصلاة في المحافظة عليها، والمسارعة إليها في الجماعة والخشوع فيها، هكذا يكون الطالب الصالح المجد.

    وعلى المدرس أن يعتني بالطلبة ويوجههم وأن يكون قدوة صالحة كما تقدم لهم في الخير كله، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.

    1.   

    موقف المسلم من وسائل اللهو والإعلام

    السؤال: شيخ عبد العزيز, السؤال الأخير لأخينا في هذه الحلقة يقول: ما هو السبيل للحد من الفتن الكثيرة المنتشرة, ويمثل لها بعدة أمثلة شيخ عبد العزيز؟

    الشيخ: منها؟

    المقدم: منها الغناء مثلاً، ومنها الفيديو، ومنها الألعاب، وغير ذلك؟

    الجواب: على طالب العلم أن يتقي الله، وعلى المسلم أن يتقي الله، وعلى المسلمة أن تتقي الله، وأن يبتعد كل منهم عن أسباب الهلكة، لا من جهة الأغاني فإنها تصد عن سبيل الله، وتصد عن ذكر الله، وتقسي القلوب، وسماها الله لهو الحديث كما قال جل وعلا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [لقمان:6], قال أكثر العلماء: إن لهو الحديث هو الغناء وما يصحبه من آلات الملاهي. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع.

    فالواجب الحذر من ذلك، والتواصي بترك ذلك، وإذا كانت معه آلة الملاهي والتي يسمعها الناس أو يراها الناس في الفيديو أو في التلفاز أو غير ذلك، كل هذه الأمور يجب على المؤمن والمؤمنة الحذر منها، وأن لا يسمعا من الإذاعة وأن لا يشاهدا من التلفاز إلا ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وأن يحذر كل منهم أن يرى في التلفاز أو يسمع في الإذاعة ما يضره، بل يغلق التلفاز إذا رأى ما يضره، ويغلق المذياع إذا سمع ما يضره، فيكون حكيماً حريصاً على الاستفادة فيأخذ الفائدة إذا جاءت، ويغلق الآلة عن الشر إذا جاء الشر، سواء كان وحده أو مع أهله، في الحضر أو في البر، مهما كان، فكما يسمع الفائدة من الإذاعة، في نور على الدرب أو في إذاعة القرآن أو ما أشبه ذلك يغلق إذا جاء الشيء الذي لا يرضاه في أي إذاعة.

    وهكذا التلفاز إن رأى ما ينفعه أخذه، وإن رأى ما يضره أغلقه، هذا إذا بلي به، فإن سلم منه وابتعد عنه خوفاً من شره، فهذا أطيب وأحسن.

    1.   

    حكم التسمي باسم محسن

    السؤال: نعود في هذه الحلقة إلى رسالة المستمع محسن عبد العزيز عبد الواحد من جمهورية مصر العربية وهو مقيم في العراق، أخونا عرضنا بعض أسئلته في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة يقول: أنا اسمي محسن , وأحد طلبة العلم قال: إن هذا الاسم غير جائز, ونصحني بتغيير اسمي, فما هو رأيكم جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: نعم قد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على تسمية الله سبحانه بأنه محسن، فلا حرج في ذلك إن شاء الله، قد جاء في حديث جيد لا بأس به، إطلاق اسم المحسن على الله جل وعلا، فهو المحسن سبحانه وتعالى، هو المحسن إلى جميع العباد جل وعلا، فـعبد المحسن لا بأس به، هذا هو الصواب.

    المقدم: هو اسمه محسن وليس عبد المحسن؟

    الشيخ: اسمه محسن؟

    المقدم: نعم.

    الشيخ: فلا بأس أيضاً, لا بأس بمحسن؛ لأن هذا من الأسماء التي يسمى بها، مثل: عزيز، مثل: سميع ، مثل اسم: حليم، ومثل أشباهها؛ لأن أسماء الله ليست تمنع بالنسبة إلى المخلوقين إلا ما يختص به سبحانه، كالخلاق، والرزاق، ومالك الملك، والرحمن الرحيم، والرحمن كذا، وما أشبه ذلك، أما ما يشترك فيه غيره فللعبد ما يناسبه ولله ما يناسبه، فيقال في الشخص: حليم، ويقال: رءوف، ويقال: رحيم، كما قال الله في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.. : بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128], عليه الصلاة والسلام، وهكذا في السميع والبصير، في قوله جل وعلا: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:1-2] ، سماه سميعاً بصيراً.

    فالحاصل أن المخلوق يسمى بعض أسماء الله التي لا تختص به سبحانه، كالسميع والبصير والقدير والحليم والرءوف والرحيم، ونحو ذلك، فالمحسن من ذلك.

    1.   

    حكم جمع المرأة بين الصلوات لأنشغالها بأعمال البيت

    السؤال: أخونا محمد صالح ناجي من مكتبة المجتمع بالخبر عرضنا جزءاً من أسئلته في حلقة مضت, وفي هذه الحلقة يسأل ويقول: ما رأيكم في النساء اللائي يجمعن بين الصلوات؛ نظراً لانشغالهن بأمور البيت؟

    الجواب: لا يجوز هذا, ليس لهن الجمع، الواجب عليهن أن يصلين كل صلاة في وقتها مثل الناس، الظهر في وقتها، والعصر في وقتها، والعشاء في وقتها، والمغرب في وقتها، هكذا شرع الله سبحانه لعباده.

    1.   

    حكم خروج المرأة إلى الأسواق وزيارة الجيران دون علم الزوج

    السؤال: أخونا أيضاً يسأل عن حكم خروج المرأة إلى الأسواق أو إلى الجيران دون أن يعلم زوجها؟

    الجواب: ليس لها أن تخرج إلى الأسواق، ولا إلى الجيران إلا بإذنه، إلا إذا أعطاها إذناً مطلقاً أن تخرج لما تشاء من حاجاتها فلا بأس، وإلا فعليها أن تتقيد بالسمع والطاعة، إذا كان قد قام بحاجتها ولم يقصر فلا تخرج إلا بإذنه، أما إذا كان لا يبالي بها، ولا يعطيها حاجتها فلها أن تخرج لحاجتها، كشراء الخبز، وكشراء الماء، ونحو هذا مما تحتاج إليه، أو استعارة بعض الحاجة من جيرانها؛ لأنه مقصر، أما إذا أعطاها حاجتها المعتادة، فليس لها أن تخرج إلا بإذنه.

    1.   

    ما يلزم الدعاة إلى التوحيد عند وسمهم بأنهم وهابيون

    السؤال: أخونا يسأل أيضاً سماحة الشيخ ويقول: يوجد طائفة من الناس إذا دعوناهم إلى الله سبحانه وتعالى وإلى ترك الشرك بالله اتهمونا بالوهابية، كيف نواجههم لو تكرمتم؟

    الجواب: يعلمون, الوهابية ما هنا مذهب الوهابي, إنما هو طاعة الله ورسوله، الوهابية تدعو إلى ما قاله الله ورسوله، الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي تنسب إليه الوهابية هو رجل قام في النصف الثاني من القرن الثاني عشر يدعو الناس إلى ما قاله الله ورسوله، يدعو الناس إلى عقيدة السلف الصالح، إلى اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والسير على منهج أصحابه في الأقوال والأعمال، فهو حنبلي المذهب ولكنه وفقه الله لدعوة الناس إلى إصلاح العقيدة وترك الشرك بالله عز وجل، وترك البدع والخرافات التي قام بها، وتخلق بها المتصوفة أو أصحاب الكلام، فهو يدعو إلى عقيدة السلف الصالح في العمل وفي العقيدة، وينهى عما عليه أهل الكلام من بدع، وما عليه بعض الصوفية الذين خرجوا عن طريق الصواب إلى البدع، فليس له مذهب يخالف مذهب أهل السنة والجماعة، بل هو يدعو إلى مذهب أهل السنة والجماعة فقط، فإذا دعوت أحداً إلى التوحيد ونهيته عن الشرك، فقالوا: الوهابية فقل: نعم، أنا وهابي وأنا محمدي أدعوكم إلى طاعة الله وشرعه، أدعوكم إلى توحيد الله.

    فإذا كان من دعا إلى توحيد الله وهابي، فأنا وهابي، وإذا كان من دعا إلى توحيد الله ناصبي فأنا ناصبي، وإذا كان من دعا إلى توحيد الله شيعي فأنا شيعي، المهم الدعوة إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتلقيب بالذي ينفر به الناس عن الدعوة لا قيمة له، الواجب على المؤمن أن يتقي الله، وأن يستقيم على أمر الله، ولو قال الناس له ما قالوا، ولو قالوا: منافق، ولو قالوا: وهابي، ولو قالوا: شيعي، ولو قالوا كذا، إذا عرف أنه يدعو إلى توحيد الله وإلى طاعة الله ورسوله كما قال الله ورسوله، فلا يضره المشاغبون والمنفرون بالألقاب التي يخترعونها له، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له الكفار: صابئ، وقالوا له: مجنون، وقالوا له: شاعر، وقالوا: كاهن، وقالوا: ساحر، ما ضره ذلك، استمر في دعوته إلى الله، وعلم الناس توحيد الله، ولم يبال بقولهم له: إنك ساحر أو كاهن أو ما أشبه ذلك.

    فهكذا أتباع الحق، لا يضرهم إذا قيل لهم: وهابي، أو قيل لهم كذا أو قيل لهم كذا، أو قيل: مشدد، أو قيل: منفر، أو قيل: متطرف، أو متعمق، أو كذا أو كذا يلقبونه حتى ينفروا منه الناس، لا ما يضرهم هذا، عليه أن يصبر وعليه أن يوضح للناس الحق وأنه ليس عنده شيء يخالف شرع الله المطهر الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، فالوهابية هم هذا، الوهابية دعاة إلى توحيد الله وإلى طاعة الله ورسوله، وليس لهم مذهب جديد, إنما هم دعاة إلى توحيد الله، وإلى اتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهم في الفقه في الغالب على مذهب الحنابلة، إلا إذا وجدوا شيئاً في المذهب الحنبلي يخالف الأرجح من أقوال العلماء لوجود الدليل الذي يؤيد ما قاله الآخرون، أخذوا بالدليل.

    المقدم: بارك الله فيكم، سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: نرجو ذلك.. نسأل الله التوفيق.

    المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    شكراً لمتابعتكم مستمعي الكرام! وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767958230