مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ: عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة مطولة وباعثتها إحدى الأخوات المستمعات تقول المرسلة: (هـ. ع. أ) أختنا أرفقت برسالتها قصاصة من إحدى الصحف المصرية تتحدث عن تاريخ النقاب وتقول في رسالتها:
إلى سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة مصرية مقيمة في المملكة العربية السعودية أرتدي الحجاب الكامل ولله الحمد، وكذلك عندما أعود إلى بلدي وأقصد الحجاب الكامل -النقاب- والذي يتحدث فيه عن النقاب بهذا الأسلوب الذي يتميز بالجهل كما تقول، يتميز بالجهل بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف كما أحزنني أيضاً تصور الكثيرين في بلدي عن مكروهية لبس النقاب حتى أنه منع ارتداؤه في الجامعات، وحرم دخول الجامعات المصرية على أي طالبة ترتدي النقاب واعتباره من الأمور الداخلة على الإسلام ومن البدع، ولأنني مقتنعة بوجوب غطاء الوجه على نساء المسلمين، ولخوفي من أن يختلط الحق بالباطل، فإنني أتوجه لسماحتكم بالسؤال عن فائدة المؤتمرات الإسلامية، التي تنعقد كل آونة من الزمن، لماذا لم تناقش مثل هذه الأمور التي سيكون نقاشها مفيداً للناس، وتستمر على هذا المنوال سماحة الشيخ، وترفق المقالة التي قرأتها في تلكم الصحيفة، والمقالة تتحدث عن تاريخ النقاب، وتاريخ النقاب كما سردته هذه القصاصة يبعده عن الإسلام فما هو رأي سماحة الشيخ؟!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإني أشكر للسائلة اهتمامها بأمر الحجاب وأمر الإسلام بصفة عامة، وحرصها على تحجبها، وعلى معرفة ما شرع الله في الحجاب، وأن تقف على الحقيقة هي وأخواتها في الله، فأقول:
الحجاب شرعه الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمسلمين بعد الهجرة والناس في المدينة، بعدما هاجر عليه الصلاة والسلام كانت المرأة أولاً: تجلس مع الرجال غير متحجبة، غير متنقبة، ثم أنزل الله جل وعلا آية الحجاب في قوله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، فبين سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الرجال والنساء، وأبعد عن الإثم والشر والفساد، فلو لم يكن في الحجاب إلا هذه الآية لكانت كافية، لما فيها من الدلالة على وجوب الحجاب وبيان الحكمة في ذلك، وأن الحكمة أنه طهارة لقلوب الجميع من الفواحش وأسبابها وما يدعو إليها، وقال سبحانه أيضاً في نفس السورة: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59]، فبين سبحانه وتعالى أن الواجب على جميع المسلمين إدناء الحجاب، ولا فرق.. بين نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيرهن، قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:59]، فالآية عامة، تعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبنات النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء المؤمنين، وأن الواجب أن يدنين عليهن من جلابيبهن، والجلباب ما يلبس على الثياب من الملاحف التي تكون على الرأس، وعلى بقية البدن، ويستر منها الوجه واليدان، هذا هو الجلباب، وقد تخص المرأة الوجه بنقاب خاص، تجعله عليه، لا يظهر منه إلا العين أو العينان، والبقية مستور، ولهذا قيل له: نقاب، لما فيه من النقب للعين أو العينين، هذا هو أصل الحجاب في منتصف الهجرة، بعدما مضى من الهجرة أربع سنوات أو خمس سنوات شرع الله الحجاب، الذي به ستر المرأة وبه بعدها عن أسباب الفتنة، وبعد الرجل عن الفتنة أيضاً.
فمن أنكر الحجاب وزعم أنه بدعة في الإسلام فهو جاهل في الإسلام وهو في الحقيقة داعية إلى أسباب الشر.
فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين الهداية، وأن لا نقول على الله بغير علم، كما أسأله لجميع علماء المسلمين التوفيق والهداية، حتى يبصروا الناس وحتى يرشدوهم إلى ما يجب عليهم في أمر الحجاب وغيره، وقد قال الله سبحانه في سورة النور: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية، إلى أن قال في آخرها: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31] ثم قال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
فأرشد المؤمنين لغض الأبصار، وحفظ الفروج في أول الآيات، في قوله سبحانه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، ثم أرشد المؤمنات إلى عدم إبداء الزينة وإلى عدم الضرب بأرجلهن ليعلم الرجال ما يخفين من زينتهن، ثم حث الجميع على التوبة إلى الله سبحانه مما قد يقع من التقصير في أمر الله، والارتكاب لمحارم الله عز وجل، وقوله عز وجل: إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، فسره جماعة بأن المراد بذلك: الملابس الظاهرة، كما قاله الإمام الكبير والعلامة الشهير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن كبارهم: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال آخرون: إنه الوجه والكفان كما جاء عن ابن عباس وجماعة، ولكن قال جماعة من أهل العلم مراد ابن عباس يعني: قبل الحجاب، قبل وجوب الحجاب، كانت المرأة تبدي وجهها وكفيها قبل الحجاب.
ومراده (ما ظهر منها) يعني: قبل النسخ، قبل أن ينسخ الحجاب، وأما بعد الحجاب، فالواجب كما قال ابن مسعود هو ستر الوجه وغيره، وبكل حال فالآيات واضحة في أن الحجاب يعم الوجه وغيره، والوجه هو عنوان المرأة ودليل جمالها، أو دمامتها وهو من أولى البدن بالستر، وهو أعظم الزينة وأظهر الزينة، وقد قال الله في الآية: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31]، فالرأس والوجه والكفان والقدمان كلها من الزينة، فوجب على المرأة أن تسترها حتى لا تقع في فتنة ولا توقع غيرها في فتنة.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما كانت غزوة الإفك وجرى فيها ما جرى من فرية بعض الناس عليها رضي الله عنها؛ بسبب تخلفها عن الجيش لما ذهبت لقضاء حاجتها، وظن الذين يحملون هودجها أنها فيه؛ لأنها كانت خفيفة، وظنوا أنها فيه ورحلوا هودجها وجاءت من قضاء حاجتها، فلم تجد الجيش فلزمت مكانها، لزمت مكانها حتى مر عليها صفوان بن معطل فلما رآها استرجع وأناخ مطيته، وأركبها إياها وجعل يقود بها حتى أوصلها الجيش، قالت: (فسمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون فخمرت وجهي، وكان قد رآني قبل الحجاب)، فعلم بذلك من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن الحجاب كان بعد نزول آية الحجاب للوجه وغيره، قالت: فخمرت وجهي وكان قد رآني قبل الحجاب، فعلم أنه بعد الحجاب لا يكشف الوجه ولا يرى، وإنما كان هذا قبل الحجاب، وهذا واضح في الرد على من أنكر الحجاب وزعم أنه بدعة أو زعم أنه لا يجب فعله، هذا الحديث مع عموم الآيات التي سبق ذكرها، كل ذلك دال على وجوب الحجاب، وأن هذا بعد نزول آية الحجاب وبعدما شرع الله للمسلمين الحجاب الكامل، فلا ينبغي لأحد أن يغتر بما يقوله بعض الناس في هذا الباب، وينبغي له أن يلزم ما هو الحق، وما هو الصواب، وما هو الأبعد عن الفتنة.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
أما ما يتعلق بالمؤتمرات فأسباب عدم عنايتها بأمر الحجاب أمران:
الأمر الأول: وضوح الأمر وأنه ليس بحاجة إلى أن يبحث في المؤتمرات؛ لأنها مسألة جزئية معلومة من الدين ظاهرة يعرفها العلماء ويعرفها الناس.
والأمر الثاني: قلة من يطلبون المؤتمر ذلك، ولعل أي مؤتمر لم يطلب منه ذلك حتى يدرج هذا الموضوع في جدوله، والمؤتمرات تعقد لأشياء يطلب منها بحثها، وأن توضع في جداولها، فلعل أحداً لم يتقدم إلى تلك المؤتمرات الإسلامية لبحث موضوع الحجاب، فلهذا لم يوضع في جدولها، وللأمر السابق وهو أنه أمر واضح وأمر ليس بالخفي حتى يوضع في المؤتمرات.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
الشيخ: الحجاب نوعان:
نوع: بإسدال الخمار على الوجه، كما في وقت الإحرام، يسدل الخمار من على الرأس، الخمار ونحوه من الملابس التي توضع على الرأس ويسدل على الوجه حتى يغطي الوجه غطاءً لا يمنع أن تعرف طريقها، غطاء يستر الوجه ولكنه لا يمنع الرؤية التي تهديها الطريق، هذا نوع، وهذا الذي فعله أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الحج، لما منعت المرأة من الانتقاب حال الإحرام، شرع لها أمر آخر وهو أن تسدل الحجاب على وجهها حتى لا يراها الناس، وحتى لا تفتن أحداً ولا تفتن.
