مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ, ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين, فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ : حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: نعود في بداية هذه الحلقة إلى رسالة أحد الإخوة المستمعين, يقول المرسل (ي . م . ر), أخونا عرضنا جزءاً من أسئلته في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة يسأل ويقول : رأيت في أحد المساجد في بعض البلدان الإسلامية عندما ينتهون من كل صلاة فريضة يسبحون الله بشكل جماعي، أي: يقول الإمام : سبحان الله، فيقول المأمومون : سبحان الله، إلى أن ينتهوا إلى ثلاث وثلاثين, ويقول الإمام: الحمد لله، ويقول المأمومون مثل قوله, وهكذا.. أفيدونا عن حكم مثل هذا العمل, جزاكم الله خيراً؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه؛ نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا العمل الذي ذكره السائل، وهو أن الإمام والمأمومين يسبحون ويحمدون ويكبرون بصفة جماعية بعد كل صلاة هذا لا أصل له، وليس من السنن المشروعة بل هو من البدع.
الرسول صلى الله عليه وسلم رغب الناس أن يسبحوا ويحمدوا ويكبروا ثلاثاً وثلاثين بعد كل صلاة، ولم يكن يفعل ذلك معهم بصفة جماعية بل كان يذكر الله في نفسه, وكل واحد من الجماعة يذكر الله في نفسه، هذا هو المشروع، فكل واحد يشتغل بنفسه, فالإمام بنفسه, وكل واحد من الجماعة كذلك, فيقول بعد السلام (أستغفر الله, أستغفر الله, أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام, تباركت يا ذا الجلال والإكرام)، يقوله الإمام والمأموم والمنفرد, هذه السنة، لما ثبت عن ثوبان رضي الله عنه مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام), وثبت عن عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم أنه: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قوله: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام, انصرف إلى الناس وأعطاهم وجهه الكريم عليه الصلاة والسلام)، فهذا يدل على أن الإمام يأتي بهذا قبل أن ينصرف، حال كونه مستقبلاً القبلة، ثم ينصرف إلى الناس فيقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير)، وإن زاد قال: (يحيي ويميت)، فكل هذا ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، ويقول أيضاً : (لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله, ولا نعبد إلا إياه, له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، هذا ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم, بعضه من حديث المغيرة بن شعبة وبعضه من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عن الجميع, وقال عليه الصلاة والسلام: (من سبح الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسع وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير؛ غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر), خرجه مسلم في صحيحه، فهذا يدل على شرعية هذا الذكر, وأن كل واحد يقوله بنفسه, ما يحتاج إلى أن يكون معه غيره، فأداء ذلك بصفة جماعية من الجماعة أو من الجماعة مع الإمام كل ذلك لا أصل له، وقد قال عليه الصلاة والسلام : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، يعني: فهو مردود، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد), متفق على صحته.
فنصيحتي لمن يفعل هذا أن يدع ذلك وأن يسبح كل واحد بنفسه مستقلاً من دون مشاركة غيره, رزق الله الجميع التوفيق واتباع السنة .
فأنا مستمع مصري لبرنامجكم الكريم، وأود أن أطرح على سماحتكم السؤال التالي : إن الدجاج الأبيض يضاف للعلف الذي يتناوله الدم، فهل هذا الدجاج صالح للأكل أم أنه حرام؛ لأنه قد ذكر في كتب الفقه أن الحيوانات والطيور التي تتغذى على القاذورات إلى أن يتغير ريحها يطلق عليها اسم الجلالة, وهي تعتبر نجاسة, فإذا حبست وغذيت بالطعام الطبيعي حتى تزول عنها الرائحة الكريهة يزول عنها اسم الجلالة, ولا تكون نجاسة، السؤال: هل يدخل الدم ضمن ما يمكن أن نطلق عليه قاذورات أم لا؟ جزاكم الله خيراً, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته, عبد رب النبي أحمد جابر.
الجواب: نعم، إذا كان الطير وهو الدجاج ونحوه، أو البهائم الأخرى كالغنم والبقر والإبل، إذا تغذت بالنجاسات تسمى جلالة؛ إذا غلب عليها ذلك، أما إذا كان الشيء يسيراً من الدم أو غيره والغالب عليها الشيء الطيب من الطعام الطيب فإنها لا تسمى جلالة، ولا يضرها ذلك, ولا بأس بأكلها, فإذا كان الذي يجعل في علفها من الدم شيء يسير فإنه لا يضر, إذا غلب عليها الطعام الطيب والشيء الطيب فإنها لا تعتبر جلالةً ولا تعتبر نجسة، فإذا غلب عليها القاذورات من النجاسات أو من الدماء فإنها تحبس مدة مناسبة، وتعلف الطيب ثم تطهر بعد ذلك, وإذا حبست الدجاجة ثلاثة أيام كفى ذلك كما كان ابن عمر يفعل ذلك رضي الله عنه، وإذا حبست الشاة أكثر من ذلك كسبعة أيام أو أكثر, والبقرة كذلك سبعة أيام أو أكثر, وتعلف الطيب زال حكم القاذورات، والله ولي التوفيق.
نرجو من سماحتكم أن تقولوا لنا رأيكم في مسألة احترنا فيها بسبب تعدد الآراء وهي: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر), ويقول عليه الصلاة والسلام : (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة), فنرجو من سماحتكم أن توضحوا لنا معنى كلمة الكفر، ومتى يعد المرء كافراً؟ وهل المقصود من الحديث أن تارك الصلاة يعتبر كافراً إذا تركها تكاسلاً وخمولاً، أم إذا تركها جحوداًوإنكاراً، أم إذا تركها بأي حال من الأحوال, أفتونا في ذلك جزاكم الله خيراً, أخوكم في الله حازم كمال, الكويت؟
الجواب: ترك الصلاة من أعظم الجرائم، ومن أعظم الكبائر؛ لأن الصلاة عمود الإسلام؛ ولأنها أعظم الأركان بعد الشهادتين, فإن تركها جاحداً لوجوبها، أو مستهزئاً بها.. ساخراً بها، ولو فعلها فهذا يكون كافراً بإجماع المسلمين، ويكون مرتداً عن الإسلام إذا تركها جاحداً لوجوبها أو استهزأ بها وسخر منها، فإن هذا يعتبر كافراً كفراً أكبر ومرتداً عن الإسلام بإجماع المسلمين.
أما إذا تركها تكاسلاً وتساهلاً، وهو يعلم أنها واجبة وليس ساخراً بها ولا مستهزئاً بها، ولكنه يحترمها ولكنه ربما تركها في بعض الأوقات تساهلاً وتكاسلاً كما يفعل بعض الناس في صلاة الفجر لا يصليها، وربما ترك صلاة العصر أو صلاة العشاء أو نحو ذلك, فهذا فيه خلاف بين أهل العلم, فمن أهل العلم من قال: إنه يكون كافراً كفراً أكبر, ويحتج بالحديثين الذين ذكرتهما أيها السائل، وهما حديثان صحيحان عن النبي عليه الصلاة والسلام, أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر), خرجه الإمام أحمد بن حنبل في المسند بإسناد جيد، وخرجه أيضاً أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وآخرون بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة, فمن تركها فقد كفر), والحديث الثاني قوله صلى الله عليه وسلم : (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة), خرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام.
قالوا: والكفر إذا عرف فهو الكفر الأكبر, وهكذا الشرك إذا عرف فهو الشرك الأكبر, فمعنى: بين الرجل وبين الوقوع في الكفر الأكبر والشرك الأكبر تركه الصلاة، وهذا يعم من تركها جاحداً ومن تركها متكاسلاً, وهذا القول هو الصواب وهو الأصح من قولي العلماء، أن من تركها تكاسلاً يكون كافراًكفراً أكبر، ويدل على هذا أيضاً الحديث الثالث وهو قوله صلى الله عليه وسلم، لما سئل عن الأمراء الذين يخلون بالدين بعده عليه الصلاة والسلام, قال للناس: (إنه سيلي عليكم أمراء, فتعرفون وتنكرون, قالوا: يا رسول الله! أفلا نقاتلهم؟ قال: لا, إلا أن تروا كفراً بواحا، عندكم من الله فيه برهان), هكذا جاء في الحديث الصحيح في الصحيحين, وفي رواية قال: (ما أقاموا فيكم الصلاة), فدل على أن ترك الصلاة وعدم إقامتها يعتبر من الكفر البواح، الذي يوجب القيام على الوالي إذا ترك ذلك, ويعتبر بذلك كافراً كفراً بواحا, يجب أن يقام عليه من المسلمين حتى يولى غيره على المسلمين.
فالمقصود أن ترك الصلاة على الأصح يعتبر كفراً بواحاً.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى تأويل هذين الحديثين وأن المراد كفر دون كفر، وشرك دون شرك، وأنه لا يكفر بذلك إلا إذا جحد وجوبها أو استهزأ بها، بل يكون عاصياً وقد أتى جريمة عظيمة وكبيرة عظيمة، ولكن لا يكون كافراً كفراً أكبر، وهذا هو المعروف من مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وجماعة, ولكن القول الأول أصح وأصوب وأقرب للدليل.
فالواجب على كل مسلم أن يحذر ذلك, وأن يستقيم على أداء الصلاة، وأن لا تمنعه وظيفته أو شهواته من إقامة الصلاة في وقتها، بل يجب أن يحذر ذلك, وكذلك لا يجوز له أن يطاوع جلساء السوء في ذلك, بل يجب أن يحذر ذلك وأن يكون قوياً على جلساء السوء يأمرهم بالصلاة ويعينهم عليها، وإذا تركوا فارقهم وخالفهم وأداها في وقتها، فهذه نصيحتي لكل مسلم، فليتق الله كل مسلم, وليحذر ترك الصلاة، فإن تركها من أعظم الجرائم بل تركها كفر أكبر في أصح قولي العلماء، بسببه لا يجوز له أن تبقى معه زوجته المسلمة, بل عليها أن تفارقه، وأن تمتنع منه حتى يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من ترك الصلاة. رزق الله الجميع العافية والهداية.
المقدم: اللهم آمين. إذاً إذا أذن لي سماحة الشيخ في ملخص للإجابة: من تركها تكاسلاً وتهاوناً فهو كافر ؟
الشيخ: نعم كفر أكبر في الصحيح.. في أصح قولي العلماء.
المقدم: كمن تركها جاحداً لوجوبها؟
الشيخ: كمن تركها جاحداً, لكن من تركها جاحداً هذا بالإجماع.
المقدم: من تركها جاحداً؟
الشيخ: فقد أجمع المسلمون على أنه كافر كفراً أكبر، لكن من تركها تكاسلاً وهو يعلم أنها واجبة، ويعترف أنها واجبة، ولكن يحمله الكسل والتهاون وقلة المبالاة على تركها فهذا هو الذي فيه الخلاف، والصواب أنه يكون كافراً كفراً أكبر للأحاديث التي سمعت في الجواب .
الجواب: نعم, لها أن تفسر القرآن إذا كان عندها علم، تنقل من كلام المفسرين وتفسر من كلام أهل التفسير المعروفين كـابن كثير وابن جرير والبغوي وغيرهم من أهل العلم، إذا كانت على بصيرة وعلى علم فلها أن تفسر ولو كانت في حالة الدورة الشهرية، أو في حال النفاس؛ لأن الصحيح من أقوال العلماء أن لها أن تقرأ عن ظهر قلب، ليست مثل الجنب, الجنب مدته قصيرة, فليس له القراءة حتى يغتسل, أما الحائض والنفساء فمدتهما طويلة، فلا بأس أن تقرأا عن ظهر قلب وإن كانتا في مدة الحيض والنفساء على الصحيح، وأما حديث ابن عمر المعروف : (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن تقرأ الحائض والجنب شيئاً من القرآن), فهو عند أهل العلم ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وهو عندهم ضعيف، إذا روى عنهم ضعيف عند أهل العلم, وإنما تعتبر روايته عن الشاميين .
الجواب: التكرار سنة مستحب, والواجب مرة, يتمضمض مرة، ويستنشق مرة، ويغسل وجهه مرة وذراعيه مرة مرة، ويمسح رأسه وأذنيه مرة، ويغسل رجله اليمنى مرة مع الكعبين، واليسرى مرة مع الكعبين، هذا الواجب, وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وتوضأ مرة مرة، كما في البخاري في الصحيح, وإن توضأ مرتين مرتين فهذا أفضل من المرة, وإن توضأ ثلاثاً فهي النهاية وهو الكمال .نعم .
المقدم: بارك الله فيكم.
الشيخ: لكن الرأس لا يمسح إلا مرة مطلقاً.
المقدم: حتى وإن غسل بقية الأعضاء ثلاث مرات؟
الشيخ: إلا الرأس فإنه يمسح مرة واحدة, يقبل بيديه ويدبر مرة واحدة؛ لأن هذا هو المحفوظ من فعله صلى الله عليه وسلم.
الجواب: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم), والله يقول فوق ذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1], فإذا تعاقدت المرأة أو الرجل مع الخياط على شيء معلوم، وجب عليهم أداؤه مرتفعاً أو غير مرتفع, (المسلمون على شروطهم), ويقول عمر رضي الله عنه: مقاطع الحقوق عند الشروط, فإذا اتفقا على أنه يخيط هذا الثوب بعشرة أريل.. بعشرين.. بثلاثين, واتفقا على هذا, وسلموا له الثوب، وجب عليهم أن يؤدوا له الأجرة.
الجواب: على ظاهر الآية.. (إن الله لا يستحي) الحياء يوصف به الرب جل وعلا, كما في الحديث: (إن ربكم حيي كريم), وفي الحديث الآخر: (أن ثلاثةً دخلوا المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يذكر الناس, فجاء أحدهم فجلس في الحلقة يستمع، والثاني جلس خلفها، والثالث خرج، فلما فرغ النبي من حديثه عليه الصلاة والسلام، قال: ألا أنبئكم بشأن الثلاثة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: أما أحدهم فآوى فآواه الله، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه), متفق على صحته.
فالمعنى أنه يوصف ربنا بالحياء على الوجه الذي يليق به, هو ليس من جنس حيائنا بل حياء الله يليق به, لا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى، مثلما نصفه بأنه يضحك، ويغضب، ويرضى، ويرحم، ويحب، ويكره، كل ذلك على الوجه الذي يليق به سبحانه وتعالى: نَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222], ِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8], (إن الله يرضى لكم ثلاثاً)، (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة), إلى أحاديث أخرى.
فالمقصود أن الله جل وعلا موصوف بالصفات التي أخبر بها عن نفسه، أو أخبر بها رسوله عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الصحيحة، لكن على الوجه اللائق بالله, نمرها كما جاءت كما قال أهل السنة والجماعة، نمرها كما جاءت مع الإيمان بها واعتقاد أنها حق، وأنها تليق بالله لا يشابه فيها خلقه سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4], وقال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11], وقال سبحانه: َفلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74], قال مالك رحمه الله مالك بن أنس إمام دار الهجرة في زمانه في القرن الثاني، وهكذا قال سفيان الثوري وابن عيينة وقول إسحاق بن راهويه والأوزاعي وأشباههم قالوا في آيات الصفات وأحاديثها: أمروها كما جاءت, أمروها بلا كيف. يعني: أمروها واعتقدوا معناها، وأنه حق لائق بالله لا يشابه في ذلك خلقه, فهكذا الحياء : إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً [البقرة:26], وفي آية الأحزاب : وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53], فهو سبحانه لا يستحي أن يضرب الأمثال بالبعوضة، أو بالعنكبوت، أو بالذباب، كما وقع في سورة العنكبوت.. في سورة الحج، ضرب المثل بالذباب, كل هذا حق لبيان الحق وإيضاح الحق لعباده سبحانه وتعالى، فليس في هذا حياء, وكذلك رسله وأنبياؤه وأهل العلم لا يستحون أن يوضحوا للناس الحق بالأمثال, وإن كانت الأمثال بأشياء حقيرة من الدواب.
فربنا يوصف بالحياء، ويقال: إنه حيي كريم، ويقال: إنه لا يستحي من كذا وكذا على الوجه اللائق بالله, لا يشابه خلقه في شيء من صفاته, ولا يماثلهم, بل هو موصوف بصفات الكمال على الوجه اللائق بالله, ولا يعلم كيفيتها إلا هو، فهو يضحك ولا نعلم كيف يضحك, الله الذي يعلم هذا سبحانه, لكن نعلم أنه ضحك ليس مثلنا، بل هو ضحك كامل يليق بالله لا يشابه ضحك المخلوقين، كذلك يرضى ونعلم أنه يرضى، ولكن ليس كرضانا، نعلم أنه يرحم ليس كرحمتنا، نعلم أنه يغضب ليس كغضبنا، نعلم أنه سميع ليس كأسماعنا.. بصير ليس كأبصارنا, وليس كإبصارنا وسمعنا, كل هذا يليق بالله, وهكذا بقية الصفات, كلها تليق بربنا لا يشابه فيه خلقه في وجه من الوجوه، خلافاً لأهل البدع من الجهمية والمعتزلة ومن شاركهم في بعض ذلك كـالأشاعرة، وما أشبه ذلك.
الواجب على المسلم أن يتقي الله، وأن يسير على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى منهج أئمة السنة لأهل السنة والجماعة، وذلك بالإيمان بأسماء الله وصفاته وإمرارها كما جاءت واعتقاد أنها حق، وأنها لائقة بالله وأنه سبحانه ليس له مثيل ولا شبيه ولا نظير, وأنه أعلم بصفاته وكيفيتها من خلقه سبحانه وتعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11], فنمرها كما جاءت، ونقول: إنها حق, لكن من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل نقول كما قال السلف الصالح : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11], سبحانه وتعالى.
الجواب: لا حرج في ذلك، إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما في صلاة التراويح والقيام، إذا قرأ من المصحف لا حرج في ذلك، والأفضل أن يرتب الآيات, ولا يخل بذلك, فإن قرأ بعض آيات في ركعة وآيات أخرى؛ لأنه ما يحفظ إلا ذلك أو لأن قراءته لبعض الآيات غير مستقيمة، فيقرأ الآيات قراءة مستقيمة, والتي يعجز عنها يؤخرها فلا بأس بذلك.
المقصود أنه لا حرج إذا كان لمصلحة شرعية، أن يقرأ بعض الآيات ويترك بعض الآيات؛ لأنه يقيم هذه الآيات وقد درسها وحفظها، ولأنه لا يستطيع يقيم الآيات الأخرى؛ لأنه ما درسها كما ينبغي ؛ أو لأنه يحفظ هذه ولا يحفظ هذه, كل ذلك لا حرج فيه.
الجواب: لا ينبغي ذلك, السنة سجدتان فقط، ولو سها مائة مرة, لو سها الإنسان في صلاته مائة مرة, السنة له سجدتان فقط، لا يزيد على ذلك, ولا يجوز الزيادة على ذلك, فلو مثلاً قام عن التشهد الأول في الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء، قام عن التشهد ناسياً ثم مثلاً نسي التسبيح في الركوع: (سبحان ربي العظيم), أو نسي التسبيح في السجود: (سبحان ربي الأعلى), أو نسي (رب اغفر لي) بين السجدتين، أو نسي بعض التكبيرات عند قيامه أو قعوده، فإنه يكفيه سجدتان فقط عن الجميع كلها، وليس له أن يكرر سجدتين أخريين، لا, سجدتان كافيتان عن جميع السهو, هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه في بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام سلم من ثنتين، وقام واستقبل الناس يظن أنه أكمل الصلاة, فنبه عليه الصلاة والسلام, فقام وكمل صلاته، ولم يسجد سوى سجدتين مع أنه سلم تسليمتين, وقام وذهب ورجع, فأتى بأشياء من الأعمال ساهياً، ولكن سجد سجدتين فقط عليه الصلاة والسلام.
المقدم: جزاكم الله خيراً ! كأني فهمت سماحة الشيخ جانباً آخر للسؤال.
الشيخ: نعم.
المقدم: وهو أنها تصلي الظهر مثلاً ثم تصلي سجود السهو, ولو لم تلاحظ أنها سهت، وتصلي العصر ثم تصلي سجود السهو, وهكذا؟
الشيخ: لا, هذا غلط, هذا ما يجوز, ما دام ما عندها سهو لا تسجد سجدتي السهو, الأوهام ما تصلح، الأوهام والوساوس ما تجوز، هذا من عمل الشيطان, إنما تسجد للسهو إذا علمت أنها سهت سهواً يوجب سجود السهو, علمت أنها مثلاً تركت التشهد الأول وقامت ناسية, علمت أنها مثلاً نسيت (سبحان ربي الأعلى) في السجود، نسيت (سبحان ربي العظيم) في الركوع, فالأصح في هذا أنها تسجد للسهو في مثل هذا، وإن كان بعض أهل العلم لا يرى ذلك واجباً , لكن الصحيح أن التشهد الأول واجب, وأن (سبحان ربي الأعلى) في السجود واجب، و(سبحان ربي العظيم) في الركوع واجب، ولو مرة واحدة, (رب اغفر لي) بين السجدتين واجب على الأصح, فمن تركه ساهياً، سجد له, فلو اجتمعت هذه الأمور, سها في التشهد الأول، وسها في ترك التسبيح في الركوع أو في السجود يكفي سجدتان، والحمد لله.
وهكذا لو مثلاً شك هل سجد سجدة أو سجدتين، فأتى بسجدة ثانية ليتيقن أنه سجد سجدتين فإنه يكفي سجدتان للسهو عن هذا وعن السهو الآخر.
المقدم: جزاكم الله خيراً.
سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى، على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين, وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك .. نرجو ذلك.
المقدم: اللهم آمين، مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لمتابعتكم مستمعي الكرام, وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر