إسلام ويب

شرح الحموية [2]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن آيات الصفات، وعن عقيدة أهل السنة في صفات الله عز وجل، فبدأ إجابته بأن القول في الصفات هو ما قاله الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما قاله السلف الصالح وأئمة الهدى في هذا الباب، ثم بين أن الله تعالى بعث نبيه بالهدى ودين الحق، وإذا كان كذلك فمن المحال أن يترك هذا الباب من دون بيان لما يجب أن يعتقد فيه.
    قال المصنف رحمه الله: [بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. سئل شيخ الإسلام العالم الرباني تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات، كقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ [فصلت:11] إلى غير ذلك من آيات الصفات، وأحاديث الصفات كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن) وقوله: (يضع الجبار قدمه في النار) إلى غير ذلك؟ وما قالت العلماء فيه؟ وابسطوا القول في ذلك مأجورين إن شاء الله تعالى].

    الملاحظ في السؤال أنه وقع على ما يتعلق بالصفات الفعلية كمسألة الاستواء على العرش، وكذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح: (إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن)لأن الصفات اللازمة -في الجملة- ليست محل إشكال عند الأشعرية.

    [فأجاب رضي الله عنه: الحمد لله رب العالمين، قولنا فيها ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره].

    هذه المقدمة هي مقدمة يحصل بها أن التدين في أصول الدين، بل وفي غيرها لا يصح إلا بما كان في كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وما أجمع عليه السلف، فهذه الأصول الثلاثة مجمع عليها.

    أما في الفقه فإن ثمة بعض محال الاستدلال التي هي محال نزاع عند الفقهاء، كالقول في القياس؛ فإن جمهور الأئمة يعتبرونه وإن كانوا يختلفون في درجة اعتباره، وكالقول في حجية قول الصحابي والمصالح المرسلة والاستحسان وأمثال ذلك.

    أما في مسائل أصول الدين فإن الاعتبار يكون بالكتاب والسنة والإجماع.

    فإن جميع أصول الدين متحققة من جهة الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع، فلا يوجد أصل من أصول الدين لا يقع الاستدلال عليه إلا بالقرآن وحده، ولا يوجد أصل من أصول الدين لا يقع الاستدلال عليه إلا بالسنة وحدها، ولا يوجد أصل لا يقع الاستدلال عليه إلا بالإجماع وحده، بل كل أصل من أصول الدين عليه دلائل من الكتاب والسنة والإجماع.

    على ماذا يترتب الإجماع

    من المعلوم أن الإجماع لا ينعقد إلا مع نص، وهذا يقرره الأصوليون، وإن كان بعض المتكلمين من الأصوليين ومن وافقهم من الفقهاء الذين تكلموا في الأصول يعارضون في هذا، إلا أنه لا شك أن هذه المعارضة غلط محض، وبإجماع السلف؛ فإن الإجماع يدل على ثبوت النص في المجمع عليه.

    لكن يبقى أنه إذا انعقد إجماع العلماء فهل يلزم بالضرورة أن هذا الإجماع يترتب على دليل واحد أم قد يختلف دليله؟

    أي: إذا تحقق الإجماع سواء في مسائل أصول الدين أو في الفقهيات فهل يعني هذا أن الإجماع ترتب على دليل معين، بمعنى أن هؤلاء المجتهدين جميعهم نظر في هذا الدليل المعين -كآية معينة من القرآن أو حديث معين من السنة- فصار اتفاقهم على فهم دلالته هو المحصل للإجماع؟

    يقال: أما إذا كان القول في أصول الدين فإن علماء السلف إذا أجمعوا على مسألة من المسائل المعتبرة في أصول الدين فهذا يدل على تحقق الإجماع في الدليل المعين فيه، وإن كانت المسألة قد يستدل عليها بدليل قد يدخله النزاع.

    مثال هذا: أجمع السلف رحمهم الله على أن المؤمنين يرون ربهم في عرصات القيامة وفي الجنة، وعلى هذا دلائل من القرآن والسنة أجمع السلف على دلالتها على هذه المسألة، لكن هناك دلائل من القرآن استدل بها بعض الأئمة على هذه المسألة وإن كان غيرهم ينازعهم في الاستدلال كقوله تعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]فكلمة مزيد استدل بها بعض الأئمة على أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، مع أن هذه الكلمة ليست نصاً في الرؤية، ولكنهم لما وجدوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسر الزيادة في قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] بأنها النظر إلى وجه الله كما في حديث صهيب عند مسلم ، افترضوا هذا الحرف في المحل الآخر من القرآن لتقارب السياق.

    ورأى بعض العلماء أن هذا ليس بالضرورة يدل على ثبوت الرؤية.

    فهنا كان الاختلاف في دليل معين، والاتفاق في دليل معين آخر.

    وبهذا يظهر أنه ليس هناك خلاف بين السلف في الرؤية، ومن ادعى أن أهل السنة اختلفوا في رؤية الله لاختلافهم في مثل قوله تعالى: وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35] قيل له: هذا اختلاف في دليل معين، والاختلاف في الدليل المعين لا يستلزم الاختلاف في المدلول، إلا إن كان هذا المدلول لا يثبت إلا بهذا الدليل، أما في الرؤية فهناك أحاديث متواترة، وصريح من القرآن في غير ما آية هي معقد الإجماع.

    أما إذا انعقد الإجماع في مسألة فقهية فهنا لا يلزم أن يكون موجب الإجماع نصاً معيناً، بمعنى أنه يحصل الإجماع في مسألة فقهية، ولكن استدلال مالك رحمه الله بظاهر من القرآن، واستدلال الشافعي بظاهر آخر من القرآن، واستدلال أبي حنيفة بحديث من السنة، فتكون النتيجة واحدة، ولكن مأخذها من النصوص متنوع، فيكون الإجماع لم ينعقد من جهة دليل معين واحد..

    هذا الذي يقع غالباً في المسائل الفقهية، وإن كان قد يقع في المسائل الفقهية دلائل نبوية يطبق الأئمة على الاستدلال به. والنتيجة من هذا: أن الإجماع لا يحصل إلا بنص، سواء كان نصاً معيناً أو نصاً متنوعاً.

    وهذه الأصول الثلاثة: الكتاب والسنة والإجماع هي المعتبرة في مسألة أصول الدين.

    مواقف فرق أهل القبلة من الأصول الثلاثة

    ما مواقف الطوائف من هذه الأصول الثلاثة؟

    أما السلف رحمهم الله فقد اعتبروا أن مسائل أصول الدين معتبرة بهذه الأصول الثلاثة: الكتاب والسنة والإجماع، ولهذا لا يوجد أصل من أصول الدين عند السلف إلا وهو محقق بدلائل من القرآن والسنة والإجماع.

    أما المخالفون من أصناف المتكلمين وغيرهم فهم -في الجملة- يقولون بأن الدلائل القرآنية دلائل على مسائل أصول الدين، وهذا حكم كلي يطلقونه، لكنهم يدخلون المعارضة عليه بما استعملوه من الدلائل العقلية، فيكون المحصل أن الدليل العقلي عندهم مقدم على الدليل النقلي؛ وذلك لأنهم اعتبروا أن القول في المسائل الإلهية، وبخاصة في مسألة الصفات والأفعال لابد من اعتباره بدلائل العقل مع دلائل الشرع، فنظروا في دلائل عقلية أوجبت عندهم معارضة الدلائل النقلية الشرعية، فلما حصل هذا التعارض قرر المتكلمون من المعتزلة وغيرهم ما سموه قانوناً في كتبهم، وهو قانون تعارض العقل والنقل وقد رد عليه المصنف -أعني: شيخ الإسلام - في كلام كثير، لكن أخص ذلك في كتابه الكبير درء تعارض العقل والنقل .

    القصد: أن هؤلاء اعتبروا الدلائل القرآنية ولكنهم تأولوها.

    أما الدلائل النبوية ففي الجملة منع المتكلمون الاستدلال بالآحاد، وإن كان تقريرهم للآحاد يقع الغلط فيه من جهتين:

    الأولى: أنهم وصفوا كثيراً من نصوص السنة بأنها آحاد، وهي في نفس الأمر متواترة.

    الثانية: من جهة اعتبار حد الآحاد والمتواتر.

    وهذه مسألة تحتاج إلى بسط لكن أشير إليها على عجل.

    الإشكال في حد المتواتر والآحاد

    المشهور في كلام المتأخرين من أهل الحديث وأهل أصول الفقه والمتكلمين أن المتواتر: هو ما رواه جماعة عن جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس. ولما تكلموا في هؤلاء الجماعة منهم من قال: عشرة، ومنهم من زاد على ذلك. وبهذا يكون المتواتر هو ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم عشرة، وعن هؤلاء العشر مائة، وعن هؤلاء المائة ألف... على هذا الترتيب.

    ولهذا قال بعض متأخري الحفاظ كـابن الصلاح بأنه لم يقف على مثال معين لهذا من السنة.

    فهذا الحد للمتواتر لا شك أنه غلط على سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فإن أئمة الحديث لم يكونوا على مثل هذا، وإن كان متقدمو أئمة الجرح والتعديل كـالبخاري وابن المديني وأحمد بن حنبل ، وأمثال هؤلاء قد تكلموا في الأحاديث المفردة، حتى إنهم ردوا كثيراً من الأحاديث باعتبار التفرد، وإن لم يكن التفرد دائماً عندهم مردوداً.

    لكن هذا التقسيم معناه أن يكون عامة السنة النبوية حتى المخرجة في الصحيحين، وحتى الأحاديث المتلقاة بالقبول عند الأمة آحاداً وليست من المتواتر.. وهذا تكلف؛ فإن هذا الحد لا يدل عليه الشرع ولا تدل عليه اللغة، ولا يدل عليه المقصد الذي بعث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعث الواحد من أصحابه بتقرير مسائل أصول الدين من التوحيد وغيره إلى قوم من الكفار، وربما كانوا قوماً تختلف عقائدهم كالمشركين وعبدة الأوثان مع أهل الكتاب، كما بعث معاذاً إلى اليمن وفيها اليهود والنصارى وعبدة الأوثان.

    فهذا الحد ينبه إلى خطئه وإن كان شائعاً في كتب المصطلح المتأخرة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088552992

    عدد مرات الحفظ

    777287341