والنوع الثاني: هو النقاب الذي يخاط على الوجه ويصلح لقدر الوجه يقال له: النقاب، وبعض الناس الآن في عهدنا يسميه البرقع، وبعضهم يسميه اللثام، فالحاصل أنه شيء يخاط على قدر الوجه، ويكون فيه نقب واحد أو نقبان، إما لعين واحدة وإما للعينين، تنظر به الطريق ويكون ساتراً للوجه كله، هذا هو النقاب، فالنقاب ممنوع في حق المحرمة، ولكن في حق غير المحرمة ليس بممنوع، إن شاءت وضعت الحجاب الذي هو الخمار، وإن شاءت وضعت النقاب، والخمار أكمل في الستر، إذا تيسر هو أكمل كما يفعل في وقت الحج، والعمرة وقت الإحرام، ومن دعتها الحاجة إلى النقاب، وكان عرف بلدها، ولا تستطيع غيره، أو ترى أنه كافي، ليس هناك ما يوجب عليها الحجاب فلا بأس؛ لأنه إذا كان الظاهر مجرد العين فقط، أو العينين كما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما فلا بأس بهذا. نعم.
المقدم: بارك الله فيكم، إذاً: علاقة النقاب بالتاريخ الإسلامي أو بالتشريع الإسلامي، شيخ عبد العزيز ؟
الشيخ: علاقته بالمدينة، الحجاب الكامل كان في المدينة، أما أصل الحجاب فهو جاءت به الشرائع كلها، أصل الحجاب جاءت به الشرائع كلها، أما أصل الحجاب فهو في المدينة، بعدما مضى سنوات من الهجرة، والنقاب داخل في ذلك، هو نوع من الحجاب.
المقدم: هل وجد قبل الإسلام؟
الشيخ: ما أعرف..، لا أعلم شيئاً في ذلك.
هناك عادة متبعة بين أفراد إحدى القبائل تتمثل بأنه يجب على كل من يحضر ختان المولود الذكر دفع مبلغ من المال للوالد يتراوح من خمسين إلى مائة ريال، ما رأي سماحتكم في هذه العادة من الناحية الشرعية؟
الجواب: إذا كان من عادة القبيلة، أو من عادة الأقارب بينهم الإهداء إلى أصحاب المولود في وقت الختان، أو في وقت العقيقة، أو في أي وقت بعد الولادة فلا حرج في هذا من باب التبرع ومن باب التعاون لا نعلم بأساً في ذلك، كما أن من عادة الكثير من الناس مساعدة المتزوج إذا بلغهم أنه سيتزوج أو دعاهم إلى الوليمة ساعدوه في الزواج؛ كل هذا من باب التعاون على الخير، والمسلمون شيء واحد يتعاونون على البر والتقوى وعلى مصالحهم وعلى سد حاجة الفقير، ولا سيما إذا كان صاحب المولود فقيراً فإن مساعدته من أهم القربات، لا في العقيقة ولا في غيرها.
الجواب: هذا فيه تفصيل:
إذا كان الذي يعيش مع تارك الصلاة مطلقاً أو في بعض الأحيان، إذا كان الذي يعيش معه له القوة عليه، وله القدرة عليه، بالنصيحة والتوجيه ولا يخشى من شره، فلا مانع من إقامته معه، والاستمرار في نصيحته، وتوجيهه إلى الخير، والأخذ علي يده ونحو ذلك من أسباب هدايته وصلاحه، مع بيان كراهته لعمله، وغضبه على ذلك، وإظهاره له الكراهة لعمله، والهجرة لما هو عليه من الباطل، بأن يتغير عليهم وتكون معاملته مثل معاملة من يكره عمله ومن لا يرضى عمله، ومن يرجو هدايته ، فإذا كانت الإقامة فيها مصلحة شرعية ولدعوته كالوالد مع ولده، والأم مع ولدها، والأخ الكبير مع أخيه الصغير، لعله يهتدي، فهذا يرجى فيه الخير، أما إذا كان المقيم يخشى من هذا التارك للصلاة؛ لأنه أكبر منه، أو لأنه مسئول عليه، أو لأنه زين له الباطل، ويدعوه إلى عمله السيئ، فينبغي له الخروج من ذلك وعدم الإقامة معه لئلا يضره ولئلا يجره إلى باطله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